الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الإسلام بين محاضرة البابا وأفعال المسلمين

أحمد عصيد

2006 / 10 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اتخذت ردود الفعل التي أحدثتها محاضرة البابا منحاها الاعتيادي داخل العالم الإسلامي ، إذ لم تتجاوز حدود الصخب والتنديد والاستنكار والوعيد مع بعض أحداث العنف المرتقبة من مجتمعات أثقلت كاهلها أوضاع التأخر، وكاد يصيب أبناءها اليأس من الخروج من التخلف .

لم يتعود المسلمون التفكير في انتقادات غيرهم . إنهم يبدون في الغالب كما لو أنهم مهيأون للانفجار وصبّ غضبهم على العالم المتقدم الذي ما انفكوا يصابون أمامه بالهزائم والخيبات والإهانات المتلاحقة على مدى قرن كامل .

والحقيقة أن الإسلام - الذي يعيش في أيامنا إحدى أسوأ فترات تاريخه - لم يكن بحاجة إلى غمزات البابا ولمزاته ، فمهما قيل عن هذا الدين ـ الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس يوميا ليس بإبداعات أبنائه و فتوحاتهم العظيمة في مجالات العلوم والتقنية والاقتصاد والطب والفنون بل بضلوعهم في أعمال العنف واحتقار الإنسان والخطابة الملتهبة ـ مهما قيل عن هذا الدين اليوم فلن يجعل أبناءه المسلمين يعودون إلى ذواتهم بالتفكير والنظر النقدي حتى ليكاد المرء يجزم مندهشا بأن المسلمين بلا ذاكرة ، أو أنهم لا يميزون بين الربح و الخسارة ، بين النصر و الهزيمة ، بين الخير والشر.

وإذا كان البابا ، بحكم الموقع الذي يحتله في العالم على رأس الكنيسة الكاثوليكية ، في غنى عن إيراد بعض عبارات التنقيص في حق النبي محمد والدين الإسلامي ، وإن على لسان أحد الأباطرة القدامى ، متناسيا بدوره التاريخ الأسود للكنيسة في القمع الوحشي ونصب محاكم التفتيش والمقاصل والمحارق ، فإنّ على المسلمين التفكير بجدّية في عدد من الإشارات التي وردت على لسان البابا والتي تدلّ على مقدار يأس العالم من حالة المسلمين المستعصية ، هذه الحالة التي قد تصبح عما قريب ، في حالة استفحالها ، مصدر ضرر بالغ للإنسانية جمعاء.

تضمنت محاضرة البابا أربعة انتقادات للإسلام والمسلمين لا تختلف في شيء عما قاله عدد من المفكرين المسلمين من رواد التنوير والتجديد أنفسهم ، وهي على الشكل التالي :

1 ـ أن الإسلام قد انتشر بالسيف والغزوات لا بالتبشير والحوار السلمي والحضاري .

2 ـ أن الإسلام لم يأت بأي جديد بالنظر إلى الديانات الأخرى التي سبقته ، وبالنظر إلى الحضارات والثقافات القديمة .

3 ـ أن إرادة الله في العقيدة الإسلامية تحتل كل مساحات الوعي والإيمان ولا تدع أي متنفس للعقل ، مما همّش دور العقل في حضارة المسلمين .

4 ـ أن هناك قدراً كبيراً من العنف في النصوص الدينية الإسلامية وكثير من المضامين اللاإنسانية .

إن فحص هذه الانتقادات القوية على ضوء العقل لا العاطفة من شأنه أن يسمح للمسلمين بإعادة قراءة تاريخهم ، ليس على ضوء أدبيات الفقهاء ، بل على ضوء النصوص والوثائق التاريخية التي تعكس واقع حال المسلمين بالأمس واليوم ، هذا الواقع الذي ما انفكوا يهربون منه إلى الشعارات الحالمة ، والقناعات الجاهزة التي تردّدت أصداؤها في عالمهم منذ ألف عام .

فكون الإسلام قد انتشر بالسيف حقيقة لا يجادل فيها من اطلع على أخبار "جيوش الفاتحين" الذين لم يكونوا بلا شك يدخلون بلدان الشعوب المختلفة حاملين الورود و المصاحف ، بقدر ما كانوا يقتحمونها بعد معارك طاحنة دام بعضها قرنا كاملا كما هو حال شمال إفريقيا . كما لم يكونوا ينشغلون بعد الفتح مباشرة بتعليم الناس فرائض الدين الجديد و" محاورتهم " فيه ، بل كانوا يعمدون إلى اقتسام الغنائم التي منها " السبايا " من النساء والأطفال . ولم يكن الخليفة الأموي في دمشق يسائل قواد جيشه عن مدى إسلام الناس واهتدائهم بل كان يحاسبهم على الذهب والفضة ورؤوس الأغنام والسبي ، ومراسلاته مع ولاته تشهد بذلك. كما أن الرقعة الجغرافية التي امتدت إليها الأمبراطورية الإسلامية في عهد الأمويين هي الحدود التي بلغتها غزوات الجيوش الإسلامية " بالقوة و رباط الخيل" .

إن كون الإسلام لم يأت بجديد هو أمر يسْهل التيقن منه بالتساؤل عن الحكم الشرعي أو العقيدة التي جاء بها الإسلام دون أن يكون لها وجود سابق في العقائد والديانات والثقافات السابقة . أما الذي يعوق المسلمين عن التفكير بنزاهة في موضوع كهذا فهو فهمهم للإسلام خارج أي حسّ تاريخي ، وهو ما يجعل الإسلام عندهم بداية لكل شيء ، وما قبله لا شيء ذا أهمية غير الجاهلية والظلام . فمعرفة المسلمين بما قبل الإسلام وبالديانات والحضارات القديمة تظل ضئيلة جدا وفقيرة بشكل صادم ، غير أن مفكرين وباحثين نيّرين من المسلمين قد استطاعوا بأبحاثهم حول أصول الشريعة الإسلامية أن يعيدوا كل عنصر إلى مصدره القديم ، وفي هذه الحالة يكون الجديد الذي جاء به الإسلام لا يتعدى ذلك التركيب النسقي لعناصر سابقة .

وأما عن تهميش دور العقل في الإسلام فلا نحتاج حتى إلى المحاججة أو البرهنة عليه ، فواقع المسلمين اليوم وغربتهم في العالم ، وانعدام أية مشاركة لهم ، ولو بسيطة ، في الثورات العلمية المعاصرة وشططهم في السياسة حتى تنعدم لديهم أية رؤية واقعية مما يؤذن في كل مرة بهزيمتهم ، هي مظاهر كافية لفهم مدى اختناق العقلانية في فضاءات الإسلام ، ليس بسبب " عدم تطبيق المسلمين لتعاليم دينهم الذي يدعو إلى العقل " كما يزعم مروّجو الكليشيهات الجاهزة ، بل لأن أسلوب الإيمان ، الذي ساد منذ البداية ووجد له وسائل السلطة والهيمنة في دولة الخلافة عبر القرون وفي ظل الدولة الإسلامية حتى اليوم ، هو الذي يقوم على تغليب سلطة النص على العقل ، وينتصر للإتباع وعبادة الماضي على الاجتهاد والإبداع ، وهل هناك حجّة على ذلك أكثر من استمرار وجود من يرفض من المسلمين المساواة القانونية بين الرجل والمرأة بحجة وجود " نصوص ثابتة " ؟!

أما بخصوص العنف ، فمثل كل الديانات الأرضية والسماوية ، تتضمن النصوص الإسلامية قدراً من العنف ، وهي نصوص بحاجة إلى إعادة القراءة وإعادة الفهم والتأويل حتى لا تستمر في إذكاء شرارة العنف بين المسلمين وضد غيرهم . فآيات " القتال " و" المقاتلة " و" ضرب الأعناق " و" قطع الأيدي والأرجل" تمثل ترسانة كبيرة من النصوص التي يعتمدها المتطرفون لإجهاض أي تطور نحو الأفضل ، فما جدوى أن تنفق الدولة ملايين الدراهم في حملة لمقاومة العنف ضد النساء إذا كان هناك من لا يزال يفهم " و اضربوهن" على أنه حق له ، وضوء أخضر لممارسة عنف " شرعي " ؟!

لا شك أن في الإسلام ، كغيره من الديانات ، كثير من المضامين الإنسانية التي عميت عنها أبصار المتطرفين من دعاة الإرهاب ومن متشددي الإسلام السلفي الذين يسوقون العالم إلى الكارثة ، ولكن منظومة الفكر والتربية السائدة في بلاد المسلمين لا يمكن أن تقود إلا إلى انتقاء المضامين التي تطرح إشكاليات كبيرة لأنها تسمح بفتح أبواب التطرف والعنف .

وقد يقول قائل : وما بال البابا قد عمي بصره عما في المسيحية مما هو أكثر من ذلك ؟! والحقيقة أن ما يشفع للبابا هو أنه لا يعود للمسيحية كما كانت عليه من قبل ، ولا يفخر بماضيها الأسود ، ولا ينادي كمثل ما يفعل المسلمون بضرورة " العودة " اليوم إلى أشكال الفهم والتفسير السابقة واتباعها وتطبيقها كما هي رغم أنف الواقع والتاريخ ، بل ينطلق من السياق الراهن الذي فهم فيه الغربيون مسيحيتهم على ضوء ثوراتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية ، وفي بلدان كفى المؤمنين فيها شر القتال باسم الدين ، بعد أن فصلوا الدين عن الدولة وطلقوا أسباب الظلم والتخلف إلى غير رجعة .

إن الإسلام بحاجة ، أكثر من أي وقت مضى ، إلى اجتهاد أبنائه لإضفاء نزعة إنسية على صيغة إيمانهم بدينهم وإنقاذه من براثن المقلدين والإرهابيين ، وإشاعة وعي نسبي بالانتماء إلى العقيدة الإسلامية يترك متنفسا للعقل و يمكن المسلم من احترام غيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #شاهد بعد تدمير الاحتلال مساجد غزة.. طفل يرفع الأذان من شرفة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تفاجئ الاحتلال بعمل




.. لبنان: نازحون مسيحيون من القرى الجنوبية يأملون بالعودة سريعا


.. 124-Al-Aanaam




.. المقاومة الإسلامية في العراق: إطلاق طيران مسير باتجاه شمال ا