الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لِلنَّاسِ فِيمَا يُفكِّرون مَذاهِبْ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 3 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


---------------------------
لِلْوهْلة اَلأُولى قد يَبدُو لِلْعيَان ، أنَّ أَنمَاط التَّفْكير الإنْسانيِّ كَثِيرَة جِدًّا ، وَلهَا دَرَجات مُتَعددَة مِن الوعْي والْإحاطة والْفَهْم ، رُبمَا يَصعُب على المرْء اَلحصِيف حَصرُها تمامًا ، أو تصْنيفهَا بِدقَّة .
لَكن أَعتَقد ، إذا ما دقَّقْنَا النَّظر جيِّدًا في الأمر، يُمْكننَا أنْ نُميِّز نَوْعان منْ أنماط التفكير عند الناس بعامّة:
- النَّوْع الأوَّل هُو : النَّوْع الشَّائع بَيْن النَّاس، اَلذِي أُسَميه " التَّفْكير العاديَّ " ، أو التَّفْكير المسْتكين اَلبسِيط ، أو غَيْر اَلنقْدي ، اَلذِي يَقبَل عادةً الحوادث والْمعْلومات اَلتِي تُواجِهه بِسهولة ، دُون أيْ تَمحِيص أو مُسَاءلَة ، ويلْتَهم الأفْكار أو الادِّعاءات أو اَلحُجج دُون التَّشْكيك فِيهَا أو تقْييمهَا .
وقد أمْكنَني حَصْر ثَلاثَة مَلامِح مُتشابهة ومتداخلة لِهَذا النَّوْع مِن التَّفْكير العاديِّ :
1 - الملْمح الأوَّل هُو أَنَّه " تَفكِير اِنْفعاليٌّ سَاذِج " ، حَيْث يُمْكِن بِسهولة إِقنَاع صَاحبِه أو التَّلاعب بِه مِن قَبْل الآخرين ، دُون أن يَكُون لَديْه - غالبًا - أَيَّة شَجاعَة أو إِرادة ، لِلانْخراط جِدِّيا فِي غِمَار التَّحْليل المنْطقيِّ والْمدْروس ، لِلْأحْداث اَلتِي تَمُر بِه أو مِن حَولِه ، أو التَّبَصُّر فِي المعْلومات اَلتِي تَعرَّض عليْه ، سَوَاء دِينيًّا أو دِراسِيًّا أو إِعْلاميًّا .
2 - الملْمح الثَّاني هُو أَنَّه " تَفكِير مَسلُوب أو مغيب "، حَيْث اِعْتَاد أَهلُوه (رُبمَا بِسَبب الوراثة أو الخوْف أو . . إِلخ ، على قَبُول المعْتقدات الشَّائعة أو الأفْكار الرَّائجة بِحجَّة الأكْثريَّة ، والدِّفاع عَنهَا بِاسْتماتة، بِنَاء على الخرافات أو الخيَال أو التَّمَنِّي ، بدلا مِن تَكلِيف النَّفْس عَنَاء البحْث عن اَلدلِيل والْبرْهان ، أو اِسْتخْدام أيِّ مِن طُرُق التَّفْكير المنْطقيِّ .
3 - الملْمح الثَّالث هُو أَنَّه " تَفكِير عَقائِدي أُصوليٌّ " ( دُوغْمائي ) ، بِمعْنى أَنَّه يَنطَوِي على خاصِّيَّة الإيقان الصَّارم بِمعْتَقد مَا ، أو التَّشَدُّد العارم لِوجْهة نظر مُعَينَة ، أو التَّمَسُّك الأعْمى بِقوالب فِكْريَّة مُنجَزَة جَامِدة ، دُون أَدنَى اِسْتعْداد لِلانْفتاح على اَلأدِلة المضادَّة لَهَا ، أو نِيَّة مُحَاورَة الاسْتدْلالات اَلتِي قد تَتَعارَض مَعهَا .
- أَمَّا النَّوْع الثَّاني مِن أَنمَاط التَّفْكير فَهُو " التَّفْكير اَلنقْدِي " . .
الذي أُحبِّذ أن أُسَمّيه " التَّفْكير اَلسوِي " . . لِأنَّ بِه فقط - كمَا أَزعُم - سيكوِّن لَدى المرْء اَلقُدرة على التَّفْكير الفاعل المسْتقلِّ ، وَتطوِير أفْكاره ، دُون أن يَتَأثَّر بِالْآخرين بِشَكل ضارٍّ أو غَيْر مُلَائِم .
وَلكِن هذَا النَّوْع مِن التَّفْكير اَلفطِين ، يَتَطلَّب - فِي تقْديري - اِسْتعْدادًا ذِهْنيًّا - على الأغْلب يَكُون وِراثِيًّا - لِلتَّعَلُّم وتحدِّي الفكْر السَّائد ، وَتقيِيم المعْتقدات المهيْمنة ، بِالْإضافة إِلى مَوهِبة خَلْق الافْتراضات الخاصَّة بِالْفَرْد فِي ضَوْء المعْلومات المتواردة والْأدلَّة الجديدة . وَلعَل أهمَّ سِمَات هذَا " التَّفْكير اَلنقْدِي " اَلسوِي :
1 - سِمة التَّفْكير المنْطقيِّ اَلمُنظم بِدقَّة : وَتعنِي - كمَا اِفْهمْهَا - أن يَتَمتَّع الذِّهْن بِالْقدْرة على التَّفْكير اَلمُنظم اَلعمِيق ، وامْتلاك مَزيَّة التَّجْريد والتَّعْميم ( التَّفْكير اَلكُلي ) ، أو بِمزيَّة الإحاطة اَلتِي تُمَكنه مِن خَلْق رَوابِط مَنطقِية بَيْن المعْلومات والْأفْكار والْأحْداث ، ضِمْن إِطَار مُنظَّم مُتسِق ، وَاضِح ومفْهوم . وأن يَكُون نَبِيهَا إِلى دَرجَة يَكُون بِاسْتطاعته فَهْم المعْلومات وتفْسيرهَا وَعرضِها بِدقَّة . وَمِن ثمَّ اِتِّباع مَنهَج مَا ، فِي تَتبُّع مسارَات التَّفْكير المناسبة لِلْوصول إِلى الاسْتنْتاجات الجديدة .
2 - وَرُبمَا الأهمُّ مِن ذَلِك كُلُّه ، الاتِّصاف ب سِمة الموْضوعيَّة ونقْد الذَّات : والْموْضوعيَّة لََا تَعنِي - بِالنِّسْبة لِي - إِطفَاء اَلمُفكر جَذوَة العواطف تمامًا أَثنَاء التَّعَلُّم أو التَّفْكير بتاتًا ، فلَا أَظُن أنَّ هُنَاك عِلْم جَيِّد أو مَعرِفة حَقيقِية أن تُوجَد مَا لَم يُرافقْهَا شغف مَا ، أو تَكسُوها عَاطِفة بِدفْء مَا .
وَلكِن مَا أَعنِيه بِالْموْضوعيَّة ، أن يَكُون لَدى الفرْد اَلقُدرة على مُدَاورَة الأفْكار المخْتلفة ، بِمَا فِيهَا تِلْك الأفْكار اَلتِي لََا يُؤْمِن بِهَا ، أو تَضَاد يقينياته ، وأن يَعمَل جاهدًا ، على الفصْل بَيْن مَا يَعرِف وَيوقِن أَنَّه حَقِيقَة ، وبيْن مُجريَات الواقع ، اَلذِي يُواجِهه ويعيش فِيه ، بِكلِّ معْلوماته وأحْداثه وتغيُّراته . . بِالْإضافة إِلى أن يَكُون لَدى هذَا الإنْسان المقدَّرة على التَّفْكير فِي ذَاتِه ونتائج أفْعاله بِصدْق ، وتقْييمهَا بِوضوح ، دُون تَحيُّز أو أيِّ حُكْم مُسبَق ، مَهمَا بَلغَت قُدْسيَّته أو مهابَته .
والْمفكِّر الموْضوعيُّ لََا يَكتَفِي بِذَلك فقط ، بل عليْه - فِي زَعمِي - أن يَسعَى دائمًا إِلى التَّعَرُّف على أَسبَاب تِلْك التَّحيُّزات والْقيود والافْتراضات ، وأن يفْهمَهَا جيِّدًا ، ويبْحث بِدَأب ومثابرة ، عن الطُّرق الفعَّالة لِلتَّعامل مَعهَا .
3 - الاتِّصاف ب " سِمة اَلشَّك " وَهذِه سِمة تُعزِّز السِّمَات السَّابقة :
وَهنَا يتوجّب عليَّ التّنويه ، أنّي لا أَقصِد اَلشَّك اَلمُطلق ، أو اَلمُدمر لِكلِّ حَقِيقَة وَفِكرَة وَثَبات ، اَلذِي يَقُود الذِّهْن إِلى عَمَاء العدم وفوضى التفكير.
بل مَا أَقصِده " اَلشَّك المنْهجيَّ " ، المتمثِّل بِالْقدْرة على النَّظر بِشَكل نَقدِي فِي الأحْداث والْمعْلومات والْأفْكار والْحجج ، والتَّشْكيك اَلعقْلِي فِي الادِّعاءات، اَلتِي لََا أَسَاس لَهَا ، أو اَلتِي لََا تَمُت إِلى الواقع بِصلة .
قُصَارَى القوْل :
يُمْكِن القوْل إِنَّ الاهْتمام بِمناهج التَّعْليم وَتطوِير مهارَات التَّفْكير اَلنقْدِي هِي اَلسبِيل لِوَقف التَّدهْور اَلعقْلِي فِي أيِّ مُجتَمَع .
وَأزعم بذَلِك فقط ، سَيتِم تَحسِين قُدرَة الأفْراد على التَّحْليل والتَّقْييم بِموْضوعيَّة ، ويساعدهم على حلِّ المشْكلات بِفعَّاليَّة ، واتِّخَاذ القرارات المسْتنيرة ، بِمَا يُعزِّز التَّواصل والتَّعاون بَيْن الأفْراد ، ويزيد مِن فُرَص الإبْداع والتَّنْمية الحقيقيَّة فِي كَافَّة مَناحِي المجْتمع .
بِعبارة وَاحِدة أَخِيرَة : أنَّ المجْتمع اَلذِي يَتَمتَّع أبْناؤه بِمهارات التَّفْكير اَلنقْدِي ، سَيكُون حتْمًا ، المجْتمع الأكْثر اِسْتنارة وإبْداعًا وتعاونًا وتقدُّمًا . . وَبكُل تَأكِيد سَيكُون مُجتَمَع لَه مَكانَة مَا ، فِي أيِّ مُسْتقْبَل إِنْسانيٍّ مُشْرِق وَذُو قِيمة .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أميركا تحسم موقفها بشأن مستقبل أكراد سوريا.. هل تخلت عن قسد؟


.. نتنياهو: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يدو




.. أكسيوس: روسيا أبلغت إيران دعمها لاتفاق نووي دون تخصيب و إيرا


.. صحيفة التلغراف: حماس لا تزال قادرة على إلحاق خسائر مؤلمة بال




.. أستراليا ترد على البنتاغون: لن نرسل قواتنا لأي صراع