الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الإسلام في إفريقيا- ما وراء الجهاد؟-

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2023 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يثير كتاب "الإسلام في إفريقيا- ما وراء الجهاد؟" (1) لمؤلفه "مارك أنطوان بيروز دي مونتكلوس" (2) مسألة عولمة الحقائق الدينية وعلاقة المسلمين بالسياسة والدولة. إنه يدعو إلى رؤية منطقية في مواجهة تعقيد التطور الأخير لما يسميه "الإسلام الأفريقي".
___________________
(1) - Marc-Antoine Pérouse de Montclos - ed / Vendémiaire, 2021, 528 p.
(2) -ودكتور في العلوم السياسية ، هو مدير الأبحاث في معهد البحوث من أجل التنمية - IRD- كان رئيس تحرير مجلة - Afrique contemporaine - وله مؤلفات أخرى كنها: - " تراجيدتا مالي " - La Tragédie malienne - 2013 - " أفريقيا ، حدود الجهاد الجديدة؟ -2018 - L’Afrique, nouvelle frontière du djihad ? –
_______________________

حاول هذا الكتاب الإجابة على جملة من الأسئلة تشغل وتقلق الغرب، من أهمها:
- ما هي "المفاهيم الخاطئة" التي يجب إبعادها عن الإسلام في إفريقيا؟
- ماذا عن الخوف الغربي من إسلام راديكالي (عنيف – تخريبي) عابر للقوميات؟
- هل الوحدة الإسلامية مهمة حقًا؟
- ما هو الدور الذي يلعبه التحضر الأفريقي في تحولات العقيدة الإسلامية؟

المفاهيم الخاطئة التي يجب إبعادها عن الإسلام في إفريقيا
بادئ دي بدأ يقر "مارك أنطوان بيروز دي مونتكلوس" أن هناك كليشيهات متكررة تتعلق بتسييس الإسلام وتطرفه في إفريقيا.
ومع ذلك ، ظل الإسلام دائمًا دي بعد سياسي ، مثل أي دين آخر . وقد تأتي مشكلة لفظة "التسييس" هذه من حقيقة أنها تشير إلى أن إسلام اليوم يبدو "سياسيا" أكثر مما كان عليه في الماضي. هناك مشكلة المؤشرات والتسلسل التاريخي التي يجب أخذها بعين الاعتبار وإلا فسد العرض والتحليل. في القرن التاسع عشر ، كان الإسلام في السلطة في مناطق شاسعة من الساحل: كانت خلافة "سوكوتو" (3) - califat de Sokoto - أو إمبراطورية "توكولور" (4) - l’empire Toucouleur - تحكمهما مبادئ الشريعة. وكان السلاطين يتمتعون بالسلطة السياسية والعسكرية والدينية ويحتكرونها . هذا بالفعل هو "العصر الذهبي للجهاد العظيم". لذلك ، إذا نظرنا اليوم إلى محاولات رجال الدين المسلمين لدخول المجال السياسي ، فإننا نرى بالأحرى "عدم تسييس الإسلام" مقارنة بفترة ما قبل الاستعمار ، لأنه في هذه الأثناء ، فرض فاعل جديد نفسه، وهو الدولة. في الواقع ، كان للإسلام دائمًا بعد سياسي ، لكن هذا البعد يأخذ أشكالًا جديدة حسب السياق. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الإسلام سيكون سياسيًا فقط عندما يتم استخدامه لتحدي السلطات الموجودة، فالإسلام سياسي تمامًا عندما تتلاعب به القوة الحاكمة لقمع المعارضة المعبر عنها باسم الدين.
________________
(4) - تأسست خلافة سوكوتو على جهاد قاده أحد أفراد "الشعب الفولاني" - Peuls – "عثمان دان فوديو" في شمال نيجيريا بين عامي 1804 و 1810. امتدت بشكل رئيسي بين شمال نيجيريا الحالية وشمال الكاميرون ، وكانت عاصمتها مدينة "سوكوتو". كان اقتصاد هذه الإمبراطورية "الفولانية" قائمًا بالأساس على التجارة والرق. كانت أكبر دولة في إفريقيا (بعد الإمبراطورية العثمانية) منذ انهيار إمبراطورية "سونغاي" (حوالي عام 1592) ، وثاني أكبر دولة إسلامية في العالم حتى الفتح الأوروبي من عام 1897 إلى عام 19031. هدف " عثمان دان فوديو" - الذي شرحه في أحد أهم كتبه ، "كتاب الفرق" - هو تطهير الإسلام في بلاد المسلمين ، و يتضمن التقيد الصارم ومحاربة البدعة . في 1804 ، نصب نفسه أميرا للمؤمنين وحكم حتى وفاته في عام 1817.
(5) - هي دولة إفريقية سابقة أسسها "الحاج عمر التل" في القرن التاسع عشر ، من مجموعة "توكولور" العرقية ، في جزء من مالي الحالية، بعد عودته من الحج إلى مكة عام 1836، بدأ جهاده في عام 1850.
___________________

فيما يتعلق بالتطرف ، لاحظ المؤلف في تاريخ الإسلام في إفريقيا تسلسلًا متكررًا للاحتجاج الشديد ضد الكفر والكافرين والدعوة إلى تطهير النفس. وغالبا ما كان يقوم الإمام المنفي أو المغادر بمفرده ، بإنشاء نوع من "المدينة السماوية" التي يمكن أن تتحول إلى معسكر. وهكذا نجح البعض في تشكيل "دول إسلامية حقيقية" في القرن التاسع عشر ، وهو "قرن الجهاد الساحلي والصوفي العظيم". بعبارة أخرى – يقول المؤلف – "ما يسمى بالاحتجاجات الإسلامية ليست جديدة في إفريقيا... إنهم بالتأكيد لم يكونوا بحاجة إلى الأفكار السلفية الواردة من العالم العربي لتفقس وتشكل مجموعة دينية خاصة بهم... واليوم ، مع ظهور الجماعات الإرهابية يُلقى باللوم على "الوهابية" بما يخص الإسلام المتطرف في إفريقيا. إن تأثير الوهابية السعودية أقل أهمية بكثير مما قد يتخيله المرء، بحكم الخلفية التاريخية الإفريقية بخصوص الإسلام ".

بخصوص تفسير صعود الإسلام في إفريقيا السوداء خلال الحقبة الاستعمارية (القرنين التاسع عشر والعشرين) رغم أن القوى الاستعمارية كانت خلفيتها الثقافية مسيحية محضة،
يقر "مارك أنطوان بيروز دي مونتكلوس" باستقرار فكرة سائدة عن أسلمة سياسية ودينية وديموغرافية لأفريقيا. من الناحية الكمية ، يجادل البعض بأن هناك نسبة أكبر من المسلمين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى اليوم، لكن تاريخياً ، كان التوجه الإسلامي في إفريقيا يحدث بشكل رئيسي خلال الفترة الاستعمارية ، في هذه الحالة عن طريق التجارة وليس بالسيف والغزو العسكري. في الواقع ، وضعت الشريعة الإسلامية ورسخت قواعد العقد والثقة التي أغرت الأفارقة كثيرا، لأنها جعلت من الممكن تعزيز شبكات التجار لمسافات طويلة مع سيادة الثقة. ومن جانبه قام المستعمر بتأمين وتطوير مبادلات تجارية مواتية جدا لتقدم الإسلام وانغراسه، وهذا على الرغم من افتراضات تفوق الحضارة المسيحية ، إلا أنه كان يعتقد أيضًا أن المجتمعات الإسلامية كانت أكثر تنظيماً وأسهل في الإدارة من المجتمعات المستعصية التي تتبع "الأديان والمعتقدات التقليدية". وكمثال – يقول المؤلف - "في كثير من الحالات ، شهدنا تحالفًا موضوعيًا بين المستعمر والأمراء في مناطق نفودهم".

ويضيف، في الوقت نفسه ، حدثت طفرة غير عادية في المسيحية. وفقًا للأرقام المتاحة ، كان عدد المسيحيين في إفريقيا أقل من 10 في المائة و المسلمون يشكلون الثلث في بداية القرن العشرين. لكن اليوم ، ظل المسلمون يشكلون الثلث ، ولكن 50 في المائة أصبحوا من المسيحيين. خلال القرن الماضي ، لم تتغير نسبة المسلمين بشكل جذري داخل القارة. وإذا نظرنا إلى الماضي ، يمكننا على العكس من ذلك أن نتحدث عن تنصير إفريقيا. الفرق الآن هو أن نسبة المسلمين من المرجح أن تزداد لأن معدلات خصوبة النساء المسلمات في منطقة الساحل أعلى بكثير من تلك الخاصة بالمسيحيين ، خاصة في المدن التي بدأت في التحول الديموغرافي على ساحل المحيط الأطلسي. بسبب النمو السكاني الذي لا يزال قوياً جداً في جنوب الصحراء ، فإن نسبة الأفارقة في العالم الإسلامي سوف تزداد أيضاً ، خاصة وأن عدد سكان الدول العربية ينمو بمعدل أبطأ بكثير.

وبخصوص القول هل يمكن القول أن هناك رؤية "إسلام أفريقي" مستوحى من الصوفية يعارض رؤية "الإسلام العربي العنيف"؟
يوضح المؤلف أن التمييز بين "رؤية مثالية للصوفية" بدلاً من "الوهابية المتخيلة" إلى حد ما، تنشأ عنه ثلاث مشاكل :
- أولاً ، هذا التمييز يفرط في تحديد تأثير الأفكار الصوفية والسلفية. في واقع الأمر ، أظهرت الاستطلاعات القليلة المتاحة أن معظم المسلمين الأفارقة لا يتعرفون على أنفسهم في هذه الفئات ، التي يُنظر إليها على "أنها اختراعات للباحثين الغربيين". هناك أقلية فقط من الصوفيين أو السلفيين ، وخاصة الأئمة و"معلمي" القرآن.

- المشكلة الثانية تنبع من "مانوية" المعارضة ( خير - شر) بين الصوفيين والسلفيين. إن السلفيين يعارضون بالتأكيد الطرق الصوفية التي تم دمجها في النظام الاستعماري والتي هي اليوم متحالفة مع السلطات القائمة. لكن هناك أيضًا العديد من أوجه التقارب بين الصوفيين والسلفيين.
- المشكلة الثالثة، رغم أنه لا يمكن الإقرار بمعارضة مباشرة وواضحة بين العالمين الصوفي والسلفي، ومع ذلك ، هناك انقسام.

ويذكر المؤلف موضحا: "لم تكن هناك حاجة للسلفيين حتى نعاين حضور ووقوع الجهاد. في القرن التاسع عشر ، كان الجهاد الساحلي ينطلق من الصوفية وليس من المذاهب السلفية. واليوم ، يتم الإشادة بذلك الجهاد على أنه من قبيل أعمال مقاومة للاستعمار ويتم تقديم حاليا تلك "الدول الإسلامية البدائية" القائمة وقتئذ خضعت لعوامل التقدم. يبدو كأن هناك مشكلة "فقدان الذاكرة"، حيث يتم الإشادة بمزايا الجهاد "الجيد" في القرن التاسع عشر من أجل نزع الشرعية بشكل أفضل عن "الجهاد الإرهابي السيئ" في الوقت الحاضر.

وفيما تخص الخوف الغربي من "إسلام راديكالي تخريبي" عابر للقوميات (إسلاموفوبيا)، يشير الكتاب إلى أنه غير خاف على أحد اليوم أن الحدود الدولية هندستها الدول الاستعمارية منذ في القرن التاسع عشر ، وكان الجهاد بطبيعته عابرا لهذه الحدود ولا يعترف بها. وكانت حدود العالم يتم لعبها بالأحرى بين جماعة "المؤمنين" و"الكفار". عند استعادة الأحداث الماضية ، من الصعب التحدث عن "نزعة إسلامية شاملة". وبالنسبة لصلات الجهاديين الأفارقة (مع ظهور تنظيم القاعدة و"داعش") ، فهي في الأساس مسألة اتصال وتواصل. على المستوى "العملياتي" ، لا نلاحظ حقًا عمليات نقل أسلحة أو أموال أو مقاتلين من العالم العربي.
خلاصة القول
يرى "مارك أنطوان بيروز دي مونتكلوس" في مسألة أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء مسألة أساسية في القرن الحادي والعشرين بسبب التركيبة السكانية للمنطقة. إنه يثير مسألة "عولمة الحقائق الدينية" وعلاقة المسلمين بالسياسة والدولة. إنه يدعو إلى رؤية منطقية في مواجهة تعقيد التطور الأخير لـ "لإسلام الأفريقي". لقد سعى لدراسة "الاستراتيجيات المختلفة لمواجهة تحديات العصر المعاصر" للمسلمين في إفريقيا جنوب الصحراء ، في محاولة لتجنب الوقوع في فخ التعميمات المسيئة ، بالنظر إلى تعقيد الإسلام في هذا الجزء من العالم. فهناك تنوع شديد في المواقف ، مما يعقد المسألة، أنه تعقيد لن يكون من الحكمة التغاضي عنه، وإلا اختيطت الأمور، وسهل السقوط في فخ التعميمات المسيئة ، بالنظر إلى تعقيد الإسلام في هذا الجزء من العالم.
___________________ يتبع: عرض الفصول وخلاصاتها _______________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا