الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النّجاة تكون بالتّوفيق بينَ العلم والدّين..وليسَ بتمديدِ الفراغ بينهُما.

ازهر عبدالله طوالبه

2023 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدايةً، لنتَّفق على أنَّه يجِب أن نقرَّ ونعتَرف، بأنّهُ ليسَ مِن حقّ أيّ أحدٍ من بني البشَر أن يتحدَّث عن الله، وأن يتدخّلَ في أمورٍ غيبيّةٍ جعلها الله مِن اختصاصِه، مِن اختصاصاه فقط. فلا يُقاسِمه أحدٌ بها ولا يُنازِعه أحد عليها.
والأقسى مِن ذلكَ كُلّه، أؤلئكَ الذينَ يسوقونَ علينا الحكمَ والمواعِظَ في غير ما تستَحق، ولا يتوقّفونَ عَن رميها في حقولنا المُهلَكة والمُنهكة، في سياقاتٍ زمانيّة ومكانيّة لا يُمكِن أن تقبلَ كُلّ ما يقولوهُ أو يتقوّلهُ على الدّين وعلى الآله.

فالكوارِث الطبيعيّة والمصائب التي تنزل علينا، لا يُمكِن أن نصرِف جهودنا عليها من أجلِ معرِفة ما إذا كانَت عقوبة إلهيّة أم لا . إذ أنَّ كُلّ ما علينا فعله في مثلِ هذه الأحوال، هو أن نتّعِظ، وأن نُصلِح أمورنا مع ربّنا أولًا، والتي بالضّرورة ستنعِكس على علاقاتنا بينَ بعضنا البَعض، كما وأنّهُ يتوجَّب علينا أن نُصلِح مسارات حياتنا، وأن نُليّن قُلوبنا، وأن نتعاطفَ، بكُلّ جديّة، مَع مَن وقعَت عليهم المصائب، وأن نُقدِّم لهُم كُلّ ما بوسعِنا، بل كُلّ ما تُمليه الوحدة الإنسانيّة علينا. فما مِن دُروسٍ يَجدُر بنا أن نُلقِّنها لأنفُسنا أجدرَ مِن دروسِ الاتِّعاظ وتليينِ الأفئدة..والمقصد مِن هذا الكلام، هو أن نتجاهل الجَدل الذي لا يُمكِن أن يأخذنا إلى نتيجةٍ تُتمثَّل بالوقوف إلى جانبِ المنكوبين، ومُواساة المفجوعين، وتعزِية أهل المصائب في مِحنهم ومصائبهم.

لذا، فإنَّ الأسباب الماورائيّة التي تُقذَف في وجوهنا عند كُلّ كارثةٍ تحلّ بالبشريّة، هي أسبابٌ لا توضِّح إلّا حجم تحجيرِ العُقول لمَن يُستحضرونَ هذه الأسباب عند كُلّ نازلة، وأنّهم أقوام ترتَكن على ما لا يقبَل بهِ لا "ربّ الكون" ولا العقل المُتدبّر الذي أعطاهُ الله لكُلّ بني البشَر.
كما وأنّ استِحضار العواقِب التي لا يُفيد استحضارها لمَن وقعَت عليهم الكوارث، هي مسألةٌ ذات تأثيرٍ سلبيّ على نفوس ضحايا الكوارث، ولا يُمكن أن تكون ذات تأثيرٍ إيجابيّ، أو طريقًا لتحسينِ حياتهم، وعودتهم، أي الضحايا، إلى رُشدهم - كما يُدّعى عليهم- الذي يقودهم إلى التفكير بالأسباب الماورائيّة للكوراث التي وقعت عليهم، كما يُريد منهُم الباحثينَ عن حضورهم القائم على استحضارهم للأسباب الماورائيّة.

وهذا، وبالضّرورة، يأخذنا إلى مساحةٍ تكثُر فيها الصِّراعات ما بينَ مَن يحمّلونَ الله ما لا يحتمِل ويقولونَ عنهُ ما لم يقُل، ويحيلونَ كُلّ شيءٍ للدّين، وبينَ مَن يخيّمونَ في ساحات العلم، رافضينَ أن يُخرَج أيّ حدثٍ إلّا من تحتِ أسقُف المُختبَر.
فهذه مأساةٌ مِن أكبَر المآسي التي تتولَّد مِن رحمِ المآسي التي تضرب البشريّة. وهي مأساة الاصطِدام بفئتينِ مُتحارِبَتين، لا يُمكِن، إلى هذه اللّحظة، أن تنجَح أيّ عمليّةٍ تسعى لخنق المسافات الفكريّة بينهُما.
إنَّ هاتان الفئتان، فيهما مِن الأعباء ما يُثقِل كاهِل البُسطاء والعامّة.
ففئةٌ تُريد أن تُحقِّق انتصارًا ذاتيًّا للعِلم على حساب الدّين، تقابلها فئة أُخرى، تتمثّل بالمُتديّنينَ الذينَ لا يكفّونَ عن مُحاولاتهم الرامية إلى ليّ عُنقِ العِلم، مِن خلال خنقهم للنّصوص الدينيّة وإلباسها ما لا يليق بِها من اللّباس، وتقديم تفسيرات مُجتزأة لها.

إنَّ الفواجع والمصائب والمآسي التي تفتّك أكبادنا، نحن بني البشَر، تؤكّد وجود العديد مِن الفئات تُريد سحقنا، فئاتٌ تستَغل جهلنا الدّينيّ، وفئات تعتَلي أكتافنا المتآكِلة عِلميًّا، وأُخرى لا تكُف عن تأطيرنا في أُطرٍ سياسيّةٍ مُعيّنة، تُمكِّنها من اللّعبِ على مآسينا وآلامنا وجراحنا ؛ وذلكَ لتحقيقِ مصالحه التي ترنو إليها.
كما تؤّكّد لنا أنَّ لا قيمةَ للإنسان في هذا الوجود إلّا بالقدَر الذي يُمكِن أن تُحصَّل المنافع مِنهُ.

الخُلاصة: إنّنا نعيش امتدادًا لمعمَعةٍ تصارعيِّة ما بينَ العلم والدّين، بعد أن مرَّت قرون ترفض وضعَ آليّة توافقيّة ما بينَ الأمرين، تجعل المُتزمّتينَ في رؤيتهم الدّينيّة والمُنغلقينَ على أنفُسهم علميًّا غيرَ قادرينَ على الوصول إلى قناعةٍ قويمة وسليمة، مفادها، أنَّ لا الدّين يُلغي العِلم ولا العِلم يلغي الدّين.

لله قُدرة عظيمة وهائلة في ضبطِ نظام الكَون. لكن، هذا لا يعني، على الإطلاق، أن نتعاملَ مع الحياة ومع الطبيعة دونَ أن نأخُذَ بالأسباب التي "أُمِرنا" أن نأخُذ بها.
فالله سخَّر وذلَّل وهيّءَ الحياة والطبيعة لنا، ولم يجعلنا مُسيّرينَ في كُلّ شيء ؛ حيث تركَ لنا مساحةً واسعة مِن الإرادة، وطلبَ مِن أن نفعّل عقولنا، رافضًا حبسها في زنازنِ الغيبيّآت التي يُبدع الكثير منّا بلوكها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا توافق بين العلم والدين!!!
ناصر محمد آل طوق ( 2023 / 2 / 10 - 03:31 )
يجب ابعاد الدين عن العلم لان لا يمكن التوافق بينهما الاول غيبي والثاني حضوري والغيبي لا دليل عليه. يجب ان يكون الدين شان شخصي وكل حر فيما يعتقد. اعبد ما شئت ولو حجرا لكن لا تضربني به. اما تسيير الحياة فالقوانين العصرية كفيلة بالقيام بذالك والسلام.
ايها المنكح الثريا سهيلا ** رعاك الله كيف يلتقيان
هي شامية اذا ما استهلت ** وسهيل اذا استهل يماني,

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا