الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرار إلى الله والفرار منه

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2006 / 10 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإنسان ذلك المخلوق المليء بالإدراك والتمييز والحرية والاختيار والطاقة والحركة والانطلاق والسيطرة والتسخير والبحث والإبداع والعبقرية، هل هذه المزايا التي حظي بها الإنسان من بين جميع المخلوقات جعلته يعرف أصله؟ أو من أين أتى؟ ولماذا أتى؟ وإلى أين يمضي؟ هل عرف هذا الإنسان نفسه؟ وهل فهم نفسه؟ وهل عرف لماذا هو هنا فوق سطح هذا الكوكب؟ وهل عرف لماذا جاء أو جيء به؟ وهل عرف إلى أين يصير؟ وهل يهمه أو يفيده في شيء أن يعلم كيف جاء؟ ولماذا جاء؟ وإلى أين يصير؟ وهل يضره شيء لو لم يعلم؟ وهل يضره شيء لو علم؟ وهل ينتفع بشيء لو علم؟ وهل ينتفع بشيء لو لم يعلم؟ وهل تلك المزايا التي حصل عليها أدخلت إليه الغرور؟ أم أن تلك المزايا وجدت لاختباره؟ وبالتالي هل هو مغرور ممتحن؟ وهل استمد غروره من حريته؟
إن أجوبة كل هذه الأسئلة قد قادت الإنسان حتما إلى الاعتراف في بادئ الأمر بأن هناك إله خالق للإنسان وللكون من حوله، ولكن الناس انقسموا إلى قسمين رئيسيين هما:

# القسم الأول: الفارون إلى الله:
هؤلاء القوم آمنوا بالله بالوراثة، صدقوا بأن هناك إله خلقهم ورزقهم وأنهم سيعودون إليه بعد الممات ليجازيهم على إحسانهم بالجنة ويعاقبهم على إساءتهم بالنار, ثم جعلوا الله متكئهم وسندهم وملجأهم , لا يهتمون بشيء في الحياة لأنهم يعتقدون أن الله يمدهم بالطعام والشراب والأموال وهم نائمون في بيوتهم على فرشهم, لا شيء يزعجهم لا شيء على الإطلاق، فهم يرددون ليل نهار مفرداتهم المعهودة: خليها على الله – اللي عايزه ربنا هيكون – ربنا عايز كده – اللي من نصيبك هيصيبك – كله على الله – ربنا الرزاق – كله بإرادة الله – اجري بابن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش – ربك يفرجها – محدش يقدر يمنع إرادة الله – ربك مش رايد – ارمي حملك على الله – محدش بياخذ غير نصيبه – هذا أمر الله.

فألقوا بباب الله بلواهم وآمالهم وعجزهم وكسلهم وتخلفهم وجهلهم وفشلهم وسقوطهم وتراجعهم وخذلانهم وضعفهم واستسلامهم وخنوعهم وذلهم, ومنذ أن خرجوا إلى الحياة وهم منتظرون أن تفتح لهم أبواب السماء فتهبط عليهم البركات, أو تنشق لهم الأرض فتخرج لهم الخيرات, فهم منتظرون حتى الممات, فالله لديهم يحب المرض والمرضى، والفقر والفقراء، والمسكنة والمساكين، والحاجة والمحتاجين، والذل والمذلولين، والجراح والمجروحين، والعزلة والمنعزلين، والانكسار والمنكسرين، والهم والمهمومين، والحزن والمحزونين، والإفلاس والمفلسين.
فهم واثقون تمام الثقة بأن هناك إله خالق لهذا الكون ومدبر له وإليه سيئول مصير الخلائق حتما وأنهم سيموتون، فإن لم يحظوا بالنعم والخيرات والمناصب والأموال في هذه الدنيا فحتما سيحظون بها بعد الممات لأنهم صبروا على الفقر والمرض والذل والحاجة!!. ولما لا؟ والله كما يرونه له المشيئة المطلقة والإرادة المطلقة ونحن البشر ليس لنا من الأمر شيء سوى التقلب بين إرادة الله ومشيئته.

# القسم الثاني: الفارون من الله:
أما هؤلاء القوم فهم أنفسهم أولئك القوم الفارون إلى الله، لكنهم سئموا طول الانتظار وملوا من الوعود التي لم تتحقق ومن الرزق الذي لم يأت , لقد ضاقوا ذرعا من الفقر والعجز والإفلاس والحاجة والذل والمسكنة والمرض والانكسار والهم والحزن, ولم يجدوا أبواب السماء وهي تفتح لهم لتهبط عليهم البركات ولم تنشق الأرض فتخرج لهم الخيرات , لم يغنهم إيمانهم بالله من فقر، ولم يشفهم من مرض، ولم يعزهم من ذل، ولم يجبرهم من كسر، ولم يمسح إيمانهم عن قلوبهم الهم والحزن, فقرروا الفرار من الله الذي لم يروا منه شيئا ماديا تلمسه أيديهم، وتراه أعينهم, فلم يأتهم منه ما يملأ بطونهم ويضخم جيوبهم أو يدفع عنهم الفقر والمرض والذل والحزن والهم.

فآثروا الهروب من أجوبة الأسئلة القديمة الجديدة (من أين جئنا؟ ولماذا جئنا؟ وإلى أين المصير؟) وآثروا السلامة (أحيني اليوم وأمتني غدا)، (وعصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة)، لأنهم يوقنون حتما بأنهم سيموتون.
فقالوا ماذا يضيرنا لو كان هناك خالق أم لم يكن؟
فإذا كان هناك خالق فلماذا لم نره؟
ولماذا لم يأت إلينا أو يأخذنا إليه لنتعرف عليه أو يعرفنا بنفسه؟
فلو رأيناه وتأكدنا منه حقا لآمنا به وصدقناه وأطعنا أوامره.
لو كان هناك إله حقا فلماذا أخفى عنا ذاته؟
لماذا أرسل إلينا رسلا وأنزل علينا كتبا؟
لماذا تركنا نختلف فيما بيننا ويقتل بعضنا بعضا؟
لماذا خلق أناس وهو يعلم أنهم سيعذبون؟ ولماذا خلق آخرين وهو يعلم أنهم سينعمون؟
هل هو بحاجة إلينا؟ وإذا لم يكن بحاجة إلينا فلماذا خلقنا؟
نحن لا يهمنا من أين أتينا ولا إلى أين نذهب, ما يهمنا هو كيف نعيش وكيف نأكل ونشرب ونحيا ونستمتع ونخلق الرخاء في الحياة لنا ولغيرنا.
نحن لسنا بقاصرين حتى نحتاج إلى إله ينظم لنا حياتنا أو يعلمنا كيف نعيش, فنحن نستطيع أن نضبط أمورنا بأنفسنا وننظم حياتنا وفق ما ترتئيه عقولنا ونحن قادرون على توفير الأمن والعدل والرخاء لجميع الناس.

فهل حقق هؤلاء القوم ما فروا لأجله؟
هل قضوا على الفقر والمرض والذل والحاجة والحروب والدمار والخراب في العالم؟
هل أقاموا العدل حقا في العالم؟
هل قضوا على الظلم في العالم؟
هل منعوا أنفسهم من ظلم الناس أو من ظلم بعضهم بعضا؟
هل استطاعوا أن يكفوا أيديهم عن سفك دمائهم ودماء غيرهم؟
هل من ضمانة لعدم الاختلاف والاقتتال فيما بينهم في المستقبل؟
هل تخلصوا من القوة المدمرة المعلقة على رأس العالم والمهددة له بالفناء؟
هل وجدوا ضالتهم بالفعل؟
هل سيدوم نظامهم؟

وأخيرا أليس من الممكن أن يكون في الناس قسم ثالث؟ ويا ترى من يكونوا وكيف هم؟؟؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلمون يؤدون -رمي الجمرات- أثناء الحج


.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و




.. 61-An-Nisa


.. 62-An-Nisa




.. 63-An-Nisa