الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فى صورة

شريف حتاتة

2023 / 2 / 5
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


----------------------------------
فى الربيع نحتفل بعيد المرأة العالمى ، ونحتفل بعيد الأم ، لكن أشياء كثيرة فى حياتنا تتحول إلى طقوس نُخفى بها الحقائق ، ونُسكت بها ضمائرنا . نحتفل كدليل على أننا أصبحنا نحترم المرأة ، ونقدر الأم .
منذ أيام كنت أتصفح جريدة الصباح . فى صفحة الحوادث لمحت صورة استوقفتنى. تأملتها لحظة ثم طويت الجريدة ، وأعدتها إلى مكانها . انهمكت فى أشياء أخرى ، لكن الصورة ظلت تشغلنى . فبعد أن انتهيت من عمل الصباح ، بحثت عن الجريدة ، وعدت إليها .. إلى المرأة الشابة المنتصبة فيها ، ممشوقة القوام فى ملابس السجن ، ترتدى شالاً وجلباباً من التيل ، وصندلاً حول قدميها . وجهها جميل وجماله غير عادى ، كأن روحها الثمينة تطل منه .. ينطق سماره وسط البياض الناصع لملابس السجن . أسفل الشال خصلة من الشعر الأسود يظهر أعلى جبينها . تقف رافعة رأسها ، فى وجهها نظرة حالمة ، كأنها انفصلت تماماً عن المحيطين بها ، ما عدا الشاب المنتصب إلى جوارها يكاد يشبهها فى كل شىء ، فى الجسم الفارع الطويل داخل ملابس السجن البيضاء اللون ، فى تقاطيع الوجه المنحوتة، والأنف البارز فيه شموخ ، فى سمار الجلد وسواد الشعر والعيون ، وفى هذا الاستغراق الكامل فيها ، كأنه لا يوجد فى العالم أحد سواهما يمكن أن يلتفتا إليه .
كانا كالزهرتين المضيئتين وسط سواد ملابس الحراس وغلظة وجوههم الزاحفة عليهما ، كأنهما صنعا عالمهما الخاص ، ولم يعد شىء يستطيع ان ينفذ إليه ، لا العسكر ولا الحكم بالإعدام شنقاً ، الذى أصدرته المحكمة عليهما ولا جدران السجن سيعودان إليها ، كأن لا شىء أصبح يهمهما ، سوى وجودهما معاً ، سوى الإحساس بالقرب ، والتلامس بين أيديهما المتشابكتين ، وعيونهما تنطق بالحنان .. أصبحا كالروحين المحلقتين جمعتهما الحياة والمصير ، وسيجمعهما الموت ليحول دون أن يفرق بينهما أحد بعد اليوم .
هذا هو ما رأيته فى الصورة وأنا أنظر إليهما . ربما هو الخيال ، لكنه خيال نابع من الواقع الذى نعيشه . خلف هذه الصورة ، امرأة شابة عمرها واحد وعشرون عاماً أو أقل. قام أهلها بتزويجها إلى رجل يكبرها بربع قرن ، أنجبت منه طفلين . ما عدا هذا عاشت حبيسة جدران البيت تكاد لا تخرج منها . تعانى الصلف ، والقسوة ، والاستسلام لأحضان تنفر منها ، تشعَر أنها تغتصب كلما مارست الجنس . تعيش كالحيوان المحاصر لا يفكر فى شىء إلا الإفلات .. ثم شاء القدر أن يهبها جزءاً من الحياة التى حُرمت منها . أن تلتقى مع شاب عمره ثلاث وعشرون سنة .. فيه تلك الأشياء التى غرسها فى خيالها مجتمع يتغنى بالحب طوال ساعات النهار والليل ، فيه تلك الأشياء التى حُرمت منها عندما باعها أهلها فى سوق الزواج ، مقابل المال والمهر إلى رجل يكبرها بربع قرن . عاشت معه علاقة يباركها الشرع وتنال القبول والاحترام فى المجتمع ، لأنها مسجلة فى ورقة . لكنها مدمرة للنفس والجسم . فالأوراق فى مجتمعنا أهم من الإنسان ، أهم من فتاة تقف على عتبة الحياة ، وتتطلع بأمل إلى ما ينتظرها .
تكررت اللقاءات بينهما . أصبحا عاشقين واشتعل بينهما الحب ، ومع الحب زادت الكراهية للرجل الذى يقف حجر عثرة فى سبيله . يحول دون أن يتحول العشق إلى علاقة وزواج يستقران فى ظلها . والكراهية وقود الجريمة ، وقود الشر ، قادتهما إلى التفكير فى التخلص منه .. إلى قتل زوجها وإحراق جثته فى محاولة لإخفاء الجرم ، لتصدر عليهما المحكمة حكماً بالشنق .
أشياء تتكرر فى حياتنا .. أقرأ عنها مع شاى الصباح ثم انصرف عنها . لكن هذه الصورة استوقفتنى .. ربما نضارة وجمال الشابين ، وربما مع السن أصبحت مثل هذه الأشياء وغيرها تملأنى بالحزن . رأيت فيها صرخة أقلقتنى ، جعلتنى أفكر فى وضع المرأة فى حياتنا . جعلتنى أتساءل عن القانون ، وعن العدل وعن الظلم ، عن مسائل معقدة نهرب منها فتزداد تعاستنا .. عن الجرائم التى نرتكبها دون ان نلتفت إليها ، تعودنا عليها أوضاعاً موروثة نخشى أن نتساءل عنها .

بؤرة العنف
.................
انتهيت من قراءة تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية ، بمناسبة الاحتفال بيوم 8 مارس ، يوم المرأة العالمى .
ويوضح هذا التقرير أنه فى أغلب المجتمعات ، يعتبر استخدام الرجل للعنف ضد المرأة وتأديبها بالضرب أو بما هو أقسى منه ، أمراً طبيعياً ومشروعاً .والضرب فى الأسرة تسلط للقوى على الضعيف ، فالرجل يضرب المرأة ، والاثنان يضربان الطفل . لكن العكس نادراً ما يحدث ويعتبر مشيناً .. مع أن ضرب منْ هو أضعف منك ، ومن يعتمد عليك ، ليس من الشهامة أو الشجاعة فى شىء . الشجاعة هى أن يتصدى الإنسان لمنْ هو أقوى منه دفاعاً عن الحق ، فضلاً عن أن ضرب النساء أو الأطفال يترك آثاراً نفسية ، وجسمانية خطيرة . فالضرب يغرس صفات الجبن ، والخوف ، والنفاق ، ويزرع الضغينة فى القلب.
العنف ضد المرأة فى مجتمعاتنا يعتبر شأناً خاصاً ، قضية أسرية . لذلك جرى العرف ألا يتدخل الناس فيه . الشخص الذى يتدخل يعرض نفسه للهجوم من الجميع ، من الأقارب والجيران والبوليس وحتى المارين .
هكذا تظل المرأة بلا حماية ، يفعل فيها الرجل ما يشاء . لكن ان اعتدى الرجل على أحد من أقاربه ، أو على شخص غريب يخضع للقانون ، ويُسأل ويُحاكم وقد يصدر عليه حكم . أما امرأته فهى ملك له والملكية مصونة ، لا يمسها أحد سوى صاحبها . لذلك يظل العنف الى يمارس ضد المرأة ، ظاهرة واسعة الانتشار فى كل بلاد العالم ، والعنف درجات وأشكال بدءاً ، بعدم السماح لها بحرية التنقل ، والخروج من البيت أو الإيذاء عن طريق القول والاستيلاء على مالها ، مروراً بالمعاشرة الجنسية القهرية ، والاغتصاب لنصل إلى أقصى درجات الإيذاء الجسدى ، والتعذيب .
تقول الإحصائيات فى التقرير ، أن نسبة 20% على الأقل من النساء فى العالم يتعرضن للاعتداء الجسدى ، أو الجنسى . وحسب المصادر الرسمية ففى الولايات المتحدة ، تُضرب امرأة كل خمس عشرة ثانية . وتتعرض سبعمائة ألف من النساء فيها للاعتداء الجنسى سنوياً . وفى الهند أظهرت التحقيقات ان 40% من النساء المتزوجات يتعرضن للضرب ، أو للاعتداء الجنسى لأسباب مختلفة ، تتعلق بمسائل مثل طهو الطعام ، أو شئون البيت ، أو الغيرة . ويقول التقرير أيضا ان 35 % من النساء المتزوجات فى مصر ، أكدن أنهن تعرضن للاغتصاب أى المعاشرة الجنسية الجبرية والعنيفة من قبل أزواجهن . وقد نشرت إحدى الصحف القومية فى مصر ، بعض الأرقام فى تعليق لها أسقطت فيه الجزء المكتوب عن مصر ، كأن العنف يمارس ضد المرأة فى كل مكان ما عدا بلادنا .
تعود الناس فى مجتمعنا ، اعتبار ممارسة العنف ضد المرأة من قبل الرجال داخل الأسرة مسألة خاصة ، من العيب إثارتها ، ويجب قبوله كمسألة طبيعية فى علاقة الرجل مع نسائه . لكن فى السنين الأخيرة فرضت هذه المشكلة نفسها ، بشكل متزايد على الرأى العام ، لأن النساء تحركن فى عدد كبير من البلاد دفاعاً عن حقوقهن ، كما أن الحقائق من البشاعة بحيث يصعب السكوت عليها . لكن فى مصر أصبحنا نتحدث كثيراً عن دور المرأة فى المجتمع ، وفى السياسة ، والتنمية ، وفى الأسرة . لكننا نكفى على هذه المشكلة ماجور .
فكيف نتوقع ان تقوم المرأة بدورها فى هذه المجالات بشكل سليم ، وفعال إذا لم تُعامل كإنسان ، وإذا تعرضت لمختلف أشكال الاعتداء ، دون أن نبدأ حتى فى التساؤل حول سلوكياتنا فى الحياة ؟. كيف يمكن ان نتحدث عن دورها فى السياسة والتنمية ، إذا لم نتعرض لأدميتها ، ولحقوقها كإنسان ؟.
فى غيبة الاهتمام بقضاياها الخاصة ، بوضع المرأة داخل الأسرة ، والزواج ، وعلاقتها بالرجال وبنظرة المجتمع إليها فى المعاملات اليومية للحياة ، يصبح كل الكلام عن مشاركتها فى الحياة العامة ، والسياسة والتنمية ، دليلاً على أننا مازلنا ننظر إليها كأداة وليس كإنسان .. كأداة فى العمل والتنمية خارج البيت ، وكأداة لرعاية الأسرة ، والإنجاب ، وإشباع الرغبات التى يبديها الزوج .
المواطنون من الرجال والنساء ، يعانون معاً من غياب حقوقهم الإنسانية الأساسية ، وعلى الأخص الفقراء . لكن آن الأوان لكى نتنبه ، إلى ان المرأة تعانى أكثر من الرجل ل، أنها تواجه مشاكل أخرى نابعة من علاقتها بالرجال ، دخل الأسرة وخارجها ، بتسلط القيم والنظم الأبوية على هذه العلاقات .
والعنف الذى يمارس ضدها من قبل الرجال ، هو إحدى نتائج هذا الخلل فى العلاقات.
من كتاب : " فى الأصل كانت الذاكرة " 2002
---------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من بينهم مشاهير في تيك توك.. عصابة -اغتصاب الأطفال- في لبنان


.. كل الزوايا - سارة حازم: الرئيس السيسي أكد على دعم المرأة الم




.. المشاكل الأيكولوجية والحلول بوجهة نظر علم المرأة فيديو معدل


.. رئيسة الجمعية الدكتورة منجية اللبان




.. ملكة جمال القاهرة.. وسموها جوليت المسرح.. أسرار عن حياة -زين