الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 16 – جان دارك

محمد زكريا توفيق

2023 / 3 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثالث والعشرون.

شارل السابع، 1422-1461.


بالرغم من أن بداية عهد شارل السابع، تحسب من تاريخ وفاة الأب التعيس شارل السادس، إلا أن الرضيع هنري، ابن أخته كاثرين وهنري الخامس ملك إنجلترا، هو الذي تم تنصيبه ملكا لفرنسا، وتم الاعتراف به في جميع أنحاء البلاد. وأصبح عمه، دوق بيدفورد، وصيا عليه.

في نفس الوقت، أعلن الأرماجناك أن شارل السابع، هو ملك فرنسا، وأطلق معظم الناس عليه لقب "دوفين"، أي الوريث. وآخرون، أطلقوا عليه لقب ملك بورجيه. لأنه عاش في تلك البلدة الصغيرة.

لم تكن أمور الحكم تهم شارل السابع، وكان يفكر فقط في تسلية نفسه يوما بعد يوم. وكان يذهب في بعض الأحيان إلى اسكتلندا، تاركا كل شيء تحت سيطرة الإنجليز.

لكن دوق بيدفورد، الوصي على الملك الطفل، كان مصمما على المضي قدما. فأرسل إيرل سالزبوري لحصار أورليانز. لكن المواطنين دافعوا عن المكان بشجاعة، وقتل إيرل سالزبوري، بعد إصابته بطلق ناري في الحلق، عندما كان يتفقد بعض المواقع.

بعد فترة وجيزة، تم إرسال بعض عربات المؤونة إلى المحاصرين في أورليانز. لكن، قام مجموعة من النبلاء الفرنسيين بالتعرض لهذه الشاحنات، وجاء الإنجليز للدفاع عنهم، وكانت هناك معركة كبيرة، عرفت باسم معركة الرنجة. لأن العربات كانت تحمل بشكل رئيسي أسماك مملحة، تؤكل أثناء الصوم الكبير.

استمر الحصار، لكن حدث شيء رائعة للفرنسيين. في صيف عام 1425، جاءت فتاة صغيرة تدعى جان دارك. عندما كانت في حديقة والدها الصغيرة، اعتقدت أنها قد رأت الملاك ميخائيل والقديسة كاثرين والقديسة مارجريت، وهم يطلبون منها المساهمة في إنقاذ بلدها من الإنجليز، والمساعدة على تتويج الملك شارل السابع في ريمس.

في البداية، لم يصدقها أحد. لكنها كانت جادة. سمع عنها شارل أخيرا، فطلب رؤيتها. قابلها الملك، في ضوء المشاعل، وهو يقف وسط العديد من النبلاء الذين يرتدون الملابس الأكثر ثراء.

لكن عرفته جان دارك في الحال. وعندما أخبرته بأشياء لا يعرفها أحد غيره، بات متأكدا أنها مكشوف عنها الحجاب، تأتيها أصوات علوية مقدسة.

هذه الأصوات طلبت منها الذهاب إلى ضريح سانت كاثرين، للحصول على السيف المقدس، وقيادة الجنود الفرنسيين، لطرد الإنجليز من أورليانز.

لم تشترك مباشرة في القتال، بل كانت تقود فقط الفرنسيين الذين كانوا يثقون بها، ويتبعون أوامرها عن طيب خاطر.

من ناحية أخرى، اعتقد الجنود الإنجليز أنها ساحرة، فولوا الأدبار وهربوا وهم في حالة فزع ورعب، تاركين قادتهم الذين وقفوا بحزم، وهم ينتظرون الذبح.

هكذا، نجحت جان دارك في الدخول إلى أورليانز وفك الحصار المضروب عليها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تسمى خادمة أورليانز، وبدا أن النصر كان يتبعها أينما ذهبت.

كانت تقاتل باسم السماء، وفعلت كل ما في وسعها لكي تجعل أتباعها مقدسين وصالحين. تقوم بتوبيخهم عندما يستخدمون لغة بذيئة أو خارجة عن اللياقة.

أخيرا، احتفلت بفتح الطريق إلى ريمس. وهي المدينة التي توج فيها جميع الملوك الفرنسيين، منذ بداية الملوك الميروينجز.

بعد أن رأت شارل السابع، وهو يتوج ملكا على فرنسا، طلبت العودة إلى بلدتها ومنزلها. لكن لم يسمح لها الملك ومجلسه بذلك، لأنهم كانوا في حاجة إليها، لرفع الروح المعنوية للجنود الفرنسيين، وكان مجرد وجودها يثير الرعب في قلوب الإنجليز.

لكن، كل هذا ذهب هباء. ولم يعد القادة الفرنسيون يثقون بها، بعكس الجنود الذين لا زالوا يفعلون. وفي كومبين، أغلق المحافظ البوابات، وتركها في الخارج لكي تقع أسيرة في أيدي البورجنديين. الذين قاموا بسجنها لفترة طويلة، أولا في بورجوندي، ثم في روين.

ثم تمت محاكمتها أمام الأساقفة البورجنديين بتهمة الهرطقة، وقرروا أن الأصوات التي تأتيها، هي من أوهام الشيطان، وأن انتصاراتها هي من عمله.

لذلك، يجب أن تحرق كساحرة. لكن، ويا للعار، لم يحرك شارل السابع إصبعا لإنقاذها. فتم حرقها عندما كانت تبلغ من العمر 19 عاما، على الوتد حتى الموت، في سوق روان.

أذن البابا كاليستوس الثالث، بعد خمس وعشرين سنة من إعدامها، بإعادة النظر في محاكمتها من قِبل لجنة مختصة، التي قضت ببراءتها من التهم التي وُجّهت إليها، وأعلنت بناءً على ذلك أنها شهيدة.

وفي عام 1920، تم إعلان أنها قديسة، وتعتبر إحدى القديسين الشفعاء لفرنسا، إلى جانب القديس مارتين، والقديس لويس التاسع، وغيرهما.

كان شارل السابع يقضي وقته في ممارسة تساليه المفضلة، الواحدة تلو الأخرى. لكن، كانت هناك روح الشجاعة تسري بين فرسانه ونبلائه. أقدرهم، هو آرثر، كونت دي ريتشمونت، وشقيق دوق بريتاني، وكونستابل فرنسا.

مع ازدياد قوة الفرنسيين، كان الإنجليز يزدادون ضعفا وأقل حكمة. دوق بورجندي، شعر بالخطر، فصنع السلام مع ملك فرنسا. ثم توفي دوق بيدفورد بعد فترة وجيزة في روان، بعد أن أنهكته الهموم والمتاعب.

استعاد شارل، الملك الفرنسي، سيادته شيئا فشيئا وخطوة خطوة. وعندما بدا في الأفق أنه يكسب قضيته، تخلص من تردده، وجاء شخصيا لتلقي ولاء باريس، ثم قام باستعادة نورماندي من الإنجليز.

لكن، لم تنته حرب المائة عام أخيرا حتى عام 1453، عندما قام الفرنسيون بالاستيلاء على بوردو. حرب المائة عام، هي التي بدأها إدوارد الثالث عام 1337.

لم يكن شارل السابع شخصا أحمق على الإطلاق، عندما اختار، بعد انتهاء حرب المائة عام، أن يضع أفراد جيشه تحت قواعد صارمة، بدلا من أن يقوم بتسريحهم وقطع مرتباتهم. فعل ذلك حتى لا يتحولوا إلى عصابات مسلحة. وفي نفس الوقت، وجودهم إلى جواره، يجعله يبدو قويا.

لكن، كان النبلاء الفرنسيون غاضبين جدا، وأعلنوا شق عصا الطاعة، وانضم إليهم ابن الملك، ووريث العرش، دوفين لويس، اعتقادا منه أن ذلك سيسبب مشكلة لوالده. لكن، عندما وجد أن والده الملك، أقوى بكثير من المتمردين، جنح للسلام، وتركهم لمصيرهم.

كان الملك، شارل السابع، رجلا مزدهرا، محبا للسلام. في الكنيسة أيضا، كان هناك سلام. في المجلس الذي عقد عند بحيرة كونستانس، عام 1415، بابا روما ومنافسه بابا أفينيون، تم إجبارهما على الاستقالة، وتم انتخاب بابا واحد جديد يكون مقره روما.

حدث ذلك بعد أن كان قد انتشر قدر كبير من الشر، خلال فترة الانشقاق العظيم للكنيسة، والذي لم يكن قد تم علاجه، بل كانت الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم. لأن الدين، إن لم يتم تدريسه بشكل صحيح، فمن المؤكد أن الأمور سوف تصبح خارج السيطرة وأكثر سوءا.

جاك كور، التاجر الفرنسي، وأحد مؤسسي التجارة بين فرنسا وبلاد الشام، بعد نجاحه في التقرب من ملك فرنسا، شارل السابع، تم تعيينه على رأس خزانة المال عام 1436، لينطلق في العديد من المبادرات التجارية والصناعية، ويجمع منها ثروة طائلة سمحت له بمساعدة الملك شارل السابع، في استعادة أراضيه من الإنكليز.

لكن نجاحه الرائع جلب له المتاعب، فقد نجح خصومه ومدينيه، ومنهم الملك نفسه، في اتهامه بعدة أشياء سخيفة. ثم قاموا بتجريد هذا الرجل العظيم من جميع ممتلكاته، وأدخلوه السجن عام 1451، ليهرب منه عام 1454، ويموت في المنفى عام 1456.

لقد أنصف التاريخ اسم شارل السابع جيدا. لكن، كانت أسوأ خصاله، هي برودته وعدم امتنانه. وكان ابنه ووريث العرش لويس، يكرهه، ومستعدا لفعل كل ما في وسعه لإثارة غضبه.

بعد العديد من المشاجرات، هرب لويس من البلاط، وسأل حماية فيليب، دوق بورجندي. الذي صار أروع وأفخم الأمراء الأوروبيين في ذلك الوقت، وكان يأمل في جعل نفسه أو ابنه ملك البلدان المنخفضة.

عاش شارل السابع في خوف مستمر من هذا الابن العاق وأخيرا، تخيل أن لويس ابنه يريد وضع السم له. فرفض تناول أي طعام أو شراب، حتى فقد قوة البلع.

وبالتالي، مات هذا الملك البارد القلب الناكر للجميل بائسا. الوفاة، كانت في عام 1461. وكانت طباعه الباردة، جعلت الجميع أكثر إعجابا بالرائع والسخي، دوق بورجندي، الذي كانت ثروته وليبراليته، حديث الجميع.

عن طريق والدته، ورث الدوق عرش فنلندا وكل مدنها الصناعية، وهولندا وكل مدنها التجارية. وكان بلاطه هو الأفخم والأجمل والأكثر رفاهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل