الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زوجةٌ عظيمة ... لزوجٍ عظيم

فاطمة ناعوت

2023 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




قال أحدُ الفلاسفةُ مازحًا: "صحيحٌ أن اللهَ قد خلقَ الرجلَ قبل المرأة، ولكن المُسودّةَ دائمًا تكتبُ قبل النسخة المُنقَّحة." ويقول علماءُ الاجتماع: "إن أردتَ أن تُقيّمَ مستوى تحضّرَ مجتمع ما، انظرْ إلى مكانة نسائها." وأشعرُ بالفرح أنني أكتبُ في اليوم العالمي للمرأة هذا العام ٢٠٢٣، عن المرأة المصرية وقد استردت مكانَها ومكانتَها في "الجمهورية الجديدة"، كما يليقُ بالبلد الذي "ابتكر" الحضارة، وكرّم المرأة، قبل خمسة آلاف عام، وقتَ كان العالمُ يرفلُ في همجيته وعشوائيته. مصرُ العظمى التي نصّبتِ المرأةَ ملكةً قبل آلاف السنين، وجعلتها في الميثولوجيا ربّةً لمعظم القيم الرفيعة: مثل العدالة (ماعت)، الحب والجمال والموسيقى والسعادة (حتحور)، الفضيلة (إيزيس)، الكتابة والمعرفة (سشات)، القوّة (سمخت)، الحظ والميلاد (مسخنت)، الأم العظمى (موت)، السماء (نوت).
كلُّ عامٍ وكلُّ نساء العالم بخير. كل عام والمرأةُ حرّةُ الروح والعقل. كلُّ عام والمرأة مثقفةٌ مُدركة أن اللهَ كلّفها وحمّلها الأمانة مع الرجل لأنها ندٌّ له في الوعي والإدراك وتحمل المسؤولية. اللهُ تعالى عدلٌ؛ لم يخلق كائناتٍ ناقصةً ليكلّفها بكامل التبعة. أيها النساء، أنتن جميلات هذا الدنيا.
أنصتوا معي بقلوبكم إلى الرسالة التالية التي كُتبت بمداد القلب وقلم الشغف:
"لا تفجعي لموتي. فالموتُ مجردُ حادثٍ، لكنه ليس الأهمّ. منذ التقيتكِ يا حبيبتي، والفرحُ يملؤني لأنكِ علمتِنى كم هو عظيمٌ قلبُ المرأة. في عالمي الجديد، بعدما أصعدُ نحو السماء، أول ما سوف أفعله، هو انتظارك والتفتيشُ عنك. تطلّعي إلى الأمام، وانعمي بالحرية والحياة، وافرحي بأطفالنا. واذكريني."  
كانت تلك الكلماتُ العاشقة، هي آخرَ ما كتب زوجٌ عظيم، لزوجته العظيمة؛ لتكون رسالةَ وداع من رجل ذاهب إلى الموت بقدميه وكامل إرادته، لأنه جسورٌ لا يهابُ الحتف. كان يعلم أن غيابه عن زوجته يومًا أو بضعة أيام، يسبب لها قلقًا لا نهائيًّا، فترك لها ديكًا من الخزف، لكي تذكره كلما دبَّ في قلبها الخوفُ، فتطمئن؛ وتعرف أنه حيٌّ وسوف يعود إليها عمّا قريب. فإن كان سفرُه يُخيفها، فماذا عن موته؟!
كتب تلك الرسالة عام ١٩١٥ وهو في الأربعين من عمره، كى تفتحها إذا ما قُتِل في الحرب العالمية الأولى. لكنه لم يمت بل عاش بعد الرسالة  نصفَ قرن كامل حتى عام ١٩٦٥. لكن الرسالةَ ظلّت قطعةً فنية فريدة تحملُ من العذوبة والحبّ، قدرَ ما تحمل من إعلاء لمكانة المرأة والحبيبة، قدرَ ما تحمل من الجسارة وعدم مهابة الموت، إذا ما كان الموتُ فداءً للوطن.
أما الزوجُ، فهو رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرشل” أحد أعظم زعماء العالم. ضابطٌ ومخططُ حرب ذكيّ وسياسيٌّ داهية وأديبٌ لامع فاز بجائزة نوبل للآداب عام ١٩٥٣، والأهم من كل ما سبق، زوجٌ عاشق. وأما الزوجة، فهي "كليمنتاين تشرشل"، السيدة الرائعة التي ساندت زوجَها في الظلّ، وكان لها دورٌ مهم في توطيد علاقة زوجها بقادة الحلفاء، حتى تحقّق لهم النصرُ  على الفاشية النازية عام ١٩٤٥. لكنه، كزوج متحضّر، اعترف لها بهذا،  كما اعترف قادةُ أوروبا بجهودها في الحرب. حتى أن الزعيم الروسي الحديدي “ستالين”، قلّدها بنفسه "وسامَ الراية الحمراء" السوفيتي، ووضع في إصبعها خاتمًا مُرصّعًا بالألماس، تقديرًا لما قدمته لروسيا أثناء الحرب العالمية الثانية حين أنشأت عام ١٩٤٣ صندوقًا لمساعدة الجنود السوفيت، وقامت برحلة إلى روسيا لتوزيع المساعدات على أسر الجنود بشخصها. بدأت علاقة "تشرشل" برفيقة دربه في حفل عشاء عام ١٩٠٨. شاهدها فأُعجب بجمالها، ثم تحدث معها فأُعجب بعقلها وذكائها وثقافتها. وبعد عدة مراسلات بينهما، أرسل إلى والدتها هذه الرسالة: 
[سيدتي العزيزة، بلانش هوزير
ستكون "كليمنتاين" سفيرتي إليكَ اليوم. كنتُ قد سألتها الزواج، وها نحن نسألك معًا أن تمنحينا موافقتك، ومباركتك. تعرفين عائلتي منذ سنوات طوال، فلا داعيَ لإطالة الحديث حول هذا في خطابي إليكِ. لستُ ثريًّا، ولستُ ذا نفوذ وسلطان؛ لكن ابنتك تُحبّني، وسوف يمنحني هذا الحبُّ القوةَ لأضطلع بتلك المسؤولية العظيمة، والمقدسة. أعتقد أن بوسعي أن أجعلها سعيدة، وأمنحها الاستقرار، وأحققُ لها المستقبل الذي يليق بجمالها، وفضائلها.
المخلص
ونستون تشرشل]
الحبُّ هو الحبّ، كما ترين، عزيزتي حواء. لا يختلفُ كثيرًا حينما يكون العاشقُ عاملاً بسيطًا، أو زعيمًا أسطوريًّا. لكن الحتميّ أن سموَّ الروح، يتجلى في سموّ المشاعر، بين الرجل والمرأة. فالرجلُ، أيُّ رجلٍ، سيكون عظيمًا بقدر ما يحبُّ امرأته ويُعلي من شأنها ويمنحها الاحترام والدفء والدفع للأمام لتحقيق أحلامها. والمرأةُ، أيُّ امرأةٍ، ستكون عظيمة بقدر ما تمنح رجلَها من مشاعرَ وحنوٍّ ودفع لنجاحه وتحقيق طموحه.  حواء الجميلة، كوني زوجةً عظيمة، لرجل عظيم. وكلُّ عام وشمسُ المرأة لا تغيب.


***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah