الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط دولة المخابرات

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


اعتمدت الإدارة العامة في الدولة الأمنية البوليسية بشكل رئيسي وأساسي على استراتيجية كتابة التقارير الأمنية ورفع "تقييمات" أمنية، وأحياناً كيدية، بالعاملين والموظفين والعمال والطلاب، فالوزير والسفير والمحافظ وحتى الخفير ومدير المدرسة وأمين الفرقة وأمين الفرع وأمين الشعبة لا عمل لهؤلاء جميعاً سوى إجراء "المسوحات" والتقييمات الأمنية وكتابة وإعداد التقارير الأمنية بالعمال والموظفين والمهاجرين والطلاب بشكل دوري، وكان مدير المصلحة أو الوزير أو مدير المدرسة ومدير الدائرة والمصلحة الحكومية أو المحافظ يعتبر هو أفضل كاتب تقارير، ويتم اختياره من بين مجموعة وبنك أسماء ممن كتبوا وأفنوا أعمارهم في تدبيج الدراسات الأمنية والتقييمات والإضرار وإلحاق الأذى بالناس وبلقمة عيشهم و"كركبة" معيشتهم، وكانوا أكثر وفاء والتزاماً وصدقا في رفعها، فلا عمل لأي فرد من هذه المصفوفة، في وظائفهم ومناصبهم وإداراتهم، والذين تتم مكافأتهم وترقيتهم ومنحهم مزايا استثنانية وتفضيلية يتباهون بها بالمجتمع (سيارات، فيلات، أموال وألقاب تفخيمية "مبهبطة" عليهم وليست على مقاساتهم)، سوى كتابة التقارير وجمع المعلومات الخاصة وقياس وتحري درجة ومستوى الولاء للأشخاص المساكين الواقعين تحت دائرة ونطاق التقييم. ويعتبر المنصب والوظيفة والعمل بالشأن العام وتقلد المسؤوليات بالدولة الأمنية والبوليسية والمخابراتية، وبالدرجة الأولى، ليس لخدمة المجتمع والنهوض به، بل "ثقة" مطلقة من السلطات الحاكة من جهة، وهبة توهب، ومكافأة مجزية تمنح لكاتب التقارير، وبالمقابل، ومن جهة أخرى هو-أي المنصب-عربون وفاء وإخلاص له على ما أسداه من خدمات أمنية صرفة تخدم بقاء النظام ليس إلا، ولا يهم درجة فهمه ومستوى علومه وإتقانه ومهاراته بل المهم ولاؤه الأعمى والمطلق وتبعيته الخالصة. ففي هذه المنظومة، لا تهم درجة الثقافة والعبقرية والموهبة والاختصاص والكفاءة وندرة التحصيل العلمي قدر ما تهم درجة الولاء الأعمى والاستعداد التام لكتابة التقارير والإدلاء بالمعلومات والطعن بأقرب المقربين والأهل والأصدقاء والوشاية حتى بالزوجة والأخوة وأقرب الأقرباء، وكل من ترونهم أمامكم في الواجهة والمناصب العامة لهم ارتيباطات أمنية، وقدموا خدمات أمنية ما، ولم يصل أحدهم لمنصبه بـ"زنوده" وذكائه وعلومه وشهاداته بل بقوة المخابرات وبعد فلترات ورضى و"تزكية" ودراسات "أمنية" معمقة، وكلما كانت الوشاية مهمة وتخدم بقاء النظام البوليسي كلما كانت المكافأة أجزل وأكثر سخاء. ومن هنا لم يكن هناك أبداً أية حاجة لأية مواهب علمية وفنية وإبداعية وعلمية وثقافية وتكنوقراطية في المنظومات البوليسية والمخابراتية، قدر ما كان هناك حاجة وبراعة وقدرة على انتهاك كافة المعايير الأخلاقية والإنسانية ووضعها جانباً وانعدام الضمير وإظهار الاستعداد لارتكاب وفعل كل ما يطلب منه من تجاوزات وانتهاكات وإضرار بالبشر دون وجل ولا وازع أخلاقي وإبداء الفنون والقدرات والمهارات "الكتابية" والإيقاع بالخصوم، وجلب المشاغبين والمشكوك بولائهم لوراء القضبان، ومقدمة وكشف حساب لتقلد المناصب القيادية والترقي في الأحزاب الفاشية والعنصرية. ولذا كنت ترى في هذه المنظومة أشخاصاً شبه جهلة أميين، ومن حثالات وقاع المجتمع الأخلاقي، وليس لديهم أي تحصيل علمي (قد يكون "تالت ابتدائي راسب ويعيد"، وفي أحسن الأحوال بكالوريا أدبي صناعة اختصاص خراطة وحدادة، أو بكالوريا أدبي شحط)، أو سرقوا شهاداتهم واشتروها من المنظومة الشرقية الساقطة، وقد احتلوا مناصب عالية ورفيعة بالدولة الأمنية البوليسية كما هو حال "بائع الثلج" السابق في العوجة عزة ابراهيم الدوري الذي وصل لمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة (إي والله هكذا كان اسمه) وأعتقد الأمين العام المساعد لحزب قبيلة قريش العراقي، وطبعاً في حال وجود هكذا نوعية وأنماط في سدة القيادة والجهاز الوظيفي الحكومي، سيعني حتماً، بالمقابل، إفراغاً لهذا الجهاز من بقية المواهب والاختصاصات العلمية وهجرتها وخروجها ولجوءها للخارج، فأصبح العراق، مثلاً، الذي كان يسمى بألمان العرب، لكثرة ما كان فيه من حملة شهادات دكتوراه بالفيزياء النووية والذرة، بلداً قاحلاً متصحراً بالخبرات العلمية، ويبحث اليوم عن مدرسي مواد إعدادي وثانوي من دول الجوار، وبقية القصة معروفة. لا بل كنت ترى في هذه المنظومة حملة دكتوراه وماستر وليسانس باختصاصات نادرة، يقبعون بالإرشيف بالظلمة تحت أمرة ورئاسة "كاتب تقارير" من حملة الشهادة الإعدادية أو البكالوريا "الشحط" في أحسن الأحوال، وعضو عامل بالحزب الحاكم ذي ارتباطات أمنية، لكنه مقرب من الأوساط البوليسية ويحظى بثقة السلطة القائمة. طبعاً كل هذه المؤسسات، التي كانت تعمل وتدار بتلك المواصفات والمعايير، لم تعد موجودة، اليوم، واندثرت وتهاوت وغابت وأفُـلَـت وانهارت وأفلست، وتفككت مع دولها، وعم فيها الفقر والجوع والبلاء وقلّ الولاء وانتشر الخراب والفساد والفوضى والحروب الأهلية الطاحنة واللا استقرار، وأصبحت أثراً بعد عين وعبرة لمن اعتبر، فماذا تبقى من، مثلا، من جبروت أمن واستخبارات الاتحاد السوفييتي المقبور، وعسس يوغوسلافيا ميلوزوفيتش وشاوشيسكو، وكوبا، وفنزويلا، وعراق صدام، وليبيا القذافي، وووو وكل تلك الإجراءات الفاشية والقبضة الأمنية لم تجلب لها، ولا لطغاتها المستبدين الأشرار، الأمن والأمان أو الاستقرار، ولم تضمن لهم البقاء، والبقاء لله، والبقية بحياتكم أجمعين يا شباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر