الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن نتكلم خطاب اليسار

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2023 / 2 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن ما يلفت النظر هو الاستعمال المكثف للخطاب اليساري في المطالبة اليومية لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عند غالبية الفئات الشعبية. نحن نتحدث عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص وعن المساواة والإنصاف. قد لا ندرك أن مطالبنا اليومية تحمل كل معاني وأهداف الفكر السياسي اليساري، وقد نعتبر أن هاته المفاهيم لتحقيق دولة الحق والقانون حديثة العهد ولكنها في الحقيقة هي ليست وليدة اللحظة وليست حديثة الزمن الجديد بل هي وليدة الثورة الفرنسية التي تمخضت عنها بوادر التيار السياسي اليساري، ولربما وجب الوقوف على هذا الحدث التاريخي الذي غير وجه وواقع الإنسان والإنسانية بجعل أول أولوياته هو الإنسان والفرد.
في التوجهات السياسية المتعارف عليها عالميا تقسم الأحزاب حسب الاديولوجيات والتوجهات السياسة و المنظومة السياسية التي يتبناها كل حزب ويناضل من اجلها باليات سياسية تخولها له الدولة أو لا تخولها، وتصبح هنا موضوع نضال مكثف ولو كانت خارج القوانين الرسمية المؤطرة للدولة .
تقسم الأحزاب في مجملها إلى أحزاب اليمين واليمين المتطرف واليسار واليسار المتطرف، و معنى المتطرف هنا هو التشدد في التوجهات السياسية والتوجه الاديولوجي الذي يتبناه كل حزب إن كان من اليسار أو اليمين.
إن اليسار يعني سياسيا المعارضة للنظام الاجتماعي السائد، يعني أن اليسار نشأ من رحم الرفض أي رفض النظام السائد والذي يبني على المحافظة على المعايير والقيم والممارسات التي تكرس التراتبيات الاجتماعية بناء على الانتماء الطبقي والاجتماعي والعرقي والديني، هذا التوجه يمثل سياسيا أحزاب اليمين أو الأحزاب المحافظة.
إن مصطلح اليسار ظهر للوجود خلال الثورة الفرنسية وبالضبط يوم 28 اجتماع أغسطس سنة 1789 خلال اجتماع يناقش حق النقض الملكي في القرارات التي تأخذ خلال اجتماع الولايات العامة للمملكة les états généraux du Royaume ، بحيث اجتمع النواب المعارضون لهذا الإجراء إي استعمال حق النقض le droit de véto من طرف الملك لويس السادس عشر على يسار رئيس المكتب وخلاف ذلك اجتمع النواب المؤيدون لهذا الحق على اليمين. لم يكن مفهوم اليسار في بادئ الأمر مفكرا فيه بشكل نظري بل كان يغلب عليه مفهوم التعارض الفكري والسياسي مع الطبقة المسيطرة ، بل هو في بداية تاريخه كاسم أو كنعت كان فعلا " عملية تموقع جسدي" .
إن النظام السياسي كان يخول فقط لثلاث تكتلات اجتماعية تحمل اسم ولاية وكانت تحمل لقب الولايات العامة للمملكة les états généraux du Royaume وهي التي كانت تقرر في الشأن العام للدولة . كانت الاجتماعات السياسية تتكون في كل اجتماع من ثلاث انتماءات اجتماعية تخضع لتراتبية اجتماعية نجد في القمة الارستقراطية والنبلاء بعدد 285 فرد تليها فئة رجال الدين بعدد 308 فرد وفي الأخير نجد ما يسمى الولاية الثالثة le tiers étatبعدد 621 فرد وخصوصية هاته الولاية أنها تشمل كل الباقي من الشعب ولا تتمتع بنفس رتبة ولاية النبلاء ولا ولاية رجال الدين وليست لها أي سلطة اجتماعية أو دينية أو سياسية .ولكنها تحمل مشروع تغيير شامل لمفهوم الدولة والسلطة . كانت الفئة المعنية بالتواجد في اجتماع الولاية العامة للمملكة هم سكان المدن وبالأخص أولئك الدين يشتغلون ولهم مداخل مادية ، وهم الذين كانوا يلقبون بالبرجوازية والتي كانت تعني أنداك سكان المدن فقط، والتي ستتحدد أكثر في المفهوم الماركسي،.
إن الخلاف الأساسي الذي حدث في ذاك الاجتماع هو رفض نواب الولاية الثالثة أو ما كان يسمى بالبورجوازية، أي سكان المدن الذين كانت لهم أنشطة اقتصادية، وبين الولاية الأولى والثانية الذين لم يكونوا يمارسون أي نشاط اقتصادي هو إعفاء هاتين الولاتين أي النبلاء ورجال الدين من الضرائب على أساس أن مداخلهم ليست ربحية وان مصدرها أساسا هي جنائية أو شبه ضريبة تخدم المصلحة العامة. رفضت الولاية الثالثة هذا الإعفاء وكل الامتيازات النبلاء ورجال الدين في المجال القانوني والاقتصادي والاجتماعي وتموقعت بعد ذلك ضد حق النقد الملكي الذي يخدم مصالح النبلاء ورجال الدين.
بعد خلاف كبير بين ولاية النبلاء والارستقراطية و فشل محاولة ولاية رجال الدين التوفيق بينهما، رفضت ولاية النبلاء الاجتماع مع الولاية الثالثة فانشقت الولاية الثالثة بتاريخ 6 ماي من نفس السنة تحت اسم المجالس البلدية لتقديم مشروعها السياسي لتحقيق دولة العدالة الاجتماعية والمساواة.
إن المطالب التي كان يعبر عنها أنداك اليسار ولازال هي الديمقراطية ، وسيادة الشعب ، وحقوق الإنسان والمواطن، والمساواة ، الإخوة، الحرية، العقل، المواطنة ، الصالح العام، الاقتراع العام، الحقوق الاجتماعية. في حين ظل النبلاء ورجال الدين يدافعون عن التقاليد والنظام القائم، والسلطة التنفيذية القوية، وكاثوليكية الدولة ( إي النظام الديني تحت رعاية الكنيسة) والعنصرية، والتحيز ضد الثقافة، ورفض حقوق الإنسان والاقتراع العام.
إن العدالة الاجتماعية في الطرح السياسي اليساري الذي نتحدث عنه يوميا تعني إعادة توزيع أفضل ومتساوي للحقوق والواجبات إن كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. نتحدث عن تكافؤ الفرص والذي يعني تمتع كل فرد بنفس فرص النجاح والحفاظ عليها طول حياته، نتحدث عن الإنصاف الذي يعني تصحيح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للطبقات الشعبية والمعوزة ، نتحدث عن مبدأ المساواة والتي تعني رفض كل تمييز انطلاقا من الانتماء الاجتماعي أو العرقي أو الجنسي أو اللون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم اليسار تعني بناء دولة الدمقراطية التقدميه بعيد
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2023 / 2 / 18 - 22:26 )
بعيدا عن الادلجه باشكالها المقيتة الثلاث الدينية والقومية والطبقية-تعني دمقرطة المجتمع سياسيا واجتماعيا معناها العمل على مدنية الحياة العامه اي دمقرطتها وجعل العلم والعمل والثقافة وتطور الانتاج وديناميكيته بالارتباط بالتكنولوجيه المتواصلة التطور في اساسيات حياتنا-وبما اننا نحن الشعوب الشرقاوسطية وعموما البلدان العرباسلامية لانزال نعيش التخلف بابشع اشكاله حتى قيل بان مجتمعاتنا لازالت تؤمن ببول البعير دواء لكل الامراض-لذالك علينا بتنوير مجتمعاتنا وجعل العلم منطلقا لتفكيرنا وجهدنا في حل مشاكلنا-تحياتي للكاتبه الفاضله لاسلوبها المبسط السلس في التعبير عن افكارها التقدميه


2 - تشويه مفهوم اليسار
د. لبيب سلطان ( 2023 / 2 / 19 - 23:23 )
تحية للدكتورة حكيمة على طرح هذا المصطلح بجذوره وابعاده التاريخية ومعناه الاجتماعي والسياسي . كانت الشعارات الثلاثة للثورة الفرنسية وهي المساواة والاخاء والحريات ولازالت تعرف اليسار ولليوم والتشويه الذي طال استخدامه تم وفق اهواء ايديولوجية ومنها تجزئتها أي اخذ جزء منها ، أو تحوير معانيها وفق اهواء ايديولوجية ايضا مثل مصطلح الديمقراطية افراغها من محتواها الواسع العميق ودورها في قيام التمدن والتحضر وحصرها وفق تفسير مؤدلج ضيق كما قام به السوفيت مثلا ازالوا الحريات من الديمقراطية مثلا
فالاخاء هو اخاء الانسانية وضد الحواجز بين الانسان واخيه بكل اشكالها ومنع ثقافة الكره على اساس الدين والطائفة والعرق والمعتقد
المساواة هي حق المواطنين في الدولة ومنع التمييز بينهم بسبب الفكر والعقيدة والجنس والمركز الاجتماعي وفرض حيادية الدولة تجاه مواطنيها
الحرية ضمان حق المعتقد وحق التعبير وحق الخيارات الشخصية للفرد في طريقة حياته . تاريخيا يمكن القول ان الليبرالية الحديثة قامت كفكر وسياسة وممارسة على هذه الاسس الثلاثة
ومنها نجاحها الاجتماعي والسياسي اي نجاح اليسار كما نشهده اليوم
شكرا للدكتورة


3 - في غياب تحديد المفاهيم تختلط كل الأوراق 1
محمد بن زكري ( 2023 / 2 / 20 - 12:38 )
تحية طيبة للاستاذة الكاتبة . و بعد ..

صحيح أن المقال قدم - و بجلاء رؤية و أسلوب متماسك - توضيحا لخلفية نشوء مصطلح اليسار و اليمين . لكنه لم يقدم شيئا جديدا ؛ فمنذ زمن بعيد ، كل طلاب الفصول الأولى بكليات العلوم السياسية و أقسام علم الاجتماع ، يعرفون ذلك ، كمفردة من المقررات الدراسية . بل ويعرفه حتى غير المتخصصين ، كثقافة عامة .

في الفقرة الأخيرة من المقال ، و رغم الإشارة إلى ‘‘ الطبقات الشعبية و المعوزة ’’ ، جاء الحديث عن العدالة الاجتماعية في الطرح السياسي اليساري ، حديثا تعميميا قابلا لاستيعاب أكثر من حمولة فكرية ، و يحتمل الفهم على أكثر من وجه ، في غياب تحديد المفاهيم علميا .

فمصطلح (العدالة الاجتماعية) مصطلح فضفاض و مائع ، حتى إنه قد صار مطية لقوى أقصى اليمين في النظم السياسية النيوليبرالية ، فضلا عن شتى ألوان الطيف السياسي لما يسمى بـاليمين الوسط ؛ فكلهم يدعون ، في أدبياتهم السياسية ، حمل مشروع (العدالة الاجتماعية) ، يدعيها حزب المحافظين في بريطانيا - على سبيل المثال - كما حزب الجبهة الوطنية (حزب ماري لوبان) في فرنسا !


4 - في غياب تحديد المفاهيم تختلط كل الأوراق 2
محمد بن زكري ( 2023 / 2 / 20 - 12:41 )
بالضد من فئة النبلاء و فئة رجال الدين ، في مسار الثورة الفرنسية ؛ كانت فئة البورجوازية (سكان المدن) ، فئة تقدمية تحمل مشروع التغيير .. حينذاك .
غير أن أوضاع القرن الثامن عشر هي غير أوضاع القرن الواحد والعشرين . بل إن ظروف العقد الاول من القرن الواحد و العشرين تختلف عنها اليوم . و كل اختلاف ظرفي ، يحمل معه و في طياته اختلاف مصالح و اختلاف تموقعات على سلم الترتيب الاجتماعي .

و من الأسئلة التي يطرحها الواقع المتغير : من هي القوى الاجتماعية المؤهلة موضوعيا لحمل مشروع العدالة الاجتماعية .. الآن ، و في هذا الواقع الاجتماعي أو ذاك ؟ و بأي منظور تغييري .. و بأي اتجاه ؟ و بأي مفهوم فكري ؟ و بأية أداة سياسية ؟ و ما المقصود بـ (اليسار) ؟

و دون الإجابة الواضحة على مثل هذه الأسئلة ، يظل الكلام عن العدالة الاجتماعية و الديموقراطية و الحرية ، كلاما ملتبسا مائعا ، يحمل الشيء و نقيضه . و أبعد ما يكون عن منهجية التناول العلمي المضبوط أكاديميا .

و إن ذلك لَكذلك ، ما لم يكن الأمر مجرد رأي ، حيث إن مقالة الرأي ، تختلف - كيفيّاً - عن المقالة البحثية .

اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية