الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة الكلام الرافديني (القوة العظمى)

مظهر محمد صالح

2023 / 1 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمتلك ابداعات العقل الانساني الرافديني الوسائل والادوات الناطقة في التحري عن مملكة كلماتها و التي عبر عنها المؤرخ الامريكي الكبير توم وولف (( بالقوة العظمى )) ذلك في كتابه الصادر في الولايات المتحدة في آب 2016 بعنوان "مملكة الكلام" .
فقد قد يكون الكلام مادة ليست غالية الثمن ولكن يعد في مضامينه الحياتية واحدا من افضل الموجودات التي يتعاطاها الجنس البشري في تأريخ صراعاته عبر الازمنة . وهنا اليوم نبحث عن مملكة الكلام الرافديني التي خطت كلماتها بنصوص ثلاثة من عقول العراق باقلامهم الناطقة التي حاكت واقعًا ( سوسيو سيكولوجيا )داعبت فيها بوصلة العقل الرافديني وتحرت تضاريسه وتموجاته عبر الزمن.
فاول تلك الثلاثية الرافدينية هي التي تقول: يستبصر الانسان تقييمه لذاته من خلال :
-نقد الذات وصوت الضمير والحس الداخلي، (وليس الجَلْد او القمع او التجاهل)، *فالمراجعةُ ضرورة، والتقويم وجوب*

- استشارة الاقربين المحبين الانقياء، (وليسَ المُعتلِّين السايكوباثيبن)، *فالاستشارة مندوحة، والعزيمةُ لِزام*

- استنصاح ذوي البصائر والحكمة، (وليسَ السطحيين الساذجين), *فاالبصيرةُ كواشف،والحكمةُ خُلاصات*

-المعايرة مع مخرجات العلوم الموضوعية والاخلاقيات السليمة، (وليس الهرطقات والاوهام الزائفة)، *فالمنهجيّةُ صراط، ومخرجاتها مسطرة * .
فبهذا الحوار المنطقي الذي ينساب عذباً كالماء من ينبوعه ،حدثنا المفكر عقيل الخزعلي في استبصار الانسان عند تقيمه لذاته.
ومن طرفي اجد ان تقويم الذات ومحاكاة التصرفات الانسانية بما هو افضل و بالنصح والاستشارة من عقلاء القوم وافضلهم واكثرهم حكمة ،هو تحصين للسلوك ولقاح للنفس لمقاومة مخاطر ظروف حياتيه قادمة تحتاج الى دائرة تحسس اكبر وقدرة ادراكية متحفزة نبهة راسخة على الدوام لبلوغ الحق كلما عظمت استفاقتها من اعوجاجات الماضي .
وثانيها ، اذ تنصرف مملكة الكلام نحو قضية ( الفطنة) التي تناولها في حوار التحدي والظفر المفكر الرافديني حسين العادلي ، حيث شكلت ثنائياته في الفطنة نتائج لامست في نهاياتها ما قاله في عهود الامة الماضية الامام على ابن طالب علية السلام :((اذا ابصرت العين الشهوة.. عمى القلب عن العواقب)).
هنا يقف حسين العادلي في موضوع الفِطنَة ليحدثنا قائلاً :
• فاقٍد (الموهِبة) بالفِطنَة، لا يكتَسب (الصَدارة) بالسّعي.

• فِطنَة دونما (تجارب)، طَير دونما (أجنحة).

• خَوَّل الفَطين يكفِك (الغَفْلَة)، واعتمد الكَيِّس يصُنك عن (الشَطَط).

• الفِطنَة (استفزاز) للبَلادَة، وأُسّ البَلادَة (السَّذاجَة).

• (الفِطنَة) بالذات، و(الخبرة) بالتّعلّم.

• الفِطنَة (غربَة)!! والفطَين بين ثلاث: الحَسد، التجاهل، والتّشكيك!!

• إن لم تكن (مُحنَّكاً) بالفِطنَة، لن تصبح (قائداً) بالمُمَارَسة.

• (تكتشف) فِطنَة الحَاكِم بالمُحيطين به، وبالقرار، وعند الأزمة.
وكان لي ان اجد في (مملكة الكلمات )التي خطها العادلي في حوار ( الفطنة ) شي اشبه ما بصدى الحقيقة كي ادلو بدولي بالقول :

تلتحم الفطنة بقوة المقدرة على اتخاذ الاحكام العالية الجودة و تتكللها على السواء سرعة في اتخاذ القرار وهي الاخرى اشد إنصافًا ودقة …فلا قيمة لفطنة تطلق عنانها خارج الزمن المنتج ولحظة الحسم … وتصادر (الفطنة) قسرا بجهل (القوة ) العمياء،وبهذا فان اخطر المجتمعات تفككاً هي التي تتدحرج فيها الفطنة و تغترب بين ظلامات القوة الحمقاء لتكون من سخريات القدر .
فعندما تتقلب القرارات خارج الزمن و تفقد الاحكام جودتها بغياب الفطنة …عندها تغدوا المجتمعات اشد قمعا في خياراتها ، لتحصد من بين صفوفها ظاهرة سالبة هي (الفطنة المغتربة alienation of acumen) .

واخيرا ، تنفرد (مملكة الكلام )وهي تبحث عن الخلود في الحياة الرافدينية .فأصالة بابل ،بطينها ومياهها وزروعها ، يطالعنا العقل المفكر زيد الحلي في خطاب تناول فيه مسالتي: القدر والحذر ،في ثنائية تناغم فيها الممكن والمستحيل في الصراع بين نقيضين عنوانه الغلبة ؟قائلاً:
((هل يُغني الحذر عن القدر؟ سؤال راودني كثيراً، وأكيد راود غيري، وشخصياً لم أجد جواباً شافياً لهذا التساؤل، ففي حياتي الكثير من صور الحذر، وأمامها الكثير جداً من صفحات القدر، ووجدتُ صراعاً خفياً وحواراً مستتراً بينهما. مرة يكون الحذر منتصراً، ومرات كثيرة يعلن القدر انتصاره بالضربة القاضية.
أعرفُ أن بلسم الجراح هو الإيمان بالقدر، لكني أجد بالحذر ضرورة حياتية، كي يتعلم المرء العِبرة من 
العَثرة. 
إن الأقدار تُزرع وحصادها بأمر الله سبحانه؟ وهي تمشي بنا في درب الحياة دون إرادتنا، ولا ندرك إذا كنا سنصل إلى نهاية الطريق، أم لا، وبالأقدار ننتظر مسافراً، ولكنه لن يعود، ويأتينا غائب ما كنّا نرتجي أن يعود. 
وبمقابل ذلك يمكن للحذر أن يغنينا عن الكثير من أشواك الحياة. فالشجاعة بلا حذر، حصان أعمى، أو كما يقول المثل الهندي (قس مساحة المكان الذي تقف فيه لكن لا تخطو أي خطوة إلا بحذر).
المطلوب منا وقفة جلية مع أنفسنا لاسترجاع كل اختياراتنا، وخياراتنا السابقة، والمواقف التي مررنا بها، لا سيما التي لم ننجح فيها، وكانت بعيدة عن الطموح الذي تمنيناه، فأقدار الماضي هي الظلام الوحيد الذي نسير فيه، ولكن ليس بهدف الندم على ما فات، بل كي نتعلم ونطوي صفحات الماضي بالتصالح مع ذواتنا، وبالتفكير بضرورة الحذر، فعلى قدر حذرك غير المبالغ فيه تتسع لك الأرض بعطائها، وطيب ثمارها، فليس من المنطق أن نبيع الماضي لنشتري الغد، أو نترك الغد ليد القدر ونحتفظ بالماضي الذي نملكه. 
أظن أن الحذر المتكئ على الإيمان والعقل الواعي، 
هو السد الذي يمنع الطوفان. إنني أتوجس خيفة من 
الأقدار التي تزلزل الحياة، فهي لا تغلق دفتر حساباتها 
مع البشر أبداً، وفي كل يوم يكون دعائي أن يخفف عنا الرحمن أقدار الكدر، فكم عجيبة هي الأقدارُ، وكم تسري سفينةُ حياتنا في بحارها إلى حيث لا ندري، إنها امتحان الحياة)).
وبهذا، ادخلني الكاتب والمفكر زيد الحلي في دوامة اسمها (القدر الاكبر )الذي تنتفي فيه المحاذير كافة وتذوب مسرعة الى عوالم التلاشي ومساكنها في اللانهاية .
فكلماتي في (مملكة القدر والحذر) يرقد منطق الحساب ذو القيد المزدوج كي يتماهى فيه فصل الخطاب لدي بمحاكاة زيد الحلي في فلسفته في تسابق القدر والحذر كي اقول : يبقى تاريخنا الشخصي سجل حسابي من سجلات القيد المزدوج وقيوده هي ( الاقدار ) و ( المحاذير) النسبية غير المطلقة ، وكم نجحنا في تغليب المحاذير في تجنب الاقدار النسبية المحتملة … ؟؟ تبقى اقدار ومحاذير الطفولة في ذلك السجل تختلف عن اقدار ومحاذير الصبا والشباب في القيد الحسابي للقدر نفسه والمجازفة به مقابل الحذر اوتقييم الاقدار والمحاذير المتقابلة … اما في شيخوختنا فقد باتت المحاذير في وضعها الامثل في مواجهة الاقدار المحتملة ،فالموجودات او الاصول من الحذر اضحت اكبر من مطلوبات القدر النسبي نفسه ، ولكن يبقى القدر الاكبر او (المطلق )هو الحاسم الذي الذي يتجول فوق كل ارادات الحذر ، وهو الذي يلازمنا منذ ولادتنا الى يوم تطفا فيه مصابيح دنيانا .
ختاما،فلابد من ان يشرق ضياء ما في زوايا حجرات ما بعد (مملكة الكلام ) وهي (مملكة القدر المطلق )يوم لا حاجة فيها الى اية (محاذير) .انه الخيار الوحيد للسباحة في فضاءات من (ممالك اللانهاية )وانعدام الزمن والحذر معاً.
( انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!