الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أسباب التخلف: تحريم علم الأديان

عبد الرحمن علي

2023 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلم - أي علم - مقدس بالفطرة والعقل والبديهة والوهلة الأولى، حتى أن النص القرآني حث عليه، وتبرأ رجل الدين المسلم من مجابهته كما فعلت الكنيسة، ولكن هذه دعوى كاذبة، لأن العقلية الدينية هي التي تحكم العالم العربي على مستوى القانون والتعليم وكل شيء.
على سبيل المثال: هل هو مسموح دراسة علم الأديان في الجامعات؟
علم الأديان هو علم معني بدراسة أنثروبولوجيا الدين، تاريخه الإنساني، وبحثه كعلم إنساني داخل ضمن التاريخ البشري والتجربة البشرية. ويفرق فيورباخ بين جوهر الدين الذي يمكن العثور عليه وفهمه من خلال دراسته أنثروبولوجياً، وبين الأسطورة التي لا تمثل جوهر الدين.
والسائد حالياً هو الأسطورة والقصة التاريخية والعقلية القديمة الوثنية، التي تسللت إلى الأديان التوحيدية. وبالتالي فبحسب علم الأديان: لا توجد تفرقة حقيقية بين الأديان الوثنية والأديان التوحيدية، ويرى الباحث الدكتور خزعل الماجدي أستاذ علم الأديان بجامعة ليدن أن الأديان كلها هي حلقات متصلة ببعضها ومتسلسلة تسلم كل حلقة للتي بعدها، ولا يخرج الإسلام بأي حال من الأحوال عن هذه السنة التاريخية، بل قد يكون من أكثر الأديان نقلاً عمن قبله.

فمن أين جاءت الفكرة المعاكسة لهذه الحقيقة؟ وهي تلك السائدة في التدين الشعبي وتدين الطبقة المثقفة على السواء: أن الإسلام هو الوحيد النقي، وأن ما سواه محرف و"غشاش" إلا الإسلام فهو يملك حقيبة دبلوماسية ومعه حصانة.
هذه الفكرة الإستعلائية هي نتيجة التعتيم والتجهيل من خلال منع علم الأديان الخطير على العقل العربي المغرم بالمقدس والتقديس ومشتقاته ومرادفاته، بزعم أن هذا العلم يمس المقدسات (بالفحص والتشريح والنقد الأعلى).
إن شئت فقل أنها (صناعة الجهل).. نفس التعتيم الكنسي على الكتاب المقدس في القرون الوسطى، وامتلاك أحقية تفسيره لرجال الدين وإلا فهو ازدراء أديان.
من قرأ كتاب (مغامرة العقل الأولى) لفراس السواح، يرى أن الإسلام مثله مثل غيره، ينقل نفس الأسطورة الوثنية ويكررها، من أول استواء الإله على عرش على الماء، إلى قصة الخلق من طين، إلى الأكل من الشجرة، إلى طوفان نوح، وذو القرنين، الخ كلها أساطير وثنية من تصورات العقل البشري في فجر طفولته الأولى.
والإسلام ينقل للوعي البشري المتواضع لرجل الصحراء العربية المتواضعة، أساطير تناسب درجة فهمه، كنظرية الخلق من طين، لا سيّما وأن العربيّ لم يعرف حضارة ولا فلسفة ولا أي جهد عقلي، مثل اليونان المتمرسين، أو الهنود الروحانيين، ولكن كانت حياته بسيطة ساذجة يغلب عليها الجانب الحركي والشفهي، فكان من الطبيعي أن يكون الإسلام هو أكثر الأديان نقلاً لميراث التجربة البشرية بشكل مبسط وسهل الهضم على المعدة، وبشكل واضح جداً لدرجة أن فراس السواح له كتاب بعنوان (الإنجيل برواية القرآن).

إذن كيف تكون الحقيقة بهذا الشكل السافر، بينما يحفر العلمانيون في الصخر، لكي يقنعوا الناس بتاريخية النص الديني وفهم أنه داخل التاريخ وليس فوقه، وأن الوحي يراعي الواقع الزمكاني وليس نصاً مطلقاً لا يراعي التطور.
ما سبب تعب قلب المثقف واستراحة الشيخ وامتلاكه لثقة رجل الشارع وسوء ظنه بالعلمانية ؟ بحيث أنه يمكن لرسام الكاريكاتير أن يرسم جبلاً على أحد جانبيه يصعد علماني بشق الأنفس وهو مجبر على أن يدفع صخرة أمامه في طريق صعوده، وعلى الجانب الآخر من الجبل: شيخ بلحية ينزل بكل سهولة ويسر على عربة سريعة.. السر في هذا التفاوت هو التعليم.
كم جامعة دينية في العالم الإسلامي؟
وفي المقابل كم جامعة تسمح بدراسة الدين - من خلال علم الأديان - كعلم إنساني وليس كخرافة وأساطير الأولين؟
بمعنى أدق: كم موجة بشرية تدفعها الجامعات الدينية تخاطب الشعوب المسلمة؟ آلاف مؤلفة في كل بلد.
وكم موجة بشرية أخرى من خريجي قسم علم الأديان تخاطب تلك الشعوب؟ ولا واحد ! ولا واحد يوحد ربنا.. كل ما هو موجود هو اجتهاد شخصي، بمعنى أن هناك أكاديميين يتكلمون باسمهم وليس باسم الجهات الرسمية في الدولة، مثال: د. نصر حامد أبو زيد، أو د. محمد أركون، هؤلاء قمم هم وأمثالهم كثير وكلامهم درر يحتاج إليها العقل المسلم بشدة، ولكن ما يحدث هو أن هؤلاء لا يملكون حصانة ودعم الدولة، لأنهم لا يتكلمون باسم مادة تدرس في المناهج التعليمية المقدسة (لأن أي شيء رسمي هو مقدس في العقل العربي) ولكن يتكلمون باسمهم أو اسم فلاسفة عصر النهضة أو باسم التفسير العصري للقرآن! وكل هذا يمكن للمؤسسة الدينية نقضه بجرة قلم، سواء نفي التمسك بالنص أو إعادة تفسيره، لأنه ليس صادراً عن مؤسسة حكومية، ولسبب آخر وجيه، وهو الكم والزخم! كم شخص يظهر ويتكلم في نقد الفكر الخرافي؟ يمكنك عدهم على الأصابع في العالم العربي، وفي المقابل كم شخص يتكلم في تكريس ومنطقة الفكر الخرافي؟ العدد لا يقع تحت حصر، ولا يقتصر على رجال الدين، وهنا لن يفلح المثقف في أن يتغلب على هذا ويغلب القاعدة بأن يسوق النص القرآني القائل: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) أو (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) لأن هذه النصوص كانت تساق على سبيل تأكيد قاعدة امتلاك الحقيقة وليس التعددية، لأن التعددية لم تكن من طبيعة عصر الأديان الشمولية. والسبب الآخر : أن الجماهير لا تؤمن بالعقل والمنطق أو حتى النص، ولكن تؤمن بالعاطفة والتيار الغالب والأقوى، وهذا ماقرره علماء الإجتماع، وكتب جوستاف لوبون (روح الجماعات) حول هذه النقطة.
وبالتالي فالعربي مظلوم وليس غبياً كما يشاع، ولكن الخطيئة خطيئة جمود وخوف من التغيير.. علم ينقد المقدس ويصفه بالإنساني؟ واو.. ياللهول!
هذا التجهيل من خطايا وطوام العرب والمسلمين.. وهي برأيي ورأي كل عاقل أكبر سُبّة في جبين هذه الأمة اليوم.
دعك من التقاتل على تدريس نظرية التطور مع أهميتها ومحوريتها، لكن الأهم هو فرش الأرضية التي تمهد الطريق لقبول فكرة نزع القداسة عن النص الديني ومن ثم قبول نظرية التطور، افتح قسم علم الأديان في الكليات الدينية والمدنية على السواء، وإذا كان القرار سيادياً صادراً عن الوزارة الشئون الدينية أو وزارة التعليم العالي الخ، بهدف تنوير الشعب وإخراجه من الظلمات إلى النور، فلن يستطيع أحد الإعتراض.

إن دور الأديان كان نقل الوعي البشري من تعدد الآلهة، إلى التوحيد، وبعد ظهور الأديان التوحيدية الشمولية (التي تدعو الناس للإيمان بها) ومعرفة أن هناك جوهر واحد كوني، فقد انتهى دور الدين، ويجب الإنتقال من التوحيد إلى وحدة الوجود والأخوة الإنسانية.
لكل مدينة وشعب إلههم الخاص، حتى أن إله بني اسرائيل كان اسمه يهوة Jehova ولأنهم كانوا من البدو الرحل لا يستطيعون بناء معبد أو حضارة: قالوا أن إلههم في السماء! فهذه العقيدة في إله الإنفصال الفوقي هي عقيدة يهودية، بينما عقيدة وحدة الوجود هي عقيدة الحضارات القديمة) وإله وحدة الوجود لا يأمر ولا ينهى ولا يثيب ولا يعاقب ولا يترصد لأحد، ولكن يساعد فقط على اكتمال التجربة البشرية، ولا يعترف بشيء مقدس وليس له دين ولا شعب مختار.
(من الطريف أن مساحة ولاية ألاسكا 1.7 مليون كم أي ما يعادل مساحة أي دولة عربية كبرى، وأن مساحة روسيا يفوق مساحة الوطن العربي أجمع مرة ونصف تقريباً.. ولذلك فليس هناك شعب مختار ولا دين صحيح ودين خطأ، ولكن توجد تجارب بشرية، كان لها مبررها، وانتهت الحاجة إليه.
هل علم الأديان مستبعد حقاً في عالمنا العربي؟
توثيق المعلومة توفيراً للوقت والجهد: في الدقيقة 38 من هذا الفيديو
https://www.youtube.com/watch?v=4wQl3Y6JUiM&t=2352s&ab_channel=%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%88%D8%B2%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا يخاف المسلمون من تدريس علم الأديان
موريس صليبا ( 2023 / 3 / 8 - 11:43 )
الشكر لكاتب هذا المقال ولاهتمامه بموضوع علم الأديان وضرورة تدريسه. ولكن لماذا يخاف العالم الإسلامي من تدريس هذا العلم؟ الا يعتقد أن كل مبادرة تتعلّق بالإسلام، وبفهم الإسلام وبانتقاد الإسلام من منظار علمي، ستثير غضبا وامتعاضا وحتى ثورة ضدّ من يأخذها؟ ألا يعتقد أن الكشف يشكل علمي وتحليلي لنشىأة الإسلام وتعاليمه ومعتقداته سيدفع بالكثيرين إلى الخروج منه؟ ليتذكّر ماذا حصل مع الدكتور صادق جلال العطم عندما صدر كتابه -نقد الفكر الدينيّ-؟ هل يتذكّر عندما حاول أحد الباحثين ترجمة القرآن إلى اللغة الدارجة المغربيّة واعتبروا مبادرته محاولة لضرب الإسلام ولزعزعة إيمان المسلمين. لماذا هذا الخوف على الإسلام؟ هل يخاف المدافعون عنه من كشف عوراته ومكامن ضعفه وبالتالي من سقوطه؟


2 - أخي موريس
عبد الرحمن علي ( 2023 / 3 / 8 - 15:35 )
أنا أعتقد أن المسألة ليست خوف على الدين من قبل عامة الناس، فالناس يتبعون الأعلم والأقوى، ويغلب عليهم التقليد ولا يشغلون بالهم بالبحث والتنقيب عن الحقيقة كما هي مهمة الفيلسوف أو الباحث أو المفكر.
لكن الخوف صادر عن المؤسسة الدينية نفسها، فهي التي تحاول الترهيب دائماً لكي تحافظ على وجودها وسلطتها
لكن هل يعلم مثلاً لنقل رئيس دولة عربية بقصة علم الأديان هذه ؟ هل يعلم به الرئيس السيسي أو محمد بن سلمان؟ لا يعلمون! ومن ثم يجب السعي لإنقاذ هذه الأمة بالتكامل والتعاون كل في مكانه، ولن يتم التطور بالسكوت والإستسلام للأوضاع القائمة أو بمجرد الكتابة في الصحف والمجلات، ولكن يجب إحداث تغيير حقيقي من خلال حرية التعليم إذا كنا ندعي أننا دول مدنية لا دينية

اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah