الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد على بلاغ الأمانة العامة للبيجيدي.

سعيد الكحل

2023 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عقدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية اجتماعا استثنائيا، يوم 24 فبراير 2023، لمناقشة ما اعتبرته (مستجد خطير يتعلق ببعض الدعوات التي بدأت تطلع علينا في الآونة الأخيرة بخصوص مدونة الأسرة، والتي تجرأ بعضها على الدعوة الصريحة إلى المناصفة في الإرث ضدا على النص القرآني الصريح المنظم للإرث، وضدا على مقتضيات دستور المملكة). وصدر عن الاجتماع الطارئ بلاغ بنبرة "حربية" لا يختلف عن بلاغات القيادات العسكرية أثناء الحروب، تتوهم، من خلاله قيادة البيجيدي، أنها تعلن "الحرب" على كل الأصوات والضمائر المطالبة بتعديل جوهري يوائم بين مدونة الأسرة وبين الدستور المغربي والمواثيق الدولية لتسكتها. وما يجهله البيجيدي، هو أن الظروف السياسية والاجتماعية والدستورية لن تسمح له بتكرار السيناريوهات التي سلكها، سنة 2000، لمناهضة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، والتي استخدم فيها سلاح التكفير والتخوين والتهديد، بالإضافة إلى تجييش أتباعه في مسيرة 12 مارس 2000.
إن بلاغ الأمانة العامة للبيجيدي يستدعي الرد عليه بالتالي:
1 ـ إن المغرب دولة مدنية وليس دينية، قانونها الأسمى هو الدستور، "الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة"(ويكيبيديا). ومن ثم يعتمد المغرب دستورا مدنيا/وضعيا تولت صياغته كفاءات مغربية من مختلف التخصصات بالانفتاح على دساتير الديمقراطيات العريقة دون الإحالة على النظم الدينية البائدة، بما فيها نظام الخلافة وتشريعاته. لهذا ينص الدستور، في البند 6 ،على تطبيق القانون المدني وليس تحكيم الشريعة " القانون ھو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيھم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له . تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينھم".
2 ـ إن الدستور المغربي ينص على التزام المملكة المغربية بالآتي:
أ ـ التشبث بحقوق الإنسان في بعدها الكوني "فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا".
ب ـ سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية "فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي: "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
ج ـ ضمان الحرية والكرامة والمساواة "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".
د ـ دسترة المناصفة والمساواة ومكافحة كل أشكال التمييز: إذ ينص الفصل 19 من الدستور (يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز".
مطالبنا تنسجم مع الدستور.
لقد كشفت العشر سنوات التي قضاها البيجيدي على رأس الحكومة، حقيقته للشعب المغربي، كحزب يتاجر بالدين ويسمسر في الوطن. لهذا لن تنطلي عليه ــ الشعب ــ شطحات الحزب وبكائياته على الدين والأسرة والوطن. فالشعب الذي يدفع ثمن القرارات الظالمة التي اتخذتها حكومتا البيجيدي، من قوته وقوت أبنائه بات يدرك جيدا أن البيجيديين مجرد طالبي المناصب والمكاسب. أما الاتهامات الحاقدة التي يكيلها للمطالبين بالمساواة في الإرث وإلغاء التعصيب، فقد سبق ورمى بها واضعي مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية. فانتصر المشروع وانهزم مناهضوه.
إن المطالب التي نتقدم بها، نحن دعاة تعديل قانون الإرث بما يضمن المساواة والعدل بين الأبناء ويرفع التمييز والظلم عن الإناث، يسندها الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. فدعوتنا، إذن، من صميم دستورنا ومنسجمة مع التزامات المغرب الدولية. لهذا فهي ليست "غريبة عن قناعات" الشعب المغربي كما يزعم البلاغ، ولا "مرفوضة لدى المجتمع" المغربي. بل هي تعبير عن رغبته وقناعته التي عبر عنها ويمارسها دون أدنى حرج أو خوف على "ضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري". ذلك أن الدستور الذي ينص على المساواة والمناصفة وسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، صوت عليه الشعب المغربي بكثافة؛ ما يعني أنه مواقف على كل مضامين الدستور وحريص على تطبيقها. فالمساواة في الإرث ليست غريبة على الشعب المغربي، بل هي قاعدة معمول بها في الأراضي السلالية تضمن لكل النساء حق الاستفادة، بالتساوي مع الذكور، من التوزيعات العينية أو النقدية وكذا حق الانتفاع من الأراضي الجماعية.
3 ـ الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 2008 التي أعلن فيها عن قرار رفع المغرب لكافة التحفظات فيما يتعلق بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة كالتالي ( وتعزيزا لهذا المسار، نعلن عن سحب المملكة المغربية للتحفظات المسجلة، بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي أصبحت متجاوزة، بفعل التشريعات المتقدمة، التي أقرتها بلادنا ). والمساواة في الإرث بين الإناث والذكور هي تطبيق للتوجيهات الملكية وانسجام مع دستور 2011.
المساواة في الإرث ضمان لحقوق الإناث والاستقرار الأسري.
خلافا لما يزعمه البيجيدي ويفتريه، فإن قرار تطبيق مبدأ المساواة في الإرث على مستوى الأراضي السلالية التي ناضلت من أجله النساء السلاليات، عزز استقرار الأسر ولم يكن أبدا "زعزعة" لنظامها كما تزعم قيادة البيجيدي. إذ لم تفكك الأسر وتشرد العائلات بسبب إقرار مبدأ المساواة وأجرأته. لقد تمت استجابة عامة من طرف السلاليين لدورية وزارة الداخلية ذات الصلة دون عناد أو احتجاج. ولعلم قيادة البيجيدي، فإن أعضاء الجماعات السلالية يبلغ عددهم 10 ملايين نسمة، أي ما يزيد عن رُبع (4/1) سكان المغرب. وبالتالي، فالحديث عن كون المساواة في الإرث "مرفوضة لدى المجتمع" و"تشكل خطة خطيرة"، كلام مردود عليه ولا قيمة له أمام الواقع الحي الذي تعيشه الجماعات السلالية. إذ لم يناهض نواب هذه الجماعات وممثلوها أمام السلطات الوصية، دورية وزير الداخلية فيما يتعلق بتطبيق مبدأ المساواة، أو يحاججوا بكونه يخالف أحكام الشرع. وهذا دليل آخر على كون الشعب المغربي يتميز بقابلية الانفتاح على قيم العصر، وفي مقدمتها: قيمتي العدل والمساواة. بنفس القابلية طبق المغاربة "الوصية الواجبة" التي تمنح لأبناء الابن وبناته ما كان سيرثه من جدهم، كما هو منصوص عليها في المادتين 369 و 370 من مدونة الأسرة كالتالي:
المادة 369 تنص على أنه: “من توفى وله أولاد ابن أو أولاد بنت، ومات الابن أو البنت قبله أو معه أعطى أحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشروط اللازمة."
المادة 370 تنص على "الوصية الواجبة لهؤلاء الأحفاد تكون بقيمة حصتهم مما يرثه أبوهم أو أمهم عن أصله المتوفى على فرض وفاة موروثهم، على ألا يتجاوز ذلك ثلث التركة”.
إن الوصية الواجبة أمر مستحدث في الفقه الاسلامي وفي التشريع المغربي الخاص بالأحوال الشخصية ؛ إذ لم تكن موجودة في القانون المصري قبل سنة 1946 والقانون السوري سنة 1953. وحين أخذ بها قانون الأحوال الشخصية في المغرب، فقد خص بها الذكور دون الإناث كما نصت المادة 266 من المدونة قبل تعديلها سنة 2004 كالتالي " من توفى وله أولاد ابن وقد مات ذلك الابن قبله أو معه وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشروط الآتية". فهذه المادة تحصر الفئة المستفيدة من الوصية الواجبة في أحفاد الابن الذكر المتوفى قبل والده أو والدته ويُحرم أحفاد الجد أو الجدة من ابنتهم المتوفاة في حياتهما.
لتعلم قيادة البيجيدي أن الإرث بأحكامه ليس من الشعائر التعبدية التي إذا أخلّ بها المؤمن فسدت عبادته ولا ركنا من أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والصوم والحج، وإنما يدخل ضمن المعاملات التي تراعى فيها مقاصد الشريعة، وفي مقدمتها: العدل الذي هو من الأحكام الاجتماعية الخاضعة لمنظومة القيم التي تعكس درجة تطور المجتمع. فما كان عدلا في سياق تاريخي واجتماعي يفقد هذه الصفة والقيمة في سياق مختلف.
غاية الإسلام ومقصده: العدل.
اعتاد البيجيدي مواجهة مطالب الحركة النسائية ومناهضة حقوق النساء باستعمال عبارات دوغمائية منها "لا اجتهاد مع النص"، "تحد صارخ للآيات القرآنية الصريحة للمواريث"، "آيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة". علما أن القاعدة الفقهية التي اتفق حولها الفقهاء والأئمة من مختلف المذاهب، تقول بأن "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما". فأي حكم شرعي/فقهي لم يعد يحقق المقصد من تشريعه بسبب انتفاء علته، حتى وإن كان واردا في القرآن الكريم، إلا وكان تعطيله مشروعا. وهذا هو المعمول به في معظم الدول العربية/الإسلامية لما ألغت العمل بأحكام الشريعة في السرقة أو الزنا أو الخمر وملك اليمين والسبايا والعبيد، واعتمدت، بدل ذلك قوانين جنائية مدنية/وضعية تجرّم ما كانت الشريعة تبيحه (السبي، الاسترقاق، تزويج الطفلات..). وتعطيل الآيات القرآنية ليس وليد اليوم، وإنما تم العمل به في خلافة عمر بن الخطاب، فصار سنة يأخذ بها الحكام من بعده. وسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أثار هذه النقطة في حوار صحفي قال فيه: "ففي كل القوانين الجنائية، فلسلفة القانون الجنائي هي النموذجية.. إذا قمنا بذلك (أي قطع يد السارق) فإن الأعباء الاجتماعية ستثقل كاهل الدولة بإنشائها لمحتاج غير قادر على العمل، وسيكون ذا طابع كاريكاتوري القول لأحدهم اذهب خذ معاشا لأننا قطعنا له يدا. يجب أن نكون قابلين للتطور. العقيدة لا يجب أن تمس، لكن يجب التأقلم مع الزمن".
أختم بالهمس في أذني بنكيران أن الذي هدد ويهدد أسس إمارة المؤمنين وينازعها سلطاتها الدينية التي طوقها بها الدستور هو التنظيم الذي طالب زعيمه، سنة 2003، بتجريد الملك من مسؤولية إمارة المؤمنين لأن تكوينه الشرعي لا يؤهله لها. وأن الذي يخدم أجندات خارجية هو التنظيم الذي يتلقى الأوامر والتوجيهات من مرشد التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ويعمل على تنفيذها بكل دقة وخيانة للوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تقصف قاعدة -بلماخيم


.. قلوب عامرة مع د.نادية عمارة - ‏منهج الإمام البخاري في الجامع




.. بعد سنوات من فتوى التحريم.. هل يغير الإيرانيون عقيدتهم النوو


.. قلوب عامرة - التفسير الموضوعي.. {وإن يكذبوك} ‏‏‏منهج الإمام




.. قلوب عامرة - د.نادية عمارة توضح ‏أهم الأبواب والعناوين التي