الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعقيد والوجود والتخبط في الظلام

راش أودين
أحد أعضاء مبادرة مسلمون سابقاً التطوعية لخدمة المجتمع اللاديني في العالم العربي.

(Rush Odin)

2023 / 2 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في هذا المقال نناقش بعض تفسيرات التعقيد والوجود ونتفكر في طبيعة الكون. كذلك نحاول أن نعطي جواب لسؤال ما هو الأرجح وجود إله خالق أم عدمه. حديثنا في الميتافيزيقا والإمكانيات والافتراضات مع افتقار الأدلة لا يعني أننا نؤمن بها، بل مجرد محاولة للتفكير في أمور يصعب التفكير فيها ويسودها الغموض لنرى إلى أين قد يقودنا عقلنا البشري وهل معتقداتنا مبررة عقلياً عند تعذر المعرفة العلميّة.

كثير ما يتم الخلط بين تفسيرات التعقيد والوجود فالخالق مثلاً لا يفسر الوجود، بل يفسر التعقيد لأن التفسيرات للوجود على سبيل المثال هي الازلية أو الانبثاق من العدم والتسلسل اللانهائي للأسباب أو دائرية السببية وهي كلها تفسيرات خارج استيعابنا البشري... الأديان مثلا تفسر وجود الخالق بالأزلية، وتفسر وجود الكون بالانبثاق من عدم بمشيئة الخالق لكن لا يوجد ربط منطقي بين المشيئة والانبثاق المادي للوجود. إن الاعتماد على الخالق لتفسير التعقيد يدخلنا في معضلة التسلسل لأنه يحتاج إلى خالق هو الآخر حيث أنّه معقد في ذاته. إن القول بأن الخالق خلق الكون من عدم هو إقرار بأن شيء قد يأتي من لا شيء وهذا ايضا يطعن في حجج إثبات وجود الخالق أما إذا كان القول بوجود مواد أولية فهذا يعني أن الخالق لم يخلق كل شيء وأن هناك أشياء غير الخالق لا تحتاج لخالق لكن ماهي هذه الأشياء؟ هل هي الأشياء غير المعقدة؟ لا، لأن الخالق معقد بذاته وهذا يعني أن أشياء، حتى لو كانت معقدة بإمكانها أن تكون موجودة بغير خالق نتيجة لهذا.

التعقيد الذي في الكائنات الحية تم حله بأفكار بسيطة مثل التطور البيولوجي الذي يعتمد على الانتخاب الطبيعي بشكل رئيسي والتطور الكوني الذي يفسر نظام الكون بقوى مثل الجاذبية وغيرها من قوانين الفيزياء وبالتالي لا وجود للعشوائية المطلقة لأن المسارات الممكنة للأحداث بهذا الكون محدودة بتلك القوانين التي تخلق شيء من النظام والحتمية. قوانين الفيزياء هي صفات الكون وبالتالي تفسيرها مرتبط بتفسير وجود الكون إذا كان هناك شيء من التعقيد في هذه الصفات فيمكن حلها بفكرة تعدد الأكوان بحيث نفترض وجود صفات بسيطة للوجود نفسه لا يمكن للوجود أن يوجد بدونها تجعل تكوّن عدد ربما لانهائي من الأكوان بصفات متفاوتة ممكناً وما كوننا إلا أحد الأكوان التي توفّرت فيها الصفات الداعمة للحياة، فالحياة نشأت لتوفر الظروف وليس أن الظروف توفرت لكي تنشأ الحياة.

بعض المؤمنين غير التقليديين الذين ينفون ما تثبته الأديان للإله من وجه ويدين وساقين وكتلة تُحمل ومحدودية الجسم التي تسمح له بالتنقل والطلوع والنزول وقدرة على الكلام… يزعمون أن الاله ليس معقد لأنه غير مركب بمعنى أنه متكون من قطعة واحدة بسيطة يسمونها بالروح. لكن بمجرد أن نلاحظ الصفات الكثيرة والقدرات الهائلة التي يتصف بها لا يمكن الا ان نثبت التعقيد فيه. أهم هذه الصفات والقدرات هي الذكاء والوعي والمقدرة كي يستطيع أن يخطط وينفذ وينظم فبدون هذه الصفات لن يكون الخالق خالقاً، بل مجرد قوة عمياء من قوى الطبيعة.

أكثر شيء معقد في هذا الكون هو الذكاء فإذا كان وجوده لا يستلزم وجود التعقيد ولا يحتاج لتفسير فلن يكون هناك أي مانع من توقع الذكاء في كل شيء فقد يكون جدار غرفتك ذكي والصخرة التي مررت بجانبها في الحديقة قد تكون ذكية ولا تسأل لماذا وكيف لأن الذكاء بسيط، بل يمكن لأي شيء ان يتصف بصفات كثيرة بدون الحاجة للتفسير لأن الذكاء ليس الصفة الوحيدة البسيطة حيث جميع صفات الخالق يجب أن تكون بسيطة كي لا يكون معقداً في ذاته، حينها يمكن لأشياء كثيرة أن تخلق أشياء كثيرة أخرى عند امتلاكها لتلك الصفات التي لا تتطلب التفسير. لكن الذكاء يتطلب وجود ذاكرة وقدرة على محاكاة الامكانيات والتخطيط للمستقبل ورؤية الأنماط والعلاقات لهذا، حتى لو ظننا انه شيء واحد لا يعني انه ليس توليفة من الأشياء، بل سيزيد التركيب بإضافة المزيد من الصفات والذات إنما هو مجموع الصفات وبدون صفات لا يوجد ذات.

بما أن الوجود لا يحتاج لتفسير آخر عند توفر صفة الأزلية وإذا افترضنا أن صفة الذكاء والقدرة على تغيير الواقع كلها صفات بسيطة لا تحتاج لتفسير فيمكن القول أن الكون أزلي وواعي وذكي قام بتغيير نفسه من نقطة متناهية في الصغر والبساطة عندما كان متفردة في حالته الأولى قبل الانفجار العظيم الى حالته المعقدة والضخمة بعد الانفجار العظيم وبالتالي لم يكن هناك خلق لأنه فقط تغيّر لشيء كان موجود طوال الوقت بدون تدخل خارجي وبما أن البشر هم جزء من الكون وليسوا مستقلين عنه فهو أيضا ليس إله لان الألوهية علاقة بين كيانين مستقلين. كما أنه لا يوجد ضرورة لأن تكون للكون صفات أخرى اضافية تجعله أقرب للإله مثل استجابة الدعاء والاهتمام بمصير الجزء البشري منه أو طلب عبادته له لأن هذه الصفات ليست ضرورية لتفسير الوجود أو التعقيد.

إذا قيل أن وجود هذه الصفات ستصبح معقدة إلا إذا كانت متصلة بروح والروح نفسها شيء بسيط لا يحتاج لتفسير فما المانع أن نقول أن الكون كَكُل له روح أيضاً وأنه كان روح محضة ومجردة قبل الانفجار العظيم. القول أن الروح لا تحتاج لتفسير وافتراضنا أن الكائنات الحية مثل الإنسان لها أرواح فهذا يعني أن تلك الأرواح بما فيها روح الإنسان لا تحتاج لتفسير. بعض الناس يفترضون أن للإنسان روح لكنهم يستبعدونها عن الكون لأنهم يحسبوه جماد وهذا لأنهم يحكمون على الكل من الجزء وهذه مغالطة منطقية اسمها مغالطة التركيب. بما أنه لا يمكن رؤية الروح فكيف نعرف يقيناً أن الجمادات ليس بها روح.

يتضح لنا من كل ما سبق أنه من الضروري تفسير الوجود والتعقيد بدون خالق، حيث انه، حتى لو آمنا بخالق فنحن نحتاج لتفسير وجوده وتعقيده بدون خالق لتجنب التسلسل، بينما وجود الخالق ليس ضروري وبالتالي عدم وجوده أرجح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال