الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشرة أساطير هزت مكانة الإسلام في العقول. ج1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عشرة أساطير هزت مكانة الإسلام في العقول.
لا شك أن أي فكرة تتعرض للفهم المتفاوت عندما تكون متداولة بين الناس وخاضعة للتعقل والإدراك المعنوي والغائي منها، والسبب لا يعود للفكرة في غالب الأحيان وإن كانت بعض الأفكار بطبيعتها هي من تثير التفاوت حولها وعليها وفيها، الفاعل الأساسي بالسبب والنتيجة عبة العقل الإنساني حينما يمارس دوره مهيأ ومتسلحا بالعدة والمنطق والأصول أو يكون في درجات أدنى من ذلك، من هنا لا بد للإختلاف أن ينشأ بين الناس على جزئية ما أو كلية أو حتى على مجمل الفكرة، وهذا أمر طبيعي لكن مت يبقي القضية أو الموضوع الأصلي محفوظا داخل إطاره الطبيعي أن لا نتعدى على هذا الإطار ونحاول التفريق بين القضبة ومحتواها الأساسي.
عند دراسة الدين ليس كمعرفة أو أعتقادات أو مفاهيم وطقوسيات ولا حتى كعلاقة بين الإنسان والرب والسماء وما بعد السماء، إنما كظاهرة معرفية في حدود ما قلنا الموضوع والإطار نجد أن هذه الظاهرة قد تكون الأكثر عرضة لمحاولات الإنسان الفكاك بينهما، ولم يسلم أي دين من هذه الإشكالية حتى مع قطع القرآن مثلا بأن كتاب الله محفوظ ومعصوم من الخطأ والزلل وأن ما جاء به محمد باق مع بقاء الدنيا لا يتحول ولا يزول، فما إن رحل مؤسس هذه الأمة حتى ذهبوا للإطار الجامع كتاب الله دستورهم ومفتاح مغاليق وجودهم فوضعوا له قرين، وصنعوا له ند وضد وميزوا بينهما على أن هذا الكتاب لم يحصل على الكمال ولم يبلغ التمام، بالرغم من أنهم يحتفلون كل عام بمقولة (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي)، فقالوا الكمال ليس في الإكمال والإتمام في أنه بلغ عن مجهول في الأرض معلوم في السماء، فمن المنطق أن نحمل الثقلين بدل الواحد سنتي وصحبتي وعترتي ونقمتي.
أول هذه الأساطير أن الدين يجب أن يكون بممثله الأعلى حاكما باسم الله ومسيطرا ومهيمنا على المجتمع البشري، بأعتبار أن الله أوكل للزعيم أن يكون القائد الأوحد والسيد الأرشد، وبناء على كون النبي أو الرسول هو من جاء بالدين وصار المعلم والقدوة والذي يجب أن يطاع، فعلى هذا التقدير يجب أن يخضع الناس لما بعده كخضوعهم له، مع أن كبار عقلاء الدين كانوا بقولون أن المجتمع أي مجتمع ديني أو غير ديني لا بد له من رأس يديره أو نظام يحتويه، فالدين ليس مؤسسا للحاكمية ولا من واجبه أن يكون كذلك، فهو رحمة من الله للناس وهدى وخيار مستقيم، فما كان لله يبقى لله وما كان للبشر فهم فيه أصحاب شورى ورأي وأجماع مقبول ومنطقي، فلو ترك المسلمون دينهم كثقافة ومعرفة وقيم أخلاقية وفصلوا بينه وبين السلطة، لما تفرقوا وأختلفوا وتقاتلوا ومزقوا أنفسهم كل ممزق.
الأسطورة الأخرى التي ركبها كهنوت الدين وفرسان معبد السلطة هي أن الله رب المسلمين وحدهم، وما خلق الكون وكون الخلق حتى يأت زمانهم للوجود ليحكموا فيه باسم الله وبتفويض منه ورعاية لا حدود لها ولا أمد، فهم بهذه الحكاية علة العلل وهو معيار الإيمان الأسنى ومقياس التدين الأعظم، وما عداهم مجرد أقوام حكمهم حكم الأنعام ومنهم من هو أضل منها سبيلا، فقد أثار فيهم النص (كنتم خير أمة أخرجت للناس) مزرعة الوهم ومنبت الخيلاء التي قيدت من محاولتهم أن ينظروا للحق بعين الواقعية، فصاروا أسرى لها وضاعوا عندما عجزوا أن يكونوا خير أمة، فتقهقروا وعادوا لجاهليتهم يقتلون بعضهم بعضا، ويذبحون أنفسهم بعض على بعض بما لا يستدعي حتى الزعل البسيط، فقد قتلوا ألافا منهم لأجل أن ينصروا فلانا ال....مؤمن ضد علان .... المؤمن، وفلان وعلان كان بإمكانهم أن يفضوا النزاع بينهم بالتي هي أحسن، فأي خيرية في هذه الأمة التي تتغنى بالدم وتسيح به وكأنها في عرس لا يتكرر إلا نادرا.
الوهم الثالث الذي أنقادوا له كتفكير جمعي في حينها وأورثوه لما جاء بعدهم بناء على الفرضية السابقة كونهم خير أمه، هو وهم المسئولية عن إصلاح الكون طبعا وفق منظور ذاتي ومنحوا أنفسهم حق الإصلاح كغاية وفق نموذجهم بغض النظر عن الوسيلة، وهذا خلاف أصل الدين، فالأصل أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، وأدخلوا في السلم كافة ووووو الكثير من مفردات المنهج الإصلاحي القائم على عتبتي الحرية والإرادة، ولو نظرنا إلى ما عرف بالغزوات في عهد النبي وهذا جزء من تزييف التاريخ الذي مارسوه على أنفسهم أول مرة، كانت كلها دفاعا عن النفس وتأديبا عن أعتداء، ولم تكن في أي حالة من الحالات المسرودة فعل لغرض نشر الدين أو إصلاح الأخرين، فلما رحل مؤسس المجتمع والناطق باسم الله قلبوا الحكاية وفرضوا الوصاية على الإنسان بالسيف والراية، ووضعوا عشرات الأحاديث ومئات القصص التي تحي قتال الأخرين بعنوان الجهاد في سبيل الله، وسلب حقوق الناس وتخريب أوطانهم بحجة إصلاحهم وهدايتهم للصراط المستقيم، فحملوا وزرا على وزر وظلما على ظلم، لكنهم جنوا الذهب والفضة والجواري والسبايا والغلمان، فصار قانون السلب والنهب والأعتداء آية ربانية أبدلوها بالنص الذي يقول (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
الأسطورة الرابعة التي ركبت عقل المجتمع الإسلامي وأخذته نحو زوايا اللا منطق واللا معقول هي فكرة أن ما عندهم وما وصلهم هو نهاية الوجود، وفهموا فكرة الخاتمية على أنها غلق كل مجال لتطور المفاهيم أو تطور الفهم العام والإدراك الجمعي، وبذلك أوقفوا الزمن عند تلك النهاية الجميلة كما يتصورون، فمن غير المسموح لنا أن نخرج من دائرة عقل عصر الرسالة شخوصا وأفكار وطرائق فهم وأحداث وحتى روح العصر بكل ما فيها من صالح وطالح يجب أن تبقى هي السائدة كمثال دائم، هذا الوهم الذي أقفل كل الطرقات في وجه الإسلام دين وفكر وجعل من ذات الدين معبود بدلا من رب الدين، كبل العقل المسلم وأسره بالأحلام المثالية بالرغم من أن عصر الرسالة لم يكن مثاليا ولا أفلاطونيا بمعنى المدينة الفاضلة، فقد عانى الرسول من المنافقين من بين المسلمين أنفسهم ومن أخطاء الجيل الأول ممن عاصره مثل خالد بن الوليد وغيره، كما عانى من الحسد والغيرة والمؤامرة التي قاده الكثير من رفاقه للطعن به وبما يحمى عادة من قضايا الشرف والعرض والحمية، فتصوير عصر الرسالة على أنه المثل المطلق والجميل والحلم الذي يجب أن يتكرر وأن يسعى له كل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، هو حلم ابقاءنا في جسد صنم حجري لا يحس ولا يتحرك ولا يشعر بما يدور من حوله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي