الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقبال بركة … الجميلةُ التي أقبلت

فاطمة ناعوت

2023 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


“نفرتيتي"، الملكةُ الفرعونية العظيمة التي حيّرت العالمَ بجمالها وعنقها الممشوق وعبقرية النِسَب في ملامح وجهها المنحوت على السِّحر، والتي يشرقُ رأسُها الفاتنُ في متحف برلين، بعدما اكتشفه عالم الآثار الألماني "بورشاردت" في "تل العمارنة" عام ١٩١٣ وأخذه إلى ألمانيا ذات غفلة ما كنّا نعرفُ فيها قيمته الفنية والتاريخية الرفيعة، ومازلنا، نحن المصريين جيلًا بعد جيل، نُمنّي النفسَ باستعادته ليعود إلى متاحفنا المصرية، تلك الملكةُ الخالدة اسمُها باللغة المصرية القديمة يعني: “الجميلة التي جاءت"، أو “الجميلة وصلت”. “نفرت": الجميلة، "تيتي": أتت. هكذا قلتُ لنفسي حين أشرق وجهُ الأستاذة "إقبال بركة" بين الزحام، في معرض الكتاب في حفل توقيع كتابي الجديد: “عمر من الشرنقة إلى الطيران".
كانت قد هاتفتني قبلها بيوم. وحين تبصرُ عيناي اسمَ "إقبال بركة" على شاشة هاتفي، يخفقُ قلبي إجلالاً وفرحًا، أو وجلاً وترقّبًا. فهي عادةً لا تهاتفُ إلا في أمرين. إما لكي تُهنئَ بإنجاز أدبي؛ فيأتي صوتُها عبر الهاتف فرِحًا مستبشرًا، أو لكي تُساندَ في محنة، فيأتي صوتُها داعمًا يشوبُه الحزنُ النبيل. دعوني أقصّ عليكم دعمَ الفرح أولا، ثم أختتم مقالي بدعم الحزن. قبل حفل توقيع كتابي بيوم، هاتفتني وقالت إنها تودُّ الحضور إلى المعرض، للحصول على نسخة من كتابي عن ابني المتوحّد "عمر"، لأنها مهتمة بتلك التجربة التي تكتبها أمٌّ عن ابنها. ثم سألتني بكلّ لطفٍ أن أرسل لها الكتاب إن لم تستطع الحضور بسبب وعكة ساقها، التي تُصعِّب عليها الحركة، خصوصًا في معرض الكتاب مترامي الأطراف شاسع المساحة، الذي يتطلّب السيرَ لمسافات طويلة. ولإدراكي كلّ هذا قلتُ لها إن حضورَها شرفٌ كبير وفرحةٌ غامرة، لكنني أقدّرُ الظرفَ وسوف أرسل لها الكتاب بكلَِّ فرح أن تقرأه عيناها، وأن مكالمتها في حدّ ذاتها شرفٌ كبير لي. وفي يوم الحفل الجمعة الماضية، كنتُ واقفةً إلى جوار صديقتي الأديبة والصحفية "نوال مصطفى"، التي تزامن حفلُ توقيع روايتيها: "الحياة مرة أخرى"، و"الزمن الأخير" مع حفل توقيعي، نستقبلُ القراءَ ونصافحُ الحضور، وإذا بحال من الصخب والزحام في القاعة. نظرنا نحو الجمهرة نستطلع الأمرَ ونتفحّص الوجوه، حتى استطعنا أن نُميّزَ وجه "الجميلة التي أقبلت"، "نفرتيتي"، أقصدُ الأستاذة "إقبال بركة”. هكذا يختلطُ الأمرُ عليّ دائمًا بين الملكة المصرية القديمة، إحدى أقوى نساء التاريخ، التي قبضت على زمام الحكم بقوة شخصيتها وبأسها، وبين ملكة مصرية معاصرة قبضت على زمام القلم وقادت حملات التنوير وخاضت المعارك القاسية دعمًا للمرأة والحرية الفكرية، منذ فجر مولد قلمها الرفيع قبل عقود، وحتى اليوم. كلاهما مقاتلةٌ شرسة ذاتُ بأسٍ، رغم جمال الوجه ورقّة الملامح وعذوبة الأنوثة. هكذا مصرُ دائمًا لا تني تُنجبُ ملكاتٍ جميلاتٍ في إثر ملكات، يتناوبن في نشر الوعي وحمل مشاعل العلم والمعرفة والقيادة المجتمعية والريادة التنويرية، فيقدمن للعالم نماذجَ مشرقةً تُحتذى.
كان ظهورُها المفاجئ في معرض الكتاب، في أوج جمالها وشبابها الدائم، رغم التوكؤ على العصى، في رفقة نجلها د. “حاتم مصطفى"، فرحًا لجميع الحضور، وتناقلتِ الصحفُ والمواقعُ خبرَ تشريفها معرض الكتاب. لم أصدّق، وترقرقَ دمعُ الفرح في عيني وعيني صديقتي "نوال مصطفى"، وأهديناها كتبنا الجديدة بتوقيعينا، وأصرَّ ابني "عمر" كذلك على كتابة إهداء لها بقلمه الأحمر: “مع حبّي".
هكذا هي "إقبال بركة" الصخرةُ الداعمةُ لكل شيء حقيقي في هذا العالم. ساندتني في محنتي التي ضربتني أيام حكم الإخوان الإرهابي لمصر، حين طاردوني بالدعاوى الكيدية وحُكم عليّ بالسجن سنواتٍ ثلاثًا عام ٢٠١٤، فما كان من الأستاذة الجميلة إلا أن كتبت بيانًا شديد اللهجة، ورفعته إلى "نادي القلم الدولي" الذي كانت تترأسه، استنكرت فيه حبسي، وجاء فيه: (فى حين تواجه الأمةُ الإسلامية عدوًّا لدودًا يدّعى انتماءه للإسلام ويرتكب أبشعَ الجرائم وأحطَّها باسم الدولة الإسلامية، وبدلا من شحذ أسلحتنا وتوجيهها إلى عدو الله والإنسانية والأمة الإسلامية: "داعش"، إذا بحفنة من الحكام والشيوخ والقضاة يقدمون الأدلة على ولائهم لذلك الكيان الشيطاني بإصدار قرارات وأحكام تقمعُ الفكرَ وتسجن المثقفين وتطاردهم باتهاماتٍ كذوب، لا تقل زيفًا عما تدعيه داعش. وبصفتي عضوًا في منظمة القلم الدولية، وفى لجنة الكاتبات الدولية، أعبّرُ عن اعتراضي وصدمتي القوية من الحكم الذى أصدرته محكمة جنح مصرية بحبس الكاتبة "فاطمة ناعوت" ثلاث سنوات وتغريمها عشرين ألف جنيه، لإدانتها بازدراء الأديان!) ثم قامت برفع اسمي وصورتي فوق "مقعد شاغر"، في اجتماع النادي في جوهانسبرج وقتها، وهذا تقليد يُعرف بـ The Empty Chair، وهو أعلى احتجاج يُطلقه "نادي القلم الدولي" اعتراضًا على حبس كاتب. أستاذتي الجميلة "إقبال بركة"، شكرًا لجمالك الذي دائمًا ما يأتي في وقته، ولا يُخلِف موعدَه.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah