الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجلاد الرحيم: أفكار بين العقاب والعذاب

راش أودين
أحد أعضاء مبادرة مسلمون سابقاً التطوعية لخدمة المجتمع اللاديني في العالم العربي.

(Rush Odin)

2023 / 2 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في حديث رواه البخاري ومسلم كان محمد نبي الإسلام وأصحابه يراقبون امرأة من المَسبيّات تجاهلت مصابها والفاجعة التي حلت بها من أسر واسترقاق وعبودية جنسية وكانت ترضع من يحتاج ارضاع من أطفال تم استرقاقهم أثناء بحثها عن وليدها. سأل محمد أصحابه: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟" فكان جوابهم: "لا والله، وهي تقدر أن لا تطرحه" فرد عليهم في مفارقة عجيبة: "الله أرحم بعباده من المرأة بولدها". لحل هذه المفارقة مع العقيدة الإسلامية يحصر رجال الدين المراد بـ"عباده" بالمؤمنين، ويحصرون المؤمنين بالمسلمين، ويحصرون المسلمين بالمطيعين. إن هذا الاعتراف من مؤسس الإسلام بعدم اجتماع الرحمة والتعذيب بالنار هو ما تتفق معه هذه المقالة وتحاول دعمه بالحجج والمبررات والرد على الاعتراضات الشائعة.


التعذيب الأبدي ليس فيه حكمة لأنه لا ينتهي عند تحقق تلك الحكمة وبالتالي هو شيء الإله غني عنه ولا أحد غيره يحتاجه. فلو افترضنا ان ابنك أخطأ وتعاقبه لكي تعلّمه (ليس بالتعذيب طبعا) فأنت لن تعاقبه إلى ما لا نهاية أو ستكون تعاقبه لكي تعاقبه، والخطأ الذي ارتكبه لم يعد السبب الحقيقي، بل ينبع عن كراهية وعدائية لا تجتمع مع الرحمة ولا تصح لإنسان فكيف لإله. ليس الهدف من العقاب هو الانتقام لأن الانتقام شيمة الحاقدين وليس الرحماء. إن الهدف الحكيم والعادل من العقاب هو حماية الآخرين من شر المؤذي وردعه وغيره من تكرار ذلك مستقبلا وتعويض من تأذى إن أمكن والإله الخالق بإمكانه أن يسلب قدرة المؤذي على الإيذاء ويعوض المتضررين بكل سهولة. إن اعطاء القاتل الحرية في القتل يسلب الضحية حريات أكبر مثل اختيار البقاء في الحياة وما يترتب عليها من خيارات أخرى. فلو تم سلب ارادة القتل من الناس فسوف تزيد الحرية ولن تنقص. أما إذا الله غير قادر على تغيير الارادة لمشاكل تقنية فان إهلاك القاتل والطغاة الذين يقيدون قدر كبير من حريات الناس سيزيد من الحرية في هذه الحياة ولن ينقصها وذلك الإهلاك هو عقاب عادل لهم ليس بعثهم لغرض تعذيبهم لأنهم لم يعودوا يشكلون خطر بعد موتهم.

القول ان الله يريد مصلحة البشر يجعلنا نتساءل لماذا لا يجعل عقولهم تقودهم الى مصلحتهم بشكل أفضل؟ أم أن إرادته مخالفة لمصلحتهم فلماذا يعطيهم عقول من الأساس إذا هو يريد منهم تنفيذ بعض المهام خاصة عندما هذه العقول تصل إلى نتائج مخالفة لتعاليمه المزعومة؟ لماذا لا يتقن صنعهم بشكل يؤدوا المهام التي يحتاجها منهم بأتم وجه كما تفعل الأدوات والأجهزة. الإنسان ليس حقاً حر إذا تم عقابه على أفعاله لأن التهديد سيؤثر على قراراته وإن لم يعلم بالتهديد فقط لن يعرف أنه ليس حر وعدم المعرفة أيضا يؤثر على قراراته فإذا الخالق يريد إعطاء الناس الحرية فيجب أن يرضى بكل ما يفعلونه. على "الخالق" أن يحسم ما يريده بالضبط لأنه يبدو متردد وغير عقلاني هكذا.

إن التعذيب ليس طريقة العقاب الوحيدة المتاحة للبشر، ورحمتهم تمنع الكثير منهم من اللجوء إليه، بل تدعوهم لتجريمه قانونيا، فما بالك بالإله الذي لديه خيارات عديدة ورحمته أوسع وأكمل. يمكن عمل العقاب عند البشر دون انتهاك الجسد أو اللجوء للتعذيب النفسي وذلك بالحرمان من أحد المزايا أو الحريات والاجبار على تعويض الضرر بأي شكل من الأشكل. الإله لا يحتاج الإيمان والعبادة من أحد ولا أحد يمكن أن يؤذيه وبالتالي لا يصح للعاقل فما بالك بالرحيم أن يغضب على ويبطش بشخص لم يؤذيه بشيء. صحيح أن بعض غير المؤمنين قد يؤذون الآخرين، ولكن ليس جميعهم وهذا ينطبق على المؤمنين أيضا. إن الإله هو المسؤول الأول عن تصرفات مخلوقاته لأنه هو الذي خلقها وأعطاها القدرة والميول على أن تتصرف بهذا الشكل وبالتالي إن كان عمله متقن فيجب بديهيا على الإله أن يرضا بكل نتيجة من الخلق وإلا فالعيب فيه عندما خلق ولم يتقن أو خلق شيء لا يريده حقا.

هل حقاً الله الذي يؤمنون به رحيم؟ أم أنه فقط يحب المؤمنين ويعاملهم معاملة خاصة. لأنه لو الرحمة صفة من صفاته لما فقدها فجأة عندما يبدأ التعامل مع غير المؤمنين في أي وقت. حتى وقت الغضب هناك فرق بين الرحيم وغير الرحيم فالصفة تبقى تميز الفرد عن غيره في كل ظرف أو زمن... إلا إذا كانت هذه الصفة متصَنَّعة وغير حقيقية. إذا كانت رحمة الله تنتهي صلاحيتها عند قيام الساعة فهي أيضا فاسدة قبل قيامها حيث إنه جعل أديانه غير قابلة للتصديق ومليئة بالعيوب التي ينكرها العقل والضمير وفوق هذا هو والشيطان يعملان معا لإضلالنا وهو الذي خلق الأخير أيضاً!! لم ير لا إنسان ولا حيوان رحمة الإله المزعوم في هذه الحياة حيث تحدث أسوء وأشنع الأحداث أمام عينيه المتبلدّتين. ليس حتى من العدل التعذيب بلا نهاية لأجل شيء لا تحتاجه وأنت كنت قادر على منع ما لا يعجبك من الحدوث قبل الحدوث. وليس من العدل أن يكون العقاب لا محدود مقابل عمل محدود.

يلجئ البعض لتعديد ما قد يعتبر نعمّ من وجهة نظر المؤمن بدون تعديد النقم وذكر الفوائد دون المضار فيقعون في انتقائية وتدخل ضمن مغالطة التقاط الكرز. هذا كله جزء من محاولتهم لتبرير عذاب الآخرة والظلم الذي يترتب عليه. إن قول أحدهم أن فلان يعطيه كثيراً من الهدايا فهذا لا يعني أن المعطي يستحق العبادة أو أن من لا يعبده يستحق التعذيب. ربما يأتي جواب على شكل: "يجب على الهدايا أن تكون عظيمة كي يستحق من يعطيها لنا أن يُعبد"، لكن العطية تكون عظيمة عندما تكون عزيزة وغالية على المعطي وليس عندما تكون لا شيء يذكر بالنسبة له. الدنيا لا تساوي عند الاله الاسلامي جناح بعوضة غير ان كل عطاياه ليست حتى قطرة من خزائنه التي لا تنفد، بالإضافة لكل هذا هو الذي خلق حاجتنا لعطاياه وبالتالي هو خلق المشكلة من الأساس وحلوله لها ليست مثالية فلا الجميع شبعان ولا الجميع يشعر بالدفء أو يحتمي من الحَر أو لديه جميع الحواس والأطراف أو الأعضاء السليمة. بالتالي لماذا نشكر من يحفر حفرة ثم يملأها جزئياً؟ حتى لو ملأها كليا لماذا يستحق الشكر؟ ولماذا يجب ان يكون الشكر بالطاعة العمياء والعبودية لما يأتي به من يدعون التواصل مع هذا الإله؟ إن العطاء العشوائي حين يعطى البعض ويحرم البعض دون ان ينقص ذلك من عند المعطي شيء ليس شيء يستحق الشكر. مجرد أن أرى محرومين ومعذبين وهو غني وقوي ولا يفعل شيء سأعرف أنه لا يستحق الشكر لأنه لا يعطي لاهتمام أو حب، بل بشكل يبدو نزوي وعشوائي فقد يعطي من لا يستحق ويحرم من يستحق. ما أراه ليس نعمّ، بل استعراض لا يوحي بالكمال أو الحكمة.

آخرون يقولون أن الله ليس محتاج للعبادة، بل مستحق لها والبشر هم المحتاجين لها ومن لا يعبده منهم يستحق عذابه. لكن ما معنى أن تستحق شي لا تحتاجه إطلاقاً؟ كأنهم يقولون أن شخص شبعان وغني ولا يحتاج لشطيرتي إطلاقاً أنه يستحق شطيرتي؟ عندما تعطي شخص غير محتاج فهذا مجرد تملق والمحتاج أحق بالعطاء من الغني. حتى قول كلمة شكراً لكيان لا يحتاج للشكر يصبح تضييع وقت لكن إذا أحدهم يحتاج ان يقول شكراً ليشعر بالرضى عن نفسه فهذا شيء جيد لكن لن يصبح أفضل من الشخص الآخر الذي لا يفعل ذلك. عدم الحاجة والغنى المطلق لا ينطبق على حكام أو أثرياء البشر فمهما كانت ثروتهم وسلطتهم فلا تنتفي عنهم الحاجة. مثلاً الحاكم محتاج لطاعة الناس له فإذا عصاه قدر كافي من الناس سيفقد سلطته بينما الإله لن يفقد شيء، حتى لو لم يؤمن به أو لم يعبده الجميع. آخرون يقولون أن الله لا يحتاج، بل يحب لكن السؤال يصبح لماذا يحب؟ هل لأن معنوياته تتحسن عند العبادة ويشعر بالرضى عن نفسه؟ هل لأنه يشعر بالملل؟ هل عنده هرمونات تدعوه لهذا؟ هل عنده غريزة لا يتحكم فيها؟ وهل عطائه هو فقط لكي تعبده الناس؟ عند القول أنه كامل، يصبح الحُب تصرف عبثي غير عقلاني وينتفي الكمال في كلتا الحالتين. لماذا قد يحتاج الانسان لعبادة الإله؟! لان الإله سيعذبه إذا لم يعبده؟! لكن لماذا الإله يريد أن يعذبه على شيء هو لا يحتاجه؟! وإذا كان الإنسان من يحتاج تلك العبادة فلا يوجد ربط عقلاني بين امتناعه عن العبادة التي يُزعم أنه يحتاجها وبين استحقاقه للعذاب!! فهل عندما يرفض الفقير المال من الغني يعني ان الغني يحق له أن يبدأ بجلده بالسياط لعقابه؟!

حتى لو سلّمنا لمن يقولون أن الله يُحب أن يُعبد فلماذا لا يكتفي الله بعبادة الملائكة له؟ يجيب أحدهم بأن "الله يحب مقام التوبة" لكن هذا الجواب لم يفسر شيء وليس أكثر عقلانية أو اقناعاً من شخص يقول أن "الله يحب عندما لا يعبده أحد لأنه لا يحب المتملقين". ثانياً هناك خلل في القول أن الله يحب التوبة لأنه يعني أن الله يحب أن يُعصى ثم يُطاع وهذا يعني ان الله يحب المعصية مهما كانت إذا كان بعدها طاعة أكثر من الطاعة الخالصة (كمن يحب الملح مع طعامه وليس انه يحب أكل الملح) ولهذا خلق الإنسان لأنه سئم من الطاعة طوال الوقت، بل هو الذي وضع الشهوات فيه وخلق الشيطان ليوسوس له لأنه سبحانه وتعالى يريد أن يلعب بنا. بالتالي الطريقة المثلى لعبادة الله لن تكون عن طريق الامتناع عن المعاصي، بل عبر اتيانها على فترات متباعدة وهذا ما يفهم من الحديث المصنف بالصحيح الذي رواه مسلم ونصه "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بأقوام يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم". هذا -كما تعودنا- يتناقض مع تعاليم الدين الأخرى التي تحث على عدم ارتكاب المعاصي من الأساس وتنزه الأنبياء عنها بالعصمة فهل هذا يعني ان البشر العاديين أفضل من الأنبياء؟ وهل الله يريد شيء ثم يعطيك تعليمات مخالفة لما يريد؟

هل يحق للضعيف على أن يعترض على تصرفات القوي؟ هل يحق لنا الاعتراض على الله إن كان موجوداً وكانت هذه تصرفاته؟ جوابي هو نعم يحق لنا وإذا فرطنا بالنزاهة الفكرية وعدم الانقياد والاستسلام للجلاد فلن يكون لدينا كرامة ونصبح عبيد كبقية العبيد. لكن كون الخالق إن كان موجود بهذه الصورة البشعة أمر مستبعد، فإذا كان هناك خالق واحد فالعقل بالتأكيد هو منه وبالتالي هو جعل العقل قادر على الاعتراض على الصفات والأقوال والأفعال التي تُنسب إليه والتي احتمالية أن مصدرها هو خالق الكون وليست بشريّة أقل بكثير من العقل. لو قيل لنا أنه باتباعنا عقولنا فنحن نتبع أهواءنا، فيمكننا القول أن تفضيل المؤمنين لدين على آخر ومعتقدات على أخرى يمكن القول عنها أهواء وأن هوى المؤمن هو أن يصدق أهواء بعض رجال الدين ومدعي النبوة. لا يجب علينا أن نؤمن بأفكار لكي نستطيع انتقادها ولا يجب علينا أن نقيد عقولنا في التفكير فيما لا يحق للمؤمن التفكير فيه بسبب خوفه. بهذه الطريقة نحن نعيرهم عقولنا ونشرح لهم كيف أن معتقداتهم مسيئة لكثير للناس من حولهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التعليقات مرحب بها
راش أودين ( 2023 / 2 / 25 - 21:21 )
سأحرص على قراءة تعليقاتكم والرد على التي تتطلب الرد عند توفر الوقت


2 - متفق معك
على سالم ( 2023 / 2 / 26 - 03:08 )
لاشك ان اله الاسلام قاسى وعنيف جدا عند التعامل مع عباده المساكين , هذا اكيد فكر بشرى ولاعلاقه له بأله او خالق , اتأمل تشريعات الاسلام المجحفه البربريه عندما يسطو المسلمين اللصوص الهمجيين على قبيله من اجل سرقتها ونهبها ونكاح نساؤها ؟ ممكن ان اقول ان الاسلام يهتم جدا بنكاح واستنكاح الاسيرات حتى ولو كانوا متزوجات ؟ وعندك مثل حى عندما اغار محمد وعصابته على قبيله بنى قريظه اليهوديه وعمل فيهم تقتيلا وسرقه واجراما خصوصا عندما رأى محمد اسيره يهوديه جميله وهى صفيه بنت حيى وقام محمد شخصيا بأغتصابها فى نفس اليوم بعد ان قتل اباها واخاها وزوجها ؟ لماذا النكاح له هذه المكانه العظيمه عند هؤلاء البدو المسعورين بل دعنى اقول ان الاستنكاح فى الاسلام اهم من السرقه والسطو المسلح ؟ يعنى شئ يجعلنى اتأمل فى حيره وتعجب ودهشه من عقليه هؤلاء البدو العتاه المجرمين الشاذين سلوكيا وفكريا