الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صابئة القرآن في المصادر الإسلامية

سنان نافل والي

2023 / 2 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم تحظ المسألة المندائية باهتمام جدي وحقيقي على مستوى الدراسة والبحث العلمي من قبل المراكز البحثية العلمية العربية في العصر الراهن ولم تستطع حتى أن تكمل الخطوات التي سار عليها المستشرقون في هذا المجال ، بل نرى أن معظم ما كتب في هذا الموضوع من قبلهم كان دون المستوى المطلوب بشكل ملحوظ إضافة الى وجود واضح للعقلية الأيدولوجية والمذهبية في طروحاتهم التي اتسمت بقدر كبير من السطحية في محاولة
التوفيق بين ما كتبه المفسرون والرواة القدامى في هذا الشأن وبين ما أسفرت عنه الدراسات الحديثة ، وخصوصا من قبل المستشرقين (1) إلا أننا نرى أن الفقه الإسلامي وتأريخه قد زخرا بروايات وأحاديث عديدة حول الديانة المندائية وسبب هذا الاهتمام بالطبع هو ذكر الصابئة في القرآن ، في ثلاث سور من سوره ( البقرة -المائدة - الحج ) . إلا أن ما ذكر عنهم في تلك المرويات والأحاديث كان مشوشا في أغلبه ومتناقضا أحيانا ومختلفا عليه أحيانا أخرى الى أبعد الحدود ، حتى أنه بعد أكثر من أربعة عشر قرنا منذ أن بدأ هذ الاهتمام بهم ، مازالت الحيرة وعدم الفهـم الصحيح لهذه الديانــة من قبلهم هي السائـدة علـــى المشهد العام وبالتالي مازالت الحاجة الى تعريف محدد وواضح يتيح لفقهاهم ومؤرخيهم إمكانية تبني الطريقة والنهج السليم الذي يمكن على أساسه من التعامل معهم مثلما ذهب الى ذلك مرشد الدولة الإيرانية آية الله علي الخامنئي حين قال:
( والحق الذي ينبغي الاعتراف به هو أننا لا نعرف من المعارف والأحكام الدينية لهذه النحلة التأريخية ، والتي أصبح المنتمون إليها موجودين بين أيدينا وفي عقر دارنا (2) شيئا كثيرا تسكن النفس بملاحظته الى معرفة أصحابها والباحث في هذا الموضوع يجد في حقل البحث الموضوعي فيه فراغا كبيرا لم يسد مع الأسف (3). إلا أنه يضيف بعد ذلك :
( إن الأقوى والأظهر بحسب الأدلة أن الصابئين يعدون من اهل الكتاب (4) ) (5). ولكن مع الاعتراف بهم كأهل كتاب وموحدين إلا أن دستور الدولة في إيران لا يعترف بهم ضمن الأديان المعترف بها مثلما جاء في المادة الثالثة عشر من الدستور :
( الإيرانيون الزرادشت ، اليهود ، والنصارى ، والمسيحيون، وحدهم المعترف بها ، وتتمتع بالحرية في أداء مراسمها الدينية ضمن نطاق القانون . ولها أن تعمل وفق قواعدها في الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية ) (6)
هذا التساؤل الذي طرحه مرشد الدولة الإيرانية هو نفسه ما كان يطرح خلال المئات من السنين الماضية من قبل الفقهاء المسلمين الذين كانوا بين قلة قليلة تؤكد وحدانيتهم ونزاهة عبادتهم من الشرك والضلال كما ذهب الى ذلك فقهاء الحنفيين(7) وكذلك الشيعية حيث كانت لهم فتاوى وآراء إيجابية منهم اعتمادا على ماورد في القرآن بخصوص الصابئة وكذلك ماورد في كتب الصابئة أنفسهم (8) حتى أن الإمام أبو حنيفة النعمان قد أفتى بإنه لا بأس بذبائحهم ونكاح نسائهم وكذلك كان هو نفسه موقف تلميذه القاضي أبو يوسف حين سئل عنهم (9) وبين أكثرية متشددة ومتطرفة ضدهم حيث يذهب هذا الفريق الى أنهم وثنيون وعبدة كواكب ، وكان من أكثر الفقهاء تشددا ضد المندائيين هم فقهاء الشافعية (10) الذين صدرت عن بعضهم فتاوى تصل الى حد القتل والإبادة بحقهم . وعلى الرغم من ذكر الصابئة كما أسلفنا في القرآن في ثلاث من سوره:
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (11) وفي سورة المائــدة : ( إن الذيـن آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(12).
أما في سورة الحج فقد أضيف الى ما تم ذكره سابقا المجوس والمشركون :
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ) (13). إلا أننا نلاحظ أن من قام بتفسير القرآن وآياته قد اختلفوا هم أيضا في تفسير كلمة الصابئة التي وردت في تلك السور الثلاث حيث يذكر الواحدي في بيان الأسباب التي من أجلها نزلت الآية الأولى بأنها ( نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، لما قدم سلمان على رسول الله (ص) ، جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم وقال : يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبيا . فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال رسول الله: يا سلمان هم من أهل النار! فأنزل الله:
( إن الذين آمنوا والذين هادوا........ وتلا قوله: ولا هم يحزنون) (14). ويضيف أيضا في نفس الكتاب وبنفس السياق أنه قد روي عن ابن مسعود وإبن عبـاس: ( نزلت هذه الآيـة في سلمـان الفارسـي كان مـن أهل جنديسابور من أشرافهم ) . فهل يقصد هنا أن سلمان الفارسي(15) كان مندائيا وأن الآية القرآنية كانت تشير بلفظة الصابئين الى ذلك وخصوصا أن المندائيين كانوا موجودون بالفعل في بلاد فارس في تلك الفترة؟ ولكن هل يمكن أن يكون حديث سلمان الفارسي مع الرسول كان إشارة الى المجوسية وليس الى المندائية ؟ البعض يعترض على هذا التخمين على اعتبار أن المجوس لم يأتي ذكرهم إلا في سورة الحج بينما الحديث هنا عن تفسير كلمة الصابئين في سورة البقرة حيث لم يرد ذكر المجوس معهم في نفس الآية (16). مع أن حديث سلمان في جزء كبير منه لا يمت بصلة الى المندائيين، خصوصا مسألة الإيمان بالنبي محمد والشهادة على بعثته(17) . أما الطبري فكان له رأي آخر ، إذ يقول في تفسيره لكلمة الصابئين التي وردت في الآية 62 من سورة البقرة أن:
( الذين عنى الله بهذا الاسم قوم لا دين لهم .. الصابئة ليسوا بيهود ولا نصارى ، ولا دين لهم .. الصابئون بين المجوس واليهود ، لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم .. إنهم قبيلة من نحو السواد ، ليسوا بمجوس ولا بيهود ولا نصارى .. الصابئون دين من الأديان ، كانوا بالجزيرة ، جزيرة الموصل ، يقولون لا إله إلا الله . وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله .. هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة .. الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرؤون الزبور .. وقال آخرون : بل هم طائفة من أهل الكتاب ) (18). الطبري هنا يجمع بعضا من الآراء والتفسيرات بشأنهم وهي كما رأينا مختلفة فيما بينها كثيرا ، فهم لا دين لهم بداية وهو بهذا التفسير إنما يكرر ما ذكره الصنعاني بإنهم ( الصابئون ) قوم بين اليهود والمجوس وليس لهم دين ( 19) . مع أن هاتين الديانتين، أي المجوسية واليهودية من الأديان الكبيرة والمنتشرة حينها وذكر الصابئة بينهما هو إشارة ضمنية على أن لهم أيضا ديانتهم الخاصة بهم ، إسوة بالأخيرتين ، فكيف لا دين لهم ؟ ثم يذكر أنهم دين من الأديان في جزيرة الموصل وربما المقصود هنا بالأيزيديين، فهم يقولون لا إله إلا الله ولكنهم لا يقروا بنبوة محمد (20) أما أنهم يقرأون الزبور فهي تسمية عامة وخصوصا أن معنى كلمة الزبور في اللغة العربية هو (كتاب) وكتاب المندائيين كما هو معلوم اسمه (كنزا ربا) ومن المحتمل أن تسمية الزبـــور قد ألصقت بهم من المحيط الاجتماعـي لهم من المسلمين. أكثر رأي مقارب مما ذكره الطبري هو أنهم قبيلة من سواد العراق، ليسوا بالمجوس ولا اليهود ولا النصارى. أما الزمخشري فهو يركز في تفسيره لكلمة الصابئين المذكورة في تلك الآية على موضوع عبادة الملائكة فيقول أنهم : ( قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة ) (21) . بينما يذكر ابن كثير في تفسيره للكلمة عدة آراء، منها: (أنهم قوم بين المجوس واليهود والنصارى، ليس لهم دين. الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور. إنهم كالمجوس. قوم يعبدون الملائكة. إنهم يصلون الى القبلة ويصلون الخمس. الصابئون قوم مما يلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون الى اليمن كل يوم خمس صلوات. أنهم قوم يشبه دينهم ديم النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب، يزعمون إنهم على دين نوح عليه السلام. إنهم موحدون ويعتقدون بتأثير النجوم وأنها فاعلة) (22). ما عدا الآراء المكررة التي ذكرها المفسرون الآخرون حول الكلمة ودلالتها، فإنه يذكر أيضا ما يمكن أن يكون بالفعل قريبا من المندائيين الى حد ما عندما يذكر على لسان الخليل أن دينهم يشبه ديـن النصارى وأنهم على دين نوح عليه السلام وربما المقصود هنا هو التشابه بين طقس الصباغـة لدى المنــــدائيين يلي العراق وهم بكوثى مما يذكرنا مباشرة بالهجرة المندائية الى مدينة حران كويثا خلال أو بعد الثورة اليهودية الأولى ضد الحكم الروماني في أورشليم سنة 60-70 ميلادية(23) . هل المقصود بكوثى هي نفسها حران كويثا أم هو مجرد تشابه لفظي للمكانين ؟ في كتابه الكبير ( التفسير الكبير ) ، يذكر الإمام المفسر فخر الدين الرازي في تفسيره لكلمة الصابئين بأنهم : ( أما قوله تعالى والصابئين فهو من صبأ إذا خرج من دينه الى دين آخر ، وكذلك كان العرب يسمون النبي -ص- صابئا لأنه أظهر دينا بخلاف أديانهم ) (24) ويضيف ( ثم لهم قولان : الأول إن خالق هذا العالم هو الله -سبحانه - إلا أنه ( سبحانه ) أمر بتعظيم هذه الكواكب واتخاذها قبلة للصلاة والدعاء والتعظيم . والثاني إن الله خلق الأفلاك والكواكب، وهي المدبرة لما من في هذا العالم ، الخير والشر والصحة والمرض، فيجب على البشر تعظيمها لأنها هي الآلهة المدبرة لهذا العالم) (25) . ويضيف بعد ذلك تفاصيل كثيرة لا داع لذكرها لما فيها من تكرار لما سبق ولكننا نعرف أن هناك نصوصا عديدة في (كنزا ربا ) تحرم تحريما كاملا مسألة عبادة الكواكب والنجوم وهي نصوص صريحة وواضحة ، لا تقبل تفسيرا أو تأويلا بغير ما يقصد بها أو يذهب إليه ، ومنها:
( لا تسجدوا للشيطان ، ولا تعبدوا الأصنام والاوثان ، من يسجد للشيطان فمصيره النار ، بئس المنتهى وبئس القرار ، خالدا فيها الى يوم الدين .. ساعة خلاص العالم .. ساعة يحاسب الديان ، نفس كل إنسان)
وأيضا : ( أما عبدة الشيطان .. أما عبدة الأصنام والأوثان ، فإلى النار الموقدة يذهبون ) ونقرأ كذلك في تعاليم النبي يحيى: ( أبنائي إحذروا ، لا تسجدوا للشيطان ، والأصنام والتماثيل في هذا العالم ، مذنب من يفعل ذلك ، ولن يصل الى دار الكمال) وهناك أمثلة أخرى وبنفس السياق حول معنى كلمة (الصابئة)، بأنها من انتقل من دين الى دين آخر حيث نقرأ : (ربيعة بن عباد وهو يقول : رأيت النبي عندما كنت وثنيا ، قال للناس " إذا أردت إنقاذ نفسك تقبل أن لا إله إلا الله " حينها لاحظت رجلا خلفه يقول: هو صابئ ) (26). ويبدو ان هذه التسمية التي أطلقها العرب على النبي محمد خلال الفترة المكية كانت تعبر بشكل ما عن العلاقة بين مصطلح ( صابئ ) ومدلوله وبين ماهية التعاليم الجديدة التي يدعوا إليها المسلمون والمرتكزة أساسا على توحيد الخالق وعدم الإشراك به وذلك بقولهم ( لا إله إلا الله ) ، ويحدثنا عبد الرحمن بن زياد ضمن هذا السياق : (أطلق المشركون على النبي وجماعته " هؤلاء الصابئون " مقارنة بأولئك لأن الصابئة الذين يعيشون في جزيرة الموصل(27)
يذكروا أن (لا إله إلا رب واحد) (28) ويذكر أن أهل مكة كانوا يضربون أبا ذر الغفاري عندما أسلم لأنه خرج عن ملتهم وأصبح صابئيا (29) ونقرأ في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أن : ( لبيد الذي كان أيضا قد ذهب الى الرسول ليطلع على الأمور ، حدث أهله لدى عودته عن القيامة والجنة وجهنم ، وسمى شاعر يدعى ( صرافة ) هذا الدين " دين الصابئين " (30) . ولكن يبدو أن هذه التسمية وإن دلت في معناها على تغيير الإنسان لدينه واعتناقه دينا جديدا ، إلا أن المسلمين الأوائل على ما يبدو قد رفضـوا أن تتم تسميتهم بـهذه الكلمة لسبب ما (31) ويؤكد العلامة طه حسين في كتابه ( في الأدب الجاهلي ) ص59 ، على وجود ما سماهم بصابئة الجزيرة حيث يقول : ( وفي القرآن رد على الوثنيين فيما كانوا يعتقدون من الوثنية وفيه رد على اليهود وفيه رد على النصارى وفيه رد على الصابئة والمجوس . وهو لا يرد على يهود فلسطين ولا على نصارى الروم ومجوس الفرس وصابئة الجزيرة وحدهم ، إنما يرد على فرق من العرب كانت تمثلهم في البلاد العربية نفسها ) وفي ( سيرة ابن هشام ) أن عمر بن الخطاب صار صابئيا ، بيد أن عمر نفى ذلك معلنا أنه قد اعتنق الإسلام لكن قريشا أصرت في تسميتها إياه وقالت ( صبأ عمر ) (32) أما الإمام الزمخشري فإنه يفسر الآية 62 من سورة البقرة بقوله: (الصابئون ، وهو من صبأ إذا خرج من الدين ، وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة) (33).

المصادر والهوامش
(1) أحمد العدوي : تأريخ الدراسات المندائية وأبرز المستجدات في دراسة أصول الصابئة المندائيين ومصادر ديانتهم . ص 63
(2) الملاحظة هنا أن مرشد الدولة الإيرانية يتحدث عن المندائيين وكأنهم حالة طارئة وحديثة العهد على المجتمع الإيراني بينما تواجدهم هناك قد مضى عليه المئات من السنين.
(3) 3- د. رشيد الخيون : المندائيون في الفقه والتأريخ الإسلاميين . ص 35 .
(4) رشيد الخيون : المصدر السابق ص 34.
(5) اختلف العلماء في المقصود بأهل الكتاب ، فمن العلماء من عدّ أن تلك اللفظة خاصةٌ بمن يؤمن بكتابٍ سماوي بذاته وذهب آخرون إلى أنّ أهل الكتاب هم القوم الذين أرسل إليهم النبي عموماً ولا تشمل من آمن بذلك النبي من غيرهم من الأقوام . ذهب فقهاء الحنفية إلى أنّ المراد بأهل الكتاب: كلّ من يؤمن بنبي ويقر بكتاب وديانة سماوية ، سواءً كان ذلك النبي مبعوثاً بالرسالة لقومٍ مُعيّنين أم أنه أرسل برسالةٍ عامة ويدخل في أهل الكتاب اليهود والنصارى ومن آمن بزبور داود ومن آمن بصحف إبراهيم وذلك لأن من آمن بتلك الكتب إنما هم يؤمنون بدينٍ سماوي منزلٍ بكتاب . بينما المالكية والشافعية والحنابلة قالوا أنّ المراد بأهل الكتاب هم اليهود والنصارى بجميع فرقهم وجماعاتهم المختلفة ومن دخل في معتقدهم وآمن به دون أن يشمل ذلك غيرهم ممّن لا يُؤمن إلا بصحف إبراهيم وزبور داود. - موقع أنترنت : (موضوع )
(6( دستور الجمهورية الإسلامية . ص44
(7) المذهب الحنفي : ويسمى أيضا مذهب أهل الرأي وهو أقدم المذاهب الأربعة وصاحبه الإمام أبو حنيفة النعمان الكوفي المولود سنة 80 والمتوفى سنة 150 للهجرة . ويقال لأصحابه أهل الرأي لأن الحديث كان قليلا بالعراق فاستكثروا من القياس ومهروا فيه . ويذكر أصحاب طبقات الحنفية أن هذا المذهب شاع في بلاد بعيدة ومدن عديدة كنواحي بغداد ومصر وبلاد فارس والروم .( أحمد تيمور باشا : المذاهب الفقهية الأربعة ص 50 )
(8) د. رشيد الخيون : المصدر السابق ص 15 .
(9) عزيز سباهي : أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية ص 225 .
(10) المذهب الشافعي : ينسب هذا المذهب الى الإمام محمد بن إدريس الشافعي المولود بغزة سنة 150 والمتوفى بمصر سنة 204 للهجرة . ومذهبه هو ثالث المذاهب في القدم ويقال لأصحابه - أهل الحديث - كالمالكية وهو ممن أخذ عن الإمام مالك ثم أستقل بمذهب خاص . قال ابن خلدون : رحل الى العراق بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة أخذ عنهم ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق وأختص بمذهب وخالف مالكا - رحمه الله - في كثير من مذهبه .( أحمد تيمور باشا : المذاهب الفقهية الأربعة ص70-71 .
(11) سورة المائدة . آية 62 .
(12) سورة المائدة . آية 69 .
(13) سورة الحج .آية 17
(14) الواحدي : أسباب النزول . ص22
(15) سلمان الفارسي ، واسمه الحقيقي كما يذكره الطبري في كتابه ( تأريخ الأمم والملوك ج2 ) هم مابه بن بوذخشبان بن ده ديره بينما يقول الكاتب هادي العلوي في كتابه ( شخصيات غير قلقة في الإسلام ) أن أسمه الحقيقي هو ( روزبة ) بضم الراء وسكون الزاي ويضيف العلوي أن ولادته كانت في مدينة أصفهان في ناحية تسمى ( جي ) أو (جيان ) وقد عرف عند أهل العراق باسم ( سلمان باك ) وتعني سلمان الطاهر . هاجر سلمان الى الموصل ، شمال العراق وفي رواية أخرى الى بلاد الشام وانظم هناك الى أحد الأديرة متنصرا على يد راهب وأستمر هناك في خدمة الدير حتى انتقل الى دير آخر في نصيبين ثم آخر في عمورية ولظروف معينة توجه الى الحجاز مع بني كلب بعد أن سمع في ذلك الحين بظهور نبي في الحجاز ( كما يفترض بالقصة هكذا ) وبعد الوصول الى المدينة ، توجه الى النبي محمد وأعلن إسلامه على يديه وتم تغيير اسمه الى سلمان الفارسي . وحاول الشيعة تسميته " سلمان المحمدي " لكن الاسم لم يتعمم . تقول المصادر الشيعية أنه اسلم في السنة الأولى للهجرة ولكن لا يوجد له ذكر في معركتي بدر وأحد إنما يبرز اسمه في معركة الخندق . ( هادي العلوي : شخصيات غير قلقة في الإسلام ص12).
(16) د. رشيد الخيون : المندائيون في الفقه والتأريخ الإسلاميين ص22.
(17) من الجدير بالذكر هنا هي الإشارة الضمنية التي ذكرها هادي العلوي في كتابه عندما تناول سيرة سلمان ، من أنه كان مجوسيا ثم مسيحيا ، بأنه يمكن أن يكون مندائيا قبل كل شيء، وذلك عندما تحدث عن الموقف من الاكتناز أو الكنز حيث يقول : ( كنت رجحت في دراستي لمسألة تحريم الاكتناز أنها وقعت بتأثير من سلمان. هادي العلوي: شخصيات غير قلقة في الإسلام. ص19 في إشارة الى الآية القرآنية:
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيــل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ماكنتم تكنزون ) . سورة التوبة . آية 34-35.
ونحن نقرأ أيضا تلك النصوص التي ذكرها " كنزا ربا " التي تحرم الاكتناز وحب الذهب والفضة : ( لقد شغلني ذهبي وشغلتني فضتي ، ذهبي رماني في الجحيم وفضتي أسكنتني في ظلام بهيم ، وحلي ومرجاني.. آ ليت أن يصادقاني .. فأي شر علماني ) . كنزا ربا اليسار : ص126.
( لقد ولعت بالفضة والذهب فألقيا بك في لجة اللهب ) . كنزا ربا اليسار: ص127 . وكذلك : ( أن حب الذهب والفضة وجمع الأموال ، صاحبه يموت ميتتين في موت واحد ) . كنزا ربا اليمين : ص264 .
(18)- الطبري : جامع البيان في تأول القرآن .ج2 . ص35-37
(19)- الصنعاني : تفسير القرآن .ج1. ص47 .
(20) - د. رشيد الخيون : المصدر السابق . ص 25
(21) - الزمخشري : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . ج1. ص285 .
(22) إبن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم . ج1 . ص180-81.
(23) يفترض أن الهجرة المندائية التي يتحدث عنها الكتاب التاريخي الوحيد لدى المندائيون وهو ( حران كويثا ) ، إنها قد حدثت ما بين سنة 60 الى 70 ميلادية عندما اجتاح القائد الروماني تيتوس مدينة اورشليم وقام بتدميرها بالكامل بما فيها الهيكل اليهودي بسبب الثورة التي قادها بر كوخبا ( ابن النجم ) ضد السلطة الرومانية الحاكمة في المدينة والتي عرفت تلك الثورة فيما بعد بالثورة اليهودية الأولى ، إلا أن بعض الباحثين يعترض على تأريخ هذه الهجرة ويرجعها الى وقت أبكر من هذا ، بحدود 30 الى 35 ميلادية . المهم أن الهجرة قد حدثت بالفعل ويبدو أن الأحداث التي جرت والتي كانت السبب في تلك الهجرة كانت دموية جدا بحيث يتحدث الكتاب عن أن آلافا من الناصورائيين قد قتلوا وأن عددا كبيرا جدا من المندائيين قد أضطر الى ترك دياره والهروب سريعا الى مدينة حران بعد ذلك القتل والاضطهاد الذي مورس ضدهم من قبل اليهود . هذا الأمر يجعلنا نفهم أن صراعا دينيا مستترا ( ربما ) كان موجودا أصلا قبل الثورة اليهودية والتي كانت تشكل الفرصة المناسبة للطرف اليهودي أن ينقل هذا الصراع الى الحالة العلنية مستغلين الأحداث والفوضى التي رافقت تلك الثورة . لقد شكلت تلك الهجرة حدثا مفصليا في التأريخ المندائي ، فقد كانت مؤشرا على انتهاء التواجد المندائي في فلسطين بشكل كبير ولكن ليس بشكل كامل وتام إذ بقيت العديد من العوائل المندائية هناك واستمرت متمسكة بدينها وعاداتها وتقاليدها حتى بدايات القرن العشرين . ولكن لماذا مدينة حران بالتحديد ؟ هل لأن لديهم ، مثلما يذكر كتاب ( حران كويثا ) إخوة لهم في الدين ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، لماذا تركوها مرة أخرى بعد فترة من الاستقرار ولفترة غير معلومة فيها لينتقلوا مرة ثانية وفي هجرة ثانية الى الجنوب العراقي ، خصوصا أن المندائيين متواجدين مسبقا في بابل ( كما يشير الى ذلك أصحاب نظرية الأصل الشرقي وبأن المندائية قد بدأت وتواجدت أول الأمر في العراق وإيران ) ، فما الحاجة الى الذهاب الى حران في البداية وليس مباشرة الى الجنوب العراقي ؟ يقول الكتاب أن اضطهادا ثانيا قد وقع لهم هناك أيضا من قبل الحكام اليهود ، ولكن اليهود متواجدين في بابل كذلك فما هو المغزى من هذه الهجرة الثانية ؟ وهل هاجر كل المندائيين الى بابل أم بقي عددا منهم في حران ؟ هل عاد قسم منهم الى فلسطين بعد إخماد الثورة اليهودية في اورشليم أم لا ؟ طبعا هناك أسئلة كثيرة حول ما حدث بعد خروجهم من فلسطين ومن الصعوبة بمكان أن نحصل على الإجابات الكاملة بهذا الخصوص .
(24) يشير أحمد عدوي في كتابه " الصابئة منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الخلافة العباسية " ص44 ، الى أن " كتب الحديث النبوي الستة ، بالإضافة الى موطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل ، تخلو تماما من أي إشارة الى الصابئة ، باستثناء تلك التي تتعلق بالإشارة الى وصف مشركي قريش للنبي وصحبه بالصابئة وهي على سبيل الحصر : حديث المرأة التي استسقاها الصحابة بالبادية وسألوها المضي الى النبي " إذا قالت : الى أين؟ قالا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : الذي يقال له الصابئ؟.
(25) - الإمام فخر الدين الرازي : التفسير الكبير ج3 . ص105-106
(26) س. كوندوز : معرفة الحياة . ص 33
(27) يمكن أن يكون حديث عبد الرحمن بن زياد هنا عن الأيزيديين الذين يسكنون جزيرة الموصل كما ذكرنا في موضع سابق وليس عن المندائيين).
(28) س . كوندوز : المصدر السابق . ص33
(29) محمد نمر المدني: الصابئة المندائيون العقيدة والتأريخ. ص144.
(30) محمد نمر المدني : المصدر السابق . ص144
(31) إن رفض المسلمون الأوائل لهذه التسمية وعدم قبولهم بها ، يوحي إلينا بوجود جماعة سابقة للإسلام وتعيش في الجزيرة العربية فعلا وتحمل نفس الاسم ، وما يدعم هذا الرأي هو ما ذكره الآركيولوجي ( يوليوس لوي ) بأن الصابئين كانوا يسكنون في واحة تيماء ، شمالي الحجاز وإن ذكرهم قد ورد في الإصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين في العهد القديم باسم ( شبأ ) .
Julius Lewy : Late Assyoro_babyliokian Cult of the Moon and its Culmination of the Time of Nabonidans .
(32) محمد نمر المدني : الصابئة المندائيون العقيدة والتأريخ . ص 144
(33) الإمام الزمخشري: الكشاف. ج1. ص159








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي