الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بقلم: البروفيسور أحمد عكاشة

فاطمة ناعوت

2023 / 2 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بقلم: البروفيسور "أحمد عكاشة"

[email protected]



[سعدتُ كثيرًا بقراءة مخطوطة كتاب: "عمر من الشرنقة ..… للطيران"، بقلم الأمّ الحنون "فاطمة ناعوت" التي اكتشفتْ مدى فهم نجلها "عمر" للحياة بطريقة تختلف عما يُسمى: "عادي". فقد اعتدنا أن نُطلق أحكامًا خاطئة على مَن "يختلفُ" عنّا. أحكامٌ ظالمة من قبيل: "مريض"، "معوّق"، "مختلّ نفسيًّا"، "مجنون"، الخ. وهذا خطأ جسيمٌ نرتكبه طوال الوقت. حتى الأنبياء أنفسَهم لم يسلموا من أحكامنا الظالمة تلك. فجميعُ الأنبياء قد طالهم لفظُ: “مجنون"!!! فقط لأنهم جاءوا بما يختلفُ عليه الناس. وحين لم يفهم الناسُ رسالات الأنبياء في أوقات نزولها، أساءوا الحكمَ عليهم.
لقد اكتشفت "فاطمة ناعوت" أن ابنها "عمر" يعانى من "مرض الجمال"، كما أسمته هي في كتابها. وبالطبع هذا ليس مرضًا، بل سموٌّ ورقيٌّ وطيبة، وجنوحٌ نحو النبل والأخلاق الرفيعة. نعم "عمر" يختلفُ عن بقية الناس، ولكن في اختلافه جمالاً وفرادة. نبوغُه في الرسم، حبُّه للخير، احترامُه للآخر خاصةً مع الضعيف، صدقه ونقاؤه وهدوءُه وطيبتُه، كلُّها صفاتٌ نادرٌ وجودها؛ خصوصًا في عصرٍ هيمنتْ عليه الماديةُ وثورة التكنولوجيا التي أبعدت أفرادَ الأسرة بعضَهم عن بعض. واكتشف "عمر" أنه وحيدٌ. لأنه واقعٌ في مجال "طيف التوحّد"، أو "الاختلاف" عن الآخرين. وقد كتب الكثير من المحللين والخبراء عن "متلازمة أسبرجر"، وعن "الذاتوية"، وعن "طيف الذاتوية" وعن "طيف التوحد" Autism Spectrum، ولكن نادرًا ما نقرأ ما تكتبُه "الأمُّ" نفسُها عن “ابنها” المتوحّد.
وأمامنا في هذا الكتاب أمٌّ قد أنعم اللهُ عليها بكثير من المواهب: الثقافة والفن والشعر، والأخلاق الفاضلة، وقبل كل هذا: “الأمومة". وحرصت "فاطمة ناعوت" طوال مشوارها التنويريّ على أن تُرسلَ للناس رسائلَ الحب والسلام والعدل وقيم المواطنة، حتى تنشرَ وتُكرّسَ ثقافةَ الفضيلة والتحضّر والأخلاق، والالتزام بحب الآخر. قدّمت "فاطمة" طوال حياتها، وبمجهودها الذاتي، مواقفَ بطوليةً ثابتة على المبادئ، دفاعًا عن الوطن، دفاعًا عن التنوير، دفاعًا عن الإنسان، دفاعًا عن المساواة والعدل، ودفاعًا عن العقل، الذي هو “جوهرةُ الترقّي”، هديةُ الله لبني الإنسان. وأثبتت خلال كتبها ومقالاتها ومعاركها الفكرية، وحتى قصائدها أن "العَلمانية لا تتعارضُ مع الدين والإيمان"، بل تحافظُ على بقاء الأديان في مكانها ومكانتها الرفيعة الراقية، غيرَ مدنسة بالسياسة والمصالح والانتهازية، ومحميةً من المتاجرين بالأديان اللاعبين بعقول الناس. خاضت "فاطمة ناعوت" معاركَ كثيرة من أجل نشر قيم: الإخلاص، والصداقة، والعدل، والتحضّر، والتراحم بين الناس، والالتزام بحب الآخر، في نفس الوقت الذي تخوض فيه معركتها الخاصة من أجل ابنها المتوحّد "عمر".
وبالعودة إلى موضوع الكتاب، فقد سبق أن كتبتُ مرارًا أن لفظ "التوحّد" خاطئٌ لغويًّا إن شئنا أن نصفَ تلك المتلازمة النفسية الانعزالية ASD. لأن "التوحد" يعنى تقمُّصَ الطفل أو الناضج مَن يراه مثلَه الأعلى. وأطلقتُ مصطلح: "الذاتوية" على Autism Spectrum Disorder . وفى التصنيف الأخير من تصنيفات الطب النفسى، اِعتُمد مصطلح: "طيف الذاتوية" بدلا من مصطلح: "التوحد". وأما "متلازمة أسبرجر" ِAsperger، وهي ما يعاني منها "عمر" بطل هذا الكتاب، فهي مختلفة عن "الذاتوية"، لأن لها علاماتٌ متفردة لا توجد في الشخص "الذاتوي" أو ال Autistic. فقد لوحظَ أن كثيرًا من المصابين بمتلازمة أسبرجر، كانوا عباقرة، إذْ يتمتعون بالنبوغ في العلوم أو الفنون، أو الفلسفة، أو الرياضيات والفيزياء. ويتمتعون كذلك بقدرات خاصة على فهم الأمور الحياتية بطريقتهم الخاصة التي تختلف عن بقية البشر. ومنهم كذلك مَن حصل على جائزة نوبل في العلوم، بسبب تلك الرؤية الخاصة والمتفردة للعالم، والتي تختلف دون شك عن الآخرين، ولهذا السبب فإن معظم الناس يعتبرون أولئك "المختلفين" مرضى.
تحية للابن الجميل "عمر"، وللأم التي آمنت به وساندته حتى خرج "من الشرنقة إلى الطيران”. وفي الأخير: أشكرك يا فاطمة على تحرير نفسك و"عمر" من القيود التي تُكبّلنا فى فهم وتقدير الإبداع والفضيلة، والأخلاق، والاختلاف. أ. د. أحمد عكاشه]
***
تلك الكلمات العذبة التي تقطرُ علمًا وحكمةً وإنسانية ونبلا، هي المقدمة الجميلة التي أهدانيها البروفيسور المصري الرمز الأستاذ الدكتور "أحمد عكاشة"، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس، ومستشار الرئيس للصحة النفسية والتوافق المجتمعي، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسي، وعضو المجلس التنفيذي لليونسكو، وكانت تصديرًا رائعًا لكتابي الجديد: "عمر من الشرنقة إلى الطيران" الصادر حديثًا في "معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023" عن "الشركة العربية الحديثة". وغدًا الجمعة ٣ فبراير بإذن الله، أنتظرُ روادَ المعرض في قاعة 5 جناح C24 مع أسرتي الساعة ٣ عصرًا، في حفل توقيع الكتاب، لكي أوقّعَ وابني الجميل "عمر" الكتابَ للقراء الأعزاء.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحرارة تحصد أرواح حجاج بمكة وسياح باليونان.. والصيف المنصرم


.. تنظيم الإخوان المسلمين يحارب أعضاءه السابقين بوسائل وأساليب




.. 86-An-Nisa


.. 87-An-Nisa




.. 88-An-Nisa