الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان وثورة يوليو

فهد المضحكي

2023 / 1 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على مدار أكثر من 70 عامًا، وهو عمر ثورة يوليو التي أطاحت بالحكم الملكي، وأنقذت مصر من الفساد السياسي، والاقتصادي، وسيطرة الطبقة الغنية الإقطاعية، على المجتمع، واستحواذها على مقدرات البلاد والعباد، عاشت الدولة المصرية صراعًا عنيفًا مع جماعة الإخوان، التي أرادت منذ تأسييها بالتعاون مع الاحتلال البريطاني، عام 1928، أن تبسط نفوذها على القرار السياسي للدولة.

ومع السنوات الأولى لثورة يوليو، حاولت جماعة الإخوان إيهام الرأي العام، المحلي والإقليمي والدولي، بأنها شاركت في هذه الثورة، وأن دورها كان مؤثرًا في نجاحها، إلا أنه سرعان ما انكشف زيف ادعائها بمحاولتها اغتيال قائد هذه الثورة وزعيمها، جمال عبدالناصر، في حادث المنشية.

تذكر الباحثة المصرية هناء قنديل، في أعقاب هذه المحاولة الآثمة، واجهت الدولة تنظيم الإخوان بكل قوة، حتى تمت محاكمة قادته، وإصدار أحكام بإعدامهم، بتهمة قلب نظام الحكم، ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية آنذاك.

وفي المقابل، تغيرت نبرة الجماعة من ادعاء المشاركة في الثورة، ومباركتها، إلى اتهامها بأنها انقلاب عسكري أطاح بالحكم الشرعي للبلاد، وهي مزاعم كشفت عن خداع الجماعة، وتعمدها التضليل، على حساب ما تتجه إليه بوصلة مصالحها.

حاولت الجماعة اتهام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بأنه يعادي الإسلام، في سعي لتصوير تصديه للفكر المتطرف الذي انتهجته الجماعة، وروجت له على أنه حرب على الدين، حسبما ذكر د. عبدالراضي عبدالمحسن.

وأوضح أن أكاذيب الجماعة أنكشفت سريعًا أمام الشعب الذي لم يعرها اهتمامًا، والتف حول زعيم الثورة، وخاضا معا معارك ضارية، لتريسخ دعائم الاصلاح الداخلي، سواء من خلال تأميم قناة السويس، أو بناء السد العالي، أو الإصلاح الزراعي، الذي يحمل في طياته إصلاحًا اجتماعيًا واقتصاديًا، لم يكن ليجرؤ عليه زعيم لا يحظى بإجماع شعبي.

ولفت عبدالراضي إلى أن جماعة الإخوان روجت لأكاذيب مضحكة، من أجل تشويه عبدالناصر، وهي تفعل ذلك حتى الآن، بحسب قوله، مشيرا إلى أن من هذه الاتهامات ادعاء أنه كان مواليًا للولايات المتحدة، وهو حديث لا يرقى إلى أدنى مستويات العقل والمنطق، خاصة بعد واقعة رفض البنك الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، لتمويل مشروع بناء السد العالي.

إن وقائع التاريخ تؤكد أن جماعة الإخوان كانت تعادي ثورة يوليو منذ يومها الأول، لكن دون أن تجهر في البداية، بدليل أن عناصرها لم يشاركوا في ما جرى خلال الأيام الأولى للثورة، وفضلوا البقاء داخل جحورهم، حتى يتأكدوا من نجاحها، وخلع الملك من الحكم.

ولذلك، لم يرتفع صوتهم إلا بعد خروج الملك من البلاد، وتنازله عن العرش، وفرض الوصاية على نجله الصغير حينها، مشيرا إلى أن الجماعة حاولت الترويج إلى انها شريك في الثورة، وبالتالي يحق لهم المشاركة في حكم البلاد، محاولين فرض وصايتهم على قرارات مجلس قيادة الثورة، وهو ما رفضه جمال عبدالناصر، الذي كان يرفض أية وصاية، من أي نوع، على استقلالية القرار الوطني.

إن جماعة الإخوان جهرت بعدائها للثورة، عندما تأكدت من أنها لن يكون لها مستقبل في وجود الضباط الأحرار، بأنها أصبحت بلا نفوذ، خاصة بعد أن التف الشعب بأكمله خلف قيادة الثورة، وأهدافها.

وحول ما إذا كان تصرف الثورة في عهدها الأول تجاه الإخوان سليمًا أم كان بحاجة إلى تغيير، قال عبدالراضي: «موقف الجماعة من الرئيس السادات، ثاني زعماء ثورة يوليو، يثبت أن عبدالناصر كان محقا، لأنهم على الرغم مما قدمه لهم السادات، من فرصة للتصالح مع أنفسهم، ومع المجتمع، وممارسة العمل السياسي العلني، وفقًا لقواعد الديمقراطية المعروفة، فإنهم انقلبوا على ذلك كله، ووجهوا أبشع الاتهامات للسادات، بل ورحبوا باغتياله، على أيدي رجال الجماعة الإسلامية الذين خرجوا من رحم أفكار جماعة الإخوان». ويعد أحد أسباب كره الإخوان لثورة يوليو هو أنها أنهت تبعية مصر للدولة العثمانية التي تحمي الإخوان وتدعمهم بكل الأشكال، ونظروا إلى الضباط الأحرار بنظرة الخوف باعتبارهم تهديدًا حقيقيًا لإنهاء وجودهم ومشروعهم الإخواني للسيطرة على الحكم في مصر وغيرها من الدول العربية التي لا يعترفون بحدودها من الأساس، ولذلك كان الصدام حتميًا لأنهم ضد أي تغيير في السلطة لا يدعمهم.

وإن هذا الكره للثورة أودى بهم إلى الوقوف ضد مبادئهم المعلنة، بل وضد الدولة الإسلامية أيضا والتي يتغنون بها ليلًا ونهارًا، واكبر دليل على ذلك معارضتهم للوحدة مع سوريا، هذا ما أشارت إليه الكاتبة ياسمين سامي في أحد أعداد أخبار اليوم.

في حين اكد اللواء فؤاد علام في مذكراته أنهم تحركوا ضد الدولة خوفًا من تمدد قوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأن خلافهم مع النظام حول الوحدة المصرية السورية لم يكن قائمًا على منطلقات فكرية وأيديولوجية، وإنما كان يقوم على كراهية النظام الحاكم وما صدر عنه قرارات بصرف النظر عن مدى تلاؤمها مع الإسلام باعتباره دين الوحدة وليس دين الفرقة والتشتت، بل واكتشف الضباط الأحرار وجود مفاوضات سرية تجري من ورائهم بين الإخوان والسفارة الإنجليزية..

ما يؤكد ذلك أيضا ما كتبه «أنتوني إيدن» رئيس وزراء بريطانيا في مذكراته، قائلًا: «كنا نعتمد على الإخوان في إثارة القلائل والاضطرابات لإيقاف مفاوضات الجلاء، بدعوى أن الأحوال داخل مصر غير مستقرة». لم تيأس الجماعة من محاولات فرض رؤيتهم على الحياة البسيطة اليومية في مصر، حيث طلبوا من مجلس قيادة الثورة إصدار قرارات رسمية تفرض على المصريات ارتداء الحجاب، وأن يتم إغلاق دور السينما والمسرح، ومنع الأغاني وتعميمم الأناشيد الدينية، حتى داخل الأفراح، ومنع السيدات من العمل في المصالح الحكومية والخاصة، وإزالة التماثيل القديمة والحديثة من القاهرة، ووصل الأمر إلى جلوس حسن الهضيبي مرشد الجماعة مع الزعيم جمال عبدالناصر بعدما جاء إليه، وطالبه بضرورة إلزام الفتيات والسيدات داخل مصر بارتداء الحجاب، فرد عبدالناصر: «ابنتك تدرس في الجامعة، ولا ترتدي الحجاب، أنت لم تستطيع فرض الحجاب على أهل بيتك، وتريد مني إجبار المصريين على ارتداء الحجاب». وبحسب مذكرات اللواء علام التي نشرت بعنوان: «الإخوان.. وأنا»، فإن الأمر وصل بهم إلى محاولات متتالية من «سيد قطب» الزعيم الأكبر للإخوان والذي حكم عليه 15 عامًا كتب خلالها فتاواه التكفيرية، بل إنه بعد الإفراج عنه أسس مجددا لما يعرف بـ«تنظيم 1965»، لاغتيال عبدالناصر وعدد من رجاله المؤثرين للسيطرة على السلطة، بالإضافة إلى عدد من العمليات الإرهابية منها تدمير مبنى الإذاعة والتلفزيون، ومحطات الكهرباء، والقناطر الخيرية، لإغراق البلاد في الفوضى، لكن المؤامرة تم كشفها قبيل التنفيذ وتم القبض على عناصر التنظيم وتم إعدام سيد قطب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة يوليو انتهت بموت قائدها جمال عبد الناصر
محمد بن زكري ( 2023 / 1 / 21 - 21:27 )
ثورة يوليو لم تدم سوى 18 عاما ، إبّان الحقبة الناصرية (23 يوليو 1952 – 28 سبتمبر 1970) ، التي انطبعت بتأثير عاملين اثنين : الحضور الكارزماتي القوي للرئيس جمال عبد الناصر ، والوثائق التي شكلت مفهوم الناصرية (فكر عبد الناصر في مراحل تطوره) .
الوثائق الناصرية (أو وثائق الفكر الناصري) هي تحديدا :
1) كتاب فلسفة الثورة 1954
2) قوانين يوليو الاشتراكية 19 يوليو 1961
3) الميثاق الوطني 21 مايو 1962
4) بيان 30 مارس 1968
بتولي أنور السادات منصب الرئاسة ، عمل على تصفية كل الإرث الناصري ، بدءً من انقلاب (15 مايو 1971) ، وما تلاه من اعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي (الراسمالية) ، وصدور وثيقة (ورقة أكتوبر) 18 أبريل 1974 ، التي شكلت قطيعة تامة مع الناصرية . واتخذ السادات لنفسه لقب (الرئيس المؤمن) في إحالة تضمينية إلى اختلافه (إيمانيا) عن عبد الناصر . و على عكس ناصر تحالف السادات مع الإخوان المسلمين والتيارات السلفية الإسلامية .
وليست ثورة يوليو ؛ بل : الساداتية (بما هي ثورة مضادة) ، هي التي تسم مصر بميسمها : سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، بداية من رئاسة السادات - خصوصا من 1971 - حتى اليوم .