الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود محمد طه سيد شهداء الفكر الحر المعاصر

علاء الدين محمد ابكر
كاتب راي سياسي وباحث إعلامي ومدافع عن حقوق الانسان

()

2023 / 2 / 3
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بقلم ✍🏽 علاء الدين محمد ابكر

في سبتمبر من العام 1983 اعلن الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري عن تطبيق احكام الشريعة الإسلامية بقرار جمهوري بدون اجراء استفتاء شعبي في بلاد متعددة الاعراق والمعتقدات الدينية والثقافية والاجتماعية خاصة اقليم جنوب السودان الذي انسلخ من اتفاقية سلام سابقة وقعها مع النميري في العام 1973 وذلك لعدم احساسهم بضمان حقوقهم في بلد متقلبة المزاج وكثيرة الإنقلابات العسكرية والتي غالباً ما تكون مدعومة من احزاب سياسية تستغل الجيش لتمرير اهدافها السياسية ومن بين هولاء جماعة الإخوان المسلمين والتي عرفت نفسها بانها حركة اسلامية تريد تطبيق الدين الإسلامي في بلاد دخلت طوعا في الاسلام بموجب اتفاقية البقط في العام 652م مابين عبد الله بن ابي السرح قائد الجيش المسلم وبين مملكة المغرة التي دخلت في حرب معهم وقد نصت بنود تلك الاتفاقية علي اشاعة الحرية الدينية وحق الاعتقاد اذا بالتالي لايحتاج السودان الي اعادة لنشر الاسلام بالقوة ،

كان يمكن لمحمود محمد طه ان يعيش ويموت مثله مثل كل السودانيين لو لم يتعرض علي قرار النميري باعلانه للشريعة الاسلامية بشكل فردي والنميري الذي كان يعيش اسوء ايام نظامه تعرض الي كوارث طبيعية مثل موجه الجفاف والتصحر في العام 1984 واحجام الغرب عن تقديم دعم مباشر للسودان فقد ساعدت الظروف العصيبة جماعة الاسلاميين من السيطرة علي النميري بالايحاء له بالسيطرة علي البلاد في حال اصبح امام للمسلمين بعد تطبيقه للنهج الاسلامي فاقصر طريق للسيطرة على الشعوب هي رفع الشعارات الدينية

اتي اعتراض الراحل محمود محمد طه علي قرارات سبتمبر الصادرة في العام 1983 من باب فلسفي سياسي تقدمي فالسودان بلد متعدد الأعراق والأديان والمذاهب ومن الصعب ان يحكم بنهج واحد والراحل محمود محمد طه وهو بذلك الوصف قد اتاح فرصة لافراد الشعب السوداني حتي يعرفون الحقيقة و حتي لايوصف علي انه يهاجم تطبيق الشريعة الاسلامية في جوهرها ولكنه كان يقصد مظهرها العام وقد اتضح في مابعد للشعب السوداني ان قرارات سبتمبر 1983 هي مجرد قيود القصد منها ترسيخ الديكاتورية وحكم الفرد والمدهش ان محمود محمد طه لم يكن مجهول الهوية بالنسبة لنظام النميري فقد صدر بحقه في العام 1968 حكم غير ملزم من محكمة شرعية بتكفيره ولكن لم يثار ذلك الحكم الا عندما قال للنميري هذا او الطوفان واعلن عن معارضة لاستغلال الدين في السياسة وخداع الناس حينها شعر النظام المايوي بالخطر واخذ يبحث عن اي تهمة للتخلص من محمود محمد طه وقد كان لهم ذلك عبر محكمة صوريه تخلوا من ابسط حقوق الانسان في حق الدفاع والاستنأف

لم يحدث ان تعرض احد في السودان المستقل في العام 1956 للظلم بمثل ما تعرض له الراحل محمود محمد طه حيث لم يجد قضاء عادل حتي يتمكن من ان يدافع عن نفسه لذلك اكتفي بتعليقه الساخر من تلك المحكمة الهزيله وقال قولته الشهيرة بانه لا يعترف بتلك المحكمة التي مثل امامها وفي رد سابق لعصره قال
أنا أعلنت رأيي مرارا، في قوانين سبتمبر 1983م، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام.. أكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه.. يضاف إلى ذلك أنها وضعت، واستغلت، لإرهاب الشعب، وسوقه إلى الاستكانة، عن طريق إذلاله.. ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير..
وأما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها، غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين.. ومن أجل ذلك، فإني غير مستعد للتعاون، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين)) كانت كلمات خالدة ليصمت بعدها الراحل محمود محمد طه الي ان واجه الموت بكل ثبات وقد بلغ اكثر من سبعين عام من عمره فمن تمكن من سماع حديث الراحل محمود محمد طه المسجل في العام 1985 اثناء انعقاد المحكمة يظن انه يتحدث عن هذا العصر الذي سادت فيه صحوة ضمير المجتمع الانساني العالمي عن ضرورة احترام حقوق الانسان فمن حق المتهم حسب القانون الدولي الاعتراض علي القاضي اذا شعر انه منحاز وذلك مافعله محمود محمد طه

وعقب سقوط نظام النميري تم وصف تلك المحكمة علي انها باطلة بنص قرار النائب العام على النحو التالي:
نعترف بأن المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد بإجراءات القانون.
أن المحاكمة إجهاض كامل لعدالة القانون.
ليتم تاكيد ذلك عبر
المحكمة التي قررت الاتي
1- إعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين
محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف.
2- إلزام المدعيين برسوم وأتعاب المحاماة في هذه الدعوى
✍🏽 ووقع عليه محمد ميرغني مبروك، رئيس القضاء و رئيس الدائرة الدستورية وكل من زكي عبد الرحمن وفاروق أحمد إبراهيم ومحمد حمزة الصديق قضاة المحكمة العليا وأعضاء الدائرة الدستورية
اتي ذلك الاجراء بناء علي طعن دستوري بتاريخ 25 فبراير 1986م تقدمت به أسماء محمود محمد طالبت فيها بإعلان بطلان إجراءات محاكمة المواطن محمود محمد طه (والد المدعية) تلك الإجراءات التي انتهت بالحكم عليه بالإعدام وتنفيذه ولأنها أدت إلى إهدار حقوقه الدستورية المنصوص عليها في الدستور الدائم (الملغى) لسنة 1973م والدستور المؤقت لسنة 1985م واللذين أكدا على تلك الحقوق استناداً إلى ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اذا بالتالي يعتبر ذلك الحكم رد اعتبار للراحل محمود محمد طه و علي حكومة السودان تقديم تعويض مادي كبير الي اسرة الراحل فالاعتراف سيد الادلة واعلان المحكمة ببطلان الحكم الصادر علي الراحل محمود محمد طه يعتبر اعتراف من الدولة بقتل مواطن مارس حقه في التعبير بالتالي يحق لكريمة الراحل رفع قضية علي حكومة السودان للحصول علي تعويض مادي يساعد علي تأسيس جامعة لبث فكر الراحل

ان التاريخ الانساني حافل بالكثير من الاحداث المشابهة لما حدث للراحل محمود محمد طه فعندما يصطدم المفكر بالدولة ودهاقنة الدين وينتقد اساليبهم في الحياة اليومية والتي تحمل الكثير من التدليس والخداع والتلاعب بعقول الناس فالتهمة حينها بالطبع تكون جاهزة عبر كل زمان ومكان و هي وصف المفكر الحر بالتجديف والالحاد والكفر ومن اوائل شهداء الفكر كان المفكر اليوناني سقراط الذي سبق المسيح بفترة طويلة وكان سقراط يواجه اتهامات دائمة بـ “الكفر” بسبب معتقداته لذلك قدمته السلطات إلى المحاكمة بتهمة كفرانه بالآلهة التي تعبدها آثينا وتمت محاكمته في محكمة علنية في الهواء الطلق وقف رئيس الجلسة موجهًا الإتهام لسقراط (وقد بلغ السبعين من عمره) بعدم الإيمان بالآلهة التي تؤمن بها الأمة ، ودعوته لعبادة جديدة ، وفلسفة غريبة وفي إثارة للنفوس وإفساد للشباب وكانت العقوبة لتلك التهم هي الإعدام استمر سقراط في مجادلة أعضاء المحكمة حتى أوقعهم في حرج شديد ، ولتفادي ذلك اتي رد القاضي باصدار حكم بالاعدام علي سقراط وهو بان يشرب السم بنفسه وتقبل سقراط الحكم وهو موقن بان الجسد لاخلود له عكس الروح وبالفعل تم تنفيذ حكم الاعدام ولكن لم تعدم افكاره التي انتشرت بشكل اكبر عكس ما كان يظن اعداءه فالموت ليس نهاية المطاف بالنسبة للمفكرين بينما يموت الطغاة وتجار الدين وهم احياء في قلوب الناس ، لم تختلف حياة المسيح عن سقراط كثيرا فالمسيح لم يجد معارضة من السلطات الرومانية التي كانت تحكم اجزاء كبيرة من العالم القديم تحديد في الشام و لكن عقب حدوث الصدام الاكبر بين المسيح مع التجار الجشعين عندما كانوا يبيعون في الهيكل حيث شرع المسيح في طردهم من الهيكل فكان المسيح يبغض التجار الجشعين ورجال الضرائب فقد كانوا علي حسب اعتقاد المسيح انهم في سبيل تحصيل المال والضرائب من الناس يستخدمون افعال تعتبر بوصف اليوم انتهاك لحقوق الانسان وهنا شعر رجال الدين اليهود بالخطر فايقاف البيع في ساحة الهيكل يعني ايقاف مصدر مهم للمال الذي يذهب مناصفة بينهم والسلطات الحاكمة الرومانية التي تركت لهم امر تحصيل الضرائب وبالفعل قام كهنة اليهود باعتقال المسيح وتقديمة الي محاكمة فشلت في اثبات التهم الموجهة اليه علي انه يحاول الخروج عن طاعة الدولة الرومانية وامام اصرار الكهنة اليهود خضع الحاكم الروماني الي رغبتهم باصدار حكم بصلب المسيح والذي ظن خصومه بان بموته قد تنتهي تلك الثورة ضد الجشع ولكن صار اعدام المسيح سببب في تحول الامبراطورية الرومانية ذاتها الي اعتناق نفس افكار الشخص الذي قامت بصلبه قبل 300 عام ، والحلاج في بلاد العرب لم يختلف عن رفاقه المذكورين أعلاه فعندما ارتفعت شعبيته في بغداد خشيت السلطات من ان يشكل لهم في المستقبل مهدد امني قد يطيح بهم خاصه وانه كان ينتقد كنز الدولة للمال و كان الحلاج يعيش حياة اشبه بالزهد والتقتشف وذلك ما يجعل الناس تلتف حوله وللتخلص منه تم القبض عليه ولم يجهد الحاكم نفسه كثيراً في امر الحلاج فكانت العقوبة التاريخية لاصحاب الفكر المستنير هي الاعدام وبالفعل تم قتله جسدا بينما روحه لاتزال تعيش بيننا حتي اليوم من خلال الكتب التي تهتم بالتاريخ والفلسفة ومع انتشار التقنية الحديثة في النشر صار متاح للجميع بكبسة زر واحدة الاطلاع علي كل تلك الكتب

ان الموت لايعني نهاية المطاف بالنسبة للفكر الحر فالانسان مصيره الحتمي هو الفناء بينما الفكر الحر مصيره البقاء وعلي ذات الطريق سار الراحل محمود محمد طه والذي له اليوم اتباع من جيل لم يشاهدوا الا وصفا او عبر ما كتب عنه من مولفات اذا فان محاولات خصومه بمنع بث افكاره اتت لصالحه فالممنوع مرغوب لدي الناس بالاطلاع علي ما خفي عنهم ،

ان المعركة مابين الشر والخير اليوم تختلف كثيراً عن ما كانت عليه في الماضي فالعالم اليوم يختلف كثيرا عن العالم القديم خاصة مع انتشار وسائل الاتصالات الحديثة ويكفي كيف قامت ثورات الربيع العربي بفضل صور او مقاطع فيديو انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عملت علي بث لهيب الثورة في نفوس الشعوب العربية وحتي مسألة قيام السلطات في بعض الدول بقطع خدمات الإنترنت والاتصالات لن تعد في المستقبل القريب ذات جدوى فهناك خطط لربط الهواتف النقالة و اجهزة الحاسوب بشكل مباشر مع الاقمار الصناعية تعمل علي بث الانترنيت ويكون تسديد رسوم الاشتراك عن طريق رسائل الالكترونية اذا العالم سوف يشهد تغييرات كثيرة وسوف تصب جميعا لصالح تقدم وتطور العقل البشري بفتح نوافذ جديدة للعقول المستنيرة التي تناضل لاجل ان تجد لها موطئ قدم في عالم لايزال ينظر الي كل فكر جديد علي انه مجرد هرطقة


𝗮𝗹𝗮𝗮�@𝗴𝗺𝗮𝗶𝗹.20304;𝗼𝗺
جمهورية السودان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نصيحه
على سالم ( 2023 / 2 / 4 - 04:08 )
خير الكلام ماقل ودل

اخر الافلام

.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا


.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ




.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.