الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زينة المرأة عند مالك والشافعى : ( فقه الباروكة وخلفيتها التاريخية )

أحمد صبحى منصور

2023 / 1 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القسم الثانى من الباب الثالث : التشريعات الاجتماعية
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
زينة المرأة عند مالك والشافعى : ( فقه الباروكة وخلفيتها التاريخية )
أولا : عن مالك بن أنس ومدرسة المدينة الفقهية
1 ـ عاش مالك بن أنس الأنصارى في المدينة 86 عاما ( 93 : 179 ) ، عاش حوالى 39 عاما منها فى الدولة الأموية ، وبقية حياته ( 47 عاما ) فى الدولة العباسية ، وفيها كان كتابه ( الموطّأ ) أول كتاب فى التشريع السُنّى .
2 ـ فى الدولة الأموية كان مالك يمثّل المُعارضة الأخلاقية ضد الانحلال الخلقى الذى إشتهرت به المدينة وقتها . كانت المدينة مركز المعارضة للأمويين ، منها خرج الحسين ثائرا ، وحدثت مذبحة كربلاء ، ثم تلاها الحملة الأموية التى إقتحمت المدينة وإغتصبت نساءها ، كل ذلك فى خلافة يزيد بن معاوية . خوفا من مآسى أخرى أغرق الأمويون المدينة بالجوارى من المغنيات ليشغلوا أبناء المهاجرين والأنصار عن الطموح السياسى ، فأصبحت عاصمة المجون وقتها . مظاهر هذا كثيرة ، منها أن :
2 / 1 : الخليفة يزيد بن عبد الملك الذى حكم بين ( 101 : 105 ) إشترى من المدينة جاريتين مغنيتين :حُبابة وسلّامة. لم يبعث يشترى جوارى من مصر أو العراق أو فارس ..الخ . بل من الأسواق الرائجة فى المدينة !
2 / 1 : اشهر مغنية فى العصر الأموى ورائدة الغناء فيه هى ( عزّة الميلاء )، وهى من أصل فارسى ، ومولودة فى المدينة ، واشتهرت بالجمال وخلاعة المشى والثياب وحلاوة الصوت وإدمان الخمر . ومن تلامذتها مشاهير الغناء مثل ابن سريج وابن محرز وطويس .
3 ـ أدى هذا الى ردّ فعل ، فظهر في المدينة تيّار فقهى محافظ ، بدأ بالفقيه سعيد بن المسيب ( ت 94 )، وأثمر مالك بن أنس .
4 ـ إشتهرت فى التاريخ الأموى قصة عبد الرحمن القس ، وحمل هذا اللقب بسبب شهرته بالعبادة . وقد أحبّ المغنية سلامة حبا عفيفا وأحبته . وعكس فيلم ( سلامة ) هذا بصورة ساذجة . ( أم كلثوم ) قامت بدور المطربة ( سلامة ) والعابد ( عبد الرحمن القس ) قام بدوه ( يحيى شاهين ) . كان ( إبن أبى سهيل ) يمثل الفجور ، كما كان عبد الوارث عسر ( ابو الوفا ) يمثل التيار المتشدد. وانتهى أمر سلّامة بأن إشتراها الخليفة يزيد بن عبد الملك .
ثانيا : تشريع زى المرأة فى موطأ مالك
1 ـ آلت الى مالك بن أنس زعامة الفقهاء فى حياته فى العصر العباسى . كانت المدينة وقتها قد انسحبت عنها الأضواء إلى الأمصار ، بل بدأ أهلها يهجرونها الى العراق وغيرها ، وتأثر بذلك مالك فازداد ارتباطه بالمدينة حتى جعل من عمل أهلها مصدراً من مصادر التشريع ، وحشا كتابه الموطأ بروايات أهل المدينة وعلمائها ، وجعل المدينة حرما يضاهىء به المسجد الحرام ، وصنع أحاديث تهاجم من يهاجر من المدينة .
2 ـ مالك لم يكتب ( الموطأ ) بنفسه ، بل كان يملي من ذاكرته الأحاديث بأسانيدها ونصوصها . والناس ـ بكل ما أوتوا من حمق تصدقه . أملى هذا على أكثر من عشرين ، وكل منهم يكتب عنه ما يحلو له ، لذا توجد للموطأ اكثر من عشرين نسخة مختلفة فى الأسانيد وفى عدد الأحاديث . واشهرها النسخة التى رواها الشيبانى تلميذ ابى حنيفة.
3 ـ قضية الزي والزينة للمرأة كانت غائبة في الموطأ ، ولم يتعرض لزي المرأة إلا في موضوعات فقهية خاصة بالطهارة بالإضافة إلى إشارة موجزة لموضة نسائية ، ففي الموطأ باب المسح على العمامة والخمار ، وفيه حديث عن التي رأت صفية ابنة أبي عبيد تتوضأ وتنزع خمارها ثم تمسح برأسها ، وحديث المرأة التي سألت السيدة أم سلمة فقالت :( انى امرأة أطيل ذيل ثوبي وأمشي في المكان القذر )، فقالت لها : ( يطهره ما بعده ). وكتب مالك بابا عن ( كراهية ) ( وليس تحريم ) لبس الحرير والديباج والتختم بالذهب ، للرجال طبعا ، وقد تحولت هذه الكراهة إلى أحاديث تحرم ذلك فيما بعد .
ثالثا : تشريع زينة المرأة ( الباروكة ) فى موطأ مالك
1 ـ والإشارة الوحيدة عن زينة المرأة جاءت في الموطأ ، في استنكار معاوية ــ وهو خليفة ــ على علماء أهل المدينة إستعمال ( الباروكة ) أو ما كان معروفا بوصل الشعر ، أي تصل المرأة شعرها بشعر مستعار . ويلاحظ ان مالكا في حديثه لم يستعمل المصطلح الذي ساد فيما بعدُ في الأحاديث المصنوعة فى القرن الثالث ، وهو ( الواصلة والمستوصلة ).
2 ـ يزعم مالك ان معاوية جاء للمدينة فخطب ، فقال : " يا أهل المدينة أين علماؤكم .؟! " .. وتناول قُصّة من شعر كانت في يد حرس ــ أي شرطي ــ وقال سمعت رسول الله (ص) ينهى عن مثل هذه ، ويقول : ( إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم ) .
3 ـ محمد الشيباني تلميذ أبي حنيفة يعلق على هذه الرواية ، يقول معبرا عن مذهبه الحنفى : ( وبهذا نأخذ ، ويُكره للمرأة أن تصل شعراً إلى شعرها ، او تتخذ قُصّة شعر ، ولا بأس بالوصل في الرأس إذا كان صوفا ، فأما الشّعر من شعور الناس فلا ينبغي ، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.). محمد الشيباني ـ راوي الموطأ عن مالك ـ كان مع تلمذته لأبي حنيفة قاضيا للدولة العباسية بالعراق ، وهو الذي أورد شرحاً على حديث مالك ذكر فيه وصل شعر المرأة بشعر آخر ، ومع ذلك لم يستعمل الأحاديث التي حيكت فيما بعد ، وحكم بأن ذلك مكروه ، وليس حراما او ملعونا من تعمله ، واكتفى بأن ذلك لا ينبغي . ( يعنى بالتعبير المصرى : عيب إعمل معروف .. عيب ما إنتاش مكسوف ).
4 ـ جعلوا ( المكروه ) حكما فقهيا . هذا يؤكد أن الدين السّنى دين ملّاكى يملكه أصحابه ، وما يكرهونه يصبح ( مكروها ) ومفروضا على الناس أن يكرهوه . وقد جعلوه حلالا مباحا ولكن لا ينبغى فعله ، ( كيف يكون مباحا ولا نفعله ؟ إسأل شيخ الأزهر ) . وقد توسع الشافعى تلميذ مالك فى حكم المكروه ، وكان يحلو له فى موسوعته الفقهية ( الأم ) أن يقول ( وأكره ان يفعل كذا )، واضاف ( وأحب أن يفعل كذا ) . وما كرهه الشافعى أصبح درجة فى التشريع ، وما أحبه الشافعى أصبح درجة أخرى تحت مسمى ( المندوب ).
( المكروه ) فى التشريع الاسلامى ـ الذى يكفر به الأزهر والسنيون ـ هو أكبر الكبائر . لقد ذكر رب العزة جل وعلا الكفر والقتل والزنا وأكل مال اليتيم ..الخ ، ثم قال بعدها: ( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)الاسراء ). وقال جل وعلا أيضا : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ (7) الحجرات )
5 ـ وحديث مالك نفهم منه ان معاوية استنكر تلك الموضة وروى ان الرسول حرم ذلك . وهنا تكون الدهشة حقا مُباحا لنا :
5 / 1 : لأنه طبقا للمعروف فى تاريخ الدين الُسنّى فإن علاقة معاوية بالنبي محمد عليه السلام لم تترسّخ ، فقد أسلم معاوية بعد فتح مكة ، والنبى بعد فتح مكة عاد للمدينة ، وبقى معاوية مع أبيه أبى سفيان فى مكة الى أن مات النبى عليه السلام ، ولهذا فالأحاديث المنسوبة روايتها لمعاوية قليلة . هذا بينما نجد أكثرية الروايات منسوبة لمن عاش فى المدينة ، على أنهم صحابة النبى الملازمين له والذين صحبوه طيلة إقامته بالمدينة إلى أن توفى بها .
5 / 2 : ثم إن مالكا نفسه يعتبر ( عمل أهل المدينة ) من الصحابة والتابعين من مصادر التشريع لأنهم ( رواة السنة بعملهم واقوالهم )، فهل كان أهل المدينة في حاجة لأن يأتيهم معاوية من دمشق ليعلمهم ما كانوا يجهلون .؟ .
5 / 3 ـ الثابت تاريخياً أن علماء الأمصار كانوا يفدون على المدينة للأخذ عن علمائها ما كانوا يروونه من أحاديث ، بل ان معاوية كان يرسل بالفتوى إلى زيد ابن ثابت وغيره ، وكان الزهري وسعيد بن المسيب من علماء المدينة هم المرجع للخلفاء الامويين ، فهل كان يغفل علماء المدينة ومالك الذي روى عنهم تلك الفتوى عن النبي ..؟
5 / 4 : ثم هذه الموضة والزينة هل كانت بعيدة عن قصور الأمويين فى دمشق ؟ وهل كانت قصور معاوية وآله في دمشق التي تعج بمئات الجواري الوافدات ــ خالية من هذه الموضة بحيث اكتشفها لأول مرة في المدينة ؟
5 / 5 : وهل نتصور أن يعظ معاوية المشهور بترفه وتنعمه أهل المدينة وعلماءها المشهورين بإنكارهم على مجون معظم أهل المدينة .؟ ويستنكر عليهم الباروكة أو " قُصّة الشعر النسائية " ليعطيهم الفرصة للرد عليه وإفحامه .؟
5 / 6 : وهل نتصور حدوث ذلك من معاوية ، وهو الأريب الداهية الذي يتفادى كل سبيل يؤدي لإحراجه ما امكنه ، والذى كان حريصا على إستمالة أهل المدينة الى درجة تفريق الأموال فيهم ليتفادى سخطهم ، وفيهم الهاشميون وأبناء المهاجرين والأنصار الذين سكتوا على خلافته وهم يرونه لا يستحق الخلافة ، وهو يفهم هذا ، ويفهم انهم لن يوافقوا على أحلامه بأن تظل الخلافة في ابنه يزيد ، وذريته ، فكيف ينسى كل هذه الهموم والأحقاد السياسية ليتحول إلى داعية : "يبيع الماء في حارة السقايين".؟!!.
رابعا : تشريع زينة المرأة ( الباروكة ) عند الشافعي :ــ
1 ـ إذا كان أبو العباس السفاح هو أول خليفة عباسى بينما كان الذى وطّد الدولة العباسية هو أبو جعفر المنصور ، فإن مالك بن أنس هو أول من كتب فى تشريع الدين السُنّى بينما كان الشافعى هو الذى وطّد هذا الدين ، وهو صاحب الموسوعة الفقهية ذات الأجزاء السبعة : ( الأم ) ، وهو أول من كتب فيما عُرف بعدّ ب ( اصول الفقه ) ، وهى ( الرسالة ) ، والتى جعل فيها الأحاديث المفتراة هى ( الرسول ) ، وهو أول من زعم أن تلك الأحاديث تعلو على القرآن الكريم ، وتنسخ آياته بمعنى تبطلها .
2 ـ ولد الشافعى فى العام الذى شهد إغتيال إبى حنيفة ( 150 ) وتوفى سنة 204هــ . وتتلمذ على أستاذه مالك ، ولكن لم يكتب عنه الموطأ . فعل ما هو أسوأ . نقل معظم أحاديث الموطأ فى كتابه : ( الأم ) ، وبعضها بأسانيد مختلفة ، واضاف من عنده آلاف الأحاديث الأخرى ، فإذا كانت أحاديث الموطأ تزيد قليلا عن ألف حديث فقط ، فقد تضاعف عددها فى كتاب الشافعى ( الأم ) . ومثل مالك كان الشافعى يُملى من ذاكرته على تلميذه ( المُزنى ) كل تلك الأحاديث باسانيدها ونصوصها ، معتمدا على غباء الناس .
3 ـ الشافعي على كثرة ما تعرض له من أبواب فقهية في ( الأم ) لم يخصص بابا لزي المرأة ، وكل ما هنالك انه تعرض لزي المرأة في الصلاة وفي الحج ، وهو اول رائد في استعمال مصطلح عورة المرأة في الصلاة حيث قال ان كل المرأة عورة ما عدا كفيها ووجهها ، فإذا انكشف منها غير الوجه والكفين اعادت صلاتها . وكرر نفس المفهوم عنها في الحج ، وأن لم يميزها بزي خاص في الحج ، وقد نهى عن زينة المرأة والرجل في الحج لأنه أيام عبادة وخشوع ، واوجب على من يستعمل الكُحْل من الرجال والنساء ان يقدم فدية ... ولم يصنع حديثا يؤيد هذا .
أخيرا
دخلت زينة المرأة ( وباروكتها ) وزيها فى تطور جديد مع ابن سعد وابن حنبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا