الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة أكل المصريين للحوم البشر في الشدة المستنصرية

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2023 / 2 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه معلومات أولية عن ما حدث

أولا: الشدة المستنصرية حدثت عام 455 هـ ولمدة 9 سنوات

ثانيا: توفى المستنصر بالله عام 487 هـ، أي ظل 23 عاما بعد نهاية المجاعة، فهل من المنطقي أن يظل الخليفة قويا ومسيطرا لهذه الدرجة وهذا الزمن الطويل أم أن المجاعات لهذه الدرجة تُضعف الحكام وتسبب الاضطرابات؟

ثالثا: الوزير الأرمني "بدر الدين الجمالي" قضى على المجاعة بسرعة، فلو كان الشعب يأكل بعضه لدرجة أكل بغال الخليفة لأكلوا جنود الجمالي نفسهم، لكن سيطرة الجمالي بسرعة يعني أن المجاعة كانت متفشية بسبب انفلات الوضع الأمني الذي صاحب تأخر الفيضان..

رابعا: بعض المعلومات التاريخية تقول أن أسباب الشدة المستنصرية ليست كلها في تأخير الفيضان بل بحرب أهلية بين أمراء المستنصر وحصار خارجي على مناطقهم..

خامسا: عصر المستنصر بالله معروف لدى المؤرخين بأنه عصر (نهضة علمية) وكثيرا من الفنون والعمارة وصك العملات حدثت في عهده، فلو وصل الحال بالمجاعة لهذا الحد وهو أكل البشر سيتطلب عدة عقود لإنجاز هذه النهضة وليس بمجرد قضاء الجمالي عليها يحدث النهوض..

سادسا: الناس في المجاعات لا يأكلون لحوم البشر لأن هذا الفعل يعبر عن مرض نفسي أو بالوراثة القبائلية وعدم استقباح الفعل نفسيا ودينيا، بل يلجأون لأكل كائنات أخرى أو الاستسلام للجوع والموت.

سابعا: كافة الوثائق والمخطوطات المعاصرة لتلك الحقبة التاريخية لم تذكر هذا الأمر ولم تُشر إليه أو إلى إمكانية أو احتمالية حدوثه..أشهرها وثائق جنيزة الخاصة بمعبد بن عزرا اليهودي، وهي مخطوطات ووثائق معاصرة للحكم الفاطمي والأيوبي تتضمن حوالي 200 ألف وثيقة لم تذكر هذه المبالغات مطلقا أو تشير إلى حدوث أكل لحم البشر بين المصريين..والمخطوطات محفوظة بمكتبة جامعة كامبريدج ببريطانيا.

ثامنا: أول ذكر لأكل لحوم البشر في الشدة المستنصرية كان من المؤرخ "عبداللطيف بن يوسف البغدادي" المتوفي عام 629 هـ وكتب ذكرياته عن المجاعة بعد حدوثها ب 150 عام ، وهي فترة طويلة في ظل انعدام التوثيق وشيوع الأكاذيب والخرافات الشعبية هذا الزمن..

تاسعا: جاء المقريزي في القرن 9 هـ وسجل ما قاله البغدادي دون تمحيص وتوثيق، ثم ابن إياس في القرن 10 هـ نقل عن المقريزي أيضا دون تمحيص وتوثيق، علما بأن البغدادي كان عراقيا وعاش معظم حياته خارج مصر، والأرجح أنه زار مصر وكتب فيها كتابا عن آثارها التاريخية ونقل كثيرا من الشائعات والخرافات الشعبية عن حضارة مصر القديمة.

عاشرا: حدثت مجاعات كبرى في العصر الحديث لم يأكل فيها الناس لحم البشر، منها مجاعة الاتحاد السوفييتي والصين ومات فيها أكثر من 70 مليون إنسان، ومجاعات الهند وبنجلاديش ومات فيها أكثر من 10 مليون إنسان، غير مجاعات أفريقيا، لم يثبت في أي من هذه المجاعات أن لجأ الناس لأكل بعضهم..وهذا أكبر دليل من الواقع المشاهد على ما كان يحدث قديما، وأن مجاعات الأجداد تبدأ وتنتهي مثل مجاعات الأحفاد..

دي مقدمة أولية وأرجو من السادة الصحفيين والمفكرين عدم ترديد فرية أكل المصريين لبعضهم في الشدة المستنصرية دون تفكير، فما ورثناه من المؤرخين يشبه حكاوي الأجداد وخرافات الأقدمين أحيانا، وكثيرا من تلك الحكاوي اتصفت بالمبالغة والتخويف لنيل السمعة الاجتماعية والحظوة السياسية لا أكثر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ