الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنقذ الكوني ..... من قضايا الوهم والتوهم....

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما تبني حياتك على فكره أو هدف لا يمكنك البرهان على منطقيته أو التأكد من صحة أفتراضه، فتكون قد سلمت رقبتك للجهل حتى لو قطفت لباب العلم والمعرفة، فكلاهما يرفضان أولا أن تبني حياتك ورؤيتك على أحتمال أو ظن أو حتى الإيمان بهما مصدرا لليقين، فكثيرا من ما نتمسك به من مجمل معرفتنا أو يقينياتنا لو عدنا بها لمختبر العقل والإدراك لرأينا كمية الوهم والظن والأحتمال التي كسبت لا منطقيتها في التصديق والأعتناق وأحيانا كثير التسليم ببديهيتها، بالرغم من أن البديهية لا تحتاج في صحة أصلها للكثير من الجدل والفحص، فهي عارية وواضحة وكل الحقائق المنطقية تساندها دون شك أو ريبة، العقل البشري عند من يسلم بالظنون أو الأحتمالات ويتجاوز الفحص والمعايرة والأمتحان عقل أعرج يزداد في عاهته ومضارها كلما تمتع بجانب علمي أخر لا يجبره في كل مرة لإعادة القراءة وإعادة الأكتشاف لما في داخله من مجموعة كثيرة من القضايا التي تحتاج دوما للبرهان.
من هذه القضايا ما هو محصور في زمن أو في مكان أو حال وربما بعنصر أو أكثر منهن أو بجميعهم دون أن تكون للفكرة حدود أو مديات تحد منها، ومن هذه التي أثيرت قديما وما نزال تثار ويشتد نقاشها حينا ويضعف أحيانا بسبب المزاج الفكري أو تفاعل أحداث أو مسببتا لتك الحالة، هي قضية المصلح الكوني أو المنقذ النهائي أو ما يعرف عند البعض برمز ديني يبرر حسب رأي خصومهم فشل الدين في ضبط حركته داخل الواقع البشري وبالتالي التخلص من عبء الفشل بزراعة حلم وردي بصور مطلقة في الإيجابية التي تدغدغ عقول الناس الأكثر تضررا من الواقع، والأقل قدرة على تحدي فكرة الدين بأنه الحل الأمثل للوجود بغياب البديل الممكن، وبذلك تتحول الفكرة من مثالها المنطقي المتعالي إلى مرض الوهم الديني، الذي هو ظاهرة من الظواهر النفسية المعروفة لدى علماء النفس، وهي أن الأفكار والمعتقدات والخواطر الموجودة بالذهن ليس شرطا أن تكون منطقية وليس شرطا لها أيضا أن يكون لها أساس واقعي، ويصر الشخص عليها بيقين ثابت، أي أنه يقاوم النقد (راسخ) (جاسبرز) كما أنه وعلى وجه التحديد لا يمكنه من مغادرة حتى التفكير بعالم خال منها، بالإضافة إلى ذلك يعد أحد أنواع أو عوامل الواقعية في نظره التي يتم تعريفها باعتبارها عقيدة دينية أساسية ومحورية ومن أهم مرتكزات الإيمان.
الديني عقلا وفكرا ومؤسسات ورؤية يركز دوما في مجال دفاعه عن العقيدة أن أخر ما يملك من أستراتيجيات أو أسس ما زال يحتفظ بجزء مهم منها لربط الماضي الذي نجح في جر الإنسان إليه مع مدى مفتوح لا حدود له ولا مديات محددة، وبذلك يضمن أولا عدم فك الأرتباط بين الدين والإنسان، وثانيا أن يبقي علة التدين قائمة ومن ثم القدرة على التحكم بالإنسان وفقا لأولا، مرتكز هذه العلة سيكون في فكرة المخلص الكوني أو المنقذ النهائي الذي يجب على الجميع إن أرادوا المثالية الأفلاطونية "الجمهورية الخيالية" أن تتحقق في الواقع الإيمان بالفكرة وتجسيدها في عقولهم بشكل رئيسي، وبالتالي سيكون توجيه النقد والمسائلة للمؤسسة التي تطرح هذا المنطق يعد سؤالا لا معنى له، ولا معنى لإدانة قضية لم تنتهي بعد ولم تطرح أخر ما في جعبتها من أفكار ومتبنيات، وعلى الجميع الأنتظار، السؤال الذي تتهرب منه مؤسسة الدين دوما وتحيله للقدر والغيب إشكالية الموعد والظرف والحال، وجعله معلقا على عدة مستويات من التفاعل ما بين الواقع وإرادة رب الدين، وبالتالي فهي تعطي ملامح ولكن لا تعطي تفاصيل دقيقة حتى لا تلزم نفسها بما يدينها بعد أن جربت ذلك من قبل.
العلمي والمنطقي والعقلاني الذي لا يختلف عن الدين في منطلقه الأساس من أن لكل شيء سببا فأتبع سببا، ولكل شيء علة ولن تجدوا لسنة الله تبديلا ولن تجدوا لسنة الله تحويلا، وأن لكل نتيجة مقدمة ترتبط بها عبر خط منطقي يفسر ويبرر ويوضح المسار وذلك بما قدمت أيديهم بعد أن تسألوا بينهم لماذا لم نجد بيننا من كنا نعدهم من الأشرار، إذا العلم بمنهجه التجريبي البرهاني الصارم والدين بمنطقه القائم على العقلانية المنضبطة بقانون ثابت يناقضان الفكرة الدينية الخارجة من حدود المنطق الديني لتدخل المنطق البشري، وقد تم إلباسها الزيف برداء لا تملكه ليكون سترا للتوهم والتضليل والتحريف المتعمد أو المبني على رغبات بشرية فشل الإنسان في البحث عن مكامن الخلل فيها، أو أنه لا يريد التصريح كي ر بفقد أمتيازه بأنه صاحب ميزة فريدة بما قدم.
البعض يرى بأن شيوع جوهر الفكرة بين كل الأديان والمعتقدات وتأصل وجودها لا يخلو من علة أو سبب وجيه، وربما هذا وحده كافي للإيمان بالفكرة وأستحضارها عقليا، فتكون قد أقتبست منطقيتها ومنطقها من هذا الشيوع والأنتشار الممتد زمنيا ومكانيا، وربما قد لا نجد لها أفق نهاية على أي حال يمكن أن يبرر الطعن بها أو التخلي عنها، نعم هذا الشيوع أيضا من الأوهام البشرية التي تؤكد على صحة نظرية أن الإنسان واحد، وأن الأختلاف بين الشعوب والناس لا يتعدى السلوكيات المنحصرة في طلب الحاجات، أما الأسس العقلية والمنطق البيني بينهم فهو يعتمد على ركائز نفسية وعقلية ترتبط بحقيقة الأصل الحتمي الفطري، فمن الفطرة البشرية رغبته الدائمة في البحث عما يرضيه لا عما يقبله العقل المجرد، فالرغبة بدولة العدل أو مجتمع الفضيلة المطلقة تشتد مع وجود الظلم وأحكامه ومنطقه، وتضعف حالة الشعور بالرغبة الى العدل والفضيلة كلما تمتع الإنسان بشيء من الحرية للتعبير عن ذاته وأفكاره دون الخوف من سطوة أحد، الخوف والظلم إذا من أسباب شيوع الظاهرة وليس الإيمان الخالص بها هو السبب المباشر، لذلك فأرتباط الحلم بالظلم هو أرتباط الواقع بالإنسان كما يعيشه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني