الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله الفيسبوكي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في كل أنتقاله معرفية يمر بها الإنسان عليه أن يدفع ثمن ما يتناسب مع مقدار ما تحمله هذه الأنتقالة من حال معرفي إلى أخر، وبالرغم من أن شيوع ظاهرة التواصل الأجتماعي عبر مواقع إليكترونية متعددة الأساليب والأهداف وربما التأثير على المكون المعرفي الأساسي للإنسان الخاضع بكل سهولة لتقنيات التوجيه والإرشاد، فإن ما هو أخطر من الإنقياد لهذه التوجهات هو قدرته أو الإمكانية التي وفرتها هذه المنصات والمواقع على أن يقول ما لا يمكن أن يتجرأ عليه أو طرحه في مجتمع عام يتحسس فيه الملامسة المباشرة مع الأخر، بمعنى أن هذه المواقع لا توفر له فقط الحرية في الطرح، بل وتوفر له إمكانية توفير الخندق الحامي الذي يشعره بالقوة وبقوده للمزيد من التصريح والجرأة، في جزء من هذه الحقيقة إيجابي جدا عندما يكون النشاط الثقافي والمعرفي مندفعا من دوافع وبواعث وعي مختار يمثل شكل الحرية، أما الأخطر والذي يخشى من إرتداداته، أن تكون هذه الحرية منساقة ومخطط لها ببعد أيديولوجي خارج نطاق الوعي المنتخب أو المطلوب.
من الجوانب التي شهدت تطورا كبيرا في الطروحات التي بدأت أولا خجولة ومترددة وأحيانا أن من يطرحها غير واثق من ردات الفعل من الأخر، هي موضوعات الدين والعقيدة والحرية في الخيار ومناقشة الإرث الفكري المتعلق به، منتقلا ومتدرجا مع تطور ونضج في الطروحات ليبلغ مدى تصاعدي وأفقي، حتى صار من المألوف أن تلك الطروحات تمس الكثير من الخطوط الحمر والتباوهات الدينية، كما شملت مرحلة النقد العنيف هذه ليس الأفكار وحدها، بل تعدت حتى على المستوى الوجودي المتعلق بالشخصيات الدينية المحورية ذاتها، وصلت حد التشكيك بها أو بوجودها التأريخي لتنتقل في مراحل لاحقة إلى موضوع الحدث التاريخي الديني أو الدين تأريخيا، هذا مع ملاحظة أن رد فعل المؤسسة الدينية الذي تراوح بين السخط الخالي من ردات فعل مهمة أو تبريرات منطقية أو إجابات عقلية ممكن أن تساهم من غلواء النقد، إلى أن وصلت مرحلة الدفاع عن نفسها والأستسلام الكامل للموجه النقدية بحجج أن الله صاحب الدين هو من سيدافع عن دينه.
المشكلة عند اللذين لا يقرأون تاريخ المعرفة ولا منطق الإثبات والمحو الوجودي، أنهم يصرون على أن كل هذا النقد سواء أكان منطقيا أو مجرد أستهداف ليس إلا مؤامرة تستهدف الدين لأنها تستهدف الإيمان بالله، بمعنى أنهم لم يراجعوا مواد النقد ومحتواه بقدر ما أنشغلوا بالدفاع السلبي عن مبادئ وأفكار الدين وأسسه ولزوميات وجوده، مما أتاح لجهات النقد أن تستغل هذا الإنحراف بمزيد من النقد الموجه، وليشكل ذلك دعوة أخرى لمزيد من الإيغال في النقد والنقد المقابل، هنا تحول الناقد والمدافع والإنسان المتابع إلى متاهة أضاعت مفهوم الحق وشتت معنى أن تكون حرا بوعي، لأن المنافسة النقدية لم تعد قائمة على منطق الحقائق والضروريات وسلامة الهدف والنتيجة، وتحول النقد إلى مجرد وسيلة تسقيط لا أخلاقية على يد جيل جديد من الناقمين والمؤدلجين وقليلي التعمق في قراءة الفكر.
لقد كثر الجدال وتعددت أساليب النقد بين العلمي والمنطقي الذي يهدف إلى تصحيح المفاهيم وإعادة العقل الإنساني برمته نحو مسارات واضحة وقادرة على تجديد الفعل المعرفي، بما يناسب حجم وكم المعرفة الحديثة والمعاصرة والأساليب والمناهج الحداثية التي تستخدم في الإثراء والنقد والتفكيك وإعادة البناء، وبين نقد رث لا يبالي بطرح ما هو منطقي وأصولي، أو لمجرد الطرح التبشيري معتمدا على نفس أساليب الطرح الديني من خلال الأستشعار بالتفرد والخصوصية الذاتية، هذا الواقع ليس له علاقة مباشرة بظاهرة الإلحاد الحقيقي الذي هو منطق فلسفي معرفي خالص، إنما يتعلق به أعتباطيا من غير أن يكون بشكل عام لا نتاج ولا سبب من أحدهما للأخر، والغالب فيهما أن منشأ كل منهم يعود إلى إشكالية العقل والمعرفة الدينية عندما تعجز الأخيرة عن التوافق مع متطلبات الواقع، أو تستجيب لضروريات العصر ليس على أساس النكران، بل على أساس ما تقدم من حاول منطقية مسعفة.
من الخلاصة التي يستطيع الكثير تبيانها بعد أن أصبحت الحدود واضحة جدا بين المنتقدين وخصومهم هي المسافة الواسعة في الأختلاف في المفاهيم، الأختلاف بالتصورات عموديا وأفقيا حتى صار التصريح بأن قمة القضايا الطولية في الفكر الديني وهو التوحيد تعرضت أيضا للأهتزاز والتشكيك والأنتقاد، هنا أدخل الجميع الله كمفهوم وكمفردة وكواقع في دائرة النزاع البيني، وصار أيضا من الشائع أن كلا منهم له تصور خاص عن الله، هذا ليس في المباحث المنطقية أو الجدال العلمي المعرفي، هذا يحدث في مواقع التواصل ومنها الفيس بوك وتويتر وغيرها، لقد تحول الله إلى مادة إعلامية تنافسية وكسب أشبه بمنافسة تجارية الغرض منها الفوز.
إن الحدود المعرفية ليس لها مدى منظور ولا يمكن حصرها في موضوع حلال أو حرام حسب المنطق الديني، ولا هي من باب الذوق المجتمعي والقبول على المستوى الأخلاقي، المعرفة طريق ممتد لا أول له ولا يمكن تصور نهاية ممكنة أو مدركة له، هذا لا يعني كل معرفة تطرح في الفضاء الأفتراضي على أنها جنس من المعرفة المنتجة والضرورية لبناء الإنسان وجود ومستقبلا، شرط المنفعة الضرورية أولا أنها أما أن تكون منتجة لمعرفة متجددة أو قادرة على ذلك أو مؤسسه له، وبالتالي فالخوض بمفاهيم ووجود وماهية الله على مواقع الفيس بوك لا تنتمي إلى أي من أوجه المعرفة المنتجة ولا يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية، خاصة وأن الموضوع أصلا لم يكن غائبا عن العقل البشري منذ أن بدأ الإنسان أولى تساؤلاته الوجودية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال