الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هم سكان المغرب الأقدمون؟

عذري مازغ

2023 / 2 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وجه هذا السؤال في أواخر الثمانينات لأطفال الريف في دراسة استقصائية كانت الاجوبة في أغلبها تقتصر على الجد الأول والثاني وبشكل عام أجداد الأطفال وهم ريفيون أو الأقدمون من قبيلتهم، والجواب هنا مرتبط بعلاقة الطفل بمجاله وهو ما غيبته المواد المدرسية حينها والتي ربطت الأقدم بالبعد الوطني متجليا في أيديولوجية القومية العربية.
ورغم أن السؤال مرتبط بالبعد الوطني الأيديولوجي في سياق سياسة التعريب التي فرضتها نخبة المثقفين المرتبطين بالمدرسة المشرقية التي شكلت مادة التاريخ لمغرب ما بعد لاستقلال فإن جواب الطفل استحضر البعد الوطني لا شعوريا: استحضر الريف كمجاله القومي، واستحضر انتماء هذا المجال للمغرب، غير أن السؤال هذا في سياق مادة التاريخ حينها (تاريخ ما بعد الإستقلال) وهو سؤال غالبا ما كان يطرح في الامتحانات الإبتدائية رسم حدا للجواب إذ ارتبط بنص تاريخي هو النص الموجود بالكتاب المدرسي وهو قمع معنوي لنفي ارتباط الطفل بمجاله: ربط مخيلة الطفل بمادة علفه المدرسية: المدرسة خم للتدجين خلاصته نحن عرب قديما وحديثا.
الأقدم في مادة التاريخ في الكتاب المدرسي كانوا هم سكان المغرب ما بعد الفتح الإسلامي العربي: هم البربر أبناء مازغ الذين هم في الأخير عرب من اليمن (من العرب العاربة! أي ما قبل العربية الحالية)، والسؤال ذاته ليس ذا جدوى علمية بل ذا جدوى استئصالية يروم نفي الذات في تاريخ غير محقق علميا مشدود إلى هدف أيديولوجي يختزل كل شيء في الوحدة العربية التي عمليا هي مستحيلة على أرض الواقع حتى لو صفا النوع وأصبح عربيا كله وهذا طبعا ما أنشأته الدول العربية: وطن هلامي رائع وحالم لكن مليئ بالتناقضات الاجتماعية ولو على مستوى البلد الواحد.
وبشكل عام السؤال عبارة عن مدخل للتضليل التاريخي في الكتاب المدرسي، فهو من البدء يتوخى غرس فكرة رائعة تتوافق مع عروبة المغرب قبلا وبعدا: الأمازيغ هم الأقدمون من جد يمني (عرب عاربة) : ببساطة هم عرب قديما وحديثا برغم أن السؤال يبدو بريئا خصوصا حين يتناوله الإعلام خارج البحث العلمي برغم أن الإكتشافات الحفرية هائلة، ومع ذلك تبقى أجوبة اطفال الريف علمية ومكثفة في التعبير عن ارتباط الطفل بمجاله.
لقد اوضحنا أن الجواب عن السؤال في مجال الاستقصاء بعيدا عن مادة التدجين المدرسية ويختلف كثيرا عن الجواب في مادة التاريخ في كتاب المدرسة برغم أن السؤال واحد ويرغم كثافة التحريض في مادة التاريخ المدرسية المرتبطة بالنقل وليس بالتفكير.
السؤال في المدرسة يثير حث مكثف بالإرتباط بالنص الملقن: هناك سكان أقدمون وهناك سكان جدد، الأقدمون أمازيغ لكن بالأصل هم عرب عاربة وهو منطق يلغي وجود ارض عامرة عكس ما تثبته الحفريات
هناك سكان جدد وهم في هذه الحالة الأمويون الفاتحون للمغرب (هؤلاء جاؤوا من الشام وهم عرب أيضا) وهي نظرة أيضا تلغي وجود جغرافية عامرة وهو ما يوحي بأننا سكان مستحدثون، وبغض النظر عن الجدوى من تعليم هكذا يبني للوحدة، هناك سؤال آخر يطرح: لصالح من تبنى هذه الوحدة؟
يبدو سؤالا غبيا هذا الطرح، بالطبع الجواب هو: "وحدة الشعوب العربية" لكنه أيضا جواب غبي لأنه واقعيا لا يرتبط بالشعوب العربية بل هو شعار أنظمة عربية متناقضة فيما بينها ولا تستطيع لا الوحدة اللغوية ولا الوحدة الدموية ولا الدين أن توحد بينها لأن الإشكال في الحقيقة ليس إشكالا عاطفيا بل هو صراع في الهيمنة السياسية، إن السؤال والجواب مرتبط بمرحلة تاريخية تجوزت والأنظمة التي رفعت هذا الشعار مات أغلبها وهي أصلا لم تعمل إلا على إذكاء الصراعات الأيديولوجية إبان زمن التقاطب الأيديولوجي، شعار أذكى الحركة النضالية ضد الدول المستعمرة (العدو البراني) لكنه لم يخلق وحدة، والأنظمة التي تبنت هذا الموقف ووصلت الحكم لم تستطع هي نفسها إنجاح وحدة فيما بينها (العراق #سوريا، مصر عبد الناصر# سوريا).. ثم ومن داخل نفس النظام السياسي لم تحصل وحدة إلا بالقمع لأن الصراع السياسي داخل النظام الوحيد هو صراع اجتماعي طبقي لا يمكن تذويبه بالشعارات بل بتسوية الملفات الإجتماعية وخلق دولة عدالة اجتماعية، في نفس السياق، التيار الآخر الذي يرفع نفس الشعار بإضافة الدين له (وحدة الدين) هو الآخر لا يمكن خلق وحدة في مجتمع الفوارق الإجتماعية فيه والتي على نفس الدين متناحرة بشكل يظهر ان الوحدة بالدين ليست علاجا للفقر والآفات الاجتماعية الأخرى .
لصالح من كان يطرح السؤال؟ بالتأكيد ودون مغالاة في رصد المواقف المرتبطة بالموضوع في شقها الفاشي الذي يؤسس لهيمنة عرق على آخر من خلال تذويبه في أصل واحد أو في شقها المرتبط بالفكر الإشتراكي القومي: الاحزاب الاشتراكية القومية لم تؤسس كما الماركسية لصراع طبقي ينفي الإنتماء العرقي بل أسست لصراع عرقي يتجاوز الطبقي إلى وحدة هلامية: "أمة واحدة لغة واحدة"، "دين واحد" وهذا اضر بالكثير من القضايا ومنها القضية الفلسطينية: حولوا مشكل دولة في استقلالها الطبيعي إلى مشكل تكتل عربي اتجاه تكتل غربي صهيوني بشكل لا نناقش مشكل المواطن الفلسطيني في حقه في أرضه واستقلاله بل تحول الامر إلى مشكل عربي غربي صهيوني ثم تحول مع التيارات الدينية إلى صراع بين الإسلام والغرب والصهيونية بينما هو بكل بساطة حق شعب وحق تقرير مصير هذا الشعب (حق قانوني ) غلف بأشكال أخرى للمتاجرة بحق الشعب الفلسطيني .
لصالح من كان يطرح السؤال؟ لصالح أنظمة ديكتاتورية كانت في عهدة القطبين تومن بالحتمية التاريخية: كانت الأنظمة الفاشية البعثية هي الانظمة التقدمية وكان ما دونها رجعي، وكانت تعتقد بأن الحتمية التاريخية هي فوز الإتحاد السوفياتي في صراعه مع الغرب الرأسمالي وكانت بأشكال تافهة تربط الحتمية الماركسية في مجتمع شيوعي بدون طبقات بكنهها هي (أقصد الاحزاب القومية الاشتراكية البعثية وانظمتها) تميل إلى تحقيق مجتمع غير طبقي بتذويب الشعوب في وحدة هي تقودها . ومعنى هذا ان أنصار تعريب المغرب كانوا إراديا او بدونه يميلون إلى مبايعة المشرق على حساب الشعب المغربي (أو كل شعوب شمال إفريقيا) في سياق تنصير أنظمة ديكتاتورية على النظام الديكتاتوري الآخر المخزن، لكن هذه المرة لأجل الخضوع لدول مشرقية عوض دولة قائمة بالمغرب . نفس أسلوب الاستعمار الفرنسي، التيار الذي حاول تأسيس أن أصلنا جرماني أو قوطي أو فرنسي والذي استند في تأثيره إلى تفوق الحضارة الاستعمارية علينا: هم اقوياء ونحن ننحدر منهم لأن أصلنا عقلاني قوي مثلهم وهو نفس الإشكال الذي يفترض جغرافية خالية أتى إليها البشر من مناطق نائية.
من هم سكان المغرب الأقدمون؟ وهنا جواب ضد التيار القومجي، الجواب ببساطة كجواب أطفال الريف في البحث الاستقصائي: هم نحن، هم أباؤنا وأجدادنا الذين سكنوا هذه الأرض وخلفونا وهو جواب منطقي وعلمي دونما البحث عن أصول أخرى وافدة تفترض انقراض أخرى غير وافدة.
للإستئناس فقط: في المناطق النائية بالأطلس الكبير حيث لم تختلط بعد الامازيغية في المناطق المعزولة بسبب تضاريس المنطقة الجبلية بالمناطق المعربة، في المدارس الابتدائية، سأل معلم تلاميذه وهو يشير إلى صورة ملاكم: من هو الملاكم؟
صمت الجميع لأنهم لا يتكلمون العربية، ثم أردف المعلم سؤالا آخر للتبسيط: لا تخجلوا! قولوا لي ما هو الملاكم بالأمازيغية؟
"تكلموا بالأمازيغية إن شئتم".
رفع احدهم يده وأجاب : "هو من يستعمل "الحناء" في يده" ولأن المعلم له ثقافة مجالية، اعتبر الجواب صحيحا رغم أن لا علاقة للأمر برياضة الملاكمة، لأن الذين يستعملون قفازات بدائية في منطقتهم هم النساء عندما يزين أياديهن بالحناء.
في أقسام الإعدادي، كنا نتقن العلوم الرياضية والفيزيائية نحن ابناء المناطق التي لم تختلط بعد بالتعريب ليس لأنها تلقن بالفرنسية بل لأن هذه العلوم تعتمد معادلات رياضية لا تستعمل فيها اللغة بل الذكاء، مثلا كانت نقطنا في مادة العلوم الطبيعية متدنية لعدم إتقاننا اللغة الفرنسية أما المواد التي كنا ندرسها في العلوم الطبيعية مثل الضفدع، الجراد، كنا نعرف عنها كل شيء باللغة الامازيغية بدون ذلك التلقين المعصرن بالصور والمختبر الفرنسي لأنها ببساطة حيوانات وحشرات موجودة بمجالنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي