الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيزيف يتحدى عبثيه الحياه

صابر ملوكه
طبيب و كاتب

2023 / 2 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سيزيف هو أحد ابطال الميثولوجيا الإغريقية. والميثولوجيا تعني بدراسة علم الاساطير.

فماهي الأسطورة ومن هو سيزيف؟

الأسطورة هي حكاية او قصه مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان وهي لا تُشير إلى زمنٍ مُحددٍ، بل إلى حقيقة أزليَّة، من خلال حدث جرى.
وللأسطورة موضوعات شمولية كبرى، مثل: الخلق، والتكوين، وأصول الأشياء، والموت، والعالم الآخر؛ ومحورها الآلهة وأنصاف الآلهة، وللإنسان فيها دور مكمل لا رئيسي.
وكانت الأسطورة تتمتع بقدسية عظيمة وكان الكفر بها يعد كفراً بكل القيم التي تشد الفرد الي جماعته وثقافته وفقداناً للتوجه السليم في الحياة.

وإذ ينتقل الإنسان في العصر الحديث من التسليم بهذه الأساطير والإيمان بها إلى دراسة مضامينها وتحليل دلالتها، فإنه يكتشف حينها أن هذه الأسطورة لم تكن شيئاً آخر سوى تأريخ للإنسان نفسه ولكينونته ووجوده في هذا العالم.
من هذا المنطلق جاء الاهتمام الفلسفي الحديث بالأساطير بوصفها تعبيراً صادقاً عن توق الإنسان وأشواقه وحيرته في هذا العالم، هذا التعبير الذي ابتدعه الإنسان قبل أن تصله أية أفكار أخرى بما في ذلك الأفكار الدينية وقبل أن يهتدي إلى طرح تساؤلاته هذه في صيغة إشكالات فلسفية.

فمن هو سيزيف؟
تحكي الأسطورة الإغريقية أن سيزيف كان رجلا ذكيا وماكرا جدا، استطاع أن يخدع إله الموت "سانتوس" حين طلب منه أن يجرب الأصفاد والأقفال، وما إن جربها إله الموت حتى قام سيزيف بتكبيله، وحين كبل سيزيف إله الموت منع بذلك الناس أن تموت.
لقد تمرد سيزيف على الإلهة وتغلب على الموت ...
فأغضب هذا الأمر الآلهة الأوليمبية فأصدروا عليه حكما بأن يعيش حياة أبدية على أن يقضي سيزيف هذه الأبدية في عمل غير مجدٍ، ألا وهو دحرجة صخرة صعودًا إلى جبل حتى تعود للتدحرج نزولا من جديد، مرارا وتكرارا، وبلا نهاية
ويظل هكذا إلى الأبد
لقد أصبح سيزيف رمزا العذاب الأبدي وبطل اللا الجدوى.
فاحتقاره للآلهة، وكرهه للموت، وشغفه بهذه الحياة، قد تسبب له بهذا العذاب الرهيب الذي أدى لأن يكرس كل كيانه في سبيل لا شيء. فهذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه مقابل أهواء هذه الأرض.

عبثيه الحياه
ويتخذ الكاتب والفيلسوف الفرنسي البير كامو من أسطورة سيزيف رمزاً لوضع الإنسان في الوجود وهو يمثل نضال الفرد ضد عبثيه الحياة.
ويري كامو أن سيزيف يجسد لا منطقية ولا عقلانية الحياة الإنسانية.
فالحياة لا معنى لها على الرغم من استمرار البشر في محاولة فرض النظام على الوجود والبحث عن إجابات للأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها.
ويتساءل كامو: هل يمكن أن تحل بالإنسان حياة عبثية أكثر، من حياة كهذه؟
لإنه ليس هناك عقاب أفظع من عمل متعب لا أمل فيه ولا طائل منه
أو ليست حياتنا التي نحياها في هذا العالم تشبه هذا الشقاء الذي حُكم على سيزيف به؟
ذلك الروتين اليومي الذي نعيشه وتلك الاعمال التي نكررها كل يوم دوم غاية تذكر أو هدف نصل إليه؟



لماذا نشعر أحيانا بعبثيه الحياة؟
الواقع ان العبث لا يأتي من كون العالم عبثي، بل في عدم خضوع هذا الكون لمعايير العقل البشري.
وبالتالي هناك هوة كبيره بين وعي الإنسان وما عليه الوجود.
لا يستطيع عقل الانسان إيجاد معني حقيقي لهذه الحياة.
ان الوعي الانساني يريد ان يفهم الوجود وان يجد اجابه لكل تساؤلاته.
بيد أن كل استفسار من هذا النوع يؤدي إلى استفسار آخر، وهذا يؤدي الي سلسله لا نهائية من الأسئلة.
من هنا فإن العبث هو مواجهة بين كائنات عقلانية وعالم غير مبالٍ.

لكنّ أهداف كامو في تحليله لأسطورة سيزيف لم تكن لاستعراض عبثية وسخافة الوجود الإنساني كما يبدو للوهلة الأولى،
بل تتجاوز ذلك ليقدم نقداً للإنسان الحديث المفتون بالعقلانية والموضوعية في التعاطي مع الحياة.

يرى كامو أن أسطورة سيزيف لا تعكس مأساة الإنسان في عبثية الحياة بقدر ما تصور تحديه وكفاحه المستمر.
كان باستطاعة سيزيف أن يضع حدا لحياته وأن ينهي هذا العقاب الأبدي.
لكنه اختار بشجاعة أن يتحدى قدره وأن يمضي قدماً في مواجهة مصيره هذا

تحدي عبثيه الحياة
ويعود كامو ليجد مخرج لهذه القضية الفلسفية حيث يقترح أن المرء لابد أن يتخيل أن سيزيف كان سعيدا مسرورا، تماما كما أن النضال والصراع والكفاح كاف وكفيل بملء فؤاد الانسان بالرضي والفخر.

وهكذا فإن الخطوة الأولى التي يجب على الفرد اتخاذها هي قبول حقيقة هذه العبثية
والابتهاج بفعل دحرجة الصخرة أعلى التل.
ان هدف الحياة الأسمى تجدها في ذاتها،
لا يقع المعنى في مكان خارج هذا السعي والكفاح ومواجهة الإنسان لمصيره وقدره

ما تخبرنا به أسطورة سيزيف أنه ليس بالضرورة أن يصل الإنسان إلى هدف في حياته وأن يحقق منجزات من نوع ما
ذلك أن هدف الحياة الأسمى تجدها في ذاتها، لا يقع المعنى في مكان خارج هذا السعي والكفاح ومواجهة الإنسان لمصيره وقدره
وهو إذ يكافح ويناضل ويتمرد يصنع نفسه ووعيه وقدره الخاص
يتمثل المعنى إذاً في إعطاء القيمة لكل ما نصنعه بهذه الحياة من مواقف وأعمال مهما بدت صغيرة ومتواضعة، وفي شعورنا بأن مشوار حياتنا هو الهدف بعينه ذاك هو الوقود الذي يزودنا بالقدرة على البقاء والاستمرار ودحرجة صخرتنا كل يوم دون كلل ولا ملل.
هنا تكمن كلُّ السعادة الصامتة لسيزيف. فهو يمتلك مصيره. وصخرته شيء يخصُّه هو.
ان سيزيف يعلِّمنا الأمانة الأسمى التي ترفض الآلهة وترفع الصخور.
نعم ان النضال بحد ذاته من أجل بلوغ القمم يكفي لكي يجعل قلب الإنسان ممتلئًا.
نعم يجب علينا أن نتخيل سيزيف سعيدًا حتي تستمر الحياه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو