الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلتي من اليقين ... إلى الشك

أحمد فوده
كاتب ورسام علماني

(Ahmed Foda)

2023 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بداية حياتي كانت كبداية حياة اي طفل شرق أوسطي عادي . ولدت في بيئة أصولية متدينه في أسرة من الطبقة المتوسطة كأسرة مغتربة تعيش في الخليج لجمع المال . عشت طفولة قد تبدو للمتابعين انها في غاية الرفاهية ولكنها في جوهرها لم تكن كذلك . ربما لانني اعتدت الكتمان فالكل يظن انني مرتاح وراض .

فلقد ولدت في جدة وكانت تجربة صعبة لمصري أن يولد في السعودية معقل كل العنصريين والطائفيين والدواعش ووطنهم الام .

كانت تجربة غريبة بالنسبه لطفل ظل اقرانه وزملائه يعاملونه كغريب غير مرغوب فيه طوال الوقت بل كان منهم ايضا من كان يعاملني على اني خادم عنده او شيء اقل منه يتحدث بلغة مخنثة قد جئت الى بلاده لكي اتسول !!! نعم ايها السادة انهم ينظرون الى لهجتنا المصرية على انها لهجة مخنثة وينظرون الينا كمصريين اننا مخنثين ومتسولين وحقراء وديوثين لاننا لا ننقب نسائنا !!!!

رأيت هناك من كان يعاملني بمنتهى العنصرية حتى انني كدت ان اكره مصريتي بسببهم بالفعل . رأيت ايضا من كان يقف بجانبي ولكنهم لم يكونوا ذوي صوت عال كالعنصريين .

كل هذه العوامل واكثر قد شكلت بداخلي هواجس عديدة . كنت اكره السعودية جدا ولكنني في نفس الوقت كنت متزمتا دينيا بالرغم من انني لم اكن اواظب على الصلاة . شعرت بالرهبة والخوف طوال الوقت بسبب كثرة الكلام عن النار والعذاب والجحيم والسعير وعذاب القبر والسراط وخلافه ولم اكن اجروء ابدا ان اشكك في اي شيء يقال لي فقد كنت ضعيفا جدا وغير متسلح بسلاح حقيقي يحميني من شر ذلك الاله السادي الذي كان يهددني ويتوعدني طوال الوقت ولم يتركني حتى في منامي !!!

لم اتمرد وقتها لانني لم اكن اجد البديل الحقيقي فاسرتي متدينة وقد ربتني على التدين والخوف من الله وفي نفس الوقت كان مصدري الوحيد الذي اعرف منه الدين كان مشائخ الوهابية الذين درسونا في المدارس وباعوا لنا الاشرطة والتسجيلات كما ان الحصار كان من كل اتجاه ولم يكن هناك وقتها اي فكر بديل مما يعني استحالة التمرد على هذه الافكار فبدلا من ان اتمرد عليها اخترت ان اعيش في الوحدة افعل كل شيء في السر . حتى هوايتي الرسم كنت امارسها في السر ايضا فالحصار الديني كان قويا .

ومع هذا فقد كنت مقتنعا او بالاحرى كنت اتكلم كالوهابيين واحكم على العالم وعلى المرأة وعلى كل شيء كما يفعل الوهابيين . ولكني من اعماقي لم اكن مرتاحا ابدا لهذا الوضع حتى انني اتذكر انه في صباي كنت اتوعد ذلك الاله الذي حرمنا من الفن وحرمنا من الحياة فكنت اقول في سري كيف يمكن ان نقتل هذا الاله الشرير المجنون ونستريح من شره وعدوانيته الى الابد ؟؟!!!!

فانا بطبعي كنت ومازلت اكره الفاشيين والمتكبرين والذين يتلذذون بعقاب الناس وتعذيبهم . مررت بتجربة نفسية لم تكن سهلة على الاطلاق فلقد كنت طوال الوقت احس بشيئين متناقضين تماما في داخلي . احساس بالخوف والرعب وانعدام الامل في مصير ما بعد الموت وفي نفس الوقت احساس قوي بالرغبة في الانتقام لدرجة انني فكرت ذات مرة ان اشتري سلاحا واصوبه ناحية السماء واطلق حتى يتخلص العالم من هذه الديكتاتورية والشر الابدي .

من عذاب القبر والثعبان الاقرع ، من اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ، من السراط الانحف من الشعره والاحد من السيف ومن منكم الا واردها ، من الحديد المنصهر الذي سيصب في اذان المستمعين الى الغناء ، من اله فاشي مريض نفسيا لا يمكن توقع ما الذي سيفعله بنا حتى ولو التزمنا بمنهجه فنحن لن نضمن رحمته وجنته ابدا . من كل هذا واكثر كنت اشعر بالخوف والرعب وعدم الاستقرار النفسي طوال الوقت .

لكن برغم هذ كله كان هناك بصيصا من النور لم يطفأ بعد . توقفت عن متابعة هؤلاء الشيوخ المجانين وهؤلاء القوم المعقدون نفسيا لفترة من الزمن . انفردت بنفسي وعشت فترة كبيرة في وحدة غريبه حتى انني كنت اجد صعوبة في الكلام والتعبير من طول مدة الوحدة والتفكير في صمت . لم يكن عقلي ابدا من النوع الذي يجيد التجاهل او الراحه فقد كنت افكر كثيرا وكثيرا حتى في منامي لم يتوقف التفكير .

قلت في نفسي ان المشوار لم ينتهي بعد . فبالتأكيد هناك من يقول كلاما مختلفا عن هذا او على الاقل لديه تفسيرات اكثر منطقيه لكل هذه النصوص التي سببتلي مشاكل نفسية عديدة .

تخرجت من ثانوية ابن البيطار في جدة عام 2004 وبدأت رحلتي العلمية في مصر . دخلت معهدا خاصا للفنون التطبيقية بناء على رغبتي في الالتحاق بكلية تعلم الفنون . كانت تلك اول تجربة الانفتاح بالنسبة لي فقد دق القلب بصدق للمرة الاولى في حياتي . كانت معيدة في المعهد وكانت تكبرني سنا ب3 سنوات . تعلمت الكثير وتشجعت على ان اقاوم الكثير من افكار التطرف . علمتني حب الموسيقى وحب الحياة . شجعتني كثيرا على الفن وعلى التحرر . كانت روحها قريبة جدا من روحي بالفعل ولكن لم يحدث نصيب للاسف .

اختلطت ايضا بالمسيحيين بعد ان كنت اسمع فيهم الشتائم وخطاب الكراهية والعداء المبالغ فيه من مشائخ التطرف والعنصرية والارهاب في السعودية وانهم اشرار يريدون تدمير ديني ولن يرضوا عني حتى اتبع ملتهم وهذا ما جعلني متوجسا منهم في البداية فالخطاب كان يتردد باستمرار لدرجة يصعب جدا معها تجاهل اثره النفسي علي . ولكنني حينما تعاملت معهم وجدت اشخاصا مختلفين تماما عن اولئك الذين كنت اسمع فيهم تلك الاساطير . وجدت اناسا يتعاملون معي كما لو كنت احد افراد اسرتهم . كنت خائفا منكمشا متوجسا منهم في البداية . انتظرت ان يسألوني عن ديني او عقيدتي ولكنهم لم يفعلوا بل كانوا يحترمونني ويحبونني كما انا فقط لانني انسان .

تمر الايام واجد ايضا ان دكتور التاريخ في الكليه يحدثنا عن ان خلفاء المسلمين كانوا يتعاملون بعملات عليها نقوش مرسوم عليها صور لاشخاص وحيوانات مما يعني نفي اسطورة كراهية الدين لتصوير ذوات الارواح . تشجعت اكثر ولكن الامر لم يشف حب المعرفة والفضول داخلي فكنت اريد ان اعرف اكثر من العقيدة نفسها وليس من مجرد افعال لخلفاء قد لا تكون لها علاقة بالدين .

وصلت بعدها الى مرحلة البحث في كل المذاهب المخالفة للوهابية فقد دخلت معهم ايضا في سجال دائم على الانترنت وقد كنت احتاج حججا دينية قوية لارد بها على منهجهم الذي انتشر جدا في بلدي وفي اوساط شباب بلدي وهذا ماكان يثير جنوني جدا فمن الخزي والعار ان تجد نفس الناس الذين كرهوك في حياتك واهانوك وعاملوك بعنصرية لانك مصري تجدهم ايضا يقتحمون بلادك ويخضعون شبابها فكريا ويحولوهم الى مسوخ وهابية تشبههم . ياللعار نحن نعيش تحت الاحتلال السعودي بالفعل فقد صاروا هم السادة ونحن عبيدهم !!!

كانت داخلي غريزه قوية للانتقام من كل ما هو وهابي سلفي على كل ما فعلوه بي منذ طفولتي حتى اكاذيبهم بشأن الغير مسلمين والغير وهابيين . بدأت بالبحث عن كل الطوائف التي تكرهها الوهابيه . بحثت عن القرآنيين والاشاعرة والماتوريدية والصوفية وطوائف اخرى لا اذكر اسمائها وقد كنت اسمعهم واتابعهم واشترك في مجموعاتهم على الفيس بوك . حتى انني كنت استشهد بالشيخ اللبناني جميل حليم كثيرا عندما كنت اريد التحدث عن ابن تيمية المجرم شيخ الدماء والارهاب . فالرجل كان يكفر المبتدعة مع انه هو ذاته كان يرى ان الله له جسد ويدان وقدمان ورأس وعيون وشعر وكلتا يداه يمين !!! نعم يا سادة كانت هذه وجهة نظر ابن تيميه كبيرهم في الاله الخالق . فاذا كان الاله نفسه عند هؤلاء المجرمين هو مجرد جسم مادي مذكر فكيف يمكن ان ننسب هؤلاء الى الروحانيات من الاصل ؟؟؟

تمر الايام وأبدأ بعدها في سلوك طريق آخر . هو اتجاه لم يكن معاديا للاسلام بل كان يعترف به ويعترف بنبوءة محمد ايضا ولكنهم يؤمنون انه ليس اخر المرسلين . نعم ايها الساده انهم البهائيين . ابناء السماء الغير معترف بهم واصحاب الخبرة في تقويم الاعوجاجات في الاديان الابراهيمية واعادة تفسير نصوصها بما يلائم الروحانيات هكذا كنت اراهم بالفعل .

كانت تجربة جديدة ومثيرة بالنسبة الى مسلم سني اعتاد ان يرى الدين بصورة متعصبة منغلقة متفاخرة دوما بذاتها لا تتمنى الخير الا لابناء الدين فقط كارهة للفن والحياة .

كنت أسمع كثيرا عن الروحانيات ولكنني لم اكن أشعر بها ابدا قبل تلك التجربه ولم اتلمسها ابدا في خطاب مشائخ الاسلام . نعم ان التجربة البهائية قد علمتني المعنى الحقيقي للخير والمعنى الحقيقي للروحانيات والسمو النفسي والرقي الانساني . شعرت للمرة الاولى في حياتي بالطمأنينة والارتقاء والانتشاء الروحي الداخلي وللمرة الثانية يكون الفضل للمرأة .

انها نورة أمين التي كانت تمثل بالنسبة الي الام الروحانية . علمتني ان الله لا يعذب الناس بنار ابديه ولا يكافئهم بماخور جنسي فالله ارقى من ان يكون مجرد كائن شهواني قواد مهووس بالسلطة يكافىء اتباعه بهذه الطريقة المتدنية روحانيا ويعذب خصومه بتلكم السادية والانتقام . فالعذاب والنعيم هو مجرد اشياء معنوية فذوي النفوس الطيبة يصلون الى اعلى السماوات وذوي النفوس الخبيثة يتدنون الى اسفل سافلين لسنين طويله الى ان يرتقوا بانفسهم فيرفعهم الله بعدها الى سماوات الروحانية . اما ايات العذاب والنعيم فقد كانت مجرد تشبيهات ليس الا . هذا ما تعلمته على يدي نوره امين .

اذكر ان الصلاة في الاسلام كانت من اكثر الاشياء التي تخيفني وتقلقني من مصيري الاخروي فانا لم اكن مواظبا ابدا عليها حتى انني سألت نوره في مره هل تارك الصلاة فعلا سوف يعذب ويأكله الثعبان الاقرع ؟ فكانت اجابتها وقتها صادمة بالنسبه الي . ليس هناك شيء اسمه ثعبان اقرع ولا عذاب قبر اصلا يا أحمد !! كما ان الله ليس كبابجي يتسلى بشوي الناس على الفحم !!

لا انكر انني تعلمت من البهائية الكثير وقد شجعتني نوره امين على تحطيم مخاوفي من عالم ما بعد الموت وقد شجعتني ايضا على الاستمرار في الرسم وزرعت بداخلي المفهوم الحقيقي للروحانية . لا عجب فالبهائيين بطبعهم فنانين وذوي حس مرهف جدا فقد كانت نوره امين معلمة بيانو وفي صباها كانت راقصة باليه . كانت تجربة مليئة بالحكمة والابداع فقد غيرتني بالفعل تلك السيدة الحكيمة ووضعت احجار الاساس في بناء شخصيتي الحالية التي لم تعد تخاف او تكترث لما يقوله ذوي العقول المريضة المنغلقة والمتحجرة .

علمتني ان الله فعلا جميل يحب الجمال . علمتني ان الفنان هو حبيب الله . علمتني ان الجنة ليست حكرا على احد بل ان الجميع سيدخلونها بالفعل . علمتني ان الخوف من الله لا يعني ابدا الرعب منه وانما الخوف من عدم وصول بركاته الي . كانت تصطحبني معها دوما الى جلسات الدعاء وهي تقليد ديني بهائي يجتمع فيه الناس من شتى الاعمار والاديان والبلدان ويبدأ كل منهم بقراءة نص ديني من اي كتاب مقدس كنوع من لم الشمل . رأيت اناسا من شتى بقاع الارض يجتمعون جميعا لكي يتعلموا ان الله يحبنا جميعا .

لم يكن هذا سقف الطموح بالنسبة الي . فالبهائية ايضا كأي دين لها طقوس ولها التزامات دينيه . احببت التجربة وادين بكل الفضل لها في تغييري واخراج الطائر الحر بداخلي من قفص الوهابية المخيف المظلم ولكنني لم اكن انوي التوقف عند هذه المرحلة فالطائر الحر قد خرج من قفصه اخيرا بعد ظلم وحبس دام سنوات وسنوات ولن يقبل ان يتوقف عن الطيران لمجرد التزامات دينية فهو ليس ملكا للبهائية او اي دين او معتقد هو ملك الانسانية وينتمي للحقيقة اولا واخيرا .

نعم هذه هي الحقيقة فالبهائية فعلا كانت طريقي الى نور الحرية والتخلص من عبودية النصوص . فعندما تواجه العديد من التفسيرات والمفاهيم المغايره وتتقبلها وتشعر بانك في حاجة لمعرفة المزيد فهذا يترك فيك اثرا جيدا ويخلصك من مخاوفك وبالتالي غضبك مما يعني انه يستحيل ان تتحول الى ارهابي فيما بعد لان خطاب الكراهية لن يعد يجدي معك فقد امنت بالجميع ولم تعد تعادي احدا .

هذا بالضبط سبب مناداتنا بالعلمانية . تخلصوا من توجساتكم من الاخرين . اسمعوا الاخر لعله يقول ما تحتاجون ان تسمعوه بالفعل . دعوا النور يدخل قلوبكم وعقولكم ولا تمنعوه وسترون العالم اجمل ولن يكون هناك تفجيريين وانتحاريين وفاشيين وعنصريين ومتحرشين طالما كل البشر احرار وليس هناك فاشية او امر بمعروف او تغيير منكر بالمفاهيم الوهابية الفاشية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي