الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دِينُ اَلطَّبِيعَةِ عِنْد - جَانْ جَاكْ رُوسُّو -

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 3 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يستطيع كلُّ منْ يقرأ أَعمال الفيلسوف والأديب الفرنسي جان جاك روسُّو " أن يعرف جيّدًا ، أنَّه لَا يُوجد أيّ كتاب له بعنوان " دين الفطرة ".
لكن هَذِه التَّسْمية اِبْتدعهَا المترْجم الإسْلاميُّ "عبد اَللَّه العرَوي" عوضاً عن عبارة " دينُ الطَّبيعة " اَلتِي وَردَت فِي أحد فصول كتاب " إِميل". وتلك عادة دأب عليها أكثر المترجمين العرب ، ولأسباب كثيرة (ذاتية وموضوعية)
في هذا الفصْل يُفصح " روسُّو " عن أفْكاره على لِسَان " كاهن سافويارْد "، حول دين الطَّبيعة الأولى للإنسان،
مُوَضحاً أنَّ الدّين هو مَيلٌ طَبيعي لِلفهم البشري، وَ أنَّ هذا الميل يُمكن إِشباعه بدون عَقائد دينيَّة أو سُلطَة لَاهوتيَّة .
ومؤكداً على أنَّ الدّين بعامة، يجب أن يَقوم على الاقتناع الدَّاخلي والتَّجربة الشَّخصيَّة تماماً، كما هُو مُستوحى من جمال وانسجام العالم الطَّبيعي من حولنا .
ثمَّ بَعْد ذلك يَنتقد روسُّو ( على لِسان رَجُل الدّين ) السُّلطة الدّينيَّة ، بِحجَّة أَنها تضع كثير من التَّرْكيز على الطُّقوس والشَّكليَّات الخارجيَّة ، ولا تلتفت - إِلَّا قليلا جِداً - إِلى فضاء الرُّوحانيَّات الشَّخصية .
لذَلك دعا "روسو" إِلى عَلاقَة أَكثَر مُبَاشرَة وَشخصِية مع اَللَّه ، مُسْتخْدمًا الطَّبيعة كوسيلَة لاخْتبار مَعرفة اللَّه . . . لأنها - أي الطَّبيعة - كتاب من بديع اللَّه وصنعه، وأنَّ دراسَته هي المفتاح الأصل ، لِفَهم حقيقة اللَّه ، وتحقِيق التَّنوير الرُّوحي.
الْحقُّ يُقال، أنَّ مثل هذه النَّظْرة الجريئة للدّين آنذاك، وبثَّ مثل هذه الرُّوحانية الفريدة في مناحي التَّفكير الإنساني، يمكن اعتبارها - بكل تأكيد - مثالاً بيّناً على حركة التَّنوير اَلْأَوسع ، اَلتي تُشجّع الإنْسان على اتِّباع تفكيره الذَّاتي، وتدعوه للاعتماد في تَدينه على التَّجربة الرُّوحية الشَّخصيَّة والتأمُّل، بدلاً من الأتباع الأعْمى للسُّلْطة الدينية التَّقليدية ونقل نصوص تفاسيرها للعقيدة.
بالطَّبع لَم ينجُ الفيلسوف "روسّو ، في حينها من سهام النَّقد والانتقاد،
حيث تمَّ نَقد الطَّريقة اَلتي قدّم بهَا أفْكاره ،
بِزَعم أنَّ حُججَه كانت مُتناقضة ، وغير مُتسقة منطقِيا ، سواء في وُجهة نظره حول الدّين والرُّوحانيَّات لَدى اللَّانْسان.. أو حِين رأى " أنَّ الإنْسان كَكائِن اِجْتماعيٍّ يَعتَمِد على الآخرين، لَكنَّه فِي الوقْتِ نَفسِه أسير الأعْراف والْقواعد الاجْتماعيَّة اَلتِي تَحِد مِن حُرِّيَّته وأصالته.. .
بِالنِّسْبة لِي، بدا مِن الواضح، أنَّ رُوسُّو فِي كِتابه " إِميل " لََا يُولي بالفعل سِوى اَلقلِيل مِن الاهْتمام لِلْأبْعاد الاجْتماعيَّة والتَّاريخيَّة لِلدِّين .
وهذا الأمْر هو اَلذِي دفَع بعضهم إِلى القوْل
إِنَّ أفْكاره تَبدُو فَردِية لِلْغاية ، وانْطباعات شَخصِية تَأملِية ، وأنَّ نظْرته لِلْمجْتمع الإنْسانيِّ مُفْرِطة فِي التَّبْسيط . .
لَا تَأخُذ فِي عين الاعْتبار الجوانب الاجْتماعيَّة لِلدِّين ، ودوْر المجْتمعات الدِّينيَّة فِي دَعْم التَّجارب الرُّوحيَّة .
لَكِنْ رغمَ ذلك تبقى أهمَّ الانْتقادات - فِي تقْديري - هِي فِيمَا يَتَعلَّق بِآرائه حَوْل العلاقة بَيْن الفرْد والْمجْتمع .
فَقْد أصرَّ رُوسُّو - فِي مُجمَل كِتاباته - بِأنَّ الإنْسان صَالِح بِطبيعته ، وطيِّب بِفطْرَته ، لَكِن المجْتمع هُو اَلذِي يُفْسِده ، وَهذَا الإفْساد هُو مِن يُؤدِّي بِالْإنْسانيَّة إِلى الظُّلْم وَعدَم المساواة .
بل وَوصَل بِه الأمْر ، فِي خِطابه المعنْون " حَوْل اَلعُلوم والْفنون " إِلى القوْل إِنَّ التَّقَدُّم فِي اَلفَن والْعلوم ، لََا يَعنِي فِي الواقع سَوَّى تراجعًا لِتلْك الفطْرة الطَّيِّبة فِي الإنْسان .
طبْعًا مع هذَا الرَّأْي المتهافتِ ، يمكن أن نُلَاحِظ بِوضوح، اِبتِعاد "رُوسُّو " عن مذهب فَلاسِفة التَّنْوير الآخرين بِشَكل كبير ، الأمر الذي أَتَاح - في زعمي - لِلْخصوم مُهَاجمَة أفْكاره ، وبالْأخصِّ قوْله، أنَّ العقْل لَيْس هُو السَّبب اَلذِي يُؤدِّي إِلى التَّقَدُّم ، بل القلْب و " الحالة الطَّبيعيَّة " لِلْإنْسان غَيْر الفاسد . بِمعْنى أنَّ الإنْسان - حسب زَعمِه - كان فِي البداية تمامًا ، يَحظَى بِحياة طَبيعِية هَادِئة . . عاش فِيهَا حُرًّا ومسْتقلًّا فِي ذَاتِه ، لَكنَّه بَعْد ذَلِك ، أَفسَد طبيعَته وَحَياتَه فِي النِّهاية ، بِالرَّفاهية والتَّقدُّم وَالعِلم .
وَهذِه الأحْجيَّة _ فِي رَأْي _ مَساوِقة غَيْر مَنطقِية ، وممالأة غَيْر مُوَفقَة ، لِلْفكْرة الدِّينيَّة السَّاذجة ، اَلتِي تَقُول إِنَّ كُلَّ شَيْء خرج جيِّدًا أو جاء حسنًا إِلى الطَّبيعة، لَكِن الإنْسان هُو مِن أَفسَده سواء بغرائزه أو بِعقْله وتقدُّمه وُو إِلخ .
قصارى القول :
على الرَّغْم من كُلِّ ما سبق، لَا بُدّ وأن نُقر بأنَّ بعض أَفكار روسُّو، كانت مُتقدمة جِدًّا وتنْويريَّة في عصرها ، وأنَّ هذا الفيلسوف الموسيقي اَلذي اِنحاز في جوهر مقُولَه إِلى حُريَّة الإنسان في التربية والتَّفكير ، كان مُفكراً من طراز رفيع ، ومُتأمّلا ذو تفكير مُعقَّد وعميق ،
وأنَّ رؤاه المتعدّدة الجريئة، استدعتْ _ بلا شك _ اَلعديد من التَّساؤلات المرهوبة حينها، وحرَّكت اَلكثير من الأفْهام الدُّوغمائيَّة . .
ولهذا تعتبر إنجازاته الفكرية -بالْفعل - بصمة مُؤثرة للغاية، في تَاريخ الفكر والْفلْسفة، أَثارت - ومازالت - اَلكثير من النّقاش والتَّفكير والمستنير .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات