الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفجيعة الخالدة

أحمد عبد العظيم طه

2023 / 1 / 24
الادب والفن


أيا رسول الدم إنك قاتلي (القلب)
الحب فيكَ حقيقةً لكنَ حقكَ باطلي
ولقد سحقتُك مرتين بقبضتي
وأُخريات بأرجلي
فما ارعويتَ وما استكنتَ
غفرتَ أنتَ رذائِلي
لكأن طبعكَ لا يَضلُ عن الهوى
ما غاب حتى ينجلي

ولقد نزعتَ مُقامُكَ
وحجبتَ عنكَ منازلي
فأقمتَ أنتَ على الخرابِ كناسكٍ
فات الحياةَ ليختلي
وأخذتَ تذكُر ثم تذكُر ثم تدعو تَبتُلاً
حتى أزلتَ طلاسمي
أبطلتَ مني عزائِمي
وحللتَ كُلُ مسائِلي
وأقمتَ حُجتكَ التي فاقتْ جميع دلائِلي

.. ماذا أُسوي يابنَ خلقي.. يابنَ خلقي
وأنتَ سرُ كوامني وبواعِثي وطبيعتي ومناهِلي
ماذا أُسوي وأنتَ تدري بالمِزاجِ وبالطقوسِ
وبالمكائِدِ والشِراكِ
وتدري أنتَ معالمي ومجاهِلي
وتدري أنتَ كبائِري وصغائِري وعجائِبي ومهازِلي
وتدري أنتَ بما يروحُ وما يَجيئُ وما توالىَ وما يلي
وما يُخط ُوما يُخطط ُ مِنْ بديعِ حبائِلي

فإليكَ عني لا أُريدكَ في دمي
لا أُريدكَ كالرقيبِ على الرقيبِ وكالسهامِ على الطريقِ
فأنتَ لمْ تعِ رفقتي وأنتَ لستَ مُمَاثلي
وخسِأتَ أنتَ وباطنيكَ وما يُوسوِسُ فيهما عني
ويَرجِمُ الغيبَ الذي هو صاعقي ومُزلزِلي

.. بِئسَ النبوءةُ يا فتى لما تقولُ بأنها تأتي التي
كالتبغِ تُمسكُ في فمي
كالخمّرِ تشربُ من دمي
كالموتِ في شرخِ الشبابِ ستصطفي وستبتلي
وتجورُ في أخذِ القصاصِ فتُحيي موتاي العذارى
وثيباتٍ لمْ يَكُنَّ أوائِلي

مَنْ ذي التي ترقىَ لِقَوْمِ قيامتي
ترقىَ لِصُنعِ جَهنمي وتَوهُجي نارًا مُخلدةً سعيرًا
ليس منها تفحُمي وتحلُلي
منْ ذي التي تقوى لحَملِ سلاسلي
أضغاثُ حُلمٍ يا فؤادي فلا تَسلْ
أنىَ لهذيِكَ أن يكونَ مُخاتِلي
أنىَ لولعِكَ واضطرابِك في العيونِ وفي اللقاءِ
بأنْ يدومَ ويَنْطَلي
أنىَ لمِثلِكَ أنْ يكونَ مَخاوفِي وهَواتِفي وشَواغِلي

فَنَعمْ إذنْ.. أنتَ الذي لمْ يرتدِعْ لمْ يَتعِظ
هو أنتَ دَومًا فاتِني ومُضلِلي
فنَعمْ إذنْ أنتَ الذي هو يَستحقُ عقوبتي وتوحُشي وتدافُعي وتحامُلي
وهي التي كلا وكلا ثم كلا ثم لا
هي لن تكونَ نبوءتي وكوارثي ومُمِيتتي ومُقيمتي
وصليبُ روحي على المدى.. إكليلُ شوكٍ نحوَ رأسي ينحني
تبًا وحسبُكِ يا هي.. قِفي عند بابي وقولي لي
مَنْ ذا الذي ستُكللينَ وتقتُلي

مَنْ ذا الذي ستُحاسبينه في الوجودِ وفي المراتِبِ والترقي والسقوط
وفي العذارى وغيرهِنَّ.. وأنتِ مَنْ؟
لتُحاسبي مَنْ هبَّ في وجهِ الوجودِ تفرُدًا وتوحُدًا ومكانة ً وتبايُنًا
وأنتِ مَنْ؟ لتُواصِلي ولتدخُلي

هيا اذهبي..
فلقد تَقدّر في كتابي وفي كتابكِ أنكِ لن تدخُلي
هيا اذهبي..
فلقد تعَارَضَ ما تَواردَ في الكتابيّن الذيّن تَحتَما عِندْ القراءِةِ
يَقظتي وشراستي وتَدَخُّلي
هيا اذهبي..
فلقد تَحوّلَتْ النبوءةُ مِنْ فؤادي إلى يَدي
إذ تَدخُلينَ على الفؤادِ تريّنهُ يبدو كعَرَضٍ بائدٍ
يبدو كجُثةِ طائرٍ
يبدو كعينِ الذاهِلِ

هيا اغرُبي.. ما عُدتِ أنتِ نبوءتي
بالكاد أكتبُ كبوتي.. بَلّ أني أمحو كبوتي وأخط ُفيما تحتها
تكفي التواءة َكاحِلي

هيا استديري وغادري وتَشتتي وتَضايَعي وتَحَوَّلِي
عَني فإني وربُ أُمُكِ لن أُقاوِمَ رغبتي زمنًا بضمكِ للحرائِر في ثنايا حلائِلي
فوربُ أُمُكِ ما تركتُ عقابُكِ إلا كتركِ الصبرِ للمُتعَجّلِ
وما رصدتُ عيونكِ وقتًا إلا كرصدِ الصقرِ للمُتضائِلِ

فلتذهبي أنتِ الطليقة ُفي الخيالِ كمُهرةٍ مثل القمر
تَرِثُ البياضَ بوجهِهَا وعلامة ُالخيلُ الأصيل تَطبعُ خَصرها
فَيعُنُ لي أنْ أعتلي.. لكنني لا أعتلي
بيني وبينكِ حَدَّ روحي وكالجِدارِ العازلِ
عِندْ الحقيقةَ والخيالِ وحين لا تتخيلي
ويا إلهي أنتَ جاهي عليكَ كُلُ توكُلي
ويا فؤادي أنتَ مني غير أني لستَ مِنكَ
وما جرى أُرثيكْ فيه فقد تسببَ في اندهاشي
واختلاجي برقصةٍ كِدتُ أنسى ما بها مِنْ مُتعةِ المُتأمِلِ
هذا التمايُلُ بانتظامٍ وانسجامٍ في الكتابةِ كالجريدِ مع الهواءِ
يُسبّحُ المَلأ العظيم بخشيةِ المُتبتلِ
وحينما تقعُ القوافي مِنْ النخيل فإنها تبدو كمثلِ اللؤلؤِ المُتهللِ
وتصوغ ُفي طَرفِ الخِطابِ شُعاعَهُ شِعّرًا كَعِقْدِ لآلئٍ لا يَمْتلي
فإليكَ فيكَ يا فؤادي قصيدةً لا تنتهي
إلا بموتِكَ مُفردًا أحدًا وحيدًا لا تودِعَكَ الأحِبْة ُكالغريبِ عن الديارِ
فلا جِنازةَ لا سُرادِقْ
ليس ثَمْةَ مَنْ عليكَ مِنْ النِساءِ تُوَلْوِلِ
فإليكَ فيكَ أيا فؤادي جريمتي وقصيدتي وتَقوّلي...

أيا رسولَ الدمِ إنكَ قاتِلي
الحُبُ فيكَ حقيقة ًلكنَّ حقكَ باطِلي
ولقد طعنتُكَ منذُ شهرٍ طعنةً في عُمقِ رُمحٍ طائِلِ
إني أخذتُكَ غيلة ً وقتَ الصلاةِ
فكُنتَ أنتَ مُكبْري ومُهلِلي
ورَقصتَ كالطيرِ الذبيحِ بلا دمٍ
فأثرتْ فيَّ قلاقلي
ولقد أخافُ على دمي مِنكَ فأُوقِفَ سائِلي
وأديرُ أورِدَتِي وأمُدُ أنسِجَتي وأُجْرِي عَوامِلي
هذا هُنا هذا هُناكَ أضُخُ فيَّ مع الدماء جسارتي وقساوتي وتوتري وتَحَمُّلِي
وترِفُ أنتَ بحولِ جثتِكَ التي هي في ارتعاش الذِبحِ إذْ يَتمَلّمَلِ
وتعلو أنتَ فلا أراكَ ولا أراكَ
أكُنتَ تخرجُ باسمًا أمْ دامِعًا أمْ الاثنتين
فتلكَ حالات القلوب حين تفجؤها المطاعِن بالوجودِ القاتلِ..
حين تُذهِلُها المنيّةُ بانتهاءِ المَقْتلِ

قدْ كان موتُكَ مأسويًا يا فتى
جعل السماءَ تزِمُ عينيها احتقانًا ثائرًا فيغيمُ وجه الأُفق بالغيّمِ الذي
يَعْدو اضطرابًا مثلَ سربِ أيائِلِ
ويَكادُ طرّقُ الرَعْدِ يَخرِقُ مِسْمَعي
يَكادُ نصلُ البرقِ يدخُلُ منزلي
والريحُ عاتيةً تُصفْرُ في تُرابِ الأرضِ حتى تصُمّهُ
فيدورُ مجنونًا كجنٍ يصطلي ويمور حولي تَغبُّرًا بِئسَ الغُبارُ وما به
شيئًا يُريدُ تخَلُلِي..
لمْ يَهْطِلَ المَطرُ الثقيلُ كأنه
دمعُ الوليُّ على القصاصِ إذا نوى لمْ يَنْزِلِ
لمْ أَجدَ مِنْ بطشِ السماءِ ثمْةَ موئِلٍ
فسألتُ عفوكَ يا رحيمُ مُرتِلاً
كَمْ كان عفوك موئِلي
كم كان لُطفُكَ في الشدائِدْ عائِلي
كَمْ كُنتُ أجهلُ في الحياةِ على الحياةِ وكان عِلمُكْ مَعْقِلي
كَمْ كُنتُ أغفلُ في الكتابِ عن العقابِ ولستَ أنتَ بغافلِ
كَمْ كُنتُ أكفُرُ ثُم أومِنُ ثم أكفُرُ ثُم أومِنُ ثم أبدو تائبًا وأنتَ تدري مِن الضلال مكامني
ومَسالكي وتوَغُلي
وأنتَ أنتَ الثابتُ المُتَستْرِ
خلف اليقينِ فلا الدروبُ تَخَطْفَتَكَ ولا الشكوكُ تنازعَتكَ
ولا الذي قد مَرَّ بالأحوالِ عامًا كامِلاً قد مَسَّ مِنْكَ تَحوّلاً
رغم انفجارُ تَحوّلِي

إني قَتلتُكَ يا فؤادي ولمْ أكُنْ أدري بأنّكَ تَستحِقُ توسُلي
إني قتلتُكَ يا فؤادي ولمْ أكُنْ أدري بأني مُقامِرٌ فخَسِرْتُ كُلُ شَمائِلي
وجَلسْتُ أبكِيكَ اختلاقًا.. كُنتُ أبكي هلْ تُصَدّقْ؟
ذا أنا الفردُ الذي لمْ يَبْكِ مُنذُ الأَوَّلِ
ذا أنا الأحدُ الذي جاز العُلا بالأسفلِ
ذا أنا هو ذا أنا وذا أنا حتى تمامِ مشارفي وغوائلي

ولقد أظلُ على التناجي بطولِ يومٍ في العذابِ مُكاتِمًا ومُجاهِرًا
ومُهدِجًا في الصوتِ كالمُتدللِ
فسمِعْتَ أنتَ مِنَ الأكيد سمِعْتَ أنتَ رأيتَ أنتَ عفوتَ أنتَ
فأنتَ أنتَ الصافحُ المُتسامِحُ ذو الفضلِ عن وسعٍ يشي بقُدرةِ المُتفضِلِ
وأنتَ أنتَ فريدُ عهدِكَ في المَمَاتِ وفي الخروجِ وفي الصُعودِ
وأنتَ أنتَ على البعادِ بقُربِ عيني وواصلي
................................................
حتى إذا انقشعَ العذابُ
تساقطتْ كِسَفُ السماءِ كأنها
تَجْلو الهواءَ مِنَ الذنوبِ وتَغْسِلِ
وتَفتقَ الأُفقُ الرهيبُ عن الفراغِ الأعزلِ
وضاعتْ الريحُ السَمُومُ
وأطفأ الماءَ الترابَ وما بِهِ
فكأن شيئًا ينطفي وكأن شيئًا يختفي
في هيئةِ المُتَسَلِلِ
حتى إذا انقشعَ العذابُ سأبتسمْ
ويبينُ مني تَنصُلي
وأقولُ قولاً لا يشي إلا بإفكِ القائِل

إني قتلتُكَ يا فؤادي عامِدًا مُتفهّمًا مُتحايِلاً
عِندْ الفراقِ وقد رَضيتَ تحايُلي
قد كان موتُكَ مأسويًا يا فتى
لَكِنَّ موتَ القلبِ أحيا العاقِلِ
...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع