الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تهتّك المفاهيم 3
مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث
(Moayad Alabed)
2023 / 1 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
توجد في هذه الطبيعة المفعمة بالأسرار الكبيرة، خبايا ومكنونات لا يعلمها إلّا الله تعالى، ومنها ما يعلمه بعد الله تعالى بعض الراسخين في العلم الطبيعيّ والرياضيّ والعلوم الأخرى! ففي الطبيعة نسق عجيب من الأرقام والصور الرقميّة والأشكال المتعددة المتكررة في النباتات وفي الحيوانات وحتى في بعض أعضاء جسم الإنسان. تتشكّل هذه الأرقام في تنظيم عجيب لا مجال لتغييره لغرض ما. يكون هذا النمط من التنسيق وفق ما يطلق عليه بالهندسة المقدّسة أو الجيومتري المقدّس. ولو تلقي نظرة على بعض الأوراق النباتيّة ترى التكرار العجيب في الشكل وفي النسق منذ ظهور النشئ الأول إلى النضوج الكامل للورقة النباتيّة، ويتكرر هذا النسق إلى حين موت تلك الورقة. ومنها كذلك بهذا النسق في الحيوانات ضمن الفصيلة الواحدة أو ضمن العائلة الواحدة وهكذا. ما لهذه الهندسة؟!
الجيومتري (الهندسة) المقدّس!
ليس الأمر في السؤال هذا أو في جوابه، بل الأمر في مفهوم إستغلال هذا النسق وتحويله إلى فانتازيا ترتبط بسلوك أو بثقافة أو بحضارة أو حتى بفهم لسلوك دينيّ وإرتباط بالغيب وفق الهوى. والشطح فيه إلى وديان سحيقة لا مجال للخروج منها إلّا إلى حيث الهلاك. من الغريب التطرق إلى الموجودات المنسّقة وفق نظام عدديّ تعدديّ على أنّها صِدْفِيّة التوزيع أو بديهيّة التنسيق. حيث تخضع هذه الأشكال إلى نظام معيّن يرتبط بالضرورات الطبيعيّة وما يتعلق بها. لكن من الظلم أن تقيّد هذا النسق بما تفهم أنت أو بما أفهم أنا، لا، لكن يكون بما موجود فعلاً. تعال معي كي نطرق بابا من هذا الشكل ونرى هل بإمكاننا أن ندلي بدلونا في هذا البئر لنغترف من ماء الفهم والعلم الجميل والمنطق السليم؟
يعتبر هذا النمط من التشكيل الهندسيّ جزءاً من أجزاء تكوين الكون إنطلاقاً من الصغير والحركة إلى الأعلى لتصل إلى الكبير. تكاد جميع الحضارات الإنسانيّة قد تطرّقت بالفعل إلى مثل هذه النمطيّة أو التنسيق، حتى سميت بالمقدّسة لإرتباطها بما إعتقد ويعتقد الناس وبما يؤمنون به من غيب ذاتيّ، أي متعلّق بذاته لا بالفعل. وهذا النمط هو الذي حفّز الكثير من أهل العلم، لدراسة هذا النسق والتنظيم من خلال إدخال الكثير من التصوّرات إلى حقل التجريب بإقتطاع وتشكيل وتعويض لمعرفة ما إذا كان من الممكن تغيير النمطيّة هذه أم إستحالة تغييرها.
إعتبرت الهندسة المقدّسة من العلوم القديمة التي ربطت ما بين العلم الطبيعيّ والإحصائيّ والعلوم الدينيّة وحتى الفلسفيّة. فقد لوحظ من خلال هذه النمطيّة إشتراك المجاميع أو الأصناف ببعض الصفات وإختلافها في مميّزات أخرى ضمن نمط جديد. أي أنّ النمطيّة تكون فعليّة حتى في التغيير المرتقب. وقد وضعت عدد من العلاقات التي ترتبط بالطاقة المنتشرة في الطبيعة والطاقة التي تشكّل الإنسان ونفسَه وروحًه المكنونة. وهذه الطاقة لا علاقة لها بطاقة نيوتن أو غيره ممّن وضع علاقات الطاقة، بل هي من نوع عام في وضعها ولها خصوصيّة كذلك في ذاتها. أطلق على مثل هذه الطاقة بطاقة الخَلْق أو طاقة النشئ. فلو قمتَ بتصوير هذا النمو الذي يحدث بتقطيع بطيء لِما يحدث، تلاحظ كم هو التغيير منظّم إلى درجة عجيبة. حيث يقسّم أهل الإختصاص العلميّ هذه النمطيّة بأسلوب رائع وفق طريقة معيّنة، بينما يأتي أصحاب الغيبيّات ليشكلوها بتصوّرات معيّنة وفق نمط جديد يختلط فيه الواقع بالخيال، وكأنّه عدد مركّب من الأعداد المركّبة التي تحويها iالرياضيّات المركّبة حينما يتشكل العدد من رقم حقيقيّ وآخر خياليّ يرمز له بالرمز
وهو قيمة تكون عبارة عن سالب الواحد تحت الجذر التربيعيّ.
تبلغ هذه الهندسة أحياناً مبلغاً يصيبك بالدهشة والرعشة معاً! حيث تكون الأنماط من حولنا متشكّلة ببنية أساسيّة وقوالب غريبة عجيبة في جميع تشكيلات الأجسام التي تحويها. والأغرب من ذلك لاحظت التلسكوبات الفضائيّة تشكيلات في الكون مشابهة تماما لما لوحظ في الأجسام على الأرض من بشر ومن حيوانات ومن أشجار معيّنة، وليس هناك أيّ إختلاف. ترى ما الذي نعرفه عن هذا المكنون؟
لو تحوّلت إلى محاكاتك لعقلك فيما يوجد من أشياء، ستكون في وضع لا تحسد عليه إن لم يكن لديك من العلم والفلسفة والإيمان بالغيب الكثير كي تستطيع أن ترتاح وتُريح معاً. في هذه الأشكال وهذه الأنماط المتكرّرة ربط عجيب ما بين العقل والروح وما بين العلم الطبيعيّ الظاهر أي الماكروسكوبيّ وبين العلم الدقيق الميكروسكوبيّ. ستنطلق من الحامض النوويّ إلى قرنيّة العين ثم تنتقل إلى تشكيلات الزهور وصخور البحر وبعض حيواناته وحشراته ثم تنتقل بهذا النمط إلى النجوم والكواكب والمجرّات. أنظر إلى أيّ مجرّة من المجرّات التي صوّرتها التلسكوبات سترى فيها ما يذكّرك بعينك الكريمة وبصورة من صور المباني التي تحيط بك. أنظر إلى قطع الجليد أو وَفْرَه النازل من السماء ثمّ كبّر حجمها لترى العجب. بماذا تذكّرك هذه الصور؟
تتشكّل هذه البنى من أشكال مكعبيّة وإسطوانيّة ومثلثيّة وتشكيلات أخرى مركّبة من عدد منها أو من كلّ هذه الأشكال. ومنها على نمط واحد من سلاسل كرويّة تتكرّر في كلّ مجموعة بعدد ثابت، ثم ترى هذا الشكل في نجوم تبعد عنك مئات بل آلاف السنين الضوئيّة. ومن السلاسل النجميّة الكثير الكثير وكأنّها تشير إلى وجود ما تعجز عن رؤيته، لكنّه موجود في مكان آخر وربّما في هذا الزمان أو في زمان آخر مضى أو حتى في المستقبل سيصلك آنفاً. وبما أنّ الأرض جزء من هذا التكوين، فهي الرابط ما بين المرئيّ وغير المرئيّ بنفس النمط الرابط. فالأرض تقع بما عليها من بشر في مركز التكوين النمطيّ (لا مركز المنظومة كما يتصوّرها بعض الجهلة المروّجين لسطحيّة الأرض في بعض المواقع الإلكترونية المقززة!) من حيث وجود الإنسان عليها والحيوان والنبات وكونها جزءاً من نظام يطلق عليه بنظام مجموعتنا الشمسيّة والذي يكون مكملاً لمنظومة تتشكّل بوضع شبه ثابت (كلمة شبه لا يقصد بها بالدقة المعروفة بسبب عدم علمنا بالكثير مما لم يرصد وبالتالي يكون الأمر ظنيّاً أقرب إلى الحقيقة من خلال ما لوحظ مما إكتشف). لقد لوحظت أشكال أخرى هي متعدّد الوجوه سداسيّ أو ثمانيّ أو غير ذلك، من تكوين جزيئات العناصر المركّبة إلى تكويناتنا البعيدة. ولوحظ الثبات أو الإستقرار في هذا ثمّ التغيير بنسبة ثابتة. تكون الدوائر في أشكالها باعثة على الإستمرار وعلى الإستمراريّة في التشكيل وفي الإندفاع إلى تشكيل أنماط تحتضنها الدوائر وكأنّها أنثى تحتضن أولادها أو هي الطبيعة التي تحتضن وتضمّ ما عليها، ومَنْ عليها، وكلّما زاد عدد الأشياء كبرت الدائرة فقلبها كبير وحضنها أكبر وأكثردفئاً. من الأشياء ما يندفع إلى الأعلى متسلقاً، ومنها ما يتوسّع أفقيّاً، كي يشمل الأكبر ممّا هو موجود وهكذا. كلّ الأشياء لها نمط حركيّ ونمط سكونيّ واحد، منها ما يتحرّك بتردّد كبقيّة إخوته، ومنها ما يمتلك حركة هارمونيّة في النظام العام.
لقد لوحظ مثلاً وجود المربّع والدائرة في حالة من الإحتضان أو الإندماج في الكثير من الأشياء، وكون المربّع جزءاً من الدائرة المحيطة به وقد إعتبر هذا النمط الجديد من المقدّسات في الشكل وفي الوجود في أماكن معيّنة من الأشياء أو في أشياء متعدّدة الإنتماءات والتصنيفات.
تعتبر الهندسة المقدّسة باباً يمكن الدخول من خلاله كي نضع العديد من العلاقات الرياضيّة والتي ستحمل في نتائجها الكثير من حلّ بعض المسائل المعقّدة ومنها ما مذكور في الكون من خلال الإستقراءات والتصوّرات التي لا تبتعد عن الحقيقة. إذا قمنا بتغذية الروح غذاءها المناسب ونكون واعين لهذا وللكيفيّة المناسبة لخلق حالة إنسجام وتواصل مع الجانب الروحيّ لتوحيد المادّة مع الروح والعقل والعاطفة ثم القفز بها إلى عالم رحب جميل.
الطاقة ليست أبديّة ولا أزليّة
كلّ الدراسات الغنوصيّة تتحدّث عن العلاقات مع الطاقة أو حول الطاقة المنبثقة من الخالق الأحد والاعلى الصمد أو العقل الأسمى. وقد ذكرت ذلك من خلال دمجها ما بين الواقع والعلم وبعض الإستنتاجات المعرفيّة الغيبيّة من وجهة نظرهم ليشير من خلالها إلى وجود طاقة سماويّة تنزل إليه أو طاقة موجودة بالفعل في الأشياء، ومنها الإنسان. ويمكن لهذا الإنسان أن يحرّر هذه الطاقة حينما يسخّر إليها روحاً وثّابة متسامحة مع العقل الأعلى أو مع العقل الأسمى، وحسبما تتمّ معرفتها أو غنوصيّتها يستطيع أن يتفاعل مع الموجودات بشكل عالٍ لينتج من ضمن ما ينتج القدرة على ذلك والأسلوب على هذا التفاعل والإنسجام مع الآخرين ومع الموجودات المذكورة. يطلق بعض الغنوصيين على هذه الطاقة أو الطاقات بالطاقة الإلهيّة، وهي الموجودة في ذاتك تتغيّر وتتبدّل حسب تنبّهك وتفاعلك وفهمك للموجودات وما يتعلّق أو ما يرتبط بها من أشكال وصور وغير ذلك. فإن كنت مندمجاً مع الطاقة الإلهيّة هذه كنت في أحسن وضع، ويمكنك فعل المستحيل. فالوعي الذاتيّ مع الطاقة التي تحتويها أو تحتويك وإدراكك لها ولوضعها يجعلك متناغماً مع الموجودات لتحفّز طاقاتك أو طاقتك للإنطلاق إلى المحيط. أنظر إلى الأشكال التي يتكوّن جسمك منها والتي يحتويها جسمك والتي تراها أحياناً عندما تطرق بابك لتنبّهك بوجودها في الرؤيا أو في الغفلة أيّها العزيز.
التصالح مع النفس!
من الطُرَف التي يذكرها بعض اللاعبين على المفاهيم طُرْفة إستخدام التصالح مع النفس! أي أنّه يتصالح مع نفسه، أو هو متصالح مع نفسه! وهل تعرف نفسك أيّها المحترم كي تتصالح معها؟! إن كنت تفهم تلك النفس فلا داعي أن تتصالح معها، فهي لن تتصالح مع أحد في أيّ حال من الأحوال! إنّها موجودة، موزّعة ما بين عقلك وغريزتك فإن تستطيع أن تتعامل مع التفاعلات والطاقات الداخليّة، أي تلك التي تكون داخلك ومع الطاقات الخارجيّة ووجدت الطريق المتوازن ما بين هذه الطاقات فستكون في أحسن حال بلا تصالح مع نفس مجهولة المصدر أو المصادر ومجهولة الموقع بالنسبة لك! إنّ نفسك لوّامة تلومك بين الحين والآخر وهي بِلَوْمِها تكون في منازل عليا، كلّما لامتك أكثر كلّما تجلّت أكثر. ويكون معينها هذا الصدق والشفافيّة الرائعة. لو تأمّلت فلا تستغرق في التأمّل إذا ضاعت نفسك اللوّامة في وسط هذا التيه، وكن بها ومعها أكثر ثباتاً على الحقّ. لا تتصالح معها إلّا أن تكون أنت في علوّ تراها بدُنُوِّها تسعى إليك وقد عرفتها يا صاحب القلب النظيف والعقل الراجح. تتصالح معها إن كانت صالحة وطاهرة وإلّا فأنت في مصيبة كبيرة. إن تكن متأملاً عزّز هذا التأمل بعافية في البدن والروح ليكن جسمك في عافية بالفعل من نوع تلك العافية الفوقيّة، ويكون مزاجك رائقاً بلا توتّر ولا قلق. ركّز بالعقل تنجو، ليكون عقلك وجسمك متناغمين مع بعضهما البعض لتكون في النهاية عالياً في وعيك صادقاً في التعبير عنه.
إنّ من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الإنسان هذه الأيّام تلك المشاكل التي ترتبط باللاحلول وفق نظرته، بينما حلولها في مكامن أخرى يجب أن يبحث عنها بقدرته وثقافته ووعيه وستكون جلّ المشاكل بلا قيمة تذكر إن سعيت إلى إيجاد حلول لها. إنّ الوضع المضطرب في هذا العالم ليس غريباً بل هو من الإنسان ومن تلك النفس الأمّارة بالسوء والأمّارة بكل ما هو ينزلها منازل الأدنين. كلّ الإضطرابات بكلّ أشكالها تشتّت الإنتباه وتعقّد الأمر. إذهب بعيداً عن مكان الإضطراب ليس إلى مواقع التواصل الإجتماعيّ التي تضغط عليك بإنتقالاتها وتحوّلاتها وقفزاتها من السيء إلى الأسوء ومن الجيد إلى التوهان حيث لا هدف ولا تركيز. إذهب إلى حيث الهدوء والإنعزال قليلاً وتدبّر أمرك من خلال وحدتك وإلتصاقك بقرينك الموجود في مكان أنت تعرفه لو دقّقت قليلاً. إنّ التدبّر في الأمور خير من الكلام بها، وصمتك حلّ من الحلول المهمّة التي توصلك إلى الهدف الأسمى. ودمت بخير دائماً أيّها العزيز!
د.مؤيد الحسيني العابد
Moayad Alabed
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل تحكم حلب هيئة انتقالية؟.. الجولاني يكشف خطته في سوريا
.. جندي كوري جنوبي ينحني معتذرًا لمواطن بعد نزولهم لفرض الأحكام
.. محللان: موسكو وطهران تضغطان على الأسد واجتماع الدوحة سيكون م
.. مصادر طبية للجزيرة: 36 شهيدا جراء الغارات الإسرائيلية على قط
.. ما حظوظ نجاح جهود التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة؟