الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (1_6)

وليد المسعودي

2023 / 2 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمع السيطرة والتحكم

وهكذا يقود مجتمع الإنتاج والاستهلاك المتمثل بالنشاط والحركة إلى مجتمع السيطرة والتحكم معتمدا على البحث والتطور التقني في مجالات وعلوم مختلفة كالطب والفيزياء والبايلوجيا والاقتصاد وأنظمة الاتصالات والنقل والتعليم .. الخ ، ففي مجال الطب تمثل السيطرة والتحكم في طبيعة الأمراض ومحاولة علاجها عن طريق التقدم في الوسائل والأجهزة العلاجية ، سيطرة وتحكما في طبيعة حياة البشر أنفسهم من حيث الارتفاع المتواصل في سكان كوكب الأرض ، إذ إن تأثير التقدم الصحي جعل كوكب الأرض ينتقل " سكانيا " من مليارا واحدا عام 1830 إلى مليارين عام 1930 وأكثر من ثلاثة مليارات ونصف عام 1972 ، وأكثر من سبعة مليارات عام 2012 . ( 47)
) وكل ذلك يعود إلى تطور وانتقال أجهزة العلاج والكشف بدءا بظهور السماعة ( آلة التنصت ) وانتهاء بالآلة الحديثة التي تعمل بالرنين المغناطيسي النووي مرورا بالتصوير بالأشعة والمسح والتصوير بالصدى ، بحيث قاد ذلك التطور إلى تغيرات في طبيعة الفحص والكشف عن الأمراض وظهورها ، وهنا يقول جورج كانغليم " إن التطور في وسائل العلاج أعلاه جعل تمثل الظواهر المرضية يتحول من العضو إلى الخلية ومن الخلية إلى الجزيئة ) ( 48) وبالتالي سيطرة متتالية على المرض ومحاولة ضبط حركته وانتقاله ، وصولا إلى التشخيص ومحاولة الوصف والعلاج .
وهكذا الحال مع الفيزياء التي قدمت الكثير من الخدمات في مجال الصناعة والزراعة والبحث العلمي والطب ، خصوصا مع اكتشاف الإشعاع الذري الذي فتح الطريق إلى منجزات وتطورات متتالية في غاية الأهمية ففي مجال الصناعة هنالك الاستخدامات العديدة في صناعة الاسمنت والحديد والصلب والسيراميك والسيارات وغيرها كذلك الحال مع الزراعة التي استفادت من الأشعة الذرية ولاسيما أشعة غاما والأشعة السينية في تحسين نوعية البذور وإحداث طفرات نوعية فيها وكذلك استخدامها في مجال حفظ الأغذية من التلف من خلال عمليات التعقيم الإشعاعي الذي أصبح بديلا حيويا لممارسات التجفيف والتجميد والبسترة التقليدية ( 49). إن علم الفيزياء يشتغل بشكل مستمر من خلال نسق التقلبات ، وانه لا توجد ثوابت أو جداول معينة وفقا لتعبير باشلار ، أي إن الفيزياء تطورت بواسطة عدم الإيمان بالبداهة والعمومي ومن ثم كان لها النصيب الدائم في التجاوز والتطور ، وصولا إلى طبيعتها التجريبية المحكومة بمنطق التسارع في المعرفة والاكتشاف والانجاز ، وهنا يشكل تجاوزا جوهريا لعقلية ما قبل العلم تلك التي تعتمد على ثبات العالم وفقدانه التغيير والتنوع . في حين تقدم لنا البيولوجيا أو علوم الحياة الكثير من الإمكانيات خصوصا مع الثورة المتواصلة لتكنولوجيا الجينات الوراثية ، والتي تشتغل ضمن مجالات التحديد والتحسين والتطوير البيولوجي للكائنات الحية ، ففي مجال التحديد البيولوجي يتم من خلال معرفة الأصل والتكوين متمثلا في العمر والنوع والشكل ، ومن ثم العمل على التحسينات الوظيفية في الإنتاج البيولوجي من خلال التحكم في مستوى النوع والجنس ، وبالتالي التطوير المستمر في قدرة الكائنات الحية على البقاء والتكاثر ، إذ يشكل علم زراعة الأعضاء واستخدامها أهمية كبيرة في إطالة عمر الإنسان ، وكذلك القدرة على التحكم الجيني ومحاولة إنتاج أنواع وأشكال أكثر امتيازا من سواها من الكائنات الحية من النباتات والحيوانات ، ومن ثم تنامي وازدياد الفائدة الاقتصادية العالية . وكذلك في مجال الطب هنالك الإمكانية في تحقيق الوقاية من الأمراض قبل حدوثها وذلك بعد معرفة الجينات المسببة للمرض . ( 50 )

مجتمع الإبداع والبحث العلمي

يتميز مجتمع المعرفة بكونه مجتمعا قائما على الإبداع والبحث العلمي وصولا إلى ترسيخ وتثبيت عناصر التغيير والتحول من مجال معرفي وتقني إلى آخر أكثر مساهمة في القبول الاجتماعي ، بحيث تصبح العلاقة بين الإبداع والبحث العلمي من جهة والتغيير والتحول من جهة أخرى ، علاقة تزاوجيه ، لا انفصال عنها ، تحكمها قوانين النسبية والحرية في التأسيس والفعل ونقد الفعل ، وصولا إلى إبداع وابتكار جديد ومستمر. ومجتمع المعرفة الحديث يعتمد في تطوره بشكل أساس على التسارع المتواصل في تحقيق البحوث والابتكارات الجديدة ، التي تظهر نتائجها بشكل عملي وتطبيقي لدى المجتمع ، وذلك لان المعرفة والمعلومة المبتكرة تعد بمثابة السلعة المتنافس حولها ، والمدعومة من قبل الشركات ذات الاهتمام التقني والعلمي والاقتصادي .. الخ . الأمر الذي يجعلها أي المعرفة إحدى الموجودات الأساسية في عصر المعلومات يضاف إليها ، اتساع النظرة العقلية والخيال الخلاق ( 51) وسمة الإبداع المعرفي غير متوقفة ضمن حدود وثوابت معينة ، بل يحيطها البحث العلمي الذي ينظر إلى العلم ضمن معايير النسبية والمرونة والتجربة والنقد ، وليس ضمن معايير الصرامة والاتساق المنطقي الذي كان يحكم أزمنة وانساق معرفية متواصلة الحضور والهيمنة كالقرون الوسطى وعصر النهضة والتنوير ، بسبب ربط العلوم الطبيعية مع علم اللاهوت ، كعلم الفيزياء على سبيل المثال والذي كان يطغى عليه عقيدة سفر التكوين كعقيدة كونية علمية إلى حد كبير (52). وبالتالي ربط الإبداع بعمليات عقلية ، تجريبية بشرية ، مرجعها المعرفي لا يأتي من الغيب واللاهوت أو التاريخ والتراث بقدر تعلقه بالتجربة البشرية التي تركز على تراكم المعرفة العلمية والمجهول وعدم اليقين والإيمان الفاعل بالحقيقة كخطأ مصحح كما يرى غاستون باشلار من اجل خلق الجديد والمبتكر بشكل دائم ، إذ إن العقل الغربي الحديث يركز اليوم على حضارة الشباب من حيث الإعلان والتمجيد والتصوير ، وذلك لان الشباب يمثلون المستقبل والاستهلاك والإنتاج ، وبالتالي الإبداع والتطور بشكل متواصل ( 53 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من