الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جالبو العار

عامر راشد

2006 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ممارسات بعض الغوغاء الذين اعتدوا على الكنائس الفلسطينية في نابلس وطولكرم وطوباس وغزة، جلبت العار لشعبنا الفلسطيني، وفعلتهم النكراء مست صميم وحدتنا الوطنية ونسيجنا الاجتماعي، وأساءت للقيم الأخلاقية والإنسانية التي تربت عليها أجيال الفلسطينيين منذ فجر الخليقة، وعذرهم أقبح من ذنبهم، لأن طلب الاعتذار من قداسة بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر لا يبرر الأفعال الهمجية ضد مكون أساسي من أبناء شعبنا، يشهد لهم سجلهم النضالي بأنهم كانوا على الدوام ممن يتقدمون الصفوف في مواجهة الغزوة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وقدموا على مذبح حرية وفداء فلسطين مئات الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى والمعتقلين، وشكلوا منارة في الفكر والثقافة الفلسطينية على مر العصور، والغريب في الأمر أن مشعلي نار الفتنة الطائفية صموا آذانهم عن رد فعل المسيحيين الفلسطينيين والعرب الرافض وبشكل قاطع لما جاء في محاضرة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، التي ألقاها في جامعة ريجينسبوغ بولاية بافاريا الألمانية. وهنا نسأل مريدي الفتنة بين أبناء شعبنا، ما ذنب المسيحيين الفلسطينيين والعرب، وحتى مسيحيي أوروبا والعالم في المغالطات الكبيرة التي وقع فيها قداسة البابا بنديكتوس، والتي لا تعبر عن قراءة صحيحة لتعاليم وقيم الإسلام الحنيف؟. وهل الاعتداء على كنائس أشقائهم المسيحيين الفلسطينيين رد مشروع على ذلك؟. وفي مصلحة من تصب مثل هكذا أفعال خرقاء؟.
الإجابة بشكل منطقي على الأسئلة السابقة تدفعنا للقول بأن الأيادي الإسرائيلية الخفية ليست بريئة من هذه الجرائم النكراء، ومع افتراض (حسن نوايا ) بعض من تورطوا في الاعتداءات على الكنائس الفلسطينية، كرد فعل انفعالي واعتباطي، فهذا لا يعفيهم من الحكم عليهم بالجهل والجهالة، وضيق الأفق، بل وأخطر من ذلك فهم من حيث يدرون أو لا يدرون يعززون المقولات المغرضة التي تفترى على الإسلام والمسلمين، في حقبة تتكالب فيها قوى الهيمنة والعدوان على شعوب الأمة العربية مسلمين ومسيحيين، وعلى الشعوب الإسلامية، ومن جرائها يدفع شعبنا الفلسطيني ثمناً باهظاً، أقله وصم مقاومته المشروعة بالإرهاب.
الخارجون عن الوحدة الوطنية الفلسطينية باسم الدفاع عن الإسلام والمسلمين، هم في حقيقة الأمر خارجون عن تعاليم وقيم الإسلام الحنيف، التي لم تبتغ يوماً الشقاق مع الأديان السماوية الأخرى والناموس البشري، بل على العكس من ذلك تماما، وتؤكد حقائق التاريخ والجغرافيا أن شعب فلسطين مثل على الدوام قدوة يحتذى بها في هدم أسوار الطائفية والمذهبية، وتحويل التنوع إلى عنصر قوة ومنعة، كان سيفاً ماضياً في وجه الاحتلال الإسرائيلي وكل الاحتلالات التي سبقته، وأشدها دموية حروب الممالك الإقطاعية الأوروبية التي سرقت راية (الصليب)، لتبرير وتغطية حروبها غير المقدسة، على خلاف ما كانت تدعي، وهو ذات ما تفعله اليوم إدارة المحافظين الجدد في واشنطن، التي ولدت من رحم توحد التيار الديني الأنغليكاني المتزمت مع التيار اليميني المتطرف.
إن تعميق وترسيخ وحدتنا الوطنية الفلسطينية والعربية مسلمين ومسيحيين هو خير رد على المغالطات التي وردت على لسان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، لأن هذه المغلطات لا تعبر فقط عن سوء فهم تاريخي ظالم للإسلام والمسلمين وجهلاً بحقيقة معتقداتهم، بل تحمل في طياتها محاولة لتعميم ممارسات خاطئة ارتكبت من قبل قلة قليلة من المسلمين، أساءت إلى صورة الإسلام والمسلمين . وعلى سبيل المثال لا الحصر، مجازر وفظائع إدارة المحافظين الجدد الأمريكية التي ارتكبت وترتكب في العراق وأفغانستان، ودعم هذه الإدارة العدوانية للمجازر الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، لا تعفينا من الإحساس المأساوي بوحشية قتل راهبة في الصومال تخطت السبعين من العمر، ومشهد اعتداء الغوغاء على الكنائس في المدن الفلسطينية، وإلا نكون قد أوقعنا أنفسنا في ازدواجية المعايير والقيم الأخلاقية، بغض النظر عن الاختلاف في شدة واتساع نطاق الجرائم المشار إليها في المثال السابق.
لقد أثارت تصريحات قداسة البابا بنديكتوس صدمة كبيرة لكل العرب مسلمين ومسيحيين، ولكل المسلمين في العالم، ولدعاة الحوار البناء بين أتباع الديانات السماوية، ورفض تغليف الحروب والنزاعات بطابع ديني، ومن حق كل هؤلاء على البابا إزالة الالتباس، خدمة لمستقبل التعايش السلمي بين شعوب البشرية، واعتذار قداسة البابا عن ما نسب إليه سيمنع دعاة الحروب والهيمنة من توظيف مثل هكذا أفكار بعيدة عن الدقة والموضوعية والإنصاف والتجرد ، للاستمرار في مسلسل حروبهم الاستباقية للهيمنة على شعوب ومقدرات العالم .
وحتى تستوي الأمور، نطالب من اعتدوا على كنائسنا الفلسطينية بالاعتذار لأبناء شعبهم ، الذين أسيء لهم ولتاريخهم ودورهم النضالي وإسهامهم الثقافي والحضاري. عار علينا إذا لم نتوحد في مطلبنا هذا، وإذا لم نحاسبهم على ما اقترفوه من فعل شنيع ، وعار عليهم إذا لم يراجعوا وينقدوا أنفسهم.
عز القائل" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ونحن كعرب مسلمين ومسيحيين أولى بالتراحم فيما بيننا.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا