الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد ميلاد عمر ... خارج الشرنقة

فاطمة ناعوت

2023 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




هذا المقالُ يكتبُه قلمُ "الأمّ"، لا قلمُ "الكاتبة". فاليومَ عيدُ ميلاد ابني الأصغر "عمر" الذي غادر شرنقة العُزلة منذ شهور قليلة، ليخرجَ إلى رحاب المجتمع ويحاولَ فكَّ طلاسمه المُلغزة، تلك التي لم يستطع بشريٌّ بعد فضَّ أسرارها. هذا أولُ عيد ميلاد لصغيري خارجَ سجن "الذاتاوية"، بتعبير البروفيسور أ.د. "أحمد عكاشة" عن "طيف التوّحد" ASD، لهذا يحقُّ لي أن أعتبره حدثًا مهمًّا يستحقُّ أن أكتبَ لكم عنه. صحيحٌ أننا لن نحتفل بعيد ميلاده بكعكة وشموع وبالوناتٍ وأغانٍ، كما يفعلُ الناسُ؛ لأن "عمر"، شأنَه شأن المتوحدين، ينفرون من الضجيج والصخب والزحام، ولا يحبون أبدًا أن يكونوا تحت بؤرة الضوء، ومن ثمّ يرفضون الاحتفال بأعياد ميلادهم، لكنَّ كلَّ فردٍ من أفراد أسرتي الصغيرة أضاء شمعة "عمر" في قلبه، واحتفل بعيد ميلاده، على طريقته الخاصة. “مازن"، ابني الأكبر، المهندس المعماري، اشترك مع زوجته الجميلة في البحث في شرائط الفيديو القديمة عن طفولة "عمر" وصنعا له فيديو صغيرَا لطيفًا نشرناه على صفحاتنا. والأصدقاءُ من قرائي الأعزاء رسموا لـ"عمر" بورتريهات جميلة. أما أنا فكتبتُ قصيدةً أُهديها إلى "عمر" في عيد ميلاده التاسع والعشرين، كما أهديها لكلِّ أمٍّ أهداها اللهُ طفلاً جميلا متوحدًا، ينظرُ إلى العالم من منظوره الخاصّ.
إلى عمر
أتوبيسُ المدرسةِ الذي لم تستقلّه/ يهمسُ لي بأنه حزين/ يفتقدُ صخبَك ونداءاتِك على الصحاب/ لحظةَ العودة إلى البيت.
مقعدُك في المدرسة/ الذي لم تشغله أبدًا/ أخبرني بأنه ظلَّ يخترعُ الحيلةَ/ تِلو الأخرى/ حتى يظلَّ شاغرًا/ في انتظارك/ عامًا بعد عامٍ إثرَ عام/ يأبى أن يُجلسَ عليه تلميذا غيرَك.
الكراساتُ/ والكتبُ المدرسية/ والأقلامُ/ والبرجلُ والمنقلةُ والمسطرةُ والمثلثُ/ والممحاةُ التي لم تعرف طريقَها إلى حقيبتِك/ وحقيبتُك/ التي لم نشترها لكَ/ من محل الحقائب المدرسية/ والزيُّ المدرسيُّ الذي/ لم يلامس جسدَك/ إلا عامًا وبعضَ عام/ والفصولُ التي لم تدخلها/ إلا قليلا
وروبُ التخرّج من الجامعة/ والقبعةُ/ التي لم ترفعها في نشوة/ لتلقيَها في الهواء/ مع قبعاتِ الصحاب/ يومَ التخرج/ نحو السماء.
ابنةُ الجيران/ التي لم تقف في شرفتها/ لتختلسَ النظر إليك/ ولم تلقِ لها قصائدَ الهوى/ في مشابك الغسيل.
كلُّها كلُّها/ جميعُها حزينةٌ/ تفتقدُ حضورَك/ وتبكي خساراتِها وضيعتَها/ كحزنِ أمٍّ/ ظل الدمعُ يطفرُ من عينيها/ كلَّ مساءٍ/ وتمزّقت أوتارُ أصابعِها/ وهي تعدُّ المساءاتِ الطويلةَ/ التي ما أشرقتْ فيها شمسٌ/ ولا طلَّ قمرٌ/ وما جرى ماءٌ في نهر/ ولا زادَ البناءُ عُلوًّا/ وما ازدادَ المعجمُ حروفًا ولا كلماتٍ/ إلا بقدر ما تقطرُ غيمةٌ بخيلةٌ/ على صخرةٍ جافّة/ قطرةً نحيلةً كلَّ عام.

لكن ابتسامتَك الرائقةَ الصافيةَ/ وأنت تقول: "بحبِّك يا ماما”/ تعادلُ الكونَ/ وما فيه/ وتُطلقُ ملاييَن العصافير/ من أعشاشِها.
***
كل سنة وأنت طيب يا "عمر"، يا حبيب ماما، وكل سنة وكل أطفال التوحّد في العالم، أجمل وأجمل، وكل أمهات أطفال "طيف التوحد" أقوى وأكثر صبرًا وكفاحًا، حتى يخرجن بأولادهن من شرانق العزلة، نحو الحياة.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah