الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض إطروحات علي حرب البائسة

هيبت بافي حلبجة

2023 / 3 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعد ما إنتقدناه منذ زمن بعيد في مجلة الناقد اللبنانية التي إستراحت وسابت في سبات أبدي آنما سلب المالي السياسي إرادتها ، حينما صادر بكارتها ، نود أن ننتقده في أساس العلاقة مابين الظاهرة ومابين تاريخانية عللها ، مابين التاريخ البنيوي ومابين التاريخ الممسوخ ، ونبين مدى السذاجة الفكرية وسطحية المفاهيم في إطروحاته .
قبل أن نبدأ بالمقدمات ، من الضرورة ضرورة ، ومن خلال مؤلفاته : أوهام النخبة أو نقد المثقف ، نقد النص ، مابعد الأسلمة ، مابعد الحقيقة ، التأويل والحقيقة ، الإنسان الأدنى ، أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر ، النص والحقيقة الممنوع والممتنع ، خطاب الهوية ، أن نؤكد على الملاحظات التالية لنستشرق حقيقة مايمتلك علي حرب ، الباحث اللبناني :
الملاحظة الأولى : عند التمعن في خلفيات سطوره ، وفي عواصفه التي هي في الفعل هوجاء عوجاء ، وفي ماتبقى من علي حرب ، ونقارن مابين ذهنه وذهنيته ، ندرك إنه لايعي حقيقة مايكتب ، لايعي معنى المعنى ، ولا معنى الإفهوم ، ولا معنى الإطروحة ، ولا تلك الافاق المتوازية في النص ، ولاحتى معنى المفارقة مابين تلك النصوص ، وهو إستاذ المفردة ، إستاذ المعلومة ، أستاذ الموضوعة ، لكن هذه الإستاذية تنشل عند حدود غير بعيدة ، غائبة كلياٌ في بعض المستويات أي ثمت مستويات دامسة الظلام في وعيه ، ومن ثم تفقد مصداقيتها في مستويات تقتضي المزيد من الحضور ، المزيد من تفهم المبنى والبنيان ، ومن ثم إدراك المعنى ، ومن ثم تأصيل الإفهوم .
الملاحظة الثانية : عند المقارنة مابين علي حرب وعلي حرب ندرك تماماٌ إن هذا الكاتب اللبناني لايملك أية منظومة فكرية ، وفي الأصل لايستطيع أن يملك أية منظومة فكرية ، ولاحتى مقدمات فلسفية لمنظومة فكرية ، لإنه حينما يفكر ، يفكر وهو يقتمص جلباب شخصيات يتشهى لو إنه هي ، لذلك هو يتغنى بالمفردة ، وبسطحية النص ، وكإنه يلقي قصيدة كانت لغيره ويتمرد عليها ، ويلوكها ويجترها كما لو إنه يرغي ويزبد ليؤكد إنه هو من إبتكر أصولها ، أصول الليبرالية ، أصول التنوير ، أصول بعد الحداثة ، وأصول مابعد مابعد ، وإنه من يحطم كل شيء ، وهو في الصميم لايفقه مضمون الأشياء حتى يمزقها ، وهو في الواقع لايجسد إلا قوة عاطلة ، قوة سرابية لاقوة فيها ، قوة كاذبة خادعة مهشمة .
الملاحظة الثالثة : وهذه أخطر ما لديه ، هو لايدرك موضوع الظاهرة ، ولا العلاقة مابينها ومابين عللها أو علتها ، ولا حتى تقعيدها على أساس ما ، إنه يوصفها كما لو مواصفاتها هي أصل حدوثها ، فلو سألته عن ظاهرة الثلج لأجاب إن عواصف ثلجية شلت الحياة في بيروت في السنة الفلانية وإضطر السكان إلى كذا ، وإضطرت السلطات إلى طلب النجدة من دول الجوار . وفي الواقع يسأله مقدم الحوار في مقابلة التلفزيونية ، العربية ، ماعلة هذه الكارثة التي نحن فيها ، فيجيب من خلال وصف الحالة الكارثية التي تمر بها الدول العربية .
الملاحظة الرابعة : لإنه لايملك ذهنية الناقد ، ولا عقل الفيلسوف ، ولا منهجية التحليل والتركيب ، ولا بنيان الإطروحة ، فإنه لايميز مابين هذه الجملة وتلك ، فنجد جملة هنا وهي من المفروض أن تكون هناك ، أو جملة في الإطروحة الثامنة وهي من المفروض أن تكون في الإطروحة الثانية ، ونلاحظ ذلك حينما يتحدث عن تلك الأوهام الخمسة التي بها ينتقد المثقف .
ودعونا نورد هذا النص المذكور في مؤلفه أوهام النخبة أو نقد المثقف لنبين ملامح هذه الملاحظات الأربعة : يبدو من التبسيط والخداع والمثالية المفرطة ، إدعاء أي فاعل إجتماعي ، في أي قطاع مجتمعي ، إنه ممثل العقل ، أو الناطق بأسم الحقيقة ، أو الوصي على الحريات والحقوق ، أو المؤتمن على القضايا والمصالح ، على مايعتقد ويتصرف أهل الثقافة والكتابة أو أهل الإعلام والصحافة ، بدعوى إنهم يشتغلون بإنتاج المعرفة ونشر المعلومة ، أو بدعوى إنهم يمارسون النقد العقلاني والتفكير الموضوعي . مثل هذه المهام المعرفية والإعلامية ليست مدعاة لأصحابها لمصادرة الحقيقة أو لممارسة الوصايا على الحرية والهوية والأمة . إنتهى الإقباس ، قصيدة جميلة ، وموعظة مميزة ، لكن لامعنى لها في أساس المبنى والمعنى ، لإن هذه القضايا لابد أن تكون مرتبطة بأساسها الفكري ، أو العقائدي أو الديني ، وإلا لكانت موعظة أخلاقية ، وهي كذلك .
المقدمة الأولى : ينتقد علي حرب المثقف بإتهامه أياه ، أي إتهام علي حرب للمثقف بأوهام هي ، وهم النخبة ، وهم الحرية ، وهم الهوية ، وهم المطابقة ، وهم الحداثة ، وهم الحضارة ، تلك الأوهام التي شلت حركته الفكرية في الإبداع ، وسلبت منه إرادته في إنتاج المعرفة ، وأجبرته على الإختباء وراء مصطلحات معجمية ( كإن علي حرب يصف ذاته ) ، وحكمت على إطروحاته ومشاريعه بالفشل الأكيد . وهنا لابد من توضيح أربعة نقاط جوهرية ، تركز على فحوى مفردة الوهم ، دون النظر إلى كيفية طرح علي حرب لتلك المفاهيم الخمسة بصورة لاتخلو من المراهقة الفكرية ، النخبة ، الحرية ، الهوية ، المطابقة ، الحداثة ، الحضارة :
النقطة الأولى : من المؤكد إن مفردة الوهم تأتي هنا كمصطلح يعني تماماٌ إن موضوعاته ، النخبة ، الحرية ، الهوية ، المطابقة ، الحداثة ، تخالف حقيقة الواقع المقصود ، تنافي الجذور الفعلية للمجتمع محل الدراسة ، أي إذا قلنا بوهم الرأسمالية في المجتمع الصيني ، فهذا يعني تماماٌ إن الرأسمالية ليست حلاٌ للإشكاليات التي يشكو منها المجتمع الصيني ، وبالتالي فإن الذين ينادون بالرأسمالية يقوضون الأسس الفعلية للمجتمع الصيني ، بمعنى إن مشاكل الصين تنجم من وهم الرأسمالية .
النقطة الثانية : من المؤكد ، حسب تحليل أفكار علي حرب ، إن هذه الأوهام الخمسة سواء مجتمعة أو مفردة هي السبب الأصيل في تغييب الدور التاريخي للمثقف الحقيقي ، الأمر الذي يفضي إلى إنهيار المجتمع ، وبالتالي إلى هذه الحالة الكارثية المأساوية التي تعاني منها مجتمعاتنا .
النقطة الثالثة : ومن المؤكد إن علة تخلف مجتمعاتنا وإنهزاميتها وسقوطها في الحضيض ناتجة فقط وحصرياٌ من هذه الأوهام المذكورة ، وإلا كان من المفروض أن يذكرها علي حرب .
النقطة الرابعة : إن مفهوم التاريخ البنيوي لدينا ينحصر تماماٌ وجذرياٌ وكلياٌ في تاريخانية المثقف ، في معيارية المثقف ، فإذا أفاق الثاني أفاق الأول ، وإذا إغترب الثاني إغترب الأول ، فلا الإقتصاد ولا أي شيء آخر يستطيع ، حسب تحليل علي حرب ، أن يجسد دوراٌ تاريخياٌ في مجتمعاتنا .
المقدمة الثانية : يؤكد علي حرب إن النص القرآني ، القرآن ، ليس إلا نصاٌ ، نص أدبي ، نص شعري ، نص فكري فلسفي ، نص مثل أي نص . ويستطرد إن هذا النص ليس نصاٌ مقدساٌ من ناحية ، ومن ناحية ثانية ليس نصاٌ مرفوضاٌ ، أي لايقدس ولايرفض ، أي إن القرآن نص لايقدس ولايرفض . وهنا أيضاٌ لامناص من ذكر أربعة نقاط :
النقطة الأولى : أن لايقدس وأن لايرفض لايحدان بعضهما ، فلايقدس لايحد لايرفض ، ولايرفض لايحد لايقدس ، لإن كلاهما من حيث المبنى والتأصيل لايلزم أحدهما الآخر ، فهما ينتميان إلى مجالين متباينين ، وإلى مستويين غير متوازيين .
النقطة الثانية : إن معيار الأول لاعلاقة له بالمعيار الثاني ، والعكس صادق أيضاٌ ، مع الإدراك إن علي حرب لايعتمد ، ولايعي ، ماهو المعيار في الفكرة الأولى ولا المعيار في الفكرة الثانية ، وكالعادة فإن إطروحاته لاتتمتع بأي معيار ولا بأي تأصيل .
النقطة الثالثة : إن الإشكالية الكبرى تكمن في موضوع قاتل يقترفه كل الباحثين في المنطقة ومنهم علي حرب ، وهو المفارقة مابين الإسلام أي الإسلام الرسولي ، ومابين الإسلام الفقهي أو الإسلام الأصولي ، مع ملاحظة إن مايعاتبون به الإسلام الأصولي هو أقل حدة وأقل جريمة من الإسلام الرسولي ، ففي المرحلة الأولى كانت المأساة والكارثة والجريمة أعظم وأشنع وأبشع .
النقطة الرابعة : كون إن النص الإلهي لايقدس ، فهل هو ينتمي إلى طائفة الأوهام ، أي وهم الإسلام ، على غرار وهم النخبة ، وهم الحرية ، وهم الهوية ، وهم المطابقة ، وهم الحداثة ، أم إنه لاعلاقة له بهذا الموضوع ، مع علمنا إن أي وهم ، حسب أصوله في التأصيل الفكري لدى علي حرب ، من المفروض أن ينتمي إلى موضوع الشرط الثقافي ، وعلاقة الثقافة بشرط الوعي .
المقدمة الثالثة : ليس في عقله التركيبي ، إنما في عقله التراكبي المقلد يؤكد علي حرب إن لا أحد يقبض على الحقيقة ، لا أحد يمثل الحقيقة ولا يجسدها ، ولاهي معينة هنا ، ولا ثابتة هناك ، وهذه ليست نابعة أو وليدة من رؤية إنطولوجية وجودية ، ولا من برهان منطقي أو دليل ظاهراتي ، إنما هي رد فعل على تجربة إنكسار الأمة ، إنحطاطها وتخلفها ، فشل كافة المشاريع سواء من الجانب القومي والإشتراكي ، سواء من الجانب الإسلامي أو من الجانب الآخر ، جانب الليبرالي العلماني . وهنا أيضاٌ لامحيص من ذكر أربعة نقاط خاصة .
النقطة الأولى : لإنه يفكر بهذا المنطق ويعالج القضايا بعيداٌ عن روحها الفلسفي ، فهو يستخدم مصطلحات لا قيمة موضوعية لها ، مثل ما بعد الأسلمة ، مابعد الحقيقة ، ويستشهد بتجربة فوكوياما ومقولته ، نهاية التاريخ ، حيث وبالرغم من إنتقاد العالم كله لمفهومه هذا إلا إنه ، وحسب علي حرب ، قد أثار موجة من التفاعل الإيجابي ، وهو المطلوب المعرفي .
النقطة الثانية : ويستطرد علي حرب إنه لايبحث عن الحقيقة ، وهو ليس محققاٌ في هذا الخصوص ، إنما هو خالق للحقيقة ، خالق للحقائق ، فمن خلال نصوصه ، وغيره من الباحثين والكتاب والفلاسفة والشعراء ومن خلال نصوصهم وأفكارهم وإطروحاتهم ، هم يخلقون الحقيقة ، هي الفاعلون الأساسيون في منح الواقع وقائعه .
النقطة الثالثة : لايكتفي علي حرب بهذا الأمر ، ويؤكد في علاقة الحقيقة بالنص ، سواء أكان نصاٌ قرآنياٌ أم نصاٌ توراتياٌ أم نصاٌ إنجيلياٌ أم أي نص أدبي أو شعري ، إن النص يحتوي على أنماط مفتوحة من الحقائق لإنه يتخطى حدود الإطروحة الأصلية التي تختزله ، ليعانق مجموعة كبيرة من الأنساق ، تلك الأنساق التي تتناظر بالموضوعية مع تلك الحقائق المتفرعة عنه .
النقطة الرابعة : من الواضح إن علي حرب لايدري حقيقة مايقول ، فلو سايرنا منطقه هذا لأنصدمنا بنتيجة بشعة مؤتلفة من شقين ، الشق الأول قد يفسر النص بطرق مختلفة متناقضة تخلق إشكالية كبيرة ، مثال ذلك في موضوع الزنا في الإسلام فإن شروط التحقق منه مستحيلة بإعتراف كافة الشيوخ والفقهاء ، وشيوخ الإسلام يفتخرون بذلك زاعمين إن الإله قد تقصد من ذلك التستر على الجريمة ( موضوع الحلقة القادمة ) ، بينما التنويريون يستغربون من ذلك ويهتفون كيف يمكن لهذا الإله أن يتستر على هكذا جريمة مقيتة ، ويقولون إن هذا يدل على عدم وجود هذا الإله . الشق الثاني ثمة نصوص لاتصدق أبداٌ ، مثل إن الشمس تغيب في عين حمأة ، وطالما هي لاتصدق فهذا يعني ، إذا إستخدمنا مفردة الحقيقة ، إننا إزاء حقائق كاذبة وحقائق أخرى صادقة .
المقدمة الرابعة ، المقدمة الأخيرة : نود هنا أن نذكر هذه النقاط التي تحدد محددات الوعي لدى علي حرب ، وتبين مدى الإشكالية في ذهنيته :
النقطة الأولى : من الواضح إن علي جرب لايملك أية قاعدة معرفية ولا ركيزة فكرية لموضوعاته ، فكل ما لديه قوله : لابد من إبتكار أدوات معرفية جديدة ، ولايتقدم خطوة في هذا المجال ، فماهي هذه الأدوات ، لاتوجد ، لكنه ينوه من باب مضمر وخفي إلى مسألة المصطلحات ، مابعد الحداثة ، مابعد العولمة ، مابعد الأسلمة ، مابعد الحقيقة ، العقل التداولي ، وهذه مصطلحات مشوهة ، سنأتي لاحقاٌ إلى نقضها .
النقطة الثانية : وثم يلمح إلى مفهوم التفكيك ، والتركيب ، ثم إعادة التفكيك وإعادة التركيب ، لكن ذلك يصاب بالشلل التام الكلي لإنه لايتخطى قشور المفاهيم ، ولايستطيع أن يلج إلى التاريخ البنيوي لأسباب هذا الواقع المهزوم المنبطح ، لتلك العلل التي صادرت كل شيء في هذه المجتمعات .
النقطة الثالثة : في موضوع الهوية ، تمتعض أساريره من مفهوم الهوية الأحادية ، وتتفتق عند الهوية التعددية . ويؤكد علي حرب ، أنا كائن لايستغرقه أسم أو نعت أو رمز أو قناع ، إني أشعر إن لي ألف وجه ووجه ، بل إني أشعر إن نفسي مسرحاٌ لشخوص أجهل أقليمها ومضاربها . وهكذا هو بالفعل كائن فارغ وكهف خاو ، يقتات من الكوسموبوليتية البليدة ، مثله مثل طائر ملون مزركش يبيض ويبيض ، يبيض بيضات حمراء وأخرى خضراء وثالثة بنفسجية ، لكن وفي الأصل لا لون له ولا وجود لأية بيضات إنما أوهام يجترها ، وفي النهاية لاتبقى سوى مفردات تهجر ذاتها ، مفردات تستجدي المعنى والإفهوم على باب محراب مهجور .
النقطة الرابعة : ما الذي يجري في دماغ علي حرب سيما إنه ينتقد دون أن يؤصل للقكرة ، ويفكك دون أن يتمكن من قراءة بنية التاريخ ، لذا نود أن نذكر أربعة شروط ، وهي أكثر من ذلك ، تفيدنا في إدراك العلاقة الأصيلة مابين ما نصبوا إليه ومابين جذور الإشكاليات :
الشرط الأول : حين إستخدام المصطلحات من الجوهري التقيد المعرفي بمعناها التاريخي الفعلي ، العلاقة الأصلية مابين الدال والمدلول ، لكن هذا لايمنع ، ولايقيد الدفق التنظيري الفكري ، من إبتكار مصطلحات جديدة تحت شرط ، لامندوحة منه ، وهو التماهي والتماثل والتناظر والتوازي مابين المعنى والموضوع ، فأي خلل في هذا المبنى هو إفراغ المصطلح من أي محتوى فكري .
الشرط الثاني : في ميدان الإفهوم من حيث هو جوهر في ثلاثة مستويات ، مستوى ملامح وأصول النقد والتفكيك ، مستوى مصداقية تأصيل الفكرة مع محتوى ما يترتب عليه ، مستوى تحكم الخواص الموضوعية للإطروحة على ما قد يصنف لاحقاٌ بالخواص الذاتية للكاتب ، لابد ، وهو شرط الضرورة ، من توافق حدوث المعنى مع معنى الحدوث ، تحت شرط هو مدى التطابق مابين إمكانية الحدوث في المعنى ، وإمكانية المعنى في الحدوث ، كي لايتجاوز الباحث حقيقة الإفهوم .
الشرط الثالث : لابد من تقعيد التاريخ البنيوي حسب شروط البحث الموضوعي ، وإلا لتحول النقد والتفكيك إلى رؤية عرجاء ظلعاء ، إلى تصور تنظيري باهت التضاريس ممتقع الملامح ، الأمر الذي يقتل الصيرورة في أصل التحليل والتركيب .
الشرط الرابع : بعيداٌ عن تصورات ماركس ، لابد من علاقة تنتمي إلى الأصالة التاريخية مابين البنية التحتية ومابين البنية الفوقية ، وهو شرط الشروط ، لكي يغلق المجال أمام أية عملية قسرية ، أو أي دور للإرادة أو للرغبة .
نكتفي بهذا القدر ، رغم وجود أمور عديدة أخرى ، إذ كلها تتشابه في أساس بنائها ، ونعترض على هذا البناء بالآتي :
أولاٌ : في أساس موضوع وهم الحداثة ، لدينا ثلاثة مستويات ، مستوى محتوى الحداثة ، مستوى خاصية الواقع ، مستوى تصور المجتمع أو تصور المثقف عن محتوى الحداثة .
في المستوى الأول ، لابد من إدراك هذه الأمور الثلاثة ، الأمر الأول إن الحداثة ليست فرضية إيمانية ولا قضية عقائدية ولا مسألة إيديولوجية حتى تعالج بطريقة تنظيرية نظرية ، الأمر الثاني إن الحداثة تمتلك شرط الضرورة ضمن سياق مفهوم السمة التاريخية السائدة ، فلايستطيع أحد أن يقصي عن الواقع تلك الحيثيات الأساسية لمحتواها ، الأمر الثالث إن الحداثة تتمتع بإيجابية تامة إزاء كافة المجتمعات لذلك هي لاتبدي أية ممانعة ولاتلج إلى أية منطقة تناقضات . تطابقاٌ مع هذه الأمور الثلاثة من الجهل أن نتحدث عن وهم الحداثة .
في المستوى الثاني ، لابد هنا أيضاٌ من إدراك ثلاثة درجات تخص الواقع ، خاصية الواقع مع درجة الحداثة ، خاصية الواقع مع درجة الإمكان والشرط التاريخي لها ، خاصية الواقع مع درجة الفكر الإنساني وشرط الثقافة والوعي . ولإن خواص الواقع هي بهذه الصورة الحيادية الإيجابية ولإنها تتطابق من حيث الأصل مع تلك الإيجابية التامة للحداثة ، ولاتبدي الإثنان ، الحداثة والواقع ، أي تعارض أو تخالف فيما بينهما ، فمن الجهل أيضاٌ أن نتحدث عن إشكالية الواقع ، وبالنتيجة عن أي وهم يخص هذا المجال .
في المستوى الثالث ، لامحيض هنا أيضاٌ من ثلاثة أبعاد ، الفهم الخاطىء للحداثة وهذا أمر لن يصمد أمام درجة الحيادية والإيجابية في الحداثة . خوف الإيديولوجيات من فقدان السيطرة على الواقع وهذا يشكل موقفاٌ من الحداثة وليس وهماٌ في حدود تعريف علي حرب له . التخلف والشرط التاريخي في الوعي والثقافة وهذا لايلغي شرط الحداثة إنما قد يحدد درجة الحداثة . وهكذا فإن تصور المجتمعات أو موقفها من الحداثة لايستطيع إلا أن ترضخ لشرط الحداثة ، وبالتالي هذا لن يكون وهماٌ يكون هو علة الإنكسار والإنهزامية والضياع التاريخي .
لكن ما الذي جرى في ذهنية علي حرب ، لقد تعرض لثلاثة مغالطات تافهة :
المغالطة الأولى ، لقد إتهم علي حرب المثقف إنه يريد أن يستنسخ تجربة خاصة ، تجربة دولة بعينها ، تجربة مجتمع ما ، إستنساخاٌ تاماٌ ، كما لو إن الحداثة جلباب جاهز أو خطوات مبرمجة ، أو إعتقادات ثابتة ، ولو يدرك إن الحداثة ، وحسب تلك المستويات الثلاثة ، هي بحد ذاتها وفي حدود طبيعتها التي من المستحيل تجاوزها ، تجربة وتفاعل أكيد وخطوات تخص كل مجتمع بمفرده ، وتتطور أو تنتقل بصورة حيوية صريحة وواضحة من وإلى ، وبالتالي لايمكن لأي مثقف إلا إذا كان سخيفاٌ أن يضع الحداثة في قوالب جامدة أو أن يدعو إلى إستنساخ تجربة معينة إستنساخاٌ .
المغالطة الثانية ، لقد عمم شرط الوهم على كل المثقفين ، وهذه مغالطة تنم عن الجهل في فهم أصول المجتمعات ، وطبيعة المثقف ، وحالة التعارض الأكيدة في ثنايا شرائح المجتمع ، لإن المثقف في أي مجتمع كان ينتمي تعريفاٌ وفهماٌ إلى كافة شرائح المجتمع الموجودة ، ولايعقل أن يكون هذا الوهم ، في حال صدقه وهو كاذب بالمطلق ، هو شرط كل المثقفين .
المغالطة الثالثة ، لم يميز علي حرب من حيث المنطلق مابين نوعين من الوهم إن صدق التعبير ، وهم مجموعة معينة أو مثقف ما من موضوع ما ، والوهم الذي يرتبط ببنية الموضوع نفسه ، مثال على ذلك لو تقدم مثقف ما أو مجموعة بشرية ب : إن الإسلام هو حل لمشاكلنا أو إن الرأسمالية هي حل لمشاكلنا . فإذا إنتقدنا تصور ذلك المثقف ، تصوره الخاص ، عن كيفية إن الإسلام هو الحل أو إن الرأسمالية هي الحل ، فإننا ننتقد ذلك المثقف ، ويمكننا أن نلصق تهمة الوهم بالمثقف هذا إذا كان إنتقادنا في التحليل صادقاٌ ، وأما إذا إنتقدنا بنية الموضوع ، أي إن الإسلام ليس هو الحل ، الرأسمالية ليست هي الحل ، فإننا ننتقد المثقف والأصل ، ويمكننا أن نلصق تهمة الوهم بالأصل ، الإسلام أو الرأسمالية ، وبذلك المثقف .
ثانياٌ : وفي هذا الصدد نود أن نذكر مثالاٌ آخراٌ ، وهو وهم النخبة لدى المثقف ، الذي يتهمه علي حرب إنه نرجسي طوباوي منعزل إنزوائي ، يعاني من الغرور والتعالي ، ينزوي وراء مصطلحات معجمية ، بعيد عن الواقع ، فاشل عقيم ضحية لأفكاره ولذاته . من المؤكد إن هذا أجمل وصف لعلي حرب في وصفه لذاته ، وإذا ماصدقت هذه الفرضية ، وهي كاذبة بكيتها ، فثمة ثلاثة مغالطات فاحشة :
المغالطة الأولى : إن كل هذه النعوت تنتمي ، من زاوية التحليل والتركيب ، إلى البنية الفوقية ولاتمت بأية صلة إلى البنية التحتية إلا من سرداب التأثير المتبادل ، وطالما هي كذلك فهي لاتشكل أية علة لهذا الواقع المتشرذم اللاتاريخي .
المغالطة الثانية : إن كل هذه النعوت تنتمي ، من حيث التأصيل ، إلى مجال الأحاسيس ، والأحاسيس لايمكن أن تشكل قاعدة أو أن تكون قاعدة لتحليل موضوعي على غرار موضوع الوهم الذي يحاول علي حرب تبنيه قسراٌ .
المغالطة الثالثة : إن كل هذه النعوت ، من حيث المعنى والمفهوم ، لاتمنع ، ولاتستطيع أن تمنع ، المثقف من الإنخراط الجاد في حياة قومه ، كما إنها لاتمنع المثقف من رؤية القضايا ذات الطبيعة الخاصة بصورتها القريبة من الواقع ، كما إنها لاتمنع المتعالي المتعجرف والمنزوي أن يقدم تحليلاٌ مميزاٌ لإشكاليات الواقع ، كما إنها لاتمنعه من إستخدام وإبتكار مصطلحات جديدة صادقة مع نفسها ومضمونها ومعناها وإفهومها ، بعكس علي حرب الذي يستخدم مصطلحات عاقرة ، كماوراء الأسلمة وما وراء الحقيقة .
ثالثاٌ : في موضوع الإسلام ، الإسلام الرسولي وإسلام الفقهاء ، يؤكد علي حرب إن النص القرآني هو نص مثل أي نص أدبي شعري ، وإن هذا النص لايقدس كما إنه لايرفض ، الدعوة لاترفض ، كما إنه يميز مابين الإسلام في جذوره المحمدية ومابين الإسلام الفقهي التأويلي ، الأصولي والداعشي . في هذه الموضوعات الثلاثة لدينا ثلاثة مغالطات سخيفة :
المغالطة الأولى : لايجوز مقارنة النص القرآني بأي نص أدبي شعري لإنه يلزم الآخرين كديانة ، كأحكام ، كسلوك بشري ، ويحدد هوية كل العالم ، وهو نص إجباري التنفيذ ، فمن يبتغي غير الإسلام ديناٌ لايقبل منه ، دفع الجزية وهم صاغرون ، الآية الخامسة من صورة التوبة وإقتلوهم حيث ثقفتموهم ، فهل هذا نص مثل أي نص آخر .
المغالطة الثانية : أما من ناحية إن هذا النص لا يرفض ، فهل من المعقول أن ينتصر علي حرب ل- ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها ، أو ملكة اليمين ، أو إن إمرأة وهبت نفسها للرسول خالصة لك من دون المؤمنين ، فهل هذه دعوة لاترفض ، وفي صدد ذلك ثمة قصة خارج حدود العقل والمنطق والإنسان والطير والحجر والشجر ، إن الرسول قد دق باب إمرأة أسمها أسماء في عصر يوم ، فقال لها هب نفسك لي ، فقالت له وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ، وحدث ماحدث من شجار ، فرأى ذلك أحد تجار اليمن ، فقال له مالك يا رسول الله ، فقال لقد طلبت منها أن تهب نفسها لي فرفضت ، فقال التاجر عندي ماهو أفضل ، جمالاٌ نسبة غنى ، فقال ومن هي ، فرد عليه هي أختي ، فقال قلبت ، وبعد عدة أشهر مات الرسول ، ورجع التاجر مع أخته إلى اليمن بعدما سمعا بخبر الوفاة ، فهل يرضى علي حرب بذلك .
المغالطة الثالثة : كما إن التمييز مابين الإسلام الرسولي وإسلام الفقهاء ، الأصولي والداعشي وكل الإنواع ، فهو تمييز تافه لإن الإسلام الرسولي كان أبشع من إسلام الفقهاء ، حدثاٌ وعقيدة وسلوكاٌ وبطشاٌ وجريمة ، يكفي أن نذكر ماحدث في غزوة أوطاس ، يكفي أن نذكر ما جرى لبني قريظة ، يكفي أن نذكر ما جرى لصفية بنت حيي أبن الأخطب الزوجة منذ عدة أشهر ، بعد أن قتلوا أبيها وأخيها وزوجها ، يكفي أن نذكر قصة عائشة بنت أبي بكر ، فهل وهل .
رابعاٌ : في موضوع مايسمى إجحافاٌ بنقد الخطاب الديني ، أي الخطاب المؤول للنص القرآني أو ما يترتب على تلك العقائد ، وفي الواقع إن إنهزامية علي حرب وغيره من المفكرين العرب تكمن في إنهم ينتقدون الخطاب الديني ولايتجاسرون على نقد الخطاب الرسولي ، الذي هو أساس المبنى والمعنى لهذا الخطاب الذي يسمونه بالخطاب الديني المتشدد . إنظروا إلى خطاب إله الخطاب الرسولي ، ذلك الإله المنفعل الذي يشتم الآخرين ، تبت يدا أبي لهب وتب ، فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاٌ ، وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ، مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراٌ ، فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ، وهكذا هل ثمت إله عاقل متزن يلعن ويشتم مخلوقاته .
خامساٌ : في موضوع مفهوم مابعد الأسلمة ، ذلك المفهوم الذي يطرحه علي حرب جزافاٌ دون دراية ، دون فهم لشروطه ، شروط مفردة مابعد الشيء ، فإذا قلنا مابعد الأسلمة لابد من هذه الشروط الثلاثة . الأول أن يكون محتوى الأسلمة قد تجاوزه التاريخ ولم يعد قادراٌ على الإستمرارية . الثاني أن تحل محل خصائصه خصائص مرحلة جديدة . الثالث أن تنتمي هذه الخصائص الأخيرة إلى البنية التحتية وإلى ثقافة ووعي تلك المجموعة . فهل حدث ذلك ، أم إن الخطاب الرسولي ، وخطاب الفقهاء ، والخطابات الحديثة كلها تنتمي إلى أساس تأصيل مايسمى بالإسلام .
سادساٌ : في موضوع مابعد الحقيقة ، إضافة إلى المآسي في خامساٌ فإن مصطلح مابعد الحقيقة مضحك حتى مابعده ضحك ، ويكشف كم يعاني علي حرب من ضحالة الفكر ، فهذا المصطلح يعني إننا أدركنا الحقيقة وإننا دخلنا مرحلة مابعدها ، مع الإدراك ، إن علماء فيزياء الكوانتوم يعرفون جيداٌ إننا مازلنا في البدايات السخيفة الأولية لمفهوم الحقيقة ، وإننا بحاجة إلى ملايين من السنين لكي ربما نعثر على إضاءة تدلنا على الملامح الأولى لما يمكن أن يسمى بداية معرفية جديدة بهذا الخصوص ، لكن وللأمانة كان علي حرب ضحية فهم قاصر لما هو عليه الخطاب الرسولي والإسلامي إنه يقبض على الحقيقة ، فعوضاٌ أن يؤكد إن هذا الخطاب عقيم وعاقر ، زعم إننا تخطينا هذه الحقيقة إلى مابعدها ، وهذه كارثة أخرى .
سابعاٌ : لكي ننهي لا مندوحة من ملاحظتين :
الأولى : إن العلة الحقيقية لهذه الحالة الإنهزامية التفسخية تكمن بالضرورة في بنيان البنية التحتية ، في أساس البنية الثقافية والوعي المتماهي لها ، لذلك :
من جانب ، لو إستمر فكر أمية بن أبي الصلت وأقرانه ، أي فكر تلك الشخصيات المميزة ، لكان الشرق الأوسط الآن في قمة الحضارات العالمية .
ومن جانب ، إن ثقافة الخطاب الرسولي ، والخطاب الإسلامي ، هي العلة الحقيقية ، العلة الأولى والأخيرة لهذه الحالة ، حالة الإغتراب عن الإنسانية ، حالة الجريمة الفكرية ، حالة ذلك الإله الذي لايتورع إلى إرتكاب أبشع أنواع الجريمة ، ولما قضى زيد منها زوجناكها ، أو قصة ذلك الغلام الذي قتله سيدنا الخضر ، أو ملكة اليمين ، أو إمرأة وهبت نفسها للنبي ، لذلك ، وهذا هو شرط الضرورة ، لا محيص من التحرر من ثقافة الإسلام .
الثانية : يشبه علي حرب مصطلحاته بمصطلح فوكوياما ، نهاية التاريخ ، حيث إن هذا الأخير أثار ضجة عالمية ، وجدال لاحد له ، وينسى علي حرب إن فوكوياما حينما طرح هذا المفهوم إستند إلى تحليل عميق للتاريخ البشري ، للتجربة الإنسانية ، لإطروحات الفكر في ميدان الممارسة ، وكان يقصد التالي : إن الإنسان قد بلغ نهاية التاريخ ، ولايقصد النهاية الزمنية ، لإنه لايمكن أن يبتكر مقدمات أخرى جديدة ، فلا صيغة بديلة عن صيغة البرلمان ، ولاصيغة بديلة عن أساس موضوعة الإنتخابات ، ولاحياة مشتركة تغني عن الديمقراطية ، ولاتشكيلة تاريخية جديدة يمكن لها أن تحل محل التشكيلة الراهنة ، الرأسمالية ، وهذا هو الإنسان الأخير ، وقضايا أخرى . وإلى اللقاء في الحلقة الأربعين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا