الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب التفاهة والمحتوى الهابط ظاهرة ونتاج

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 2 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من مظاهر تخبط السلطة الفوقية التي لا تمثل بأي شكل من الأشكال إنعكاس حقيقي لإرادة الأمة، أنها تنفعل بردات فعل وقتية مع أهتزازات المجتمع ونتائجها على المستوى العام، فهي لا تبحث بجدية عن الأسباب والفواعل والمباعث، إنما تستجيب لدواع خوفها والخشية من أن تكون الردة الشعبية عليها ذات وقع مأساوي كما حدث مثلا في أنتفاضة تشرين 2019، السبب يعود لتكوين هذه السلطة ووصمها بالتافهة والتي تتحرك وفقا لرؤية عشوائية تسيرها وتحدد لها المجالات والمسارات اللزومية، هذه السلطة المأزومة الخائفة من كونها فاقدة للشرعية الشعبية الديمقراطية وإن صرحت بذلك، فهي من تنتج لنا المزيد مما يسمى بثقافة وأعراف وسلوكيات أكثر تفاهة منها والعكس صحيح.
من مظاهر التفاهة التي ترعاها وتروج لها وتعتمد عليها كموقوم دفاعي مقابل تنامي الرأي العام الواعي، هي محاربة المثقف الجاد والثقافة والمعرفة العلمية الأصيلة والمنتجة والرافعة للقيم الحداثية، بدأ من أحتقارها لرموز معرفية وثقافية وحضارية وتقزيم قامات وتعظيم أقزام من خلال وعبر قنوات وسائل الإعلام والتواصل الأجتماعي المسنود بهراوات السلطة القضائية والقانونية وإنكار الحقوق الأساسية المقررة دستور، التفاهة مرض أجتماعي سلوكي بالغالب يكون مدعوم ومراد ومشجع عليه، وهو واحدة من مصائب العراق الديمقراطي في ظل سلطة غبية طفولية مشغولة بالبحث بين القبور عن أمجاد تزعم أنها تصلح لكل زمان ومكان، التفاهة والمحتوى الهابط في ظل هذه المنظومة المتسلطة يحظى بالرعاية والأهتمام، لأنها تتوافق مع المقومات النفسية والمعرفية للسلطة وتنتمي لها.
والخطاب التافه ليس منحصرا في حدود واضحة ومنعزلة ولا ينتمي لتوجه معين بخصائص محددة وهذا هو الخطر فيه، إنما هو ظاهرة تحاول الهيمنة على العقل الجمعي الشعبي أولا، ومن ثم توجيه وتأثير مفرداته على الخطاب العام على مستوى الإرادة، لينتهي بالأخر على أنه الممثل الحقيقي للروح الحضارية والثقافية والصبغة المعلنة للهوية العراقية، فمن ينظر لهذه الظاهرة من تحليل لغة الخطاب والخلفيات الثقافية وعناصر الهوية لرموزها، يجد أن الظاهرة قاعية تنتمي للقاع الأجتماعي الذي يريد التسلق والبحث عن الأضواء العليا، فهي ليست ظاهرة طبيعية ناتجة عن تفاعل روابط اجتماعية طبيعية، إنما نتاج شذوذ علني في شروط ومحددات الذائقة الغالبة، سواء عند الناشر أو المتلقي دون أن يكون هناك من مصدات حقيقية تمنع أستفحالها.
ومن أخطر وأكثر أشكال هذا الخطاب والأكثر تأثيرا ودمارا على تكوين الذاكرة الجمعية وإعادة صياغة العقل الجمعي العراقي بشكل عام هو خطاب التفاهة الدينية والمذهبية والقومية العنصرية، هذا المحتوى الهابط والتافه الذي يعتليه رجال دين نصف أميين إن لم يكونوا أميين بالكامل يركز على مواضيع فرعية وخلافية الهدف منها المتاجرة بالعواطف والولاءات دون أن يكون لها هدف سامي، فهو بالأساس خطاب في محتواه وخطوطه العامة يعتمد الكذب المقدس والتدليس الروائي والأعتباطي والتحريض الديني الطائفي والعنصري، المنفلت من الرقابة المسئولة والتدقيق في مخرجات الخطاب بعنوان نصرة الدين والمذهب، هذا الخطاب الذي عمق الجروح التاريخية وصعد من مستوى الكراهية بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، هو الذي يجب أن يحاسب بشدة ويقمع بكل قساوة، حفاظا على قيم الحق والعدالة والحرية، وصيانة أسس الديمقراطية ومشروعها المعاصر من العبث والأستغلال السيء.
هذا الخطاب الأستحماري التضليلي الي ترعاه المؤسسة الدينية الأشد فسادا في التاريخ والمتهمة أصلا بالحفاظ على أسباب الخلاف والأختلاف المذهبي، دون أن ترتقي ولو لشكل ما إلى مسئوليتها الأفتراضية والتي تزعم فيه أنها الأمينة عليه، فهي لا تفعل شيء يحدد أطر ومسارات عامة امثل الحد الأدنى من العقلانية المنطقية، ولا تتدخل في ملاحظة الغث والرديء من هذا الخطاب ولغته وأهدافه ومراميه، حتى لو تم الإساءة لله والرسول وللدين والإنسان بجميع الأحوال، فقط تتدخل عندما تمس الأمور اصنامها ورموزهم العفنة التي تشبه حاويات النفايات المحاطة برهبان من الأشقياء والأغبياء والغوغاء، تتزعم المؤسسة الدينية كهنة معابد وسكان قبور وزمومبيات تاريخية بدرجة آيات وحجج ووو اسماء لم ينزل بها سلطان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني