الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت أوحياة نظرية ...الماركسية في البيئة العربية الحلقة الأولى

ابراهيم حجازين

2006 / 10 / 17
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


الماركسية...... قصور كامن
شكل ظهور الماركسية في اواسط القرن التاسع عشر نقلة نوعية في تطور الفكر الإنساني فللمرة الأولى يتم حل إشكالية العلة في الطبيعة والمجتمع والفكر على أسس علمية مستندة إلى ما وصل إليه الوقع الموضوعي من نضوج في ضوء معطيات مرحلة التنوير نتائج الثورة الصناعية والاكتشافات العلمية التي رافقتها وشملت معظم مناحي الحياة وتطويرا لما قدمه الفكر الإنساني منذ فجر التاريخ . لقد أضفي طابع علمي على الفلسفة من خلال الإجابة على اهم مسألتين تبحث بهما : الوجود والمعرفة الأنطولوجيا والإبستيمولوجيا وعلاقتهما الجدلية .كما ربطت الماركسية بين الفكر والممارسة حين اكدت على ديناميكية الواقع وحركته وتغيره المستمر المحكوم بقوانين موضوعية وان الفكر أرتباطا بذلك هو بدوره ديناميكي متحرك ومتغير ومتطور. وهذه الحركة رغم استقلاليتها النسبية محددة بسقف الظروف التي تنتجه زمانا ومكانا وبمستوى التقدم العلمي المنجز ومدى تأصله في الواقع . وهذا الإنجاز الفكري ينطبق على المنهج كما ينطبق على النظرية ، بسبب الترايط الجدلي بينهما وبسبب نسبية المعرفة . لذا لا يصح إضفاء صفة المطلق على المنهج كما يحلو للبعض ان يفعلوا في المحاولة للهروب من استحقاق الوقفة النقدية أمام أزمة الماركسية وأسبابها الحقيقية .
فدراسة الفكر الإنساني لا يمكن أن تتم بمعزل عن العوامل التاريخية والحضارية وحدود المكان والزمان المحيطة بإنتاجه ، وهكذا فكل فكر يحمل في طياته ومنذ نشأته قصور معرفي كامن ،وأي تناول خارج هذا السياق يقود إلى اعتبار الفكر مطلق خارج الزمان والمكان واعتيار ما ينطوي عليه من مفاهيم ومعارف في التحليل النهائي حقائق أزلية . ومن هنا فإن أزمة الماركسية لا تكمن في صفة القصور الملازمة لكل فكر إنساني ، بل في التعامل معها خارج سياق الواقع الذي انتجها وتحويلها بالتالي إلى نصوص مقدسة تعتبر المرجع لكل ممارسة – وليس العكس كما افترض ماركس نفسه – وهو ما قام به اتباع ماركس في ممارستهم ، حيث تعاملوا مع الماركسية على انها حقائق مطلقة .
أدى هذا إلى عكس الأنطولوجيا الماركسية فبدلا من أولوية الواقع على الوعي تم السقوط في وهم الفكر النظري الخالص الذي يحدد بنفسه شروط وجوده ،لذلك كان لا بد من ان يعمل القائمون على تحقيق النموذج (الاشتراكية ) على لوي عنق الواقع ليتطابق مع النظرية ، وبما أن هذا لا يمكن حدوثه تمت إعادة صياغة النظرية مفرغة من عناصرها العلمية –بدلا من دفع هذه العناصر إلى مستوى اكثر علمية في الظروف ومعطيات الواقع الجديدة – وتم ذلك ضمن تصورات ذاتية وبنوا بالتالي نموذج مشوه غير أصيل سقط بسهولة عندما تطلبت مسيرة التاريخ نقلة نوعية .
الماركسية ....... وبرنامجها لبناء الاشتراكية
بنى ماركس وإنجلز تصوراتهم لحركة التاريخ على اساس مقولة صراع الطبقات في الميدان الاجتماعي المستمد من التناقض الأساسي القائم في كل بنية اجتماعية – اقتصادية بين القوى بين القوى المنتجة ذات النمو والتطور السريع والمتواصل وبين علاقات للإنتاج بطيئة الحركة والتي تتقادم بفعل حركة القوى المنتجة ، الأمر الذي سيتطلب في النهاية أي في ذروة التناقض استبدال هذه العلاقات بعلاقات جديدة ملائمة لمستوى تطور القوى المنتجة ، هذا هو جوهر النظرية الماركسية لتبدلات التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية . لقد طبق ماركس وإنجلز هذا الفهم على معطيات المجتمع الراسمالي في القرن التاسع عشر واستنتجا إن علاقات الانتاج الرأسمالية ، أصبحت معرقلة لتطور القوى المنتجة مما يستدعي استبدالها بعلاقات أكثر رقي ، وهذا أدى إلى ان يقدموا مشروعهم الاشتراكي بكافة تفاصيله على أساس ان الاشتراكية اصبحت مطروحة على جدول الاعمال المباشر للتاريخ .
وفق هذا التصور استنتج كلاسيكيو الماركسية أن الثورة الاشتراكية على الأبواب، أي ان الرأسمالية قد استنفذت نفسها تاريخيا ، لكن الواقائع دحضت مثل هكذا استنتاج فاليوم وبعد أكثر من 150 عاما من صياغة هذه الرؤية نشهد أن الرأسمالية لا تزال في أوج قوتها وتقود اليوم واحدة من معارك التكيف مع ازماتها كما انها تقف على رأس الثورة العلمية- التكنولوجية المعاصرة ،وتعزز من دورها المهيمن على الصعيد الدولي وتدفع العالم لدخول نمط الانتاج الراسمالي محوله إياه إلى بنية اقتصادية مترابطة وكما انها تكشف عن وجهها الأكثر وحشية في الإستيلاء على الفوائض المنتجة في انحاء المعمورة ونتساءل كم كانت الظروف ناضجة في اعوام العقد الخامس من القرن التاسع عشر لإستبدال الرأسمالية بالإشتراكية ؟
لقد ظن ماركس وإنجلز أن تناقضات والآم الرأسمالية في صعودها وحركتها إلى الأمام ،و التي عبرت عن نفسها في ثورات 1848 في أوروبا ما هي إلا تعبير عن احتضار الراسمالية والتي كانت بالفعل توطيد وتجذير لعلاقات الانتاج الرأسمالية وتعبيد المسار امام تطورها . على الرغم من الأفكار العبقرية التي ظهرت في اعمالهما آنذاك إلا أن تصورهما عن فناء الرأسمالية كان تصور ذاتي إرادوي يكشف عن نزعة القصور الكامنة في نظرية الفهم المادي للتاريخ عندهما ، وواكب هذا القصور مفهوم لينين حول الإمبريالية كاعلى مراحل الراسمالية وعشية الثورة الاشتراكية . رغم المضمون العبقري في توصيف الرأسمالية في مرحلتها الاحتكارية .
ترتب على استنتاج ماركس المنهجي رسم برنامج محدد حول الثورة الاشتراكية . اتسم بطابع طوباوي مع الافتراض بصحة الرؤية حول التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية ، فعدم نضوج الظروف الموضوعية لتجاوز واستبدال الراسمالية بنظام أرقى منها لا يمكن ان ينضج برنامجا واقعيا لبناء الاشتراكية ، إن كان ذلك يتعلق بنظرية نمط الانتاج وتبدله وطابع علاقات الانتاج الاشتراكية او بنظرية الرسالة التاريخية للطبقة العاملة كحفارة لقبر الراسمالية وبانبة العصرالجديد ،ومرورا بدكتاتورية البروليتاريا كأرقى شكل للديمقراطية ونظرية الطور الأدنى والاعلى للشيوعية وصولا للقوانين العامة لبناء الاشتراكية المصاغة في اجتماع الاحزاب الشبوعية في موسكو عام 1957 ، بما فيها الآليات التنظيمية للحزب الشيوعي .....الخ .
إن إعادة الحيوية للعمل الفكري وللنظرية يتطلب في الحقيقة وضع الأمور في نصابها وإعادة ماركس إلى القرن التاسع عشر والنظر إليه كمفكر عظيم يقف إلى جانب العظماء والمفكرين من ذلك القرن مهما بلغت درجة راهنية بعض استنتاجاته والتي يجدر بابناء اليوم أن يقدروها حق قدرها ويستفيدوا منها وخاصة فيما يتعلق بالفلسفة ، فلا يمكن اليوم ان نلعب على مسرح الحياة بملابس القرون الماضية وهذا كان من الانتقادات التي وجهها ماركس للحزب الديمقراطي الذي لعب على مسرح ثورات 1848 بملابس ثورة 1789 .ومع ذلك تبقى قضية حية واساسية بذل ماركس جهده الفكري والعلمي والعملي من اجلها كما فعل الكثيرون من الإنسانيين من قبله وهي السعي الدائم والأزلي بالوصول إلى مجتمع أكثر عدلا ومساواة وديمقراطية واكثر تقدما واحتراما لحقوق الإنسان وهو سعي لن يستنفذ أبدا .
لذا فإن التعامل مع ماركس والماركسية ضمن سياقها التاريخي لا ينتقص من هذا الفكر ومبدعيه بل سيعمل على تحرير العقل لينظر إلى الواقع الحالي نظرة موضوعية وعميقة وخلاقة تؤهله أن يرتقي بفكره ورؤيته لبناء الأدوات المناسبة لتغييره . فلم يقف العلم عند نيوتن وجاليلو ولا عند انشتاين بل تطور-بمعنى أن الإنسان تملك ونفى وتجاوز واحيا وبنى عليه ولم يجعله صنما وطيعا هذا لم ينتقص من اهمية هؤلاء العلماء ولا من اهمية دورهم التاريخي ودور اكتشافاتهم العلمية في ما لحق من إنجارات لا تزال مستمرة . لذلك فالتعامل مع ماركس ضمن هذا الفهم يعني التفاعل العلمي والأكثر موضوعية مع الفكر الإنساني في واحدة من أرقى محطاته ، اما الاصرار على التمسك بالماركسية كمسلمات أو عبر كلاشيهات جديدة ما هو إلا تعبير عن إخراج الفكر والنظرية من السياق العلمي جوهره العجز والاستنكاف عن دراسة الواقع وفهمه عداك عن امتلاك أدوات علمية ونقدية مستقاة منه لتغييره








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع حالة التأهب في إسرائيل ومنع التجمعات في الشمال


.. ما حدث في الضاحية يهدف لتحييد حزب الله والمقاومة عما يجري ف




.. أهم المحطات في مسيرة حزب الله اللبناني • فرانس 24 / FRANCE 2


.. حالة من الذهول والصدمة في بيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بين نعيم قاسم وهاشم صفي الدين.. إليكم من قد يخلف حسن نصرالله