الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع بين الواقعية والرمزية دلالات اليوتوبيا في تجسيد الواقع

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2006 / 10 / 19
المجتمع المدني


: المجتمع: ذلك الحيزالذي يجمع بين طياته هذا الكم الهائل من البشر والذي يميز المجتمع هو طريقة التعامل معه وداخله حيث أن ما يقع فيه يجب الاستبيان عنه وتحليله تحليلاً واقعياً دقيقاً ولكن في المجتمعات دلالات رمزية ترافق الدلالات الواقعية الداخلة فيه وليس من المحتوم الوقوع في أفخاخ الرمزية لدى الاعتراف بأهميتها.
والخطاب داخل المجتمع محتجز والقصد هنا أن المجتمع أثناء وقوعه في الأزمات لا يحتاج الرمزية بقدر حاجته الى الواقعية التي تستمد جذورها من طريقة معالجة المشاكل داخل المجتمع ولو فكرنا جلياً بالخطاب المجتمعي حيث أن هذه المفردة باتت مشكلة داخل المجتمعات والسبب في ذلك عدم وجود آليات تنفيذ مفردات الخطاب أو ما يعرف بآليات المعالجة والاستبيان، والخطاب ليس خطاباً مليئاً بالرمزية واليوتوبيا بقدر تعلقه بالواقع.
الشيء الذي يحصل اليوم داخل المجتمع هو أن الخطاب مقيد بالدلالات الرمزية الى الحد الذي أبعده عن واقعيته فحينما يقف الدين إزاء المجتمع كعامل مستقل ذاتياً لا تمتلك الرموز الدينية استقلالية أو قيمه إلا لأنها تجسد الدلالة الدينية ويكون بريقها زائفاً مثلما يظهر ذلك الواقع في اماكن اخرى من المجتمع.
أن من الممكن للدين أن يغزو رموزاً جديدة ويخلق دوال أخرى أما لو انتقلنا الى الدلالات الرمزية في المجتمع وقدراتها الواقعية أي الارتباط بين الرمزية والواقعية كيف يكون ، ولنأخذ على سبيل المثال الظاهرة التي سماها ماركس التشيؤ وبنحو أكثر تعميماً ((النزع الإنسانية)) أفراد الطبقة المستقلة في بعض المراحل التاريخية: إذ كان ينظر الى العبد كحيوان ناطق والى العامل كعزقة في آلة أو كمجرد بضاعة فالسؤال هو ما هي طبيعة هذه الدلالة وهذا ما ينبغي التركيز عليه فعلاً بعيداً عن أن تكون مجرد مفهوم أو تمثل تشكل دلالة فاعلة وذات نتائج تاريخية واجتماعية خطيرة الشأن؟ إن عبداً من العبيد ليس حيواناً ، وإن عاملاً من العمال ليس شيئاً غير أن التشيؤ ليس إدراكاً حسياً خاطئاً للواقع وليس خطأ منطقياً ومن غير الممكن أن تجعل منه ((لحظة جدلية)) ضمن تاريخ جمعي لحلول حقيقة الجوهر الإنساني على أن المتخيل الاجتماعي مثلما تعنيه هو أكثر واقعية من الواقعي ومن منظور رمزي بالتحديد أو ((لغوي)) فإن التشيؤ يظهر بوصفه انزياحاً للمعنى، وبوصفه جمعاً للمجاز والكناية فالعبد في حالة العبودية هو إنشاء دلالة جديدة فاعلة، تتمثل في أن فئة من الناس تحتجز من قبل فئة أخرى بوصفها متماثلة على كل الأصعدة العملية مع حيوانات أو أشياء ذلكم خلق متخيل وعلى كل حال فالعبد شبه مجازياً بالحيوان والعامل بالبضاعة داخل الممارسة الاجتماعية الفعلية وذلك قبل وقت طويل من رجال القانون الرومانيين وأرسطو وماركس وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أهمية الرمزية في فرض أساس للواقع المعاش ولكن مازال المجتمع يعتبر التخيل أو ما يسمى باليوتوبيا أو الرمزية داخل المؤسسة المجتمعية هو أساس للفراغ الذاتي داخل المجتمعات أو ما يعرف بفراغ الذات ولكن من المهم جداً أن تكون للرمزية اختراق للواقع وفي كل المجالات، ولو استعرضنا بعض ما كتب في مجال الرمزيات وأهميته داخل المجتمع لاستطعنا أن نحصر بعض هذه الكتابات المهمة والتي منها:-
1) الدين والعلم والمال: فرح أنطون 1874 – 1922: وهي الرواية التي نشرت أفكار مهمة بديلاً عن مقالات فكرية وبطريقة جميلة جداً وهو في حقيقة الأمر عبارة عن بحث فلسفي اجتماعي في علائق المال والعلم والدين وهو ما يسمونه في أوربا بالمسألة الاجتماعية ، يقدم فرح انطون في هذا الكتاب رساماً صاحب خيالات وصور يزور في صحبة صديق له ثلاث مدن مثالية نشأت من منشأ واحد لكنها اختلفت على ما يبدو وهذه المدن هي مدن العلم والمال والدين أي ما يشكل أبعاد الحضارة الإنسانية وبعد خلافات تدمر هذه المدن بعضها بعضاً ويكون الأمل بمجيء جيل جديد يجمع ويوحد ما بين هذه المدن الثلاث أي يوحد بين أبعاد الحضارة والنفس والمجتمع البشري.
إذن هذا الكتاب يحمل دلالة رمزية داخل المجتمع وتخيلية غير واقعة ولكن عند تحليل الرواية نجدها تبحث في صلب الواقع أي تسخير الدلالة والرمزية في خدمة وحل مشاكل الواقع.
2) غابة الحق – فرانسيس المراش 1835 – 1874: وهو من أوائل الكتب ذات الطابع اليوتوبي في الأدب العربي الحديث فالكتاب يسرد فيه الكاتب حوارات ومغامرات خيالية وعجيبة لكنها تهدف الى مغزى إنساني هو مغزى كل يوتوبيا مناهضة سوء الأوضاع القائمة والمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة ولهذا ليس غريباً أن يكون شعار الملك في هذه اليوتوبيا يعيش ملك الحرية وأن يكون شعار الملكة ((تحيا ملكة الحكمة)) ويبدو غرض المراش واضحاً في رمزيته ويوتوبيته وتخيله ألا وهو معارضته بل ومحاكمة ((سبل التوحش والعبودية في مملكة التمدن والحرية وككل تفكير يوتوبي يقترح المراش عالماً جديداً مستمداً في تخيله من العالم الجديد ((أمريكا)) فالمراش يدخل الحلم الأمريكي في حكمه الجديد )
أم القرى – عبدالرحمن الكواكبي (1849 – 1902)
حيث يتخيل عبدالرحمن الكواكبي في هذا الكتاب اجتماعاً عقد في أم القرى مكة عام 1898 وفي هذا الاجتماع يتدارس ممثلو المسلمين الأوضاع المتردية لأمة الإسلام والبحث عن هذه الأوضاع ومعالجة ما أمكن منها في ظل الواقع المتردي، ثم تأتي بقية الكتاب وهي جلسات ومداولات هذا الاجتماع التخييلي الذي يريد رفع شأن المسلمين وتدارك أسباب انهيارهم وتخلفهم وواضح أن السياسة والإصلاح السياسي وبالتالي الإصلاح الاجتماعي هو هم الكواكبي الأول .
النماذج أعلاه التي عرضنا لها هي كتابات تعتبر فيها اليوتوبيا المحرك الأساسي في الطرح ومن ثم فهي بحاجة الى تفسير واقعي يعيد هذه الرمزية الى الواقع وهناك كتابات أخرى تجمع بين الواقعية والرمزية وتسمى ((شبه اليوتوبيات)) ومنها:-
أ‌- سياحة العقل – فرانسيس المراش. نشرت عام 1871 وهي رؤيا تصور الشر الموجود في هذا العالم ومن ثم تصوير كيف ستحل مملكة التمدن في الأرض.
ب‌- العهد الجديد 1879 – أديب اسحق: وهي دعوة وحلم بمجتمع قادم تكون فيه أفكار الثورة الفرنسية هي السائدة داخل المجتمعات.
جـ- جمهورية فرحات – يوسف إدريس (1927 – 1991): وقد نشرها عام 1956 وهي حلم يقظة في شكل قصة قصيرة لوصف ضابط في الشرطة يعيش في الآلام البشرية حالماً بعالم سعيد يكون بديلاً عند هذه الآلام المتتالية، ولو تفحصنا دور الدلالات المتخيلة فيتبين أن التاريخ يكون ممتنعاً وغير متصور خارج التخيل المنتج أو الخلاق أو خارج ما سماه الفيلسوف اليوناني كورنيليوس كاستورياديس (المتخيل الجذري) مثلما يتبدى في آن معاً وبصورة لا انفكاك منها داخل الفعل التاريخي وداخل التكون الذي حصل أي معقولية ظاهرة العالم من الدلالات [ الدور الأساسي للتخيل بالمعنى الأكثر جذرية كان مرئياً بوضوح في الفلسفة الكلاسيكية الألمانية من قبل (كانت) أصلاً، ولكن على الأخص من قبل فيخته الذي اعتبر أن التخيل المبدع هو فعل الروح الإنساني الذي هو في التحليل الأخير ليس قابلاً للتأسيس وليس مؤسساً] . حيث يتشكل من دور الدلالات المتخيلة العالم الاجتماعي ويترابط كل مرة تبعا لمنظومة هذه الدلالات ولقد حاول كل مجتمع حتى الآن إعطاء جواب على بعض الأسئلة الأساسية : من نكون نحن؟ كمجموع، من نكون نحن بعضنا بالنسبة للبعض الآخر؟ أين وضمن أي شيء نكون نحن؟ ما الذي نريد؟ ما الذي نرغب به؟ ما الذي ينقصنا؟ على المجتمع أن يحدد هويته ، تمفصله ، أن يحدد العالم وعلاقته به وبالموضوعات التي يحتويها، وأن يحدد حاجاته ورغباته ومن دون الإجابة عن هذه الأسئلة ومن دون هذه التحديدات، ليس ثمة عالم إنساني، ولا مجتمع ولا ثقافة لأن كل شيء قد يبقى سديماً وغير متميز، إن دور الدلالات المتخيلة هو تقديم إجابة عن هذه الأسئلة، إجابة من البديهي أنه لا الواقع ولا المعقولية قادران على تقديمهما ومن الواضح إننا عند إثارتنا لهذه الأسئلة وإجابتنا عنها وعن التحديدات فيها فإننا نتحدث مجازاً وليس من المقصود أسئلة وإجابات مطروحة بنحو واضح، كما إن التحديدات ليست معطاة من خلال اللغة والأسئلة ليست مطروحة بنحو سابق على الأجوبة وهكذا فطرح الأسئلة هو عملية تخيلية وطرح الأجوبة عليها هو أيضاً عملية تخيلية وبالنتيجة سيكون لدينا سؤال وجواب تخيليين وستكون عمليات معالجة للمجتمع ضمن هذه الإطارات المهمة فنحن نؤسس لمجتمع وفق دلالات ورموز ووفق منطق تخيلي وبالتالي نضع معمقات شعورية بالانتماء ونضع معالجات حقيقية للواقع المعاش، كذلك فإن كل مجتمع يحدد ويصوغ صورة عن العالم الطبيعي، وعن الكون الذي يعيش فيه، محاولاً في كل مرة أن يجعل من هذه الصورة مجموعاً ذا دلالة ينبغي على الأشياء والكائنات الطبيعية التي تهم حياة الجماعة أن تجد لها مكاناً فيها يقول كاستيورياديس: ((إن صورة عن العالم، وصورة عن الذات هما بداهة مترابطتان دوماً هذا والحق يقال يجب أن يرى المجتمع إنه في وسعه أن يتصور ذاته دون أن يتموضع داخل العالم)) فهذه هي المسألة المهمة في الدلالات المتخيلة فالمجتمع وحدة قائمة بحد ذاتها قادرة على إدارة نفسها ضمن أسس وواجبات معينة تسهم والى حدٍ بعيد في بناء اللبنة الأساسية لها.


المصادر:
1) اليوتوبيا المفقودة ، محمد كامل الخطيب، ط دار المدى 2001 .
2) تأسيس المجتمع تخيلياً، كورنيليوس كاستيورياديس، ط دار المدى 2003 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون