الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض ملامح التطور التاريخي لعلم اجتماع الأدب Sociology of Literature

حسني إبراهيم عبد العظيم

2023 / 2 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعض ملامح النطور التاريخي لعلم اجتماع الأدب

على الرغم من أن موضوع علم اجتماع الأدب قديم، فإن هذه التسمية - على ما يذكر روبير سكاربيه - لم تصك إلا في منتصف القرن العشرين على يد الفرنسي جي ميشو Guy Michaud في كتابه مدخل إلى علم الأدب عام 1950، ورغم أن تلك التسمية كانت نقطة هامة شهد العلم بعدها ازدهاره الكبير في الستينيات وما بعدها، إلا أن هذه اللحظة لا يمكن اعتبارها لحظة ميلاد العلم.

ويلفت الدكتور عبد الله العرفج في كتابه علم اجتماع الأدب إلى نقطة هامة وهي أنه كان هناك إحجاما من رواد علم الاجتماع – كونت ودوركايم وسبنسر – وغيرهم عن تناول قضايا الإبداع الأدبي بالدراسة والتحليل، وذلك لتشككهم في إمكانية ضبط ذلك النمط من الأعمال والظواهر الأدبية والتحكم في متغيراتها بصورة دقيقة نظرا لطابعها الذاتي والعاطفي وهو ما يتعارض مع قواعد العلم القائم على الموضوعية والعقلانية، كما أن ماركس وإنجلز لم يخصصا جزءا مستقلا من مؤلفاتهما للنواحي الأدبية، وإنما نجد فقرات متناثرة عن الأدب والفن، غير أن المفاهيم التي طرحها كل من ماركس وإنجلز مثل الوجود والوعي والبناء الفوقي والبناء التحتي والاغتراب كان لها تأثير كبير فيما بعد على تطور علم اجتماع الأدب.

والحق أن ظهور علم اجتماع الأدب هو محصلة نهائية لتراكم عدد من الدراسات و التحليلات الـــ (ما قبل سوسيولوجية) فمن الضروري أن نميز بين علم اجتماع الأدب كفرع سوسيولوجي خالص يؤسس حضوره و اشتغاله على المنظور السوسيولوجي، وبين الأعمال الما قبل سوسيولوجية التي اهتمت بالأبعاد الاجتماعية للأدب و هذه كثيرة للغاية، (تبدأ ربما مع أفكار أفلاطون وأرسطو عن المحاكاة) .

تشير معظم الدراسات اعتبار أعمال الإيطالي جيامباتيستا فيكو Vico (1668 – 1744) من الجهود المبكرة و المؤسسة لعلم اجتماع الأدب، لكن الحقيقة أن عبد الرحمن بن خلدون كان سباقا في ربط الكتابة والأدب بتطور المجتمع. (الباب الثالث في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية) غير أن أفكار ابن خلدون لم يتم الاهتمام بها.

يقول ابن خلدون: (اعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بها على أمر ، إلا أن الحاجة في أول الدولة إلى السيف ما دام أهلها في تمهيد أمرهم أشد من الحاجة إلى القلم لأن القلم في تلك الحال خادم فقط منفذ للحكم السلطاني والسيف شريك في المعونة وكذلك في آخر الدولة حيث تضعف عصبيتهما كما ذكرناه ويقل أهلها بما ينالهم من الهرم الذي قذفناه، فتحتاج الدولة إلى الاستظهار بأرباب السيوف وتقوى الحاجة إليهم في حماية الدولة والمدافعة عنها كما كان الشأن أول الأمر في تمهيدها فيكون للسيف مزية على القلم في الحالتين ويكون أرباب السيف حينئذ أوسع جاها وأكثر نعمة واسنى إقطاعا وأما في وسط الدولة فيستغني صاحبها بعض الشيء عن السيف لأنه قد تمهد أمره ولم يبقى همه إلا في تحصيل ثمرات الملك من الجباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ الأحكام والقلم هو المعين له في ذلك فتعظم الحاجة إلى تصريفه وتكون السيوف مهملة في مضاجع أعمالها إلا إذا أنابت نائبة أو دعيت إلى سد فرجة ومما سوى ذلك فلا حاجة إليها فتكون أرباب الأقلام في هذه الحاجة أوسع جاها وأعلى رتبة وأعظم نعمة وثروة وأقرب من السلطان مجلسا وأكثر إليه ترددا وفي خلواته نجيا لأنه حينئذ آلته التي بها يستظهر على تحصيل ثمرات ملكه والنظر إلى أعطافه وتثقيف أطرافه والمباهاة بأحواله ويكون الوزراء حينئذ وأهل السيوف مستغنى عنهم مبعدين عن باطن السلطان حذرين على أنفسهم من بوادره).

ويمكن اعتبار جهود الإيطالي جيامباتيستا فيكو من الكلاسيكيات المرجعية و المؤسسة لهذا العلم، وذلك في كتابه " مبادئ العلم الجديد" الصادر سنة 1725 . وقد وضع في هذا الكتاب نظرية تاريخية فلسفية عامة توضح مسار تطور الحضارات الإنسانية ذهب فيها إلى القول إن الناس في تقدمهم يرتقون نحو الأفضل، فينتقلون من حياة الفوضى والعبث و الهمجية واللا قانون إلى حياة اجتماعية إنسانية منظمة، وهم في انتقالهم هذا يمرون في أدوار أو مراحل ثلاثة: المرحلة الدينية – عصر الأبطال – عصر الرجال.

وقد حاول فيكو رصد العلاقة بين الإنتاج الأدبي و الواقع الاجتماعي الذي ينتج فيه هذا الأدب، مؤكدا على أن كثيرا من الأنواع الأدبية ما كانت لتظهر لولا السياقات و الشروط الاجتماعية المرتبطة بها، فالملاحم البطولية مثل ملحمتي هوميروس ارتبطت بالمجتمعات العشائرية التي يقوم فيها المحاربون الأبطال بالأدوار القيادية في مجتمعاتهم، وتسود فيها قيم الشرف والشجاعة،

أما المجتمعات الزراعية والمجتمعات صغيرة الحجم عموما يسود فيها الحكاية الشعبية التعليمية التي تتضمن عبرا وعظات، وينتشر بها الأدب الشفاهي مثل الحكم و الأمثال الشعبية، وارتبطت الدراما بمجتمع المدينة الدولة ، حيث يمكن أن يتجمع عدد كبير من المشاهدين، لذلك انتشرت المسارح في كل المدن الإغريقية، واقترن ظهور الرواية بظهور المطبعة وانتشار التعليم .

وتعد آن لويز جيرمين دي ستيلAnne Louise Germaine de Staël المعروفة بــ (مدام دي ستيل) «(1766 – 1817) من أهم رواد علم اجتماع الأدب. كانت أديبة وسيدة مجتمع ومنظرة سياسية، وانتقدت الطابع الاستبدادي لنابليون الذي نفاها عدة مرات من فرنسا، لكنها كانت تعود إليها حتى نفاها نهائيا عام 1810 بعد ظهور كتابها: (في ألمانيا). اشتهرت بصالونها الفكري النشط، وامتلكت شبكة لا مثيل لها من المعارف في جميع أنحاء أوروبا. عُرفت بأنها متحدثة ذكية ومدهشة، وشجعت الحياة السياسية والفكرية في عصرها. كانت أعمالها علامة بارزة في الفكر الأوروبي، سواء الروايات أو أدب الأسفار أو الحوارات الفكرية.

ويعد كتابها الأدب في علاقته بالمؤسسات الاجتماعية" (1800) من الأعمال الممهدة لسوسيولوجيا الأدب ، فقد أبرزت في كتابها هذا جدل التأثير والتأثر القائم والمستمر بين الأعمال الأدبية و الشروط التاريخية و الاجتماعية معتبرة أن كل عمل أدبي يتغلغل في بيئة اجتماعية وجغرافية ما، حيث يؤدي وظائف محددة بها ". وقد تأثرت كثيرا بمونتسكيو ، خاصة كتابة روح القوانين.

ويعد كتاب هيبوليت تين H. Taine (1828 – 1893) تاريخ الأدب الإنجليزي عام 1863من المحطات المهمة في تطور علم اجتماع الأدب

كان تين متأثرا بشدة بالنظرية الوضعية عند أوجست كونت. إذ أنه حاول أن يقيم علما للأدب على منوال العلوم الطبيعية، فوضع نظرية في الأدب مفادها أن الأدب يتأثر بثلاثة عوامل أساسية وهي العصر، و البيئة والعرق. يقول: (هكذا يعمل العالم، ويتوصل العلم بواسطة القوانين التي يكتشفها إلى الأسباب الواقعية. هكذا يجب أن ندرك العالم الإنساني، سواء أكان موضع البحث إنسانا، أم عصرا، أم أثرا ، أم أدبا ، فينبغي أن نستخلص العلاقات التي تفضي إلى السبب الجوهري لمجموعة وقائع خاصة ، وإلى «الظروف » التي ارتبط بها السبب الأساسي. وتتفق هذه المتطلبات النظرية مع المواضيع المعروفة: « الملكة الرئيسية » من جهة و«العرق والبيئة والزمان » من جهة أخرى

و يعتبر روبير اسكاربيه (1918 – 2000) من أهم الباحثين الذين دشنوا الدرس السوسيولوجي الأدبي ، وذلك من خلال كتابه الشهير سوسيولوجيا الأدب الصادر في باريس عام 1958،و ترجم إلى العربية في تسعينات القرن الماضي. حاول اسكاربيه منذ البدء أن يثير الانتباه إلى أهمية المقاربة السوسيولوجية للإبداع الأدبي، مؤكدا بأن الارتكان إلى هذه المقاربة يسعف كثيرا في فهم العمل الأدبي و سياقه الاجتماعي.

فالعمل الأدبي في رأيه ليس نتاجا خالصا للكاتب، و لكنه تعبير و ترجمة واضحة ومرموزة للشروط الاجتماعية التي تؤثر في عملية الإبداع و لهذا فسوسيولوجيا الأدب – كما ذكرنا في موضع سابق - تركز على الكاتب وعمليات النشر و التداول الأدبي كما تنشغل أيضا بدراسة السياق الاجتماعي للإبداع الأدبي ، الشيء الذي يمكن من فهم جيد للعمل الأدبي.

و للوصول إلى مطمح الفهم هذا فقد وجد إسكاربيه نفسه يستعير كثيرا من التقنيات المنهجية من علم الاقتصاد ليدرس طبيعة الإنتاج و التسويق والاستهلاك كعناصر بارزة في الدورة الطبيعية للعمل الأدبي

وبالإضافة للجهود السابقة هناك العديد من الإسهامات الأخري أسهمت في تطور علم اجتماع الأدب، وكانت تلك الإسهامات نابعة من داخل الإطار المعرفي السوسيولوجي، من هذه الإسهامات جورج لوكاش (1885 – 1971) وميخائيل باختين (1895 – 1975) ولوسيان جولد مان (1913 – 1970)

فجورج لوكاتش يعتبر من المؤسسين الأوائل لسوسيولوجيا الأدب، فبدءا من كتابه النقدي " نظرية الرواية " الصادر عام 1920 عمل على تأسيس وعي علمي حول الأعمال الأدبية ، و في نظريته الروائية تلك ، يؤكد لوكاتش مرة أخرى ما ذهب إليه الإيطالي فيكو بأن تطورات الإبداع الأدبي هي ترجمة واقعية لتطورات أخرى يشهدها الواقع الاجتماعي والتاريخي. وقد أسس لوكاتش نظرية الانعكاس وهي إحدى النظريات المهمة في علم اجتماع الأدب، ويبدو التحليل الماركسي واضحا فيها.

أما ميخائيل باختين (1895 ـ 1975) فقد ساهم بدوره في إرساء قواعد سوسيولوجيا الأدب الماركسية، فقد انشغل بتطبيق قواعد التحليل الماركسي على النصوص الأدبية، وذلك من خلال اهتمامه بما يمكن أن نسميه علم اجتماع النص الأدبي، وهو من الاتجاهات النظرية البارزة في علم اجتماع الأدب في الوقت الراهن.

وتمثل إسهامات لوسيان جولد مان انعطافا مهما في تاريخ علم اجتماع الأدب، وذلك من خلال صياغته لنظريته الشهيرة المعروفة بالبنيوية التوليدية، وسوف نناقشها بالتفصيل فيما بعد.

و من جهة أخرى يمكن اعتبار بيير زيما Pierre Zima (1946 - ) من الباحثين المعاصرين المتميزين في سوسيولوجيا الأدب، خاصة من خلال اهتمامه بما يسميه علم اجتماع النص الأدبي، وعلم اجتماع النقد الأدبي.

لقد كان لــ (زيما) اجتهادات قيمة في إبراز الروابط القائمة بين المنتج الأدبي و المجتمع الذي ينتمي إليه ، فمرورا بعدد من التحليلات النقدية و المقاربات السوسيولوجية، كالسوسيولوجيا الأمبريقية للأدب و الواقعية الاجتماعية و البنيوية التكوينية ، حاول بيير زيما أن يؤسس سوسيولوجيا جديدة للنص تدرس الأدب كظاهرة مرتبطة بنسق دال فلسفي أو إيديولوجي ، فمن تحليل الأسلوب أو اللغة داخل النص يصل إلى الدراسة التركيبية الدلالية المتكاملة القادرة على كشف النص والمجتمع في نفس الوقت، ودون انفصال. وسوف نتناول إسهامه بالتفصيل في وقت لاحق.

كانت تلك بعض الملامح العامة والمهمة في تطور علم اجتماع الأدب، ولا شك أن تاريخ هذا العلم أكثر تعقيدا وثراء وتنوعا. لكن تلك كانت إطلالة عامة على بعض الجهود المؤثرة في تطور العلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية