الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاهندة حين تحكي

أمينة النقاش

2006 / 10 / 20
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


حين كان عمرها خمسة عشر عاما، ذهبت التلميذة شاهندة مقلد إلى مدرستها فى مدرسة شبين الكوم الثانوية للبنات أبلة وداد مترى لتطلب منها كتبا عن الاشتراكية العلمية، التى تسمع عنها كثيرا ولا تعرف معناها. لم تتأخر أبلة وداد عن تلميذتها كثيرا، بعد يومين أمدتها بكتابى أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة وأسس الفلسفة وشرعت فى النقاش معها حولهما، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن والنقاش بينهما لم يتوقف، ليشكلا معا صداقة فريدة من نوعها امتدت بحميمية وعمق إنسانى نادر لنحو أكثر من خمسين عاما. كانت المناضلة والرائدة التعليمية وداد متري، جزءا من العالم الذى شكل وعى شاهندة، ذلك العالم الذى تربع على قمته، والدها ضابط الشرطة الكبير عبد الحميد شوقى مقلد، الذى كانت ثقافته واستنارته واستقامته ووطنيته هاديا لها فى الطريق الشاق الذى اختارته بفطرتها السليمة، وصنعته بذكائها وصلابتها وقوة إرداتها، وبتعاليم الأب ووصاياه التى أصبحت أيقونة، تهتدى بها فى معارك الحياة العريضة والمريرة والباهرة التى عاشتها. قال لها الأب لا تفعلى سرا ما تخشين من الدفاع عنه علنا، وأوصاها أن تدافع عن رأيها حتى الموت، ولا تخشى سوى الله سبحانه وتعالى وهو ما نفذته شاهندة عن ظهر قلب فى مسيرة حياتها الاستثنائية، التى جالت فيها مصر مبعدة ومنفية ومعتقلة ولم يكن يشفع لها أنها قدمت نحوه 5 شهداء من اسرتها دفاعاً عن تحرر الوطن واستقلاله.
كان المناضل الشهيد صلاح حسين هو الرافد الثالث الذى صقل تجربة شاهندة النضالية وجعل ميلها الفطرى للعدل الإنسانى يسير فى خط مستقيم، وأكد لها أن اختياراتها فى الحياة كانت صائبة. قبل أن تخوض شاهندة معركة حامية للزواج من صلاح حسين، كانت قد ثبتت أقدامها فى الواقع الاجتماعى المحلى حين قادت حملات لقيد النساء لأسمائهن فى جداول الانتخابات، وبعد الزواج بدأت معركتهما الملهمة ضد الاقطاع ودفاعا عن فقراء الفلاحين، وعن حقهم فى الكرامة والعدل فى قرية كمشيش، وهى المعركة التى تروى شاهندة تفاصيلها المريرة فى كتابها من أوراق شاهندة مقلد الذى أصدرته أخيرا دار ميريت، والذى يعود الفضل فى صدوره إلى الكاتبة الموهوبة الدكتورة شيرين أبو النجا التى نجح صمودها ودأبها فى أن يخلخل تردد شاهندة وخشيتها من عدم الوصول إلى الكمال الذى تنشده لنشر كتابها.
يكشف الكتاب عن حياة امرأة استثنائية تشكل مسيرة حياتها مع المناضل صلاح حسين خلفية ناصعة الوضوح للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى مصر فى منتصف القرن العشرين، كما يقدم رؤية ثاقبة للمفارقة التى دفعت ثورة يوليو لكى تسلم سلطاتها التنفيذية لألد أعدائها، وتلقى الضوء على الثغرات القاتلة التى تم منها النفاذ للانقلاب على أهداف الثورة والقضاء عليها.
استشهد المناضل والمحرض الثورى والمفكر السياسى صلاح حسين بعد 14 عاما من الثورة و12 عاما على أول قانون للإصلاح الزراعى وخمس سنوات على قانون الإصلاح الزراعى الثاني، أما الحقيقة الفاجعة التى كشف عنها استشهاده، أن الإقطاع هو الذى يحكم الريف المصرى وأنه يتهرب من تلك القوانين تحت سمع وبصر وتواطؤ أجهزة الدولة البيروقراطية وبعض العناصر التى تنتمى للثورة نفسها.
لقد أولت الثورة تنفيذ قوانينها الثورية لنفس الجهاز الإدارى الذى كان معاديا فى أعماقه لأى تغيير وقام بتنفيذها عناصر منحازة فى أعماقها للذين صدرت هذه الإجراءات ضدهم. وبعد هزيمة 1967 عادت الأمور لنوع من المصالحة مع تلك القوى التقليدية، وتقرر قفل الملف الثورى بما فيه قضية كمشيش حيث برأت المحكمة فيما بعد قتلة صلاح حسين!
ومنذ تلك اللحظة بدأت مجموعة من الفلاحين فى كمشيش حركة مقاومة، كانت فى طليعتهم شاهندة مقلد، التى ارتفعت على جراح الترمل وجراح الفقد، ورأت أن الوفاء لذكرى صلاح حسين هو أن تواصل الدور الذى كان يقوم به، ونجحت بصلابتها ووعيها وإصرارها أن تفرض القضية على أعلى سلطات فى الدولة، وأن تنبه إلى الدرس الذى لم تستوعبه من حركة الفلاحين مع صلاح حسين، وهو أن الذى يحمى الثورة هو المستفيد منها، وأنه لا ثورة بدون ثوريين ولا اشتراكية بدون اشتراكيين.
نجحت شاهندة فى جمع أنصار صلاح حسين وقوى المقاومة وسط جموع الفلاحين لتحول معركتهم إلى قضية رأى عام وتبقى حية فى الذاكرة والوجدان الوطني، لأن القيادة فيها كانت لامرأة فوق العادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي