الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشارة تاريخية إلى الزَلازل في شَمال العراق

حامد خيري الحيدر

2023 / 2 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


خلال التنقيبات الأثرية التي أجريّت في مدينة بلد/أسكي موصل التاريخية، الواقعة شمال غرب مدينة الموصل بمسافة خمسة وأربعين كيلو متراً تقريباً، وشارك فيها كاتب هذه السطور موفداً مع فريق تنقيبه من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية عند عامي 1995 و 1996، تم الكشف عند الجانب الجنوبي الشَرقي من المدينة والقريب من الضفة اليُمنى لنهر دجلة، عن العديد من المَباني المُختلفة والمُتعددة الأغراض والمَساحات والمَرافق والطوابق، كانت تُؤرخ الى الفترة الإسلامية المتأخرة، منها ما تعود الى فترة الدولة الزنكية الأتابكية 521_657هـ/1127_1259م، وأخرى تَرجع الى فترة الحُكم الأليخاني 657_737هـ/1259_1336، تم تَحديد فتراتها الزمنية استناداً الى الدَلائل والقرائن التي عُثر عليها داخلها، من كِسر لأواني فخارية مُزججة الى مَسكوكات نُحاسية وفضية، بالإضافة الى بعض الكتابات المَنقوشة على أسكفات أبواب عددٍ من حُجراتها.
ما كان يَلفت الانتباه إليها بعد استكمال استظهارها، أن مَباني الفترة الأتابكية كانت جُدرانها المُشيّدة بالحَجر والجُص مُتصدّعة الى حدٍ كبير، إضافة الى مَيلانها بشكلٍ غير طبيعي نحو الداخل أو الخارج بدرجات عِدة من الانحراف، كما احتوت مُعظمها على شُقوق عَريضة وغائرة، يَصل عُرض بعضها الى ثلاثين سنتيمتراً تقريباً، كما أن المَباني ذات الطوابق المُتعددة، كانت طوابقها العُليا قد انهارت أجزاء كبيرة منها، تم ترميمها فيما بعد، وقد بدت آثار ذلك الترميم واضحة جداً من خلال التدقيق في مُستويات سُطوح الجُدران المُرمَمة، وكذلك كان الحال مع بعضٍ من سُقوف سَراديبها.
لكن بالمقابل كانت مباني الفترة الأليخانية التي أعقبتها والمُشيّدة بالقرب منها، كانت سليمة نوعاً ما، ولم يُشاهد عليها تلك الأضرار المُلفتة للنظر التي أصابت سابقاتها، مما يُشير بوضوح الى أن المباني الأتابكية كانت قد تَعرّضت بشكلٍ خاص الى تأثير شديد غير طبيعي أدى الى إصابتها بهذا التداعي الظاهر للعيان، وبشكلٍ بعيد الصورة كثيراً عن ما يُصيب عادة المَباني الأثرية والتاريخية من أشكال التَصدّع والهَدم والانهيار المعروف، الناتجة غالباً عن عوامل المناخ والزمن وانعدام الصيانة.
كل ذلك جَعلنا في حالة تَساؤل عن السبب المُباشر الذي أدى الى هذا الضَرر الشَديد في تلك المَباني تحديداً، من دون الأخريات التي أعقبتها زَمنيا. في البدء كان التفسير الأولي لهذه الحالة هو أنها حَدثت نتيجة الاحتلال الأليخاني لمنطقة الموصل بما فيها مدينة بلد/أسكي الموصل، وإطاحته بالأمارة الزنكية الأتابكية، مما تَسبب بتدمير أبنيتها نتيجة الحَرب المُفترضة التي أدت الى هذا التَحول السياسي، لكن تم التراجع عن هذا الرأي لاحقاً لعدم عُثورنا على آثار رَماد أو بقايا حَرق بين مَرافق تلك الوَحدات البنائية وعلى جدرانها، وهذا هو الشيء المعتاد والمَعروف الذي يبقى على الأبنية المُدمرة بفعل الأنسان أثناء الحروب والغزوات.
لذلك توجهنا الى المراجع التاريخية عَلهّا تُعيننا في أيجاد حلٍ لهذا اللغز، لنَجد ضالتنا أخيراً لدى المؤرخ والشاعر المَوصلي " ياسين بن خير الله بن محمود بن الشيخ موسى " المَعروف بـ" الخطيب العُمري"، المولود سنة 1157هـ/1744م والمتوفي سنة 1235هـ/1820م، وما كان قد دَوَّنه في كتابه " مُنية الأدباء في تاريخ الموصل الحَدباء "، حيث ذكر فيه الاشارة التاريخية الهامة الآتية.. (أنه في سنة 624هـ [1227م] ضَربت سلسلة زَلازل مَنطقة الموصل وسَهل شَهرزور ومَنطقة تكريت، واستمرت لمُدةٍ قاربت الشَهر، تَهدمت خِلالها وبَسببها البيوت والقرى والأسوار).
عندها بَطل عَجبنا وزالت حَيرتنا، حين عَرفنا أن سَبب تَصدعات تلك الأبنية، كانت في الغالب نتيجة زَلازل وهَزّات أرضية عَنيفة ضَربت مناطق شمال العراق، ومنها بالطبع منطقة الموصل، خاصة أن الفترة الزمنية التي أوردها المؤرخ العُمَري تتوافق الى حدٍ بعيد مع التاريخ المُفترض لوجودها. وهنا تَجدر بنا الإشارة الى ظاهرة غريبة أصابت عَدداً من الأبنية التاريخية المُشيّدة في شمال العراق أيضاَ، تَتمثل بتَصدّع وتساقط الأقسام العلوية لعَدد من المَآذن التي بُنيّت خلال نفس الفترة الزمنية، هي مآذن مناطق سِنجار في الموصل والمُظفرية في أربيل و داقوق في كركوك، التي أصابها الضَرر هي كذلك نتيجة حُدوث تلك الزَلازل في الغالب، وربما يأخذنا هذا الى التَساؤل عن سَبب المَيلان والانحراف الذي تَميّزت به واشتهرت المِئذنة الحَدباء الشهيدة في الموصل، ألم تكن الزَلازل التي حصلت هناك سَبباً في مَيلان بَدَنها، لا سيما أنها شُيّدت بنفس الفترة التي وَقعت فيها هذه الكارثة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -