الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوهر المشروع التنويري الأصيل

أحمد إدريس

2023 / 3 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


« القرآن لا يُفسِّر نفسه بِنَفسِه، و الإسلام لا يُطبِّق نفسه بِنَفسِه، و إنما يَتِم ذلك من خلال المسلمين. و ما أَسْوَأ ما فعل المسلمون بالإسلام. و الإسلام لا يتنافى مع روح العصر، أي عصر، في كل ما هو إنساني سمح و عادل. » (فرج فودة)


أعلم أن كثيراً و رُبما أغلب مشايخنا التقليديين ينظُرون بعين الريبة إلى التنويريين الجُدد و رُبما يُحذِّرون منهم العامة. لذا أود لفت انتباه هؤلاء السادة الكِرام إلى أننا من جهتنا نبتهج و نطرب عندما نرى باحثاً غربياً يستخدم الفكر النقدي في تعامله مع المَوروث الثقافي و الروحي لأمته، و ننبري لمدحه و إطرائه و نُضفي عليه أجمل و أحسن النُّعوت إذ نَصِفه بالشجاعة الفكرية و النزاهة العقلية و بأنه يعمل بإخلاص على رد بني قومه إلى جادة الصواب. لَيت هؤلاء و كل المُتذمِّرين المُستائين المُتطيِّرين من حركة التنوير الحالية، التي ما ادَّعى أصحابُها العِصمة لأنفسهم و لا لإجتهاداتهم بأي حال، لَيتهم يتدبرون و يُطبِّقون المقولة الآتية فهي من أعمق ما قرأت في حياتي : « لا تستعجل الحُكم على ما لم تعرف كُنهه و حقيقته، فليس كل غريب على عقلك خاطئاً. فالدواء المُر غريب على لسانك، لكنَّ جسدك لا يصح إلاَّ به » (نور الدين أبو لحية).

من جهتي أدعو قائلاً : اللهم انصر أمتنا على جُملة من التصوُّرات و الأفكار و المُعتقدات، التي لا أساس لها من الصحة و التي أصفها دون تردُّد بالشريرة، فقد أبعدتها عن سماحة و سَعة آفاق و الرحمة الشاملة لدين الإسلام : مجموعة من التصوُّرات و المُعتقدات التي نتَوارثُها على مر الأجيال و التي يستحيل أن يقوم عليها مجتمع سوي. نعم هذه الأمة في حاجة ماسَّة إلى ثورة، الوحيدة التي ستأتيها بربيعِ إقلاعٍ حضاري جديد، الوحيدة التي سَتُمكِّنها من مُواجهة تحدِّيات العصر الراهن باقتدار و تحقيق حضورها الفاعل و الواعي و المُؤثِّر إيجابياً في العالَم، الوحيدة التي بدونها فإن قِطار الزمن سَيُخلِّفها وَراءَه، ثورة في الأفكار التي بداخل العقول. ثورة تُصالحنا مع كُل الوجود : مع الخلق، مع أنفسنا، مع العصر، مع الحياة، مع الدنيا، مع غيرنا، مع الخالق. هذا لن يُفضي طبعاً إلى نهاية شتَّى أنواع المشاكل و النزاعات و التحديات في حياة الأمة سواء كانت أسبابُها داخلية أو خارجية، لكنه سيُفضي إلى تحوُّل نَوْعي بل جِذري في التعامل معها و يكونُ ذلك بأسلوب حضاري راقٍ مدعومٍ بروحانية عالية و أصيلة. إذ يبدو أنَّ النزاعات و الخلافات، هنا في هذه الدنيا، باقية و مُستمرة إلى اليوم الآخِر.

ما يسعى له التنويريون الصادقون المُخلصون - و هم كُثر - تُلخِّصه مقولة في منتهى الروعة لمفكر أصيل : « لا بد من إعادة تقديم الدين في أصوله النقية، و بلغة عالَمية عصرية تخاطب الكل في كل مكان، و ليس بلغة طائفية مُنغلقة مُتعصبة. لا بد من تقديم الدين في روحه و جَوهرِيَّته و ليس في شكليَّاته : الدين كتوحيد و خُلق و مسؤولية و عمل بالدرجة الأولى، الدين كحُب و وعي كَوْني و علم و تقديس للخير و الجمال » (مصطفى محمود، "نار تحت الرماد"، 1979). مقولة أخرى لعالِم أزهري عالي القدر تلخِّص جيداً ما نذرت له نفسي و أسعى للمُساهمة في تحقيقه : « إن التصوُّر الصحيح للدين قبل مُمارسته و تطبيقه هو الخطوة الأولى على طريق النهوض بالمجتمع الإنساني. » (عطية صقر، "نعم الإسلام هو الحل، و لكن أين الطريق ؟"، 1990)

ذلك هو حجر الأساس لأي مشروع تحرُّري نهضوي حقيقي في أوطاننا و ضمانُ إسهامنا الفعَّال في بناء حضارة الخير و الحب و السلام التي تهنأ في ظلها جميع مخلوقات الله. و عليه فإني أهتف بحرارة أننا في حاجة مُلحة أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة شاملة فردية و جماعية لِمَقولاتنا الفكرية المتوارَثة و لأنماط تفكيرنا و أساليب حكمنا على الأمور و حلِّنا لمشاكلنا و لأدوات تحليلنا و تفسيرنا للوقائع و الأحداث و لِطُرق تعاملنا مع العالَم. هذا من شأنه أن يُوَسع أُفق النظر إلى الأمور كما أنه يُكسبنا قدرة أكبر على التفاعل مع الآخرين و الإنفتاح على ثقافاتهم و الإستفادة منها و من دروس و خبرات التجربة الإنسانية الطويلة بشكل عام. كل ذلك من أجل أن نكون في مستوى الإستجابة الإيجابية لا لأهواء و إنما لمُقتضيات العصر. و لكي ندخل التاريخ من جديد.


« ليست المشكلة أن نُعلِّم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المُهم أن نَرُد إلى هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرَها الإجتماعي، و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نُبَرهِن للمسلم على وجود الله، بقدر ما هي في أن نُشعِره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدراً للطاقة. » (مالك بن نبي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال