الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل الحب الرائعة لحنة أرندت و مارتن هايدغر 1/3

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 2 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ماريا بوبوفا
MARIA POPOVA
ترجمة: نورالدين علاك الأسفي. [1]
[email protected]

الكاتبة والمفكرة السياسية الألمانية العظيمة حنة أرندت/ Hannah Arendt (14 أكتوبر 1906- 4 ديسمبر 1975)، هي أول امرأة تلقي محاضرات بجيفورد/ Gifford المرموقة، امتلكت واحدا من أكثر العقول ثقافة في القرن العشرين؛ و مصدر تبصر دائم للفرق الحاسم بين الحقيقة والمعنى والزمان والمكان، و مكمن الأنا المفكرة. لكن أرندت حتى هي؛ لم تكن محصنة ضد اندفاع الشباب؛ و التخلي عن العقل لصالح وجهة النظر المقابلة.
فعندما كانت طالبة جامعية تبلغ من العمر 19 عاما، وقعت أرندت في حب أستاذها مارتن هايدغر/ Martin Heidegger (26 سبتمبر 1889- 26 مايو 1976) المتزوج؛ و البالغ من العمر 36 عاما، و الفيلسوف المؤثر بقدر ما هو مثير للجدل. قدم مساهمات هامة في الظواهرية والوجودية؛ كما انضم إلى الحزب النازي؛ و في ظل امتيازات هذا؛ شغل منصبا أكاديميا. و رغم استقالته بعد عام، و توقفه عن حضور اجتماعات الحزب؛ سيخبر أحد الطلاب لاحقا؛ إنه يعتبر تولي هذا المنصب "أعظم غباء في حياته"، إلا أنه لم يتب علنا أبدا. و بوقوعه في حب يهودية سيكشف عن التعقيد والتناقض الذين نسجت بهما الروح الإنسانية، و أن خيوطها لا تتمزق في أي مكان أكثر من الحب. أما أرندت فسترى في قوة وامتياز كونها غريبة عنصرا أساسيا في هويتها.

أرندت هايدغر.

اعتبر هايدغر فترة الغرام " الأكثر إثارة وتركيزا و زخما بالأحداث" في حياته، وأن الحيوية الإبداعية تخصب "الكينونة و الزمن"؛ عنوان كتابه الأكثر شهرة وتأثيرا، حيث أدرج فيه مفهوم " الكينونة في العالم" كأول صيغة إنسانية لوجودنا، لتحل محل مفاهيم الذات،ثم الموضوع، فالعالم و الوعي.
"لم يحدث لي شيء من هذا القبيل"، يكتب في واحدة من رسائل الحب الأولى، التي تم جمعها في كتاب[2] "رسائل": 1925-1975 ( إصدار Public library 2003) ؛ حوى نصف قرن من مراسلاتهما المثيرة، أولا كعاشقين ثم صديقين فمفكرين نديين.
في رسالته الأولى إلى أرندت، التي دبجها في فبراير من عام 1925، هايدغر يتوسل:

عزيزتي الآنسة أرندت!
يجب أن آتي لرؤيتك هذا المساء و أتحدث إلى قلبك.
يجب أن يكون كل شيء بسيطا؛ واضحا و صريحا بيننا. عندها فقط سنكونان جديرين بأن يسمح لنا بالالتقاء. أنت تلميذتي وأنا أستاذك، لكن هذه ليست سوى مناسبة لما حدث لنا.
لن أتمكن أبدا من الاتصال بك، لكن من الآن فصاعدا ستنتمين إلى حياتي، و معك ستنمو.
نحن لا نعرف أبدا من خلال وجودنا إزاء الآخرين ما يمكن أن نصيره.

من البداية، سيشرع هايدغر في التوفيق بين شدة مشاعره؛ وما يعرف أنه في مصلحة أرندت العقلانية:

المسار الذي ستسلكه حياتك الصغيرة مستتر. يجب أن نتلاءم مع ذلك. ولائي لك سوف يساعدك فقط على البقاء صادقة مع نفسك.
[…]
"كني سعيدة!"- هذه هي أمنيتي لك الآن.
فقط؛ عندما تكونين سعيدة، تصبحين امرأة يمكنها أن تمنح السعادة، وكل من حولها يغدو في سعادة وأمان وراحة و مهابة وامتنان للحياة.
فقط بهذه الطريقة؛ سوف تكونين مستعدة بشكل صحيح لما يمكن للجامعة وينبغي أن تقدمه لك.
[…]
لقد سمح لنا بالالتقاء: يجب أن نحمل ذلك كهدية في كياننا الأعمق؛ وأن نتجنب تشويهه من خلال خداع الذات حول صفاء الحياة. علينا أن لا نفكر في أنفسنا كرفقاء في الروح، وهو شيء لم يختبره أحد على الإطلاق.. وهذا يجعل هدية صداقتنا التزاما يجب أن ننمو معه..و لكن لمرة واحدة فقط أود أن أكون قادرا على شكرك، بقبلة على جبينك الطاهر، مع فخري بكينونتك في عملي.
بعد اليوم الحادي عشر، يتضخم افتتان هايدغر إلى حجم لا يمكن احتواؤه فينفجر في الفلسفة. حيث كتب:

عزيزتي حنة!
لماذا الحب غني بما يتجاوز كل التجارب البشرية الممكنة الأخرى؛ وعبء حلو على أولئك الذين تم إحكام قبضته عليهم؟ لأننا نغدو ما نحبه ومع ذلك نبقي على أنفسنا. ثم نريد أن نشكر الحبيب، و لكن لا نجد شيئا كافيا.
لا يسعنا إلا أن نشكر بأنفسنا. الحب يحول الامتنان إلى ولاء لأنفسنا وإيمان غير مشروط بالآخر. بهذه الكيفية يكثف الحب باطراد سره الأعمق.
هنا، أن تكون قريبا هو مسألة أن تغدو من الآخر على مسافة أكبر من الكشف - المسافة التي لا تسمح بأي شيء معتم - ولكن بدلا من ذلك تضع "أنت" في الوجود الصرف- شفاف ولكن غير مفهوم - إن وجود الآخر ينزاح فجأة إلى حياتنا- لا يمكن لأي روح أن تتصالح مع ذلك. مصير الإنسان نفسه يعطى لمصير إنساني آخر، وواجب الحب الخالص هو الحفاظ على هذا العطاء حيا كما كان في أول يوم.
-----------------
[1] في البال: المقالة مناط الترجمة رهن بالإحاطة علما؛ لا بقصد تبني فحواها جملة أو تفصيلا. المترجم.
[2] نهتبل المقام لنذكر بترجمة عربية للكتاب: رسائل حنة أرندت و مارتين هيدغر (1925 - 1975)؛ تعريب حميد لشهب. جداول للنشر، بيروت. الطبعة الأولى 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟