الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حَدِيثُ اَلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ .

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 2 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- - - - - - - - - - - -
على الرغمِ منْ السمعةِ الحسنةِ التي اكتسبتها في العقودِ الأخيرةِ، لمْ تكنْ تحظى الديمقراطيةُ دائماً ، بترحابٍ كبيرٍ منْ بعض أهلِ الفكر والفلسفةِ عبرَ التاريخِ.
فمثلاً ، بالنسبةِ للمعلمِ الأولِ " أرسطو "، الديمقراطيةُ ليستْ أفضلَ شكلٍ للحكمِ . بلْ هيَ - في رأيهِ - تضارعَ في السوءِ باقيَ الأنظمةِ السياسيةِ كـ( الملكية حكم الفرد - حكم القلة ..الخ، بلْ قدْ تزيدُهم مضرّة وتفوقهم أذى.
كما نعلم، الآنُ يُنظرُ إلى الديمقراطيةِ، على أنّها أحدُ المبادئِ الأساسيةِ لأنظمةِ الحكمِ في السياسةِ الحديثةِ، وبأنها واحدةٌ منْ أكثرِ الطرقِ فعاليةً، في تشكيلِ حكومةٍ ، تأخذُ بعينِ الاعتبارِ مصالحَ مجموعةٍ واسعةٍ منْ المواطنينَ.
لكنْ يُلاحظ أنه في الوقتِ الذي يُفاخرُ فيهِ أنصارُ هذا النظامِ الديمقراطي، بأنهُ نظامٌ سياسي ممتازٌ، لكونِ الشعبِ يتمتعُ فيهِ بسلطةٍ مطلقةٍ على الحكومةِ ، إما بشكلٍ مباشرٍ أوْ منْ خلالٍ ممثلينَ منتخبينَ .
يؤكدَ خصومهُ على أنَ هناكَ العديدُ منْ الانتقاداتِ والمثالبِ فيه، منها على سبيلِ المثالِ :
- أنَ حقيقةَ حكمِ الشعبِ بواسطةِ الشعبِ ومنْ أجلِ الشعبِ، هيَ حقيقةُ لألعوبة شعارتية، مُزيّفة وماكرة، تُشاع غالباً منْ قبلِ أشخاصِ ذوي سطوة، ومؤسساتِ اقتصادية مُتنفذة وذات مصلحة..
- أي أنَ الديمقراطيةَ هي مجردُ لعبةٍ سياسية اجتماعية مُبتَدعة لحل تنازع المصالح..
- تتمُ فقطْ ، منْ أجلِ ضبطِ الحموعْ وإرضاءُ الجمهورِ ، عبرَ إيهامهِ أنهُ صاحبُ القرارِ الأولِ والأخيرِ في إدارةِ شؤونِ الحكمِ .
- وأنَ عمليةَ انتخابِ القادةِ فيها ، لابدّ و أنْ تتأثرَ بالمالِ والسلطةِ،
- كما أنَ هذا النظامِ الديمقراطي يمكنُ أنْ يؤديَ إلى وصول أغلبيةٍ تنتهكُ حقوقَ الأقلياتِ.. بحجةَ أنها أغلبيةٌ فقطْ .
- و ان لعبة الديمقراطيةَ، قدْ تأتي بقليلي المعرفةِ والكفاءةِ إلى سدةِ الحكمِ.
- و الخطيرِ في الأمرِ، أنَها يمكنُ أنْ تؤديَ في بعضِ المجتمعاتِ ذاتِ الوعيِ الإحتماعي السياسيَ المتأخرِ، إلى فوضى القرار و عدمِ الاستقرارِ السياسيِ، و إلى أزمات متعددة.
- ثم لكونها تعتمد مبدأ حكم الاكثرية، فقد تُعْلي الديمقراطية في غفوة اجتماعية منْ شأنِ الغوغاءِ، وتُكرّسَ حكمَ العامةِ.
ممّا يؤثرُ على سرعةِ النموِ والتقدمِ، ويخلق اضطراباتٍ اجتماعيةٍ خطيرةٍ. .
- وهناكَ انتقاداتٍ أخطرَ منْ كلٍ ممّا سبقَ، مَفادها أنَ النظامَ الديمقراطيَ ليسَ قادرا دائماً على الاستجابةِ بسرعةٍ وكفاءةٍ، للحالاتِ الطارئةِ والأزماتِ التي قد تعصفُ بالمجتمعاتِ والدولِ. كالحروبِ مثلاً .
بالطبعِ، ليسَ معنى كل ذلكَ، أنَ خصومَ النظامِ الديمقراطيِ بانتفاداتهمْ تلكَ، يدعونَ -بالضرورة- إلى نظامٍ شموليِ قمعي استبداديْ، لأنَ هناكَ كثيرُ منهمْ يرونَ في النظامِ النخبويِ ( حكم القلة أو الحكماءُ ) أقلَ سوءا فقطْ .
- غاية المُرادَ مما ذكر- في تقديري، هوَ أنْ ندركَ جيدا، أنهُ لا يوجدُ في هذا العالمِ نظام سياسيٍ مثالي بالمطلق .
- وأنَ نعي جيداً أن لكلِ نظامِ حكمِ مزاياهُ وعيوبهِ. بما في ذلكَ الديمقراطيةَ، التي لها بالتأكيد تحدّيات ونواقص عديدة .
- وعلينا الإقرارُ بأنَ الديمقراطيةَ هوَ نظامُ خبرةٍ ودربة و تربيةٍ ووعيٍ إنسانيٍ تراكميٍ، يتمّ تحسينهُ باستمرارِ وتكييفهِ معَ الأوقاتِ المتغيرةِ .
- وأنَ الميزةَ الرئيسيةَ للديمقراطيةِ، يجب أن تكون في حمايتها لحقوقَ وحرياتِ المواطنينَ، وضمانَ تأثيرُ صوتهمْ في الحكومةِ إلى حدِ ما.
ليكونَ ذلك حافزاً جوهرياً للتغييرِ الاجتماعيِ والسياسيِ والاقتصاديِ المنشود.
قصارى القولِ : الديمقراطيةُ -كما أفهمها -هيَ وسيلةٌ لتقاسمِ السلطةِ، ونمط سياسي للحكم، يسعى إلى ايجاد مجتمعٍ متوازنٍ وعادلٍ، ذو أسلوبِ أمثلَ لتحقيقِ كرامةِ الإنسانِ.
لكنها بضاعة غير قابلة للاستيراد ويستحيل فرضها على الناس أو المجتمعات قسرا من الخارج ..
بل هي - في تقديري - عملية وعيٍ معقدةٍ، وبناء أسس تربويةً وسياسيةً متشابكة معاً، وفعل نضالٍ سياسي وتصحيحي مستمرٍ، يعمل على تقاسمِ السلطةِ وسيادة القانون، وحمايةِ حقوقِ المواطنينَ كافة.
و لا أعتقدُ البتة ، أنهُ يمكنُ تحقيقَ ذلكَ منْ خلالِ نهوض طرفٍ اجتماعي واحدٍ فقطْ، بل منْ خلالِ جهدٍ تعاوني مستمرٍ للمواطنينَ والسلطات الحاكمةِ معاً .
وفي الواقع الدولي أرى أن هناكَ أيضا أنظمةً سياسيةً أخرى، حققَت بالفعل نجاحاتٍ في مجتمعاتهِا، (مثلٍ الملكيةِ، وبعض الأنظمةُ الشموليةُ ، الاشتراكيةُ، و..الخ. وبالتالي هي يمكن أنْ تعملَ جنبا إلى جنبٍ معَ النظم الديمقراطيةِ.
المهمِ لنا ككائناتٍ عاقلةٍ، استكشافُ وفهمُ كيفيةِ عملِ هذهِ الأنظمةِ، وإدراك أنَ لها جميعاً مزايا وعيوب ، وأنْ ننظرَ إليها بموضوعيةِ، والبحثُ معاً ، كيفَ يمكنُ تحسينها لصالحِ الإنسانِ ونماء الحضارة الانسانية.
و ألا ننسى مطلقاً، أنَ نعلم أجيالنا أن الديمقراطيةَ ليستْ موضوعَ كثرةٍ أوْ قلةٍ، ولا تتعلقُ فقطْ بصندوق اقتراع، أو بتغييرِ للحكم أوْ انتخابِ القادةِ وحسب..
ولكنها تتعلقُ أولاً وقبل كل شيء، بإشاعة الوعي الديمقراطي، وتسييد ثقافة الاسترشاد بالعقل، وتشجيع فكر التجربة، واحترام الخبرة، وتقديس حقوق الأقلية، و سيادة القانون، وحمايةِ حقوقِ المواطنينَ وحرياتهمْ، ..الخ
بذلك فقط ، سيتم ضمان انتخابِ حكومةٍ عادلةٍ وشفافةٍ، تعمل بإستمرار على تعزيزَ التنميةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ وما إلى ذلك.
أخيراً : رغم كل ما قيل ، يبقى سؤالُ في خاطري :
تُرى هلْ ينفع تطبيق نظام الديمقراطيةُ، فجأة في مجتمعٍ جاهلٍ ومُتخلّفٍ علمياً واقتصادياً واجتماعياً و ..؟
- للحديثِ بقيةً . .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا