الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤية الجديدة لإعادة هيكلة التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين في المغرب

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2023 / 2 / 21
المجتمع المدني


من الملفات الإجتماعية الطافية في شوارع المغرب هذه الأيام ، برزت مسيرات الأساتذة المتعاقدين الذين انتفضوا ضد قرارات الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية التي أصدرت في حق البعض منهم قرارات إدارية بالإيداع ، بسبب امتناع هذه الفئة عن مسك نقاط المتعلمين في منظومة مسار ، ما أدى إلى خلل على مستوى الإدارة و كذا حق المتعلم في الحصول على ورقة النتائج النصف السنوية .

قرار مقاطعة منظومة مسار أصدره المجلس الوطني للتنسيقية التي تأسست قبل حوالي خمس سنوات ، وبغض النظر عن حقيقة ظروف وشروط التأسيس فقد حقق هذا الجسم المناعي المناضل انتصارا مهما تمثل في ضمان تماسك وتضامن جميع المعنيين بالملف على المستوى الوطني ؛ لكن اعترته بالمقابل أخطاء على مستوى القرار والرؤية دون أن يحد ذلك من فضل النتائج المنجزة .

إن قرار مقاطعة مسار لحقته أخطاء تعزى إلى ضعف التأطير السياسي وعدم الإلمام باَليات صناعة القرار داخل الدولة المغربية . حيث طالب البيان الوطني جميع الأساتذة المعنيين بعدم مسك نقاط الأسدس الأول ، وأيضا عدم تسليم شبكات تفريغ النقاط للإدارة التربوية ، وهنا نسجل الملاحظات التالية :

أولا : البيان لم يعلق قرار المقاطعة على أجل أو شرط محددين ، ما يجعل القرار ساريا دون اعتبار مبرر ، وهذا يسبب تشويشا على مستوى الرؤية الدقيقة لمسار المقاطعة ، ويحول دون وضع تكهنات أو احتمالات منطقية للمسألة . وكان من الصواب أن يحدد البيان أجلا معقولا للمقاطعة ، مادام المسوغ هو إحداث نوع من البلوكاج لإعادة تسليط الضوء على الملف ، سواء لدى أولياء أمور التلاميذ أو لدى الجهات المعنية في الدولة .

كما كان من الممكن تعليق القرار على شرط مثل لقاء مع الوزير الوصي على القطاع ، أو فرض حضور ممثل أو أكثر من التنسيقية للإجتماعات المقبلة للوزير مع النقابات ، أو وضع أي شرط اَخر يخدم المجلس في تنزيل أسس تصوره العام لسيرورة الملف .

ثانيا : غياب المنهجية العلمية في صياغة القرار جعل التنسيقية تصطدم بالإجراءات الإدارية والجزائية التي باشرتها مصالح وزارة التربية على المستوى الجهوي والإقليمي ، منها قرار التوقيف المؤقت عن العمل (الإيداع)، وهو إجراء إداري وليس عقوبة تأديبية ، يقضي بتوقيف المعني بالامر لمدة شهر واحد ، مع تنصيب لجنة تأديبية داخل أجل أسبوعين ، وفي حالة عدم تنصيب هذه اللجنة داخل أجل شهر واحد يرجع المعني بالأمر إلى عمله مع إعادة تفعيل أجرته الشهرية .

قرارات التوقيف كانت السبب في اشتعال جذوة الإحتجاجات الميدانية وإعلان إضراب وطني لعدة أيام . قبل أن تتوصل النقابات بمعية التنسيقية المعنية إلى توافق يقضي بتعليق قرار المقاطعة من جانب الأساتذة ، وبالمقابل ستلتزم الأكاديميات بسحب قرارات التوقيف .

هنا نلاحظ أن التنسيقية فشلت في تحقيق أي مبلغ ، نظرا لغياب تفكير استراتيجي يمكنها من وضع تخطيط دقيق يعالج كل المسارات الممكنة لمخرجات القرار .إلا أن بعض الأساتذة يرى أن التنسيقية نجحت في الخطوة دون أن يقدم تعليلا مبررا لمعنى النجاح . لان التحليل يؤكد أن المجلس الوطني لا يشتغل بمناهج سياسية ، فقط إصدار بعض القرارات التي يحتمل أن تعالج ملفا اجتماعيا مثل احتجاج شعبي ضد ارتفاع أسعار الحليب ، أما حلحلة ملف التعاقد فهو أعقد بكثير من ذلك . وتبعا لذلك يكون المجلس الوطني هو السبب في إسقاط الأساتذة في وضعية قانونية ضعيفة ، لأن النص القانوني يفرض مسك النقاط وإلا يكون المعني بالأمر مرتكبا لخطأ جسيم ، وإن كان البعض قد يتوهم أن التنسيقية هي التي نجحت في سحب قرارات التوقيف . هذه يحيلني إلى قاعدة مهمة تجعل السياسي يفتعل مشكلا ثم يتظاهر بأنه هو من وجد الحل .

ثالثا : عدم تحديد أجل لقرار المقاطعة جعله ساريا إلى نهاية السنة ، وهنا إشكال كبير جدا يطرح بشأن حق التلاميذ في الترشح للمباريات العسكرية والمدنية التي سيجري الإعلان عنها مع بداية شهر أبريل . وبالتالي كان من اللازم على الدولة التدخل من أجل ضمان سير المرفق العام الذي لا يمكن تعطيله ولو بحكم قضائي يقضي بالحجز عليه في نوازل معينة.
من جهة ثانية ، نفترض جدلا (مجازا) أن دور الدولة جرى تعطيله في هذا السياق ، فإن الأستاذ سيكون أمام اتهام اَخر نظمه القانون المغربي ، والمتعلق بتفويت فرصة .

من أمثلة ذلك ، شخص أخذ القطار من أجل حضور امتحان شفوي يخص وظيفة معينة ، لكن تأخر القطار على غير المعتاد سبب حرمان المسافر من حضور الإختبار ، هنا يكون من حق المتضرر المطالبة بالتعويض المادي .

لقد راهن الأساتذة في هذه الخطوة على الكم كضرب من أشكال الكفاح ، إلا أن قوة العدد بحاجة إلى تكنيك التنظيم والتربية السياسية وتعبئة الطاقات وتوجيه العمل بالشكل الصحيح من خلال مكاتب للتفكير والتخططي والإدارة الإستراتيجية . وبالإحالة إلى سيكولوجية الأساتذة نجد أنهم يشكلون زمرة ضمن جمهور متجانس يختلف على مستوى الفرد لكنه يتوحد على أرضية عقائدية . حيث أن الفرد هنا يبتعد عن نفسيته وذكاءه الفردي لينخرط كلية في الجماعة ، لتصبح العواطف اللاواعية وحدها المحرك للفرد والجماعة . وبالتالي يصبح الفرد عاجزا عن تحديد موقفه الصحيح من القرار الساقط من الأعلى ، ليتحول الجميع إلى ماكينات لتنفيذ القرار دون مناقشة أو تحليل .

إن قوة العدد ليست كفيلة للحيلولة دون تفعيل المساطر الإدارية والقضائية ، أو تعطيل المرفق العمومي لنصف سنة ، لأن صناعة القرار في الدولة يأتي من مكاتب عليا تفوق جميع الوزارات والمؤسسات .

إبان الربيع العربي في المغرب ، شارك مسؤول جهوي في شركة "ستار كريستال " ضمن حركة 20 فبراير ، فقامت عناصر الامن بتهديده إلا أنه امتنع عن التراجع في احتجاجه ، فشمل التهديد رؤساءه المباشرين ، حيث قام الأمن بالذهاب في منتصف الليل للمستشفى حيث يرقد أحد المدراء الكبار للشركة ، والذي كان عليلا يتنظر القيام بعملية جراحية في يوم غد ، إلا أن عناصر الامن أجبرته على الإتصال بالمسؤول الجهوي لثنيه عن الإستمرار في مشاركته مع الحركة . وفي النهاية لم يتمكن الأمن من منع المسؤول الجهوي من الإستمرارا في الإنخراط الإحتجاجي ، لتقوم الدولة المغربية بالتسبب في إفلاس الشركة وتسريح ست مئة عامل منها ، إي ست مئة أسرة .

هذا المعطى جد مهم ، لانه يكشف عن طرق معالجة الملفات الإحتجاجية في المغرب ، حيث يصبح كل شيئ دون قيمة ، بما فيها العدد و خلفيات المنتسبين ،عندما تتدخل الدولة من أعلى مستوى فيها وذلك عند وجود حركة تهدد سيادة الدولة أو تمس بعمل مؤسساتها .


إن التنسيقية الوطنية بحاجة إلى مراجعة بنيوية تشمل التفكير في خلق مكاتب مختصة في التخطيط الإستراتيجي والعمل الإعلامي والدعاية والحرب النفسية . ويبقى أهم بند هو الإسراع في تأسيس حزب سياسي يشكل البنية القوية في ضمان الإلتحام والمشاركة من الداخل في التأثير وصناعة القرار. ولقد سبق أن دعوت إلى تشكيل حزب جديد تحت اسم "حزب التعليم والعمل " ، يحمل مشروعا فذا في قطاع التربية والتعليم وكذا الشغل .وبالتالي سيصبح للأساتذة نفوذ مهم داخل دواليب الحكم في الدولة المغربية، وهذا يضمن إعادة الإعتبار لدورهم ومكانتهم في المجتمع.
أيضا ألح على تأسيس "نادي الأساتذة" من خلال انخراط مادي سنوي رمزي ، يمكن من خلق فضاءات ترفيهية وثقافية للأساتذة وأسرهم ، مثل الصالونات الأدبية ، وهذه الخطوة مهمة جدا في جعل الأستاذ محور النقاش الفكري داخل الوطن .

إن الإصلاح ممكن جدا ، لكن الكيان الموازي داخل الدولة المغربية يحول دون ذلك ، ومن جهة ثانية نسجل ضعف المستوى الفكري وانعدام الرؤية لدى الشعب في احتجاجاته ، وهنا يحضرني المثل الشعبي المغربي القائل " الحنايا حولة والعروسة فيها بوتفتاف" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال


.. فعالية للترفيه عن الأطفال النازحين في رفح




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في


.. العربية ترصد معاناة النازحين السودانيين في مخيمات أدرى شرق ت




.. أطفال يتظاهرون في جامعة سيدني بأستراليا ويدعون لانتفاضة شعبي