الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبشرون المسيحيون والمندائية خلال القرن السادس عشر

سنان نافل والي

2023 / 2 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعود معرفة الغرب بالمندائيين الى أوقات مبكرة من التأريخ الميلادي حيث ذكرهم Théodor Bar Kounai في كتابه الشهير Les Livres des Scolies في بدايات القرن العاشر ميلادي وقبل ذلك في القرن السابع ميلادي، جاء ذكرهم أيضا في كتاب Actes de Mar Mari الذي تحدث عن وجود المندائيين المعمدانيين في شمال ( ميديا ) وبعد ذلك في جنوب بلاد ما بين النهرين . أما أقدم المصادر الغربية التي جاءت على ذكر المندائيين فتعود الى القرن الرابع ميلادي وذلك في الكتاب المعنونLes Actes de Simon Bar Sabba : الذي تحدث عن وجود طائفة دينية في أرض بابل ، تمارس طقس التعميد في الأنهار وأسماها ( ميدي أو ميداي ) والتي يمكن أن يكون القصد منها هو المندائية . (1) إضافة الى ذلك لا يمكن بالطبع إلا الإشارة الى ما ذكرهHegesippus الذي توفي في الربع الأخير من القرن الميلادي الثاني ( عام 189 م ) وهو من كتاب الكنيسة الأوائل ، الى إحدى طوائف البحر الميت في فلسطين والمسماة ( المصبتيين ) التي كانت تمارس التعميد في المياه الجارية (2) ولكن يمكن القول أن أول تواصل حقيقي بين المندائيين والغرب قد حدث في منتصف القرن السادس عشر وبالتحديد في عام 1555 ميلادي عن طريق المبشرين البرتغاليين الذين وصلوا الى البصرة حينها في محاولة لجس النبض الديني والاجتماعي في تلك المنطقة وذلك في إطار المساعي البرتغالية الحثيثة للتنافس على المكاسب والأراضي الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وخصوصا المنطقة الإستراتيجية لكلا الطرفين وهي منطقة الخليج العربي . أوحى المندائيون إليهم حينها ولو بشكل غير مباشر ، مدى التشابه بين الديانتين ، المندائية والمسيحية في العديد من الأفكار والطقوس الدينية ، ربما في مسعى منهم للتخلص من الضغوطات الكبيرة التي كانت تمارس ضدهم من قبل العثمانيين والصفويين على حد سواء ( وهي نفس الطريقة التي أتبعها المندائيون ، أي سياسة " الجدار العازل " والتي ضمنت لهم النجاة والبقاء خلال الحكم الساساني وكذلك الإسلامي ) مما تولدت نوع من القناعة لدى هؤلاء المبشرون بأن المندائيين هم فرقة مسيحية أو على الأقل لديها جذور وأصول مسيحية من نوع ما . (3) كان اللقاء الأول بين المندائيين والبرتغاليين في جزيرة مملكة هرمز والتي كانت حينها تحت السيطرة البرتغالية عندما ذهب وفد من المندائيين للقاء القادة البرتغال هناك في محاولة للتحرر من الحكام العثمانيين وتخليصهم من حالة الاضطهاد والتهميش الواقعة عليهم . وسواء كان البرتغاليون مقتنعين بالفعل بأن هؤلاء هم فرقة مسيحية مضطهدة تحت الحكم الإسلامي العثماني أم لا ، فإنهم وجدوا في تلك المناشدة المندائية بطلب بالحماية والمساعدة، فرصة جيدة لاستغلالها كورقة ضغط سياسية ضد السلطات العثمانية والتدخل في شؤونها الداخلية لتحقيق موطئ قدم هناك من منطلق حماية الأقليات الدينية التي تعاني التهميش والاضطهاد فعقدوا اتفاقا سريا بينهم وبين والي عربستان " سيد مبارك بن مطلب بن بدران خان " وهو آخر الولاة من سلالة المشعشع والذي عينه الشاه الصفوي" عباس الأول "في منصب الوالي (4) في محاولة منه على ما يبدو لضمان ولاءه له من جهة وتشكيل جبهة موحدة ضد العثمانيين وكذلك ضد المحاولات البرتغالية المستمرة للتدخل في المنطقة من جهة أخرى . كان الاتفاق يشمل تشكيل جبهة موحدة ضد العثمانيين وكذلك في بعض جوانبه ، على أهمية حماية المندائيين كأقلية مضطهدة تحت الحكم العثماني ولكن المفارقة هنا ، أن المندائيين كانوا يعانون الأمرين من هذا الوالي نفسه الذي كان يجبرهم على العمل مجانا لبناء قلاعه وقصوره في ظروف عمل سيئة جدا بالإضافة الى فرضه ضرائب باهظة جدا لقاء استعمالهم الماء الجاري لغرض تأدية الطقوس الدينية وكذلك عمد في مناسبات كثيرة الى هدم دور عبادتهم وإحراق كتبهم الدينية وتضييق الخناق عليهم الى درجة أنه كاد يمحيهم عن وجه الأرض (5) كان البرتغاليون على علم بما يعانيه المندائيون في ظل هذا الوالي لـذا لم يكن المندائيـون بالنسبة لهم مجرد ورقة سياسيـة للمساومة فقط، إنما سعوا أيضا الى تحويلهم الى الديانة المسيحية الكاثوليكية وتوطينهم في اوروبا أو في إحدى مستعمراتهم، بعيدا عن سطوته واضطهاده لهم. وفي هذا المسعى، بذل البرتغاليون جهودا كبيرة ومحاولات عديدة لإقناع المندائيين بالديانة المسيحية وترك ديانتهم المندائية وبعد فترة من الوقت كانوا مقتنعون تماما بأن جهودهم قد أثمرت وبأن عددا كبيرا من المندائيين قد أصبح مستعدا لقبول المسيحية والإيمان بها وأعتناقها ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة عندما اكتشفوا بعد حين بأن المندائيين أنفسهم ، كانوا يستعملونهم كغطاء للحماية من اضطهاد الحاكم سيد مبارك بشكل خاص ومن الحكم العثماني بشكل عام ، مدعين إيمانهم وقناعتهم بالديانة المسيحية مثلما توضح الرسالة التي كتبها بهذا الخصوص ، المبشر الإيطالي " ماتيو دي سان جيسيبي " عندما قال :
"لثلاثين عاما، اجتهد آباؤنا الأوغسطيين وكذلك نحن في هذا المسعى ولكن لم ننجح على الإطلاق في أن نجعل من أحدهم مسيحيا حقيقيا ... بالإضافة الى ذلك ، فقد جعلوا الجميع يبدو أحمقا وخصوصا نحن ، فهم يقولون حينا أننا نريد أن نصبح أتراكا وحينا آخر رومان كاثوليك وربما في أحيان أخرى سيقولون أننا نريد أن نذهب مع البرتغاليين ... ولكنهم يقولون ذلك فقط ، للخلاص من المعاناة والاضطهاد الذي يعيشونه تحت الحكم العثماني وليس لترك خرافاتهـم وقوانينهم " (6) وعلى الرغم من تحول بعض الأفراد من المندائيين الى المسيحية في تلك الفترة إلا أن هذا الموضوع قد انتهى بشكل كامل تقريبا مع سقوط " مسقط " في عام 1649 وأيضا " كولومبو " عام 1656 مما أنهى آمال البرتغاليين في التواجد في المحيط الهندي.

المصادر والهوامش
(1) عزيز سباهي : أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية ص33 .
(2)Charles G.Häberl : Dissimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans .P: 598 )
(3) توجد في مكتبة بودليان في أكسفورد ، مخطوطة لإحدى الإزهارات " تذييلات "للناسخ المندائي" آدم فرج "وهو يتهم فيها الوالي سيد مبارك خان بأنه قام بعزل رجال الدين من مناصبهم القيادية والدينية المندائية وأنه قتل العديد من المندائيين . أنظر :
(4)Buckley , Journn J. : The Great Stem of Souls : Reconstructing Mandaean ) History : P. 92
(5 )Charles G.Häberl : Dissimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans : (P. 600
(6)Charles G.Häberl : Dissimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans : (P . 603








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن