الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق وقطر، مقارنة دولية

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2023 / 3 / 11
المجتمع المدني


في ستينات وسبعينات القرن الماضي عندما كان العراق يتألق بتاريخه الدولي، ككيان سياسي متميز يشار اليه بمستقبل افضل، اذ كانت علاقاته الدولية قد تميزت بالمرونة والمال العام كان بيد سلطة تكاد تستقل وتتميز بمخزونها المالي، المتجرد عن الميول السياسية، حتى بعد قيام الانقلاب العسكري عام 1968 لبضعة سنوات، اي قبل قيام الحرب العراقية الإيرانية. كانت الميول الطائفية تحت الانضباط الوطني لما جسده المجتمع العراقي من نظام علماني وضع التيار الديني ضمن القيم الاجتماعية الرصينة. لقد تأسست الدولة العراقية بحسب مؤتمر القاهرة الذي عقدته بريطانيا عام 1921عندما اطلق عليه في وزارة المستعمرات البريطانية التي تعنى بشؤون الشرق وهي الولايات العربية التي كانت تحكمها الخلافة العثمانية، لقد الغى الاحتلال البريطاني هيمنة تركيا على الدويلات العربية وفرضت اسلوب النمط الغربي من خلال الاحتلال الذي جسّد تلائم وانسجام وقبول المجتمع العراقي، تنصب فيصل الاول ملكاً على العراق. لقد تأسست اثر ذلك المملكة العراقية، وهي النموذج المثالي لتاريخ دول الخليج، فتشكل المجلس التأسيسي برئاسة عبدالرحمن النقيب، صار العراق دولة مستقلة تدين بالولاء لبريطانيا حتى باتت كيانا واجتماعيا وسياسيا فكان النقيب اول رئيس للوزراء في المملكة وقد خلفه عبدالمحسن السعدون، وفي العام 1922 تمت الموافقة على تأسيس الاحزاب السياسية على النموذج الاوربي. كانت باكورة الدولة العراقية متمثلة بالملوك الذين حكموا العراق من عام 1921 الى سقوط النظام الملكي عام 1958. فلقد مثّل الملك فيصل الاول والملك غازي النزعة الوطنية لبناء دولة حقيقية معاصرة تكون النموذج المتميز في المشرق العربي، لتنافس مصر الاسرة العلوية والاسرة السعودية في الحجاز.
بدأ العراق عهده السياسي الباكر كنظام برلماني ديمقراطي فيدرالي مستندا على نظام التعددية الحزبية، فكان رئيس الورزاء يمثل السلطة التنفيذية، بصفته رئيس الحكومة، وانيطت السلطة التشريعية في مجلس النواب العراقي. هكذا كان شكل الدولة العراقية وشكل حكوماتها التي تعاقب على حكم العراق، لقد تغير الطابع السياسي منذ سقوط النظام الملكي الذي بدأ باعدام العائلة الهاشمية المالكة، ليبدا عهد تغير فيه شكل الدولة من نظام مدني في العهد الملكي الى مؤسسة عسكرية، سحقت الشكل الديمقراطي لكنها ابقت عليه شكلا افتراضيا وان بدا في عهد الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم شكلا ديمقراطيا ساذجاً الإ ان قاسم لم يتمكن من ضم الاحزاب في بوتقة الديمقراطية، اذ بدا الصراع منذ الايام الاولى لانقلاب عام 1958 بينه وبين العقيد عبدالسلام عارف الذي شارك عبدالكريم قاسم الانقلاب العسكري على الملك فيصل الثاني. تطورت الاحزاب السياسية وتحولت الى صراع اكثر دموية عندما وجدت في حكومة قاسم ضعف انضباط الدولة وميولها الإنسانية ازاء العنف والسعي للوصول للسلطة تحت اي ثمن.
كان هدف قاسم ان يستقل العراق كليا من اية احلاف او احزاب تجعل السلطة بيد فئة دون فئة لكن قاسم لم يمتلك رؤيا سياسية واعية، لهذا نجح الانقلاب الذي دبره عارف ضده فتم اعدامه في دار الاذاعة. تسلم عارف السلطة ولم يكن رجلا سياسيا بل عسكريا تولى قيادة مجتمع مدني، لقد نشطت في عهده تيارات الاحزاب الدينية التي كانت تطمح هي الاخرى استلام السلطة بهدف تقديم الشريعة الاسلامية في حكم البلاد وان يكون المذهب الشيعي حاكم الدولة. اشتد كذلك تيار الحزب الشيوعي العراقي وتيار حزب البعث العربي الاشتراكي، وكلاهما حزبان علمانيان، كانا الشكل النقيض والدموي لبعضهما حتى شهد العراق صراعا دمويا بين الحزبين، اضافة الى طموح الطبقة الدينية في سعيها للوصول الى هرم السلطة. لقي عبدالسلام عارف مصرعه في ظروف عامضة اثر تحطم طائرته، فخلفه اخوه عبدالرحمن عارف اذ قاد البلاد على وتيرة التعايش السلمي فمنح الكثير من الحريات وشهد عهده الكثير من الاستقرار، وتحسن الاقتصاد العراقي بما قدمه عبدالرحمن البزاز العقلية الاقتصادية التي شقت طريقها رغم نمو صراع الاحزاب واقترابهم اكثر من السلطة.
كان هذا شكل الدولة العراقية قبل انقلاب 17 تموز عام 1968 فلقد كانت تشبه الى حد بعيد شكل الدولة العربية في مثيلاتها لدول الخليج كالسعودية، قطر، والكويت. الا ان شكل العراق الاداري للدولة قد تغير جوهريا عندما نجح انقلاب عام 1968 فأتى بقادة اختلفت توجهاتهم بشكل جوهري في الاحتفاظ بكيان الدولة العراقية، رجلان غيرا تاريخ الوجه السياسي للعراق احدها عبدالرزاق النايف اول رئيس حكومة عراقية بعد انقلاب عام 1968 مديرا للاستخبارات العسكرية، وقد اغتيل اثناء خروجه من فندق كونتننتال في لندن عام 1978، وابراهيم عبدالرحمن الداود آمر لواء الحرس الجمهوري، عاش منفيا في المملكة العربية السعودية. لقد حل التاريخ الجديد في العراق، في انقلاب 30 تموز عام 1968 حيث تمكن حزب البعث من انتزاع السلطة من النايف والداود ليبدأ العهد الدموي الجديد للعراق؟ قبل غزو العراق عام 2003 كان حزب البعث الحزب الحاكم مثله مجلس قيادة الثورة الذي تكون من 9 اعضاء وكان صدام حسين يشغل منصب رئيس المجلس ورئيس الدولة فكان المجلس بقيادته يتخذ القرارات المصيرية اي قرارات الرئيس العراقي بشكل مباشر.
امتلك العراق مجلس البرلمان او السلطة التشريعية، بهدف سن القوانين سميت بالمجلس الوطني، بمجموع اعضاء 250 عضواً وقد تم تشكيل المجلس عام 1980 وكان جميع اعضائه ينتمون الى الحزب الحاكم في العراق، حزب البعث، وقد مثلت السلطة التنفيذية مجلس الوزراء ، عندما تركز حزب البعث في الهيمنة الكاملة على السلطة انقسم القضاء الى نوعين، المحاكم العامة، والمحاكم الخاصة التي التزمت القضايا المخلة بأمن الدولة والحزب سميت بمحكمة الثورة، والتي كانت قراراتها بين السجن المؤبد وغالبا بالاعدام، كانت محاكمات صورية يسبقها التعذيب حتى يتمنى الضحية الموت قبل تنفيذ حكم الاعدام.
تفرد العراق عن دول الخليج بهذا التنويع الجديد الفريد في قسوة تطبيق محكمة الثورة الامر الذي تميز فيه العراق، ولقد بدأ العراق يبتعد عن شكل المقارنة الدولية بينه وبين دولة قطر على سبيل المثال، من منتصف السبعينات، في شكل الدولة، بين دولة قطرية لم تنمو فيها الاحزاب السياسية بهدف الوصول للحكم بطريق العنف واستباحة الاعراض، فصار العراق منذ العام 1975 يبتعد كثيرا وعلى مر السنين بالسيطرة على المال العام لصالح التكتل السياسي للحزب الاوحد، حزب البعث.
انتجت فترة الانقلاب البعثي في العراق في العام 1968 الى سقوطه عام 2003 نماذج جديدة من اساليب الارهاب الوطني وقمع المواطن بالتدرج كلما تمكن الفكر السياسي للبعث من قمع الاحزاب الاشتراكية، والديمقراطية انهارت معه القيم الفكرية والنموذجية لقيام الدولة الوطنية، فعمد لتدمير الفكر التقدمي من خلال ازالة اعلامه ورموزه الفكرية، فلقد تم اعدام عزيز السيد جاسم، عندما حاول تطوير فكر حزب البعث بما ينسجم مع القيم الوطنية للدولة، وشفيق الكمالي عندما تحالف مع الوطنيين العراقيين والقوميين العرب مما اضعف علاقته بحزب البعث، وصار صدفا للتصفية الجسدية. كان من علامات الانتهاكات في عهد صدام حسين الجرائم التي اثبتها التاريخ كانتهاكات حقوق الانسان، وقد شملت القتل الجماعي، والاغتيالات التي تم تنفيئها داخل وخارج العراق، الامر الذي تفردت فيه سلطة البعث عن الحكومات التي سبقت تسلم حزب البعث السلطة السياسية، ولقد مارس البعث الاعدام و التهجير القسري لملايين العراقيين بعد تجريدهم من مستمسكاتهم واموالهم وعقاراتهم و رميهم على الحدود العراقية الايرانية بهدف شن الحرب، ثم انتقلت دموية النظام الى احتلال الكويت بهدف ضمها الى الاراضي العراقية لتعويض خسارة الحرب ضد ايران، وقد ادت تلك الحرب الى اختفاء مئات الكويتيين ونقلهم قسراً الى العراق واعدامهم ودفنهم بطرق سرية لم يعرف اماكن دفنهم الى يومنا هذا. من اجل القاء نظرة واقعية على طبيعة دولة قطر في شكلها العربي القومي وايجاد سبل المقارنة بينها وبين العراق كدولة عربية، قطر دولة مستقلة صغيرة الحجم في منطقة الشرق وهي شبه جزيرة في الخليج العربي، وقد استقلت عن بريطانيا عام 1971 بينما استقل العراق عن الحكم البريطاني عام 1958، ابتدأ العراق في فترة طويلة سابقة قبل استقلاله الى اعتماد تقريب الاحزاب السياسية وتمكنه من تسيير الدولة وفق النظريات السياسية المتصارعة، بينما ابتعدت قطر عن تشكيل الاحزاب السياسية ووضعت ثقلها السياسي على مدنية الدولة بأسلوب برلماني فاعل.
كلا البلدين نفطيين، فالعراق امتلك مخزون نفطي هائل زاد كثيرا عن الانتاج النفطي القطري، وذلك لطبيعة واقع المساحة الجغرافية والنفوس بين البلدين، فالعراق اكبر بعدة مرات من قطر، لكن قطر وضعت النفط والغاز بعيدا عن الصراع السياسي للاحزاب وبعيدا عن هيمنة العسكر في المال العام، لقد صارت فاعلية قوانين قطر اكثر صلابة في الحفاظ على هيكلها الوطني، بينما انهارت قدسية المال العام في العراق وتحول الى تراث تاريخي ربحي لكل جهة سياسية حلت في العراق ولكل صراع عسكري اتخذ من المال العام طريقا للكسب الشخصي. تسلم الملك فيصل الاول الحكم في العراق عام 1921 قاد دولة مختلفة الاطياف، لكنها غير موحدة الاهداف، بينما بدأ استقلال قطر في العام 1968وطرأ عليها تطور سياسي كبير عندما اعلنت بريطانيا انسحاب قواتها من جميع مناطق شرق السويس فتحولت امارات الخليج جميعا الى اتحاد دولي مشترك وكان لقطر، البحرين، ابوطبي، دبي وغيرها من الامارات ان تمكنت تلك الامارات من شق طريق متميز وقد استمرت المفاوضات بين بريطانيا واستقلالية هذه الامارات الى ان تم الاستقلال التام عام 1971 حتى تمكن الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني الغاء المعاهدة البريطانية التي وقعت عام 1916 فاصبحت قطر دولة مستقلة.
بلغ عدد سكان قطر 3 ملايين نسمة الى اواخر عام 2021 بيد ان السكان الاصليين للبلاد يقل عن نصف هذا العدد، بينما شكلت نسبة العرب 40% ، ومن الاعراق الاخرى زادت نسبتهم عن 25% ، لقد اعتمدت قطر على تنويع الايدي العاملة واستخدام العقول الاجنبية للنهوض بالبلاد في مختلف مجالات المعرفة، وقد ركزت على العلوم التقنية والعمرانية، بينما بلغ نفوس العراق في اواخر عام 2020 زاد عن 35 مليون نسمة. اعتمد اقتصاد قطر بشكل اساسي على النفط ومشتقاته، وقد بلغ الناتج اليومي ما يقارب المليون برميل يوميا، على ان قطر تحتل المرتبة الثانية عالميا من احتياطي الغاز الطبيعي. لم يعتمد العراق على التنويع السكاني ولا على جلب العقول الاجنبية في محتلف نواحي المعرفة، التقنية منها والعمرانية، وبقي متراجعا بشكل شديد امام عدم تطوير البنية التحتية ولا في تطوير مصادر الطاقة رغم مرور 20 عاماً بعد سقوط النظام العراقي على يد القوات الامريكية عام 2003. يضخ العراق بما يعادل 4 ملايين برميل يومياً من النفط ومشتقاته، وكانت الأيدي العاملة العراقية في مختلف قطاعات الدولة متخلفة، لم تحصل على فرص التطوير العلمي. نعود الى الجانب العسكري بين البلدين، امتلكت قطر جيشاً نظاميا مدرباً ومجهزا بتقنيات عسكرية متطورة، ويقدر الانفاق العسكري رغم تنويع قدراته ومهاراته العسكرية لقطر بحوالي 5% فقط من اجمالي الناتج القومي وهي نسبة قليلة لا تشكل عبئا على قدرات الدولة المالية بحيث بقي مخزون المال العام كبيرا واحتياطه القومي قوي بما ينافس اعلى المصادر الدولية للاقطار التي تعتمد على ترشيد المال العام بما يخدم مصلحة ورفاهية الفرد القطري.
بالمقابل اعتمد الجانب العراقي على المليشيات المسلحة التي تحمي النخبة للاحزاب الدينية والسياسية وتنتشر في عموم العراق مما تشكل ميزانية هائلة في الانفاق، حتى صار لكل مسؤول شبكة حماية مسلحة غالبا يفوق عددها المئات وتم رصد ميزانية خاصة بها، مما اضعف سياسة المال العام وجعلها هامشية وبل ولا تكاد تذكر ضمن منهاج الدولة القومي، لقد صار الانفاق العسكري رمزياً لم يزد عن 10% ذلك بسبب توجيه الانفاق للمليشيات المسلحة التي تحمي اقطاب المرجعيات الشيعية المتنفذة والتي ترتبط بإيران وتستلهم منها آلية ميزانية الدولة وطبيعتها المستقبلية. تحول الانفاق العسكري من تقنية الدولة في حماية امنها الوطني الى انفاق الدولة لحماية النخبة الدينية بنسبة زادت عن 40% ان امرا كهذا تسبب في تراجع الخدمات الاساسية للمواطن، حتى باتت البنية التحتية من ماء وكهرباء من الامور الثانوية التي لا يرغب المسؤولون في الدولة العراقية الانفاق عليها.
اتبع العراق خط الولاء والتبعية لحمايته الوطنية مقابل التخفيف عن الحصار الدولي الذي تتعرض له ايران بحيث تتسرب قدرات الدولة المالية في التخفيف من وطأة الحصار الاقتصادي على ايران، لقد وقع العراق على ميثاق التبعية منذ عام 2003 الى يومنا هذا، بينما وقعت قطر ميثاق دفاعي مع فرنسا مقابل تطوير قدراتها القتالية على شراء احدث الطائرات المقاتله نوع ميراج وكذلك وقعت على اتفاقات دفاعية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اي ان قطر اتجهت للغرب في استخدام تنويعاتها العسكرية، بينما اتجه العراق للشرق، واختار طريق التمسك بإيران فصار العراق ضمن الاجنحة السياسية التي تدريها الإدارة الإيرانية من طهران. امتلكت قطر رغم صغر حجمها نظام دفاع جوي متطور فاعل يدار بسلاح جوي وبصواريخ ارض جو، اما على الجانب البحري لقد امتلكت بما يزيد عن 4000 من رجال الشرطة البحرية فلها الإشراف الكامل على حدودها البحرية بقوة بحرية فاعلة، بينما باع العراق حور عبدالله البحري للكويت، ولم يعد يمتلك اية قدرة ولا منفذ بحري يفتح العراق للعالم الخارجي بحراً. لقد كان الى وقت سقوط النظام العراقي عام 2003 للعراق والكويت ممارسة سيادته على الجزء الخاص لكل بلد في الممر الملاحي، لقد امتد الممر البحري للعراق 12 ميلاً بحرياً من الاراضي العراقية باتجاه البحر، لكن العراق تنازل عن حقه التاريخي والجغرافي، لقد صوت البرلمان العراقي عام 2013 ، بينما سعت قطر الى تثبيت كيانها البحري سعى العراق الى إزالة وجوده البحري.

تشابهات وتناقضات قطرية عراقية :

1 – يعتبر العراق من الدول المتميزة في صراعه القومي المتعدد، اي الصراع العربي الكردي، فهذا الأمر يعتبر الى يومنا مصدر تخلف وهدر للطاقات والثروات الوطنية بحيث يذهب بما يعادل 20% من ميزانية العراق الى الجانب الكردي، ورغم ذلك يحاول الاكراد استغلال الفرص التاريخية للاستقلال عن العراق رغم انهم يعيشوا فيدرالية مستقلة داخل الدولة العراقية، فلهم كيان مستقل. وهم رغم توفر الميزانية التي قدمتها لهم الفيدرالية، إلا انهم يصدروا النفط ككيان كونفيدرالي، بينما عالجت قطر مشكلة التعدد العرقي على اساس التكافؤ في العمل وفي فرص الحياة، اي لم تختار طريق الصراع القومي.
2 – اختارت قطر عدم زج السياسة الحزبية داخل اروقة الدولة رغم انها سمحت لحرية الصحافة، لكنها لم توفر ارضية للاحزاب السياسية ان تنشا صراعات وطنية او تتوسع بطموحاتها للوصول الى هرم السلطة. بينما تميز العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 على تغذية الصراع السياسي للاحزاب، مما جعل الدولة تنهار في صراع دموي، منتقلا من صراع سياسي الى ديني، مما ادى هذا الصراع الى ظهور الطائفية التي ميزت العراق عن غيره من الدول العربية، وهذا ارث قد ارهق العراق وخرب قدراته التنموية فلم تعد هناك مزايا حقيقية يمكن الاستدلال بها الى كيان دولة. فصار التناحر الدموي للاحزاب الى يومنا هذا.
3 – قادة العراق منذ تأسيس الدولة العراقية اعتمدوا على المؤسسة العسكرية كواجهة لحكم الدولة، ربما كان ذلك بسبب الطبيعة العدوانية التي تعاقب على حكم العراق في عهود سابقة، كاحتلال العراق من قبل الدولة العثمانية، او بسبب الغزو العسكري البريطاني، مما جعل الاحساس بالتفوق العسكري الهاجس الوحيد الذي يجعل الدولة قوية وقائمة، تلى بعد ذلك الغزو الامريكي للعراق، مما جعل الجانب العسكري يجد الطبيعة الوطنية لقيام الدولة العراقية. بينما اعتمدت قطر على الجانب المدني للدولة منذ بداية تأسيسها، وهذا الامر قد جعلها تتبوأ بسرعة مكانا دوليا راقيا وترسم للملأ قيم التعامل المدني الحقيقي للدولة المعاصرة.
4 – ارتبط تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها بشواهد انهيارها فلقد تأسست على قوانين خاطئة اذ غذت وطورت الدوافع الطائفية والعرقية، وهيأت اجواء الاستقلال الطائفي والقومي، بشكل جعل انهيار الدولة مهيأ في كل مفاصل الحياة اليومية للعراق، قام حزب البعث بمسخ شخصية الدولة والمواطن وتجريده من كل مقومات الابداع الفكري، فلقد استخدم اسلوب هدم ثقة المواطن بنفسه، وقام بتفكيك الروابط الأسرية، بأسلوب ارهابي تعسفي مقيت، فلم يكن حزبا سياسيا بل مجرد نخبة لم تمتلك مشروعا لبناء الدولة بل مشروعا لتدمير ارتباط المواطن بالدولة، هذا الأمر نراه يختلف جذريا في دولة فتية صغيرة كقطر، التي فتحت المجال واسعا لحرية الفكر، وقوضت تحول الاحزاب الى مناطق نفوذ وهيمنة لزعزعة امن الدولة، فلقد قامت بتربية الفكر الإنساني مستندة على قيم تربوية غربية بنمط اسلامي تقدمي مرن، لهذا لم تكن هناك فرصة لنمو التربة الطائفية. بقدر ما مزقت الاحزاب السياسية في العراق وعلى رأسها حزب البعث الاطول عمراً في الساحة العراقية، الشعب الواحد، وحولته بين سندان الطائفية ومطرقة القومية، بين العرب والاكراد، بينما تمكنت قطر من بث الوعي واعتمدت على الجيل الجديد فلم تراهن على سباق التسلح ولم تغذي عوامل الصراع الاقليمي بهدف الهيمنة القومية على تراث الدولة الخليجية بل رسمت قانون المعادلة في التعامل على اساس القيم الدولية.
5 – نادت قطر بتوحيد الصف العربي والاسلامي، مما جعلها قوة عربية لم تتخل عن هويتها الوطنية، حتى تحولت مزاراً لكل العرب والاجانب ممن اعجبتهم التجربة القطرية، بينمت عمل الفكر السياسي في العراق على تمزيق التضامن العربي حتى بحده الأدنى واعطى الفرصة لقوى اجنبية توفير الحماية لدول الخليج، بل وضرب العراق الحركات الوطنية في المنطقة وفقاً لحسابات واجندة اجنبية.
6 – تبنت قطر مشروع الدولة الوطنية، فلا ميول ولا اتجاهات متطرفة ولا انحياز للغرب على حساب المصالح الوطنية، بل اتخذت خطاً صادقا راعت فيه المصلحة الوطنية كمصلحة عليا فوق اي اعتبار، اي انها تميزت واظهرت وجودها الدولي المتماسك منذ سنين ولادها الاولى، بينما افتقد العراق الخط الفاصل بين الدولة وحزب البعث، مما جعل شكل الدولة العراقية لا تشبه اية دولة عربية او خليجية، ذلك ان قادة الاحزاب لم يمتلكوا مفهوم الدولة المدنية.
7 – اعتمدت قطر على تأسيس الشرطة الوطنية، المثقفة، المتخرجة بحسب اساليب الحداثة في التعامل مع قيم الوطن والمواطن، عناصر ليس في مفهومها التعصب الحزبي ولا الطائفي، بينما اعتمد العراق وحتى بعد سقوط النظام عام 2003 على ابقاء الاجهزة الامنية المتسلطة على كسر امن المواطن، فلم تكن تلك الاجهزة مقتنعة بالتغيير الجديد في بنية الدولة العراقية، ذلك انهم احتفظوا بالعداء لأمريكا، غير مدركين اهمية تغيير البنية الوطنية للدولة، فكان الكثير منهم عناصر ارهابية ترعرعت بحسب مفاهيم القمع اذ كانت ايدي تلك العناصر تتمتع بتاريخ اجرامي طويل امتد عشرات السنين، اي بقي التخلف الوطني على حاله بلا تغيير. بقي ولاء تلك الاجهزة لنظام الحكم السابق، وهذا ابقي الحقد الطائفي والعرقي قائما ولم تتحرك مفاهيم الديمقراطية في عقلية المواطن العراقي فاحتدم الصراع ولم يغير الاحتلال الامريكي ولا سقوط النظام حال العقلية العراقية ازاء المفهوم الجديد للدولة.
8 – يصدر العراق يوميا ما يزيد عن 4 ملايين برميل يوميا، تدر عليه شهريا مليارات الدولارات بشكل لو تم استخدام المال العام بطريقة قانونية تنموية ستوفر للشعب حياة رفاهية تفوق قطر او اية دولة خليجية الا ان استغلال المال العام لمنافع شخصية طائفية وتحويله لحسابات اقليمية خارج اطار الدولة قد رفع معدلات الفقر والحرمان الى نسبة زادت عن 60% فتحول المجتمع العراقي الى مجتمع فقير بائس افتقد الى ابسط اسباب الحياة الطبيعية، فانتشر الفساد الاجتماعي ووصلت معدلات الجريمة لمستويات قياسية، وانتشرت البطالة بشكل مخيف حتى فاقت نسبتها 70% مما عرض المجتمع للانهيار الاخلاقي ولتبدل طابعه الإسلامي بفرض اخلاقيات لا تمت لقيم المجتمع الإسلامي بصلة. بينما كفل القانون القطري للفقراء كافة التمتع بنفس الحقوق في الحصول على الموارد الاقتصادية، اي حافظت قطر على الطابع الاخلاقي والإسلامي للمجتمع القطري ومن يعمل لصالحه من غير القطريين. لقد تم تعميم الحقوق المدنية وتوسيعها بالحصول على حق العمل والتملك وحق المنافسة المشروعة حتى شمل القانون جميع الاسر في الحصول على كامل اسس الضمان الاجتماعي. كذلك توفير المياه الصحية، والاتصالات وتوفير التعليم وسهولة توفير المواصلات، والكهرباء، والتركيز على الرعاية الصحية بشكل يشمل جميع مواطني الدولة بتأمين طبي فاعل . لقد تم القضاء التام على الفقر والحرمان في قطر مما وفر الفرصة في ادارة المال العام وفق قوانين الدولة الحديثة. عراقياً توفرت للنظام الحاكم قبل سقوط النظام فرصة امكانية توفير شبكة مترو انفاق مما يجعل العاصمة بغداد تتخلص من الاختناقات المرورية ويوفر فرص اداء اعمال الدولة بطريقة افضل فتلك القيود والازدحامات المرورية تستغرق ساعات كل يوم، لكن القيادة الحاكمة وقتئذ اختارت طريق الحرب، فانفقت ميزانية الدولة على الانفاق العسكري، بينما اتجهت قطر في وضع ميزانية الدولة على تحديث الطرق بالشكل اللائق لسعادة المواطن والعامل في قطر.
9 – طبقت قطر مبدا القانون المدني فيما يخص طبيعة العلاقة والمساواة بين الرجل والمرأة، فلم تسترخص مكانة المرأة في متاجرات خارج قانون الزواج الذي يحفظ للمرأة حمايتها ويجعل العلاقات الأسرية متماسكة، غير تلك الحالات التي تحولت فيها المدن العراقية ذو الاغلبية الشيعية التي تحوي قوانين شكلية لزواج متعة او منقطع، تحولت فيه المرأة وحتى طفولتها الى اسلوب تجاري صار فيه جسد المرأة والقاصرة الى تشريع ديني بغيض لا علاقة له بقيم التعاليم الإسلامية.
بلغ حجم الاقتصاد العراقي للعام 2013 في ميزانية العراق 108 مليار دولار، اقل من 90 دولار لبرميل النفط، في العام 2014 بلغت ميزانية العراق 150 مليار دولار، على اساس سعر البرميل 90 دولار، في العام 2015 بلغت ميزانية العراق 105 مليار دولار، بحسب سعر البرميل وقتئذ 70 دولار. في غياب خطة تنموية بلغ العجز المالي 23 مليار دولار تقريباً، فلم يتم التصديق على ميزانية الدولة للعام 2014 بل بقيت الارقام والتوقعات تتأرجح في مجلس النواب بين الاتهامات المتبادلة والغموض في طريقة الانفاق. التصديق قد يعلن برلمانيا، لكن اسلوب الرقابة المالية ولجنة النزاهة تبقى شكلا صوريا لا غير. ولعل تجربة عام 2014 بجعل العراق دون موازنة مالية، نتيجة التوتر السياسي الحاصل جراء الاحتجاجات المتواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي أدت إلى استقالة الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي وتحولها لحكومة تصريف أعمال ليس من صلاحياتها إرسال مشروع قانون الموازنة المالية إلى البرلمان هذا بمعنى اختفاء التصريح الرسمي بمصير موازنة عام 2014 مما يدلل على تصاعد معدلات الفساد الإداري وغياب نزاهة الدولة او فقدانها اصلاً مما يرجح الظن ان عدم اقرار مشروع موازنة لسنوات اخرى تلت العام 2014 يعني تزايد معدلات البطالة وارتفاع نسب الفقر بسبب نمو السكان السنوي مع اتساع الخسائر الاقتصادية وغياب الانفاق الاستثماري، الامر الذي فتح انعدام الثقة بين الدولة العراقية والمستثمرين، وادى الى توقف المشاريع الكبيرة التي لم تشهد اي مبادرة على صعيد مستقبل العراق، فالعراق يعاني من ركود اقتصادي بسبب غياب العقول الإقتصادية التي توجه ادارة الدولة المالية والتنموية. ادى هذا الحال الى ارتفاع معدلات الجريمة وتوفير الفرص من المتسلطين على السياسة العراقية واحزاب السلطة حتى بات المال مشروعاً يتصارع عليه الاقوى في هرم السلطة. بالمقابل اعتبر الاقتصاد القطري واحداً من اغنى الاقتصادات في العالم تبعا لإدراج ميزانية الدولة وضبطها في ديوان الرقابة حتى حلت قطر في قائمة بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تتصدر قائمة الدولة في اقتصادها الوطني المتين، لم نر الجانب الآخر في العراق غير المديونية والتخبط في الإنفاق واختفاء المعلومات المالية التي تضبط المال العام، فليس هناك جدول دولي يميز العراق كدولة ذو توجهات اقتصادية تنموية.

لماذا المقارنة بين العراق وقطر؟
استقل العراق عام 1921عن بريطانيا، بينما استقلت قطر عام 1971 بعد ان كان تابعا كذلك الى بريطانيا، ففي خلال 52 عاما اي الى عام 2023 حققت قطر منذ ذلك الحين تحولات هائلة من مجتمع امتهن صيد اللؤلؤ والسمك كمصدر رئيسي للدخل انتقل لإنتاج النفط والغاز في تمويل وتوسيع البنية التحتية حتى بات اقتصاد الفرد القطري من اعلى معدلات الدخل في العالم، بالمقابل مضى على استقلال العراق 102 عاماً، من مجتمع اعتمد على الزراعة والصناعات الحرفية البسيطة، كمصدر رئيسي للمعيشة، انتقل الى انتاج النفط في تمويل مشاريع شخصية تخص فئة متنفذة تسلطت على مصادر ثروته الوطنية عليه لتمويل مصالح دول خارج حدوده الوطنية. فالمقارنة هنا ليست بالمساحة ولا بعدد نفوس السكان، ولا بالمحتوى العربي والإسلامي، انما بطريقة التفكير فليس كسب المال لوحده من يصنع تاريخ ومكانة الشعوب بين الأمم، بل بالقيم الإخلاقية والوعي الحقيقي لفهم قيم الحياة الإنسانية واحترام وجودها عند الآخرين، فالذي فعلته قطر كانت واعية منذ البدء الى اهمية المواطن ليكون رأس مال الدولة ودوره واظهار مسؤوليتها في الحرص على حياته، بينما اظهر العراق وعلى مدى 102 عاما انه لم يستفق إلى الان من غفوته في ان نسبة 90% من المجتمع العراقي يعيش تحت طبقة الفقر ويعاني من التمييز الطائفي وفقدان العلاقة بين الوطن والمواطن، فقدان الإحساس بالهوية الوطنية، لقد حان الوقت ان ينهض العراق ليحقق الوجود والكرامه لشعبه، ان الاصل في قيام الدول توفير الامن والامان والرفاهية والإحساس بربط شبكة خدمات الدولة بمصالح المواطن، ورفع عقوبة الإعدام كمظهر حضاري إنساني، لكن عندما تعجز الدولة ينفلت فيها الأمن ويصبح المواطن اسير انهيار البنية التحتية وانعدام حرية التعبير، لا تكون هناك علاقة تجمع قيم المواطنة فلقد خاض العراق معارك حولت الحياة المدنية الى حياة العسكر، فانعدم الإحساس بالمدنية، الآن وقد مضى على سقوط النظام 20 عاماً كان يفترض ان يتجه العراق لطريق المدنية والديمقراطية بدل طريق الطائفية، وتسرب المال العام، ربما يحتاج العراق ثورة تصحيحية تعيد بناء الفكر التقدمي على قياسات دولية معاصرة تكون فيها قطر تجربة حضارية للعراق، فالتلاقح الحضاري ضروري لبناء قيم تصنع للشعوب طريق الامن والامان وتوفر لهم حياة كريمة بلا معانات، ويكون الأساس في اخلاقيات الدول وحضاراتها البناء المتميز للمجتمع المدني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق