الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكاذيب التوحيد وإنصاف التعديد

راش أودين
أحد أعضاء مبادرة مسلمون سابقاً التطوعية لخدمة المجتمع اللاديني في العالم العربي.

(Rush Odin)

2023 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتقد البعض أن التوحيد أكثر منطقية من تعدد الآلهة وأن هذا أمر محسوم، ولكن هذا ليس صحيح. في هذه المقالة سننتقد التوحيد ونقارنه بالتعديد. ان وجود شيء مثالي وخارق وجيد في كل شيء أقل احتمالا من وجود عدة كائنات تكمّل بعضها البعض فهذا شيء مبرر لنا اعتقاده كبشر لأن الكمال شيء نادر لدرجة أننا لم نجده حتى الآن خاصة أن إمكانية الكمال محل جدل لأن الكمال في أحد الصفات يترتب عليه النقص في الصفات المتعارضة. أيضا قدرة شخص واحد أقل من قدرة تعاون فريق من الأشخاص المتقاربين في القدرات العقلية فهذا شيء بديهي فاثنين أو ثلاثة وأكثر أكبر من واحد ويمكن توحيد الجهود والعقول للحصول على أداء ونتائج أفضل من شخص واحد.

التعاون بين مجموعة أفراد ممكن حتى عند البشر وأعظم إنجازات البشرية جاءت من التعاون رغم كون البشر عدوانيين وأنانيين في كثير من الأوقات فما بالك بكائنات أفضل من البشر لماذا ليسوا قادرين على التعاون والتنظيم والتنسيق فيما بينهم؟ ان احتمالية حدوث نزاعات بين الشركاء تقل كثيرا عندما نقر بأنهم أفضل وأعقل من البشر. حتى لو حصلت بينهم نزاعات فيمكنهم اللجوء الى آليات مشابهة وأفضل من الآليات التي يلجأ إليها البشر عند الاختلاف مثل التصويت الذي يأخذ برأي الأغلبية أو عمل مقاربات بين الإرادات المختلفة أو التداول الدوري على رئاسة المشروع وغيرها من الطرق. وجود نظام موحد لا يدل بالضرورة على وجود منظم واحد فقط، فقد يكون نتيجة اجتماع المهندسين على تصميم واحد قبل بدأ الخلق أو حتى المشاركة في تطويره بعد الخلق بشكل كُلي أو جزئي وربما تعديل تاريخه أيضاً فيظن الشخص بالداخل أن الكون على هذا الحال طوال الوقت بينما ربما في الحقيقة تم تطويره حديثاً حيث تم توحيد الجهود ودمج كل الأفكار في منتَج واحد.

يمكن للآلهة أن تكون مجموعة من الكائنات الأزلية المتقاربة فكريا ومتشابهة في إرادتها ورغباتها وهم فقط مجموعة صغيرة قررت المشاركة في مشروع الخلق وإدارة الكون الجديد واتفقوا على كل شيء مسبقاً والذي لم يتفق لم يشارك ببساطة. إذا كان وجود كائن يمكن تسميته بإله ممكن فلماذا لا يمكن وجود كائنات مثيلة حتى مع وجود اختلافات متفاوتة لا تجعلهم يصنفون تحت فئة مختلفة. كنا نظن أن الشمس فريدة واتضح أنها أحد النجوم وكنا نظن أن الأرض فريدة واتضح أنه أحد الكواكب ويتضح لنا من هذه الأمثلة أنه إذا كان وجود شيء ممكن بحيث هناك واحد منه، فنفس الظروف والطريقة التي جعلت وجوده ممكن ستجعل وجود أشياء مماثلة ممكن أيضاً.

تعدد الآلهة بإمكانه أن يزيد بساطة تفسير وجود الكون لأن الإله الواحد سيكون أكثر تعقيدا في صفاته وقدراته مما يستدعي لحاجتنا لتفسير وجوده أكثر من الكون نفسه. تعدد الآلهة يحل معضلة وجود الشر بشكل أفضل بإتاحة إمكانية وجود آلهة شريرة بينما وجود الشر عندما يكون الإله واحد وهو طيب فهذا لا يمكن بدون الطعن في طيبته أو قدراته. إذا كان الديانات ذات الآلهة المتعددة تبدو بشرية فالديانات التوحيدية تبدو بشرية كذلك لأن الإله عندهم مثل الملك المتفرد بالحكم ولديه جنود من الملائكة غير صفاته البشرية مثل الوجه والأطراف وجلوسه على الكرسي والعرش وحمل الملائكة له، وطلوعه ونزوله لسماع طلبات رعيته.

طبيعي أن ترى بشرية الأديان التي لا تؤمن بها ولا ترى بشرية الدين الذي تؤمن به لأنه مألوف بالنسبة لك. فالشيء المألوف يبدو حقيقياً أكثر أما الشيء الذي لا تألفه سيبدو غير حقيقي وربما مزيف وهكذا تنجح أدلّجة مليارات كثيرة من الأطفال على دين مجتمعها. قد يتهم البعض "المشركين" بأنهم يعبدون الجمادات وبالتالي لا يجب أن نأخذهم بجدية كما الموحدين الذين عرفوا أن الجمادات مجرد جمادات لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم. لكن في الحقيقة ما يسموها بالأصنام هي فقط تماثيل تجسيدية للآلهة وليست هي الآلهة ذاتها وبالتالي المعددون ("المشركون") لا يعبدون الجمادات وهذا يجعلهم لا يختلفون في المستوى العقلي عن الموحدين الذين يقدسون ما يعتبرونه كلام ربهم بينما مجموع الأوراق والحبر ليس هو ربهم وكذلك الموجات الصوتية الناتجة عن اهتزاز حبال صوتية أو محاكاة الكترونية ليس ربهم. توجيه العبادة باتجاه شيء ما كما يفعل المسلمون تجاه الكعبة وكما يفعل المسيحيون تجاه الصليب لا يعني أنهم يعبدون تلك الجمادات وهذا يشمل تماثيل الآلهة. الإسلام اختلافه الحقيقي في كون الإله فيه عنده عقده أو خجل من محاولات عمل مجسمات أو صور له وهذا لا يجعله دين أكثر عقلانية.

لا نعلم هل التوحيد أم تعدد الآلهة جاء أولاً لكن هناك العديد من الأدلة التي تخبرنا أن الايمان بتعدد الآلهة كان أكثر رواجاً من التوحيد في معظم تاريخ البشرية. فإذا كانت الحقيقة تعتمد على عدد متبعيها فمن الواضح أن ما يعتبره الكثيرون "الحقيقة" تغيرت حديثاً وهذا يعني أنه يمكننا تغيير أي "حقيقة" من حقائق الكون بتغيير معتقداتنا أو بالتكاثر أسرع من مخالفينا وربما غزوهم وعمل ضغوطات عليهم للتحول لنفس معتقداتنا. جواب سؤال "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد؟" هو أن أرباب متفرقون خير من إله واحد، لأن إله واحد لا ملجأ منه إلا إليه لكن أرباب متفرقون هناك أمل أن أحدهم يعدل إذا جار الآخرون. فالعاقل لن يختار العيش في دولة السلطة كلها مركزة في شخص واحد (دكتاتورية) بل يفضّل العيش في دولة بها فصل بين السلطات وتوزيع للقوة (هذا يشمل فصل سلطة الدين وتوزيع قوتها).

القول بـ"لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" لا يصح لأننا قد وضّحنا كيف يمكن نجاح مشروع جماعي، بل وكيف يمكن تفوّقه على مشروع فردي. مفهوم الفساد هذا يمكن استخدامه للطعن في التوحيد، فيمكن القول إن الصحاري فاسدة لأن من الصعب العيش فيها وكونها لا تنبت محصول وهذا ينطبق على القطب الجنوبي والشمالي… كما أن هناك أمور كثيرة وجودها يمكن استخدامه كدليل على وجود الفساد مثل الأمراض الوراثية والفيروسات والبكتيريا الضارة، والزلازل، والفيضانات، والأعاصير. الحروب والطغيان والعدوان سلوكيات تشير لوجود خلل في ادمغة البشر. أما في بقية الكون وهو القسم الأكبر فيوجد الكثير من الكواكب غير الأرض التي لا تصلح للحياة بالإضافة إلى أن الكون مليء بالإشعاعات الضارة والكويكبات والمذنبات التي ترتطم بالكواكب من وقت إلى آخر والثقوب السوداء التي تلتهم كل ما هو قريب منها وكذلك الكون يتجه الى موت حراري. نستنتج أن الفساد موجود، إذاً التوحيد باطل.

مستقبل التوحيد مظلم حيث أن التاريخ يوحي بفشله كعقيدة دينية فسرعان ما يقوم العامة بتقديس ومناجاة وعبادة شخصيات غير الإله الواحد فتجدهم يجمعون بين المتناقضات واحتياج التوحيد لحركات صحوية متعجرفة وعنيفة بشكل متكرر لإنقاذ نفسه من الاضمحلال، لأن التوحيد فُرض على الأغلبية من المحسوبين عليه بالقوة وبأبشع الطرق كالكذب والاحتيال وشيطنة المعددين ("المشركين") واستباحة أراضيهم وأموالهم ودمائهم. فمثلاً الاسلام يحتوي على أدلة تدين عدائه وكراهيته للمعددين وما وصف القرآن لهم بالنجس إلا غيض من فيض يوحي بالعجز الفكري للتوحيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال