الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله و الإنسان: من -الجَدل- في فلسفة هيجل، إلى -الدَجَل- في فلسفة فويرباخ

عادل عبدالله

2023 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الله و الإنسان: من "الجَدل" في فلسفة هيجل،
إلى "الدَجَل" في فلسفة فويرباخ

" ليس فويرباخ، سوى نبيٍّ كاذب، أخلاقي يقودُ الأفراد إلى عبوديةٍ جديدة، هي إنكارٌ جديد للذات"
– ماكس شتيرنر-



مقدّمة الكتاب:
" هل يستحقّ فيلسوفٌ شبه مغمور، عناء تأليف كتابٍ جديد عنه؟"
هذا ما قاله لي صديقٌ مقرّب، بعد أنْ أخبرته أنني عازم على تأليف كتاب عن فويرباخ.
أمّا إجابتي له، عن السبب في تأليفي هذا الكتاب عن فيلسوف شبه مغمور، فكانت: لو كان الأمر يتعلّق بفويرباخ وحده، أعني بفلسفته التي تم له الاعلان عنها - كلّها تقريبا - في كتابه "جوهر المسيحية " فأنا أوافقك الرأي، أعني أنّ هذا الرجل لا يستحقّ أيّ جهدٍ معرفي مبذول من أجله.
غير أنّ الأمر يا صديقي، أعظم من هذا، أدهى و أمرُّ و أخطر بكثير، ذلك لأن "فكر فويرباخ" إذا ما أردنا له فهماً صحيحا كاملا، يستدعي بالضرورة، دراسة الأصول الفكرية التي نبتْ فيها فرعه المعرفي، أعني التعرّف على دوحةَ هيجل العملاقة، الشجرة التي جحد هذا الفرع العاق نعمتها عليه، متنكراً لفضلها العظيم، و متوهما قدرته على الوقوف ضدّاً عليها، قادراً كما سوّغتْ له نفسه، على مواجهتها و النيل منها، في طموح مسعور لاقتلاعها من الجذور، و تنصيب فرعه الهزيل بديلا معرفياً ينبغي لكل فلسفة قادمة ان تشتق مبادئها منه وحده، و دونما حاجة للرجوع الى تلكم الشجرة – الأصل، كما أعلن هذا الشاب المتمرّد في أكثر من مناسبة عن ذلك.
معنى هذا كله يا صديقي، أنّ بحثي – بعد إثباته الفريد لانتحال فويرباخ لأفكار فلسفته كلّها من هيجل - سيجيب عن سؤال مهم مفاده: هل يمكن لطالبِ فلسفةٍ شاب، درس الفلسفة و اللاهوت لبضعة سنوات فقط، أنْ يتحدى بزاده المعرفي القليل هذا تاريخَ الفلسفة كله، التاريخ الذي كان حاضرا نابضا بالحياة في شخص هيجل؟ هل يمكن لعقوق إبن فكري أن يتمرّد على تعاليم أبيه بالغ الكمال و الحكمة؟ و ما هي النتائج التي يمكن للإبن الحصول عليها في تمرّد غير متكافئ على سيّده، في نهاية المطاف؟
ليس هذا فحسب يا صديقي، أعني: ان دراستي لفويرباخ، لا تتعلق أبدا بدراسة طروحاته الخاصة به وحدها، فمثل هذا المطلب سهل، بسيط و مشاع لمن أراد ذلك، و معنى هذ أنها تتعلق أيضا - و بمقدار أكثر أهمية بالتأكيد - بتمهيد فلسفته لفكر ماركس " الفلسفي"، الفكر الذي اتخذ من تعاليم استاذه فويرباخ، كل مستلزمات نقده للدين، مردداً على نحو مطابق مضمون عبارته الشهيرة " ان الانسان هو الذي خلق الله " لكن بعد رفعها الى منزلة اجتماعية و الباسها ثوبا عاما، استدعته فلسفته السياسية و الاقتصادية، لتصبح " الدين أفيون الشعوب"
و هو الأمر نفسه، ذلك الذي حدث مع عالم النفس فرويد، بإعلانه في أكثر من مؤلّف له: أن الله مجرد وهم من أوهام النفس البشرية.
الأمر الذي يعني أنّ دراسةً رصينة لفكر فويرباخ، لا بدّ لها من أنْ تمتد لتشمل طروحات ماركس و فرويد المتعلقة بنقد الدين، كما أشرتُ في أكثر من مناسبة لذلك.
همّ صديقي بقول شيء ما، غير أنني بادرته بالقول: حسناً، انت تعرف المقولة الشهيرة لفويرباخ، المقولة التي يُعزى اليها وحدها السبب في ضمّه الى قائمة الفلاسفة، و هي " إنّ الإنسان هو الذي خلق الله " لكن، هل أنت على بيّنة يا صديقي، من أنّ هذه المقولة نفسها، بكلماتها ذاتها، و بوصفها نتيجةً لمقدمات و اسباب سابقة عليها، هي مقولة قد سبق لعدد من الفلاسفة و الشعراء قولها من قَبلُ، و على نحو حرفي!! لماذا إذن كانت المقولة هذه مهمةً و عظيمة، ذائعة الصيت، و مُحتفى بها على الدوام في فلسفة فويرباخ، و لم تحظ هذه المقولة ذاتها بأية أهمية تُذكر، حين قالها ذلك الجمع من المفكرين و الشعراء من قبله؟
أمّا الأهم من ذلك كلّه يا صديقي فهو: إنّ عدداً لا يحصى من الناس، في عالمنا العربي - الاسلامي، و في العالم الغربي على حدّ سواء، ما زالوا يرددون بطريقة عفوية – غير أنها حازمة و واثقة مما تقول – يرددون ما سبق لفويرباخ قوله " إن الإنسان هو الذي خلق الله " بوصف هذا القول مبرّرا كافيا، جامعاً لسبب إلحادهم، مع التأكيد أنهم لم يسمعوا بإسم فويرباخ حتّى، مما يعني: أنّ تعرّفهم على مضمون هذه المقولة قد تسلل إليهم من خلال قراءتهم لفكر ماركس السياسي، او علم النفس الفرويدي فحسب. غير أنّ أحداً من أولئك الناس البسطاء لم يجهد نفسه في البحث عن صحة و استقامة هذه المقولة، أعني أنهم لم يجهدوا أنفسهم في قراءة النقد الفلسفي الذي عمل بكل حرفيّة و دقة منطقية على بيان تهافتها و سخفها أحياناً. و من هنا فقد عملت في كتابي هذا على جمع كمّ هائل من تلك الدراسات الفلسفية التي وضعتْ نصب عينها مواجهة فلسفة فويرباخ عقليا و لاهوتياً و منطقيا و نفسيّا، لبيان تهافت معنى العبارة، و استحالة التصديق على نحو جاد بمضمون فلسفة فويرباخ التي توزعت بين عبارته الشهيرة، و اسباب قولها، و نظريته في الاسقاط، و تعامله مع اللاهوت بوصفه انثربولوجيا.
ثم هل خطر في بال أحدٍ من الباحثين، أن فلسفة فويرباخ كلّها، الفلسفة لتي لا تقول – في حقيقتها - سوى عبارتين اثنتين فقط، هما: إنّ الله ليس سوى إسقاط لرغبات النفس البشرية، و أنّ اللاهوت هو انثربولوجيا، أقول هل خطر في بال أحد من الباحثين الذين تعاملوا مع فلسفة فويرباخ – معها أو ضدّها – أنّ جميع مقدمات هاتين العبارتين موجودة في فلسفة هيجل من قبلُ، و أنّ هيجل قد عمل بالفعل على نقدهما و بيان عيوبهما الفكرية، محذّراً من النتائج المضللة لهما؟
هنا ابتسم صديقي و قال لي: لقد أثرتَ بي كثيراً من الشوق و الحماس لقراءة بحثك الجديد هذا، متى سيصدرُ كتابك؟
قلتُ: قريباً ستقرأ تفاصيل حوارنا هذا في مقدمة الكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط