الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو

هيبت بافي حلبجة

2023 / 2 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


على الرغم من رحيله المبكر أثر حادث مميت ، حاز ألبير كامو على جائزة نوبل للآداب عام 1957 عن روايته الوباء ، الطاعون ، وقدم للبشرية منظومة فكرية مميزة في مؤلفاته ، إسطورة سيزيف ، الغريب ، الإنسان المتمرد ، الأعراس ، رواية السقوط ، مسرحية كاليجولا ، من خلال تصوره الكامل عن الحياة والوجود والموضوعات البشرية ، عن مفهوم العبث والإنسان العبثي ، عن الإغتراب والإغتراب السلبي ، عن الإنتحار والإنتحار الفلسفي وحتى الإنتحار العقائدي ، وربما عن إندحار الإنسان في تأصيله الإنطولوجي والسوسيولوجي . وهكذا :
المقدمة الأولى : إن نقطة الإنطلاق في منظومة كامو الفكرية ترتكز على قاعدة جوهرية وهي : إن الإنسان منذ اللحظة الأولى ، منذ لحظة المنذ ، قد إغترب عن حقيقة واقعه ، إغترب عن مضمون إشكالية وجوده ، إغترب عن أساس محنته في الكون والطبيعة ، ولحظة الإغتراب بدأت حين سلم الإنسان قضية سعادته ، مصيره ، أحواله ، قضية فهمه لوجوده ، لهذا الكائن الأعلى ، الذي هو في السماء ، الذي هو في الحقيقة ليس إلا الذي ، تعبير إفتراضي لايتخطى إلا الذي . وهذا الإغتراب يمتاز ب وله أوجه هي :
النقطة الأولى ، إنه لاينبثق من أية ضرورة ، ولا من أية ضرورة تاريخية ، ولا ضرورة إنطولوجية ، ولا حتى من أية ضرورة سوسيولوجية . بمعنى إنه ليس ضرورة خارجية ولا داخلية بنيوية ، إنما هو إغتراب من الجهل وعنه ، من الخوف وعنه ، من الفكر البدائي الإسطوري وعنه ، فالإنسان إرتكب حماقة تاريخية حينما سلم مفاتيحه الخاصة لهذا الكائن الإفتراضي .
النقطة الثانية ، إنه قد جعل من هذا الكائن الأعلى الإفتراضي ، هذا الإله المزعوم ، شرطاٌ وجودياٌ للشرط الإنساني نفسه ، أي لولا هذا الشرط الإنطولوجي الإلهي ، وهو شرط ناتج من تلك الحماقة البشرية ، لما كان من الممكن أن يتوفر الشرط الإنساني ، لما كان من الممكن أن يتحقق الوجود البشري ، وبتعبير أصفى وأدق ، لقد أصبح هذا الإله ، من حيث لايدري ، من حيث هو غير موجود ، مالكاٌ لشرط وجودنا ، لشرط سعادتنا ، لشرط مستقبلنا .
النقطة الثالثة ، إنه قد صادر الواقع ، صادر العلاقة الفعلية مابين الواقع ومابين الإنسان ، ولم يعد الواقع واقعاٌ إنسانياٌ بشرياٌ ، إنما واقعاٌ إلهياٌ ، لإنه قد جعل الواقع رهينة مباشرة مابين أيدي هذا الكائن الأعلى ، واقعاٌ خاضعاٌ للشرط الإلهي ، حتى أصبحنا ، نحن ، محكومين بشرط الواقع وبالشرط الإلهي معاٌ .
النقطة الرابعة ، إن هذا الإغتراب ، بالأسس التي ذكرناها في تلك النقاط الثلاثة ، قد يفضي إلى إلغاء ذاته من خلال أن يسترد الإنسان مصدر سعادته ، مصدر علاقته الأصلية والأصيلة بالواقع ، من خلال إلغاء إستناد شرطنا الوجودي إلى الشرط الإلهي ، ومن خلال التحرر من كل تلك التبعات التي تكبل فكرنا ، من خلال إلغاء الشرط الإلهي .
المقدمة الثانية : ومن زاوية أخرى ، يؤكد كامو إن الإنتحار ، وهو الأساس الفعلي لإشكالية الإغتراب ، إرتهن بسؤالين جوهريين منذ تلك اللحظة المنذوية ، أحدهما إنطولوجي ، والثاني سوسيولوجي ، والأول هو منطوق الإطروحة الدائمة : من أين أتى الإنسان ، وكيف أتى ، وماموضوعه ، وما الغاية من وجوده ، ومامصيره ، وإلى أين . والثاني هو منطوق الإطروحة ذي المعادلة الصعبة : العدالة وما شكلها وما منطقها وماهي مقوماته ، سيما وإن الأمور تسير متعاكسة على الأرض ، فقد يكافأ الظالم وقد يظلم العادل ، بضم اليائين ، ولايعقل ألا تتحقق العدالة ، سيما العدالة الأبدية . وهكذا :
النقطة الأولى ، يؤكد كامو إن الوعي هو أساس تأصيل موضوع الإنتحار ، لإن الوعي الإنساني هو الذي خلق شرط القلق الوجودي ، لذلك فإن الحيوان ، إما لإنه لايتمتع بالوعي أو لايتمتع بالوعي الكافي فإنه لايقلق ، إنه لايعرف الشعور بالقلق ، فهو يتصرف حسب شرط فعل الواقع ، في حين إن الإنسان يتصرف حسب شرط المستقبل ، حسب الشرط الغائب ، حسب السؤال : فيما إذا أو إذا كان أو ربما . وهنا يتحدث كامو عن موضوع الوعي وليس عن درجة الوعي ، فالأول يتعلق بأساس إشكالية الإنتحار والإغتراب ، في حين الثاني يتعلق بأساس مستوى الجهل .
النقطة الثانية ، يؤكد كامو إن المفارقة الثانية مابين الإنسان والحيوان تكمن في معضلة الموت ، فهي بالنسبة للحيوان أساس غير موجود أصلاٌ في حين إنها تخلق لدى الإنسان حالة بائسة ويائسة ، سيما إنه متأكد تماماٌ من إنه غير قادر على تغيير مسار الموت القادم ، لذلك إلتجأ الإنسان ، من حيث إن هذا هو سبب في فهمه لوجوده ، إلى الكائن الأعلى ، إلى الإنتحار ، إلى الإغتراب ، ليخلق لنفسه مبرراٌ أو مصدراٌ للخلود ، فالخلود الإنساني ، من حيث هو إدراك بشري ، يتحقق من خلال الخلود الإلهي ، ومن خلال إن الموت ليس إلا مرحلة ، ليس إلا حدثاٌ يكشف عن الخلود الأبدي .
المقدمة الثالثة : قبل أن ننتقل إلى المقدمة الرابعة ، من الجوهر أن ندرك مايلي :
من زاوية ، لا أتفق أبداٌ مع الترجمة العربية للمصطلح المستخدم باللغة الفرنسية ، فمفردة ، لابسورد ، وهي مذكورة بأل التعريف لاتتماهى مع المصطلح باللغة العربية ، العبث ، سيما وإن كامو لايقصد مطلقاٌ مفهوم العبث ، إنما يقصد الوجود الإنطولوجي اللامعقول ، لذلك هو يتجنب إستخدام ، أبسورد ، كصفة إلا إذا أفادت الصفة محتوى الماهية الإنطولوجية .
ومن زاوية ، ينبغي أن نمايز مابين العبث كأسم ومابين فحوى الفعل ، من يعبث ، فالأول يحقق المعنى الوجودي الإنطولوجي وهو مايرمي إليه كامو ، والثاني يحقق المعنى السوسيولوجي الذي لاعلاقة له بالتأصيل الفكري لإطروحات كامو ، سيما إن موضوع الفعل ، من يعبث ، لايلغي فكرة الوجود اللاعبثي مابين قوسين ، كما إن الوجود العبثي لايضفي العبث على المستوى الحياتي ، لذلك يمكننا القول إن الوجود العبثي يتعلق بموضوع الوجود ، وإن الفعل ، من يعبث ، يتعلق بموضوع الحياة ، مع إدراكنا إن الأول إذا ما تحقق يضيف شرطه على كل الوجود ، في حين إذا ما تحقق الثاني فإنه يخص الجزئية الموازية للفكرة الأصلية .
المقدمة الرابعة : يؤكد كامو ، وهذه هي نقطة الأصل في منظومته الفكرية ، إن الوجود في المستوى الإنطولوجي لامعنى له ولامغزى ، ولاهدف ولاغاية ، ولامبرر له ولامسوغ ، فهذا الوجود يتماهى ويتناظر مع دلالة المفردة الفرنسية ، لابسورد ، وإذا ما قبلنا على مضض ، إن هذه المفردة تجد تعبيرها في اللغة العربية في صيغة العبث ، فسنقول آنئذ ، هذا هو العبث ، هذا هو ال لابسورد . وهنا ينبغي ، بل من الضروري ، أن ندرك التالي :
من زاوية ، إزاء موضوع الوجود أو العبث ، يستخدم كامو مصطلحين يتكاملان في المعنى وفي التأصيل ، مصطلح الإنسان العبثي ، ومصطلح فلسفة الإنتحار ، أي :
طالما إن الوجود هو هكذا من الناحية الإنطولوجية فالإنسان الذي ينتمي إليه ، وينتمي إليه فقط ولاينتمي إلى وجود تصوري ماورائي ، هو الإنسان العبثي ، هو إنسان هذا الوجود ، هو ينتمي إلى العبث ولاعلاقة له بمفهوم الفعل ، يعبث ، فهو لا يعبث ، إنما يرضخ بكل إدراك لهذا الوجود ، لهذا العبث . في حين إن من يسعى إلى الإنتماء إلى خارج هذا الوجود ، ويحتمي بما هو غيبي ما ورائي ، فهو ينتمي إلى فلسفة الإنتحار . أي وفي الأصل لدينا فلسفتان ، فلسفة العبث ، وفلسفة الإنتحار ، الأولى تخص وتنتمي إلى الواقع الفعلي الأساسي للوجود ، وهي الفلسفة الأصيلة ، في حين إن الثانية فلسفة الوهم ، فلسفة الخداع ، فلسفة البحث عما لارجاء منه ولا فائدة ، أي وبتعبير أدق : إن الفلسفة كما ينبغي أن تكون هي تكمن في العلاقة مابين العبث ومابين الإنسان العبثي ، وإن فلسفة الإنتحار تكمن في الإغتراب ، في وهم العلاقة مابين الإنسان وذاك الغائب الذي لن يحضر أبداٌ .
ومن زاوية ، لقد تحاشينا حتى هذه اللحظة إستخدام مفردة ومصطلح ، المعقول واللامعقول ، كي لايلتبس علينا الأمر ، المعقول هو جوهر الفهم مابين العبث والإنسان العبثي ، واللامعقول هو جوهر العلاقة الوهمية مابين الإغتراب ومابين الإنتحار الفلسفي . وللأسف حصل إلتباس قاتل في منطقة الشرق الأوسط ، إذ أرتبط مصطلح اللامعقول بمصطلح العبث ، وأرتبط مصطلح المعقول بإطروحات الواقع المصادر ، الواقع الذي تم مصادرته من قبل الأديان ، فالأديان هي حالة إغتراب ، حالة الإنتحار الفلسفي ، هي حالة كافة الكوارث التي يعاني منها الشرق الأوسط ، منذ المنذ إلى حيث إلى .
المقدمة الخامسة : في هذه المقدمة الأخيرة ، لامحيص من ذكر قضيتين متكاملتين ، قضية الإنتحار الفيزيائي الجسدي ، وقضية التمرد ، وكلتاهما تتعلقان بالحياة ، الأولى إن الحياة غير جديرة بإسمها وتماثل فكرة هل الحياة تستحق معناها ، والثانية إننا طالما موجودون فمن الأولى أن نكون في مستوى معنى وجودنا الخاص ، وهكذا تتولد لدينا فكرتان متعاكستان ، الأولى هي الرضوخ لنوائب الحياة وكوارثها من خلال الإستسلام للإكتئاب ، والثانية لإن الحياة هي هكذا فهي تقتضي منا التمرد عليها . وفي الفعل ، إن القضيتين هما معاٌ أساس قضية واحدة ألا وهي قضية السعادة البشرية ، فبالإنتحار الفيزيائي الجسدي يتخلص المرء ، يتخلص سلبياٌ ، من المعاناة والآلام ، ومن بشاعة الحياة ومصائبها ، وبالتمرد يتغلب المرء على واقعه ، ويمنح لوجوده ، وفي الحقيقة لحياته ، شيء من المعنى وشيء من المبنى والمغزى .
نكتفي بهذا القدر ، ونعترض على النحو التالي :
أولاٌ : لو نظرنا إلى المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو من مستويين ، المستوى الأول هو مستوى الوجود ، والمستوى الثاني هو مستوى الحياة ، وربطنا مابين المستويين ومابين المحاولة الذهبية في إسطورة سيزيف ، والتي تتمحور حول محاولة الإنسان الصعود بالصخرة من أسفل الجبل إلى ذروة الجبل ، وفي كل مرة يصعد بها قليلاٌ تتدحرج إلى أسفل الجبل ، بحيث إنه لايفلح إطلاقاٌ في الوصول بها إلى الإعلى .
والسؤال الجوهري هو هل هذه المحاولة تتعلق بمفهوم الوجود أن إنها تتعلق بمحتوى الحياة ، والجواب هو هل محاولة الإنسان ، ومهما تكن طبيعة وهدف هذه المحاولة ، تستطيع من حيث المبدأ المتأصل في الوجود أن تغير شيئاٌ من هذا الوجود أم إنها تسعى إلى تقويم الحياة ، إلى فهم الحياة ، إلى تقعيد الحياة ، فلاشك ولا إرتياب إنها تخص الحياة . وهذا يعني إن العبث ، لابسورد ، ليس عبثاٌ وجودياٌ كما يتمنى ويرمي إليه ألبير كامو ، إنما هو عبث حياتي ، أي إن ليس الوجود هو لابسورد إنما هي الحياة لابسورد ، وبالتالي إن مايسميه كامو بالقلق الوجودي ليس قلقاٌ وجودياٌ إنطولوجياٌ إنما هو قلق إعتباري ، قلق شعوري ، قلق تتعلق بالمرحلة التاريخية ، وهو ما لا يتقبله كامو البته .
ثانياٌ : ومن منظور آخر ، حيث المنظومة الفكرية تطرح مفهوم الإنسان العبثي ، وتطرح مفهوم الإنتحار الفلسفي ، والمفارقة مابين الأثنين ، الأول يتماهى مع حقيقة الوجود وينضوي تحت ماهيته ، والثاني يصادر حقيقة الوجود ويفضي إلى محتوى الإغتراب ، والمقاربة مابين الأثنين تخلق نوعاٌ من حالة التناقض التأصيلي :
فكلاهما يستندان على الوجود البشري أو على الحياة البشرية ، والإنسان من حيث كليهما هو منتوج غير أصيل في الكون ، هو منتوج لاحق ، أتى وسوف يزول ، ويتساوى هنا مع حقيقة الحيوان والنباات ، فهل يستطيع الأرنب أن يعين موضوع الوجود ، وهل تستطيع الشجرة أن تفعل ذلك .
وقد يخطر على البال إن وعي الإنسان قد يهدم مبنى هذه الحالة ، وفي الفعل إن هذا الوعي لايستطيع إلا أن يكون مرهوناٌ بالأصالة الوجودية للفيزياء ، للكيمياء ، للرياضيات ، لبنية وماهية تلك الجسيمات المجهرية الدقيقة ، كما إن هذه الأسس سوف تبقى بعد زوال البشر ، ومن الجدير ذكره إن ماذهب إليه كامو بهذا الصدد مميز ويتمتع بمصداقية بالغة سيما في حدود العلاقة مابين الإنسان ووجوده المؤقت ومابين ماهية وطبيعة هذا الكون ، وهذه الجسيمات ، أي إن الإنسان العبثي هو حالة ضرورية لفهم موضوع الوجود أو التوجه نحو أساسياته ، بعكس الإنتحار الفلسفي الذي لايفضي إلا إلى سبيل مصدود ، إلا إلى وهم حقيقي .
ثالثاٌ : ومن منظور ثالث ، حيث ال لابسورد ، حيث العبث ، فإذا ماقارنا مابين المنظومة الفكرية لهيجل ، ومابين المنظومة الفكرية لكامو ، ندرك بيسر إن منظومة هيجل تجسد منظومة إغتراب حقيقي ، وهي منظومة عاقرة عقيمة ، وهي جوهر الإنتحار الفلسفي ، وتصادر العلاقة الأصيلة مابين الواقع والإنسان ، بينما ندرك إن منظومة كامو تجسد العلاقة الأصلية مابين الواقع والإنسان ، لكنها تفشل في تحديد هوية هذه العلاقة لسبب بسيط ، وهو إن كامو يعتقد إن الإنسان هو جوهر أصيل وتام في الكون ، وهو جوهر يضفي على الواقع مقوماته الفعلية : هنا لا مندوحة من ملاحظتين :
الملاحظة الأولى ، يؤكد كامو إن الحياة لاتستحق أن نعيش فيها ، فيختزل الوجود والكون والواقع في مضمون الإنسان ، فلو كان سعيداٌ وخالداٌ فإن الحياة تستحق أن نعيش فيها ، لكن طالما ثمت كوارث وآلام وفواجع ومصائب ، إضافة إلى الموت ، فإن الوجود الإنساني لامسوغ له ولامبرر . أي هل يعتقد ألبير كامو إن ينبغي أن يكون الإنسان خالداٌ مخلداٌ في الوجود ، وأن يكون سعيداٌ سعادة مطلقة ، حتى يكون للوجود معنى ومسوغ ، وأن يكون للحياة مضمون وفحوى .
الملاحظة الثانية ، يؤكد كامو إن الجسد البشري يتراجع أمام الهدم ، أمام الهدم العدمي ، وكأنه يسعى إلى الخلود ، إلى قهر الفناء والموت . ولايدرك إن الجسد البشري ، بهذه الطريقة ، يدافع عن ذاته ، يدافع عن وجوده ، فجسدنا يملك ويتمتع بأساليب عديدة جداٌ يحمي بها ذاته .
رابعاٌ : من المؤكد ثمت مفارقة هائلة مابين منظومة فكرية تسعى إلى تفسير الوجود ، إلى تحديد مقوماته ، كما فعل معظم الفلاسفة ، ومابين منظومة فكرية تفرغ الوجود من كل شيء وتبطل مايمكن أن يكون شيئاٌ منه ، كما يفعل ألبير كامو ، وهذا يفضي إلى نتائج هالكة تحطم أية علاقة محمودة مابين الإنسان والوجود ، مابين الوجود والوجود نفسه ، وبالنتيجة نلج إلى سراديب تحكمها قوانين عبث العبث ، قوانين اللاقوانين ، وهذا ما لايقبله كامو نفسه .
خامساٌ : حينما ينعت كامو الوجود بالعبث ، والعبث ، في أصالته ، لايمكن إلا أن يكون إنطولوجياٌ ، فهذا يعني تماماٌ إن كامو يدرك كلياٌ ما هو اللاعبث ، ماهو الطرف المعاكس للعبث ، ماهو الشيء الذي إذا غاب أفضى إلى العبث ، أي الذي ، إذا غاب ، جعل من الوجود عبثاٌ .
وفي الفعل ، وفي كل مؤلفاته ، لايوجد سوى فكرة واحدة إستبدت بإطروحاته ، وهي تمثل غياب السعادة البشرية ، غيابها من خلال الموت ومن خلال العذاب ، والسعادة البشرية لايمكن أن تكون معياراٌ لحالة إنطولوجية ، أو مقياساٌ لمصداقية وجودية . لإن :
نحن لسنا إلا حالة مؤقتة على الأرض ، أتينا وسنزول ، أتينا بفعل مقدمات ما في الطبيعة ، ولم نكن مقصودين لكي نكون ، أي لا أحد في الوجود ، في الطبيعة ، في زاوية ما ، أراد أن نكون ، قصد ذلك قصداٌ ، وطالما إننا الآن هنا فمن الطبيعي والجوهري أن نعاني ، أن تمارس الطبيعة علينا كافة قوانينها ، كما تمارس ذلك على النباتات ، على الحيوان ، وعلى نفسها ، لذلك فإن سعادتنا ليست مقياساٌ ولا معياراٌ ، وليست إلا مفهوماٌ خاص بنا ، يخصنا دون غيرنا . وإلى اللقاء في الحلقة الواحدة والأربعين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخرج من قائمة أكثر 10 دول تفضيلاً لأصحاب الملايين |


.. قتلى فلسطينيون جراء قصف إسرائيلي على الطريق التجاري في رفح




.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تفوز على النمسا بصعوبة وتخسر خدمات مبا


.. هوكستين يشدد على ضرورة إنهاء النزاع بين حزب الله وإسرائيل بط




.. ما الرسائل العسكرية من مشاهد حزب الله لمواقع عسكرية وبنى تحت